كانت الساعة الثانية عشرة ليلاً.. لم يكن يعرف الطريق الذي يمشي فيه.. قدماه فقط هي التي تتحرك.. تترنح يميناً ويساراً.. الطريق معبدة .. لكنه يحس بوجود وعورة في الطريق عبر قدميه، لم يستطع عقله أن يترجم ماتعاني منه قدماه .. التي يغلفها حذاء وزنه رطل ونصف .. عيناه ترسم معالم الطريق على لوحة زجاجية سرعان ما تبدد.. أخرج جهاز بحجم الكف.. يبدو أنه تلفون لا سلكي.. تجمدت عيناه عليه.. وكأنه لم يره من قبل.. تساءلت نفسه .. ما هذه القطعة البلاستيكية.. كرر العبارة نفسها مستبدلاً الكلمة الأخيرة بالجديدة .. كبس بإبهامه على أزراره .. لم يطرأ شيء.. حرك أصابعه على أزراره مرة أخرى وكأنه يتحسس شيئاً مفقوداً.. أَضاءت شاشة التلفون.. شعر بالخوف.. أحس قدميه تتسمر.. صاح يا الله.. خفق قلبه بشدة وكأن صاعقة رعدية أشلته كالتي كان يتعرض لها وهو صغير.. عادت له الذاكرة.. تلك التي توقفت منذ زمن بعيد.. حدث نفسه.. إنني محظوظ .. لقد حصلت على جهاز سحري لم يسبقنِ إليه أحد.. أصبحت اليوم أسعد إنسان.. سأمتلك الثروة التي طالما ابتعدت عني.. سأكون رجلاً مشهوراً.. لقد جاء القدر بالكنز الذي حلمت به.. وشغل فكري لسنين طويلة .. ها هي الأيام تهديك يا شوم أفراحها والسعادة تفرد ذراعيها لتحتضنك إلى الأبد.. وداعاً للأيام العجاف.. وداعاً للأيام البالية حينها هدأت نفسه.. أحس بقدميه تتحرك مرة أخرى .. لكنها هذه المرة أكثر قدرة على الحركة.. أصبح وجهه القرمزي اللون والعينان ذات البريق الفضي مصفراً .. أحس أنه يدرك ما حوله من عربات وأشباح كما يسميهم.. بدت عليه ابتسامة غامضة ذات معالم غريبة.. الملثم: أنظر أنه يترنح من السكر. القزم: لاتكن أبله أمثل هذا المخبول يملك ما يسد رمقه!! الملثم: يبدو عليك ياصديقي أنك تشبهه كثيراً إلا أن أنفه الملطخ أكثر اتساخاً من تفكيرك. العملاق: كفا عن هذا الجدل .. نحن اليوم بحاجة إلى فريسة. الملثم: هاه.. أنت كذلك.. وزنك الفيلي يجعلك لاتميز بين الاشياء إلا عندما تحملها. القزم: أيها المتنكر .. إن أخفيت وجهك القبيح فلا تستطيع أن تخفي تفكيرك الرديء.. مانفترسه يومياً.. لم يكن لك فيه رأي سوى إثارة الاشتباه حولنا. الملثم: إن قصر قامتك تجعلك عاجزاً أن ترى ما بيديه من تلفون ثمين و .. العملاق: مقاطعاً.. إذاً إنه فريسة سهلة... أتت بقدميها إلينا.. إني أشفق على هذا المسكين .. لا يدري ما يكتنفه قدره هذه الليلة. اتجه شوم نحو زقاق ضيق .. في هذه المدينة الشعبية القديمة.. الظلام فيها محدق.. سوى الأنوار التي تخترق النوافذ الصغيرة، كأنها ضوء النجوم في ليلة صافية.. أخذ شوم يتوغل في الزقاق .. يريد اختصار الطريق.. اختصار قاده إلى قدره المحتوم.. تلك الأقدار تأتي بدون ترتيب .. وتتسم بالمباغتة.. العملاق: ماذا ترد أن تعمل أيها الحرامي؟ شوم: هاه .. آه. الملثم: إنه يحاول أن يختلس الناس الآمنين. العملاق: يمسك شوم بتلابيب ثوبه ويدفعه إلى الأمام ثم يأخذه إليه. (شوم) لايصيح سوى نفسه المتصاعد مع انحنائه ضاماً يده إلى صدره. القزم: هيا بسرعة.. شخص ما قادم. أصبحت اللكمات تنهال على شوم من كل جانب بكثافة.. لكنه لازال يضم حلمه إلى صدره أخذ العملاق بقوة ذراع شوم ليثنيها.. ازداد نفس شوم تصاعداً دون أن يصيح.. ولا زالت قدماه صامدتان.. لم تدم طويلاً.. أراق شوم بوله على جسده حتى لامس قدميه.. التي شعرت بالدفء.. عندها هوى جسده على الأرض.. أخذ الملثم التلفون ثم ركله قائلاً: كم أنت غبي.. لكن كنت عنيداً فعلاً.. وداعاً أيها الأبلة. القزم: لا داعي للحديث معه الآن.. هيا من هنا (قاصداً زقاقاً آخر). الملثم: نظر إلى التلفون.. ما هذا .. يا إلهي إنها لعبة.. مجرد لعبة فقط.. ثم. صاح - بصوت شاحب - أنتما انتظرا.. لقد خدعنا.. لقد انخدعنا. ظل شوم منبطحاً على الأرض للحظات.. كأنما أخذته سنة من النوم.. فتح عيناه على الظلام فلم ترسم له شيئاً حاول ينهض على قدميه .. لكنها هذه المرة أبت أن تحمله.. لكن شوم ظل يحاول.