رئاسة الحكومة من بحاح إلى بن مبارك    غارات اسرائيلية تستهدف بنى تحتية عسكرية في 4 محافظات سورية    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    إذا الشرعية عاجزة فلتعلن فشلها وتسلم الجنوب كاملا للانتقالي    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    مسلحون يحاصرون مستشفى بصنعاء والشرطة تنشر دورياتها في محيط المستشفى ومداخله    الطيران الأمريكي يجدد قصف ميناء نفطي غرب اليمن    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    باحث يمني يحصل على برأه اختراع في الهند    هزتان ارضيتان تضربان محافظة ذمار    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    "الأول من مايو" العيد المأساة..!    وقفات احتجاجية في مارب وتعز وحضرموت تندد باستمرار العدوان الصهيوني على غزة    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوسائل التعليمية والفن النبوي
نشر في الجمهورية يوم 09 - 10 - 2007

إن الباحث في سنة المصطفى ليجد أنها تحفل بالمبادئ التربوية العظيمة التي تتناول جوانب العملية التربوية التعليمية المختلفة بشكل يثير الدهشة ويبعث على الإعجاب، ومن تلك المبادئ استخدامه لكل وسيلة بصرية أو سمعية ممكنة، من شأنها أن تساعد على زيادة الفهم، أو تأكيد المعنى وتجسيد المفهومات المجردة، وتحقيق الهدف المتوخى من الموقف التعليمي.ولعله من المهم أن يضع الباحث في اعتباره، وهو يبحث في استخدام الرسول للوسائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم، الحقائق الآتية:
أ إن البيئة في عهده لم تكن لتساعد على توفير الكثير من وسائل التعليم.
ب إن الرسول أمي لا يقرأ ولا يكتب.
ج إن الصحابة رضي الله عنهم أميون في معظمهم.
د أن الوسائل التي ستتناولها هذه الدراسة إنما هي على سبيل التمثيل لا الحصر، حيث إن كتب السنة تزخر بعدد وافر منها.
ه إن العبرة في هذا الصدد ليس بعدد الوسائل التي استعان بها الرسول في عملية التعليم، وإنما بتقرير المبدأ والفكرة، حيث إن الرسول مشرع، ويكفي استخدامه وسائل التعليم لمرة واحدة، ليكون في ذلك أسوة وهدياً للمربين في كل العصور.
والحق إنني قبل تناول هذا الموضوع بالدراسة كنت أعرف أن النبي قد استخدم بعض الوسائل التعليمية في تعليم أصحابه رضي الله عنهم، غير إني ما كنت أتصور إنها بهذه الكثرة ولا بهذا التنوع في طبيعتها وفي المواقف التعليمية التي وظفت فيها، ولا شك أن مزيداً من البحث والتنقيب في كتب السنة النبوية المشرفة، سيقود إلى مزيد من المعرفة والاستفادة من أساليبه التربوية العظيمة، ولا غرو فهو المربي والمعلم الأول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
ومن خلال اطلاع محدود على بعض كتب السنة المطهرة، وجدت أن الرسول قد استخدم الوسائل الآتية في تعليم أصحابه:
أولاً: الإشارة بالأصابع:
ورد في أحاديث كثيرة أن الرسول استخدم أصابعه عند تعليمه أصحابه رضي الله عنهم في إشارات تعليمية هادفة، فتارة يستخدم اصبعاً واحداً، وتارة اخرى يستخدم اصبعين، وثالثة يستخدم ثلاث أصابع، وحيناً يشير بأربع، وحيناً آخر يستخدم أصابعه الخمس، وفي كل مرة تحقق إشارته هدفاً تعليمياً من زيادة وضوح معنى، إلى إثارة انتباه، إلى ترسيخ فكرة، ومن تلك الأحاديث مايلي:
قال رسول الله:«والله ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم اصبعه هذه وأشار يحيى بالسبابة في اليم فلينظر بم ترجع» ويحيى أحد الراوة و«اليم» هو البحر.
ففي هذا الحديث نجد أن الرسول يستخدم وسيلة الإشارة الحسية التي يرتبط فيها المفهوم المجرد بشيء ملموس وهو هنا اصبع، ولاشك أن ذلك أشد وقعاً في نفوس الحاضرين من مجرد القول: إن الدنيا لا تساوي شيئاً بالنسبة للآخرة.
ثانياً: الإشارة بالأصابع مثل القبة:
عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: أتى رسول الله أعرابي فقال: يارسول الله، جهدت الأنفس، وضاعت العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام، فاستسق الله لنا، فإنا نستشفع بك على الله، ونستشفع بالله عليك.. قال رسول الله: ويحك أتدري ماتقول؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك، إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك، أتدري ما الله؟ إن عرشه على سمواته لهكذا «وقال بأصابعه مثل القبة عليه وأنه لينط به أطيط الرحل بالراكب».
«لبئط» أي يصوت. «أطيط الرجل» أى كصوته.
ثالثاً:الإشارة بالأصابع على شكل حلقة:
عن زينب بنت جحش رضي الله عنها أن رسول الله دخل عليها يوماً فزعاً يقول:«لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه «وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها».. فقالت زينب بنت جحش فقلت: يارسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم، إذا كثر الخبث، «ردم» سد. «الخبث» الفسوق والفجور والمعاصي.
رابعاً: التشبيك بين الأصابع:
استخدم الرسول التشبيك بين أصابعه الشريفة للكناية عن القوة والتماسك حيناً، وللتداخل بين شيئين حيناً آخر، وللاختلاط الاختلاف حيناً ثالثاً، ومن ذلك الأحاديث الآتية:
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي قال:«المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه».
خامساً: الإشارة باليد:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي فيسمع من النبي الحديث فيعجبه ولا يحفظه، فشكا ذلك إلى النبي فقال: يارسول الله إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله «استعن بيمينك» وأومأ بيده للخط.
سادساً: الإشارة باليدين:
ورد في الحديث الشريف أن النبي استخدم يديه الشريفتين في شرح بعض المعاني التعليمية المجردة للصحابة رضي الله عنهم، فحيناً يستخدمها للكناية عن إفاضة الماء على الرأس، وللتفريق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب حيناً آخر، كما يشير بهما إلى الجهة تارة، وللدلالة على عدد أيام الشهر تارة آخرى.. ومن تلك الأحاديث الشريفة الآتية:
أخرج البخارى في كتاب الغسل عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: قال رسول الله:«أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً، وأشار بيديه كلتيهما» أى أشار أنه يأخذ الماء بكفيه معاً.
سابعاً: الإشارة إلى السمع والبصر:
عن سليم بن جبير مولى أي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية:«إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها»
إلى قوله تعالى:«سميعاً بصيراًَ».. قال: رأيت رسول الله يضع إبهامه على أذنه والتي تليها على عينه.
قال أبو هريرة: رأيت رسول الله يقرأها ويضع اصبعيه».
ثامناً: الإشارة إلى الوجه والكفين:
عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله وقال:«يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه».
تاسعاً: الإشارة إلى الأنف:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال:«أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، الجبهة «وأشار بيده على أنفه» واليدين والرجلين وأطراف القدمين، ولا نكفت الثياب ولا الشعر».
«نكفت» الكفت الجمع والضم.
عاشراَ: الإشارة إلى الفم:
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: «تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل».
قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري مايعني بالميل؟ أمسافة الأرض، أم الميل الذي تكتحل به العين.
قال:«فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماًَ.
وقال: وأشار رسول الله بيده إلى فيه».
حادي عشر: الإشارة إلى الصدر:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله:«إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» وأشار بأصابعه إلى صدره.
ثاني عشرة: الإشارة إلى الحلق:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله «مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد من لدن ثدييهما إلى تراقيهما، فأما المنفق شيئاًَ إلا مادمت على جلده حتى تجن بناته وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد ينفق إلا لزمت كل حلقة موضعها فهو يوسعها ولا تتسع، «ويشير بإصبعه إلى حلقه» «مادت» تمددت. «تجن» تستر.
«يشير بإصبعه إلى حلقه» مبيناً كيف أنها تتضيق على عنقه بحيث يكاد يختنق، وفي رواية أخرى عند البخارى «جنتان» بدل «جبتان».
ثالث عشر: الإشارة إلى اللسان:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «إن الله لا يعذب بدمع اعين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا «وأشار إلى لسانه» أو يرحم، وإن الميت يعذب ببكاء أهله عليه.
رابع عشر: استخدام الحصى:
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال النبي: هل تدرون ماهذه وهذه؟ ورمى بحصاتين: قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذاك الأمل، وهذاك الأجل».
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله «أخذ ثلاث حصيات فوضع واحدة، ثم وضع أخرى بين يديه، ورمى بالثالثة»، فقال: ماهذا ابن آدم، وهذا أجله، وذاك أمله «التي رمى بها».
خامس عشر: استخدام العصا:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي:«غرز بين يديه غرزاً، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرر الثالث فأبعده» ثم قال: هل تدرون ماهذا؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: «هذا الإنسان، وهذا أجله، وهذا أمله، يتعاطى الأمل والأجل يختلجه دون ذلك».
سادس عشر: الرسول على الأرض:
ورد في السنة المطهرة أن الرسول لجأ في بعض المواقف التعليمية إلى استخدم الرسم في تعليم أصحابه رضي الله عنهم لتوضيح بعض المعاني المجردة لهم.. وهذه وسيلة تعليمية ناجحة، إذ من المسلمات لدى التربويين في الوقت الراهن أنه كلما زاد عدد الحواس التي تشترك في الموقف التعليمي، زادت فرص الإدراك والفهم، كما أن المتعلم يحتفظ بأثر التعليم فترة أطول، وفي هذا الصدد يقول الصباغ: «أما الرسم فإنه أسلوب تعليمي يجلو الأمر ويوضحه أتم توضيح، وإنه لمستوى رفيع في التوجيه والإبلاغ أن يكون الرسم أداة في قوم أميين».
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:« خط رسول الله في الأرض أربعة خطوط»، قال: اتدرون ماهذا؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون ومريم ابنة عمران رضي الله عنهن اجمعين».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«خط النبي خطاً مربعاً وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خططاً وفي رواية في فتح الباري خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط.. فقال: هذا الإنسان وهذا أجله محيط به أو قد أحاط به وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا».
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «خط رسول الله خطاً بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً، قال: ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه ثم قرأ:« وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله» الأنعام: 153 .
يعلق القرضاوي على هذا الحديث بقوله:«فترى في هذا الحديث أن النبي يفسر لأصحابه الوصية الأخيرة من الوصايا العشر في سورة لأنعام، ولكنه لم يقتصر على تفسيرها بالكلام المجرد، بل استعمل لذلك ماهو ميسور له وهو الرمل، يخط عيه بيده بدل اللوح، وهو هنا يرسم صراط الله المذكور في الآية الكريمة في صورة خط مستقيم، ولهذا قال:
«هذا سبيل الله مستقيماً» ويرسم السبل الأخرى التي حذرت الآية من اتباعها في صورة خطوط متعرجة، عن يمين الخط الأوسط المستقيم وشماله، ثم يشير إليها قائلاً:«هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه». ثم يختم هذا التوضيح العملي بقراءة الآية الكريمة، فتقع أعظم موقع في نفس السامع المشاهد وعقله، فهنا اشتراك البصر مع السمع في استيعاب معنى الآية، وفهم مراد الله تعالى منها».
سابع عشر: العروض أو التوضيحات العملية:
هناك بعض الأعمال والمهارات الحركية التي تحتاج إلى تدريب عملي عليها لإتقانها على الوجه المطلوب، ولا يكفي فيها الشرح النظري، وهو ما أعنيه بالعروض أو التوضيحات العملية.
ولذلك نجد أن الرسول يقوم بتوضيح بعض الأعمال والشعائر توضيحاً عملياً، وذلك مثل البيان العملي لأوقات الصلاة لمن سأل عنها، وقوله عقب ذلك:«وقت صلاتكم بين مارأيتم».
وقيامه بالوضوء أمام الصحابة، ثم قوله:«من توضأ وضوئي هذا..»
وكذلك أدؤه الصلاة على المنبر، وقوله معللاًَ ذلك: «يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي».
وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري:«صلوا كما رأيتموني أصلي».
وكقوله وهو يؤدي مناسك الحج:«لتأخذوا مناسككم» ونحو ذلك منالمهارات الحركية التي أداها أمام الصحابة رضي الله عنهم، والتي ستتجلى في سياق الأحاديث الآتية:
أ التوضيح العملي لأوقات الصلاة.
فيما يتعلق بأوقات الصلاة، جاء قول الحق تبارك وتعالى:«إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً» النساء 103 ، قال الإمام الشوكانيفي تفسير هذه الآية:«أي محدوداً معيناً، والمعنى: أن الله افترض على عباده الصلوات، وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة، لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي». ولذلك حرص المسلمون على معرفة أوقات الصلوات من الرسول الذي قام بتوضيحها لهم توضيحاً عملياً، كما جاء في الأحاديث الآتية:
59 عن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله، فسأله عن وقت صلاة الصبح قال: فسكت عنه رسول الله، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال:«أين السائل عن وقت الصلاة؟ قال: هأنذا يارسول الله، فقال: مابين هذين وقت» «أسفر» انكشف وأضاء.
وروى مسلم عن بريدة رضي الله عنه عن النبي، «أن رجلاً سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين يعني اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالاً فأذن، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر، فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها «الإبراد هو الدخول في البرد» فأنعم أن يبرد بها، وصلى العصر والشمس مرتفعة، آخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها «أي أدخلها في وقت إسفار الصبح، أي انكشافه وإضاءته» ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يارسول الله؟ قال وقت صلاتكم بين مارأيتم».
فههنا نجد أن الرسول لم يقدم للسائل عن وقت الصلاة إجابة شفوية، بل أحاله على الخبرة المباشرة التي هي أعلى مستويات التعليم كما هو معلوم، حيث أمره بالصلاة معه لمدة يومين، وذلك ليتمكن من فهم وإدراك أوقات الصلاة عبر الممارسة الفعلية، وقد كان.
وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث:« فيه بيان أن الصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار، وفيه أن وقت المغرب ممتد، وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره، وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين.
ويلاحظ أن الرسول قد اتبع مع هذا السائل الوسيلة ذاتها التي اتبعها معه جبريل عليه السلام، أي وسيلة التوضيح العملي لأوقات الصلاة وهو مايتضح من خلال الحديث التالي:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال:«أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، لوقت العصر بالأمس ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثله، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض. ثم التفت إلى جبريل فقال : يامحمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت بين هذين الوقتين».
«الفيء» ظل الشمس بعد الزوال.
«وجبت الشمس» غابت
ب- التوضيح العملي لكيفية الوضوء
لما كان الوضوء من المهارات الحركية التي لايكفي فيها الشرح النظري، بل تحتاج لإتقانها إلى توضيح عملي، فقد حرص الرسول المعلم على أن يبين للصحابة الكرام رضوان الله عليهم كيفيته الكاملة بياناً عملياً، ونقله عنه هنا عثمان رضي الله عنه بالطريقة نفسها، كما يتضح من الحديث الآتي :
روى مسلم أن عثمان بن عفان رضي الله عنه، دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال : رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله : «من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لايحدث فيهما نفسه، غفر له ماتقدم من ذنبه».
قال ابن شهاب : وكان علماؤنا يقولون : هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة «استنثر» الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.
ج- التوضيح العملي لكيفية الصلاة :
ولماكانت الصلاة أيضا من المهارات الحركية التي لايكفي لأدائها على الوجه الصحيح الشرح النظري، فقد حرص الرسول المعلم على توضيحها توضيحاً عملياً وهو على المنبر ذي الثلاث درجات، في صورة عجيبة من صور التعليم، تتجلى في الحديث الآتي :
أخرج البخاري عن أبي حازم قال : سألوا سهل بن سعد رضي الله عنه : من أي شيء المنبر ؟ فقال : مابقي بالناس أعلم مني، هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة، لرسول الله، وقام عليه رسول الله حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة، كبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم ركع، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه.
وفي رواية لمسلم :.. ولقد رأيت رسول الله، قام عليه وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس، فقال : «ياأيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي».
«من أي شيء المنبر» أي من أي عود صنع
«لتعلموا» لتتعلموا.
د- التوضيح العملي لمناسك الحج :
عندما عزم رسول الله على الحج أعن ذلك في الناس، ليأتي من استطاع منهم للحج معه، ليأخذوا مناسك الحج عنه عن طريق القدوة العملية.
وفي ذلك أخرج الإمام مسلم «عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله مكث تسع سنين لم يحج. ثم أذن في الناس في العاشرة، أن رسول الله حاج. فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله، ويعمل مثل عمله ».
قال النووي : «قوله : ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج، معناه : أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد» وبالفعل حج عدد كبير من الناس. وأمرهم رسول الله أن يقتدوا بفعله :
ه- درس عملي في الاعتماد على النفس ومكافحة المسألة :
عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً من الأنصار جاء إلى النبي يسأله، فقال : «لك في بيتك شيء ؟ قال : بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقد نشرب فيه الماء، قال : أئتني بهما قال : فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده، ثم قال : من يشتري هذين ؟فقال رجل : أنا أنا آخذهما بدرهم، قال من يزيد على درهم ؟ «مرتين أو ثلاثاً» قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال : اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوماً، فأتني به، ففعل.
فأخذه رسول الله، فشد فيه عوداً بيده، وقال : اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوماً، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال : اشتر ببعضها طعاماً وببعضها ثوباً، ثم قال : هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة إن المسألة لاتصلح إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو دم موجع».
«الحلس» مايبسط في البيت تحت حر المتاع
«القدوم» آلة للنجر والنحت
«نكتة» بقعة سوداء.
قال الخطابي : «فقر مدقع» هو الفقر الشديد
«والغرم المفظع» هو أن تلزمه الديون الفظيعة الفادحة
«و الدم الموجع» هو الدية الباهظة تلزمه، أو أن يتحمل حمالة في حقن الدماء وإصلاح ذات البين، فتحل له المسألة.
في هذا الحديث الشريف يتجلى أمامنا موقف تعليمي رائع، فالرسول كان بإمكانه أن يمنح السائل شيئاً من ماله، أو يندب الصحابة إلى إعطائه مايسد حاجته ذلك اليوم أو بضعة أيام. غير أنه أراد أن يلقن ذلك السائل القادر على الكسب والحاضرين جميعاً درساً عملياً في الاعتماد على النفس، وذم المسألة وبيان عواقبها الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة.
و - درس عملي في إظهار عجز الأصنام ومهانتها :
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : دخل النبي مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصباً، فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول «جاء الحق وزهق الباطل .. إلخ» الآية.
«نصباً » صنماً.
وهنا نجد أن عملية الطعن بالعود لهذه الأصنام هو درس عملي تضمن تحقيراً لشأنها، وإظهاراً لمهانتها، وإثباتاً لعجزها عن أن تدفع الضرر عن نفسها بماهو أوقع في نفوس الحاضرين وهم ألوف من مجرد القول إنها لاتنفع ولاتضر.
ز- صورة من صور التدريب المهني :
أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله مر بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله : «تنح حتى أريك، فأدخل رسول الله يديه بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، وقال : ياغلام هكذا فاسلخ، ثم مضى وصلى للناس ولم يتوضأ».
«الدحس» هو إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها.
إن هذا الحديث الشريف إلى جانب كونه برهاناً على اعتماد الرسول على التوضيح العملي في تعليم أصحابه رضي الله عنهم المسائل التي تتطلب ذلك، فإنه يمثل أيضاً لوناً من ألوان التدريب المهني لهذا الشاب المسلم ومن شارك في ذلك الموقف التعليمي، ويتضمن توجيهاً نبوياً للأمة المسلمة في كل العصور للعناية بتدريب أبنائها على المهن التي تتطلبها حاجات المجتمع المسلم.
م- دروس عملية في موضوعات شتى :
جاء في حديث الثلاثة الذين تكلموا في المهد، الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة : «... وكانت امرأة ترضع أبناً لها من بني اسرائىل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت : اللهم اجعل بني مثله، فترك ثديها وأقبل على الراكب فقال : اللهم لاتجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه قال أبو هريرة : كأني انظر إلى النبي يمص إصبعه..»
«ذو شارة» صاحب هيئة وملبس حسن
ثامن عشر: المجسمات «الدمى»:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي، وكان لي صواحب يلعبن معي فكان رسول الله إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهن إلي فيلعبن معي.
«يتقمعن منه» يدخل البيت ويستترن منه، وفي رواية «ينقمعن».
«فيسربهن إلي» يرسلهن واحدة بعد الأخرى.
يقول الحافظ بن حجر: «واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن».
وما أشار إليه الحافظ بن حجر يرحمه الله في تعليله لجواز بيع اللعب للبنات، يعد من أحدث الاتجاهات التربوية في الوقت الراهن، وأعني به التعليم عن طريق اللعب، حيث أجريت بحوث كثيرة أن الألعاب التربوية وسائل تعليمية فعالة وقوية التأثير في تغيير سلوك المتعلم واتجاهه، وذلك باكتسابه معارف ومهارات دقيقة يواجهها في واقع حياته العملية، ومن ثم في اتجاهه نحو الهيئات والوسائل التي يتفاعل معها.
ومن أهم فوائد الألعاب التربوية أنها تعمل على إشراك المتعلم إيجابياً في عملية التعليم، أكثر من أية وسيلة اخرى مشابهة، لأنه يستخدم قدراته في أثناء اللعب.. ولذلك تعتبر الألعاب التربوية وسائل فعالة لقياس اتجاهات المتعلمين وتنميتها وتعزيزها.
تاسع عشر : استخدام الأشياء الحقيقية :
جاء في جملة من الأحاديث الشريفة أن الرسول استخدم الأشياء الحقيقية في تعليم أصحابه مثل الحرير والذهب والوبر ونحوها ومن المسلم به تربوياً أن التعليم باستخدام الأشياء الحقيقية أشد وضوحاً وأبقى من التعليم اللفظي المجرد.
ومن ذلك، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال : خرج إلينا رسول الله، وف إحدى يديه ثوب من حرير، وفي الأخرى ذهب، فقال : «إن هذين محرم على ذكور أمتي حل لإناثهم».
ولاشك أن رفع الرسول للحرير والذهب في يديه الشريفتين، أقوى بياناً، وأعمق أثراً من القول : إن الذهب والحرير محرمان.
المادة مجتزأة بتصرف واختصار من كتاب للمؤلف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.