على الرغم من صغر مساحتها إلا أنها تعد من أشهر مدن اليمن نظراً للدور الكبير الذى لعبته فى حقب سابقة من التاريخ اليمني، ولكونها عاصمة ثاني ملكات اليمن الملكة أروى بنت أحمد الصليحي التى حكمت اليمن أكثر من نصف قرن. إنها مدينة جبلة العابقة بالتاريخ ومهوى الأفئدة المتعطشة للأصالة. وهى المدينة التى أثرت تاريخ اليمن الثقافى والدينى وأنجبت العلماء .. جمعت بين متطلبات الروح وجمال الطبيعة حيث تقف منارات وقبب المساجد البيضاء الناصعة تصافح زرقة السماء وتلامس أوراق الشجر الخضراء التى تملأ المكان وتنشر أريجها فى الأجواء. يحكي لنا التاريخ قصة هذه المدينة التى كانت يوماً عاصمة لليمن حيث اتخذتها الملكة أروى بنت أحمد الصليحي عاصمة لحكمها فى العام 458 ه حتى وفاتها فى العام 532 ه ودفنت فى الجامع الأشهر فى المدين الذى بنته وصار اليوم مزاراً دينياً وسياحياً وأحد أهم معالم المدينة التاريخية إلى جانب العديد من الحصون والقلاع التى مازالت شاهداً على عظمة المدينة.. والفن المعمارى البديع الذى رسمته أنامل البناء المعماري اليمني كلوحة فريدة تمتزج فيها العقود والأشكال الجصية الرائعة بألوان قوس قزح من الزجاج المزخرف. ويجد الزائر لمدينة جبلة أن هذا الإبداع المعماري لم يكن حكراً على القصور والمساجد بل أنه كان سمة من سمات الجمال فى هذه المدينة البهية التى وصفت بمدينة النهرين كما يقول المؤرخون حيث يقول الشاعر عبدالله بن علي الصليحى الذي اختط المدينة سنة 458ه فى ذلك: ما مصر ما بغداد ما طبرية كمدينة قد حفها نهرانِ خدد لها شام وحب مشرق والتعكر السامي الرفيع يمانِ تاريخ ومآثر يقال: إن أول من بنى مدينة جبلة كان الأمير الكبير عبدالله بن محمد الصليحي وذلك فى العام 458ه الموافق 1066م كما يقال أيضا إن أصل تسمية المدينة يعود لصانع فخار يهودي كان يقيم فى المدينة قبل عمارتها ..حيث شهدت المدينة بعد ذلك ازدهاراً معمارياً كبيراً وقد عدد الرحالة الدنمركي نيبور الذى زار اليمن ضمن البعثة الدنمركية العلمية بين عامي "1761- 1767" بحوالي 600 منزل كما جاء فى كتاب"من كونهاجن إلى صنعاء" لتوركيل هانسن. كما تزخر مدينة جبلة بالكثير من المعالم والشواهد البارزة على عظمة الدولة الصليحية التى حكمت اليمن من العام "438ه-532ه"- "1047م-1138م" واتخذت من المدينة عاصمة لها ومن أبرز تلك المعالم دار السلطنة التى كان يطلق عليها "دار العز" نظراً لفخامة معمارها والتى قيل إن غرفها كانت بعدد أيام السنة أي 360 غرفة وقد اتخذتها الملكة أروى مقراً لحكمها والذى يربطه نفق أرضي بحصن "التعكر" أحد أبرز حصون المدينة والذى ذكره الهمداني فى كتابه "صفة جزيرة العرب". وإلى جوانب الأسواق القديمة والسواقي المرصوفة التى تعج بها طرقات المدينة والعقود والجسور القديمة.. تحفل مدينة جبلة بالعديد من المراكز الدينية والعلمية التى تعكس الدور الهام الذى لعبته المدينة كحاضرة من حواضر اليمن التى كانت تشد إليها الرحال لطلب العلم كزبيد وصنعاء، حيث تم تخصيص الكثير من أوقاف المدينة لطلبة العلم والإنفاق عليهم ومازالت شواهد النهضة العلمية والدينية قائمة حتى اليوم حيث يرتفع عالياً الجامع الكبير بالمدينة على تلة عالية سامقاً بمنارتيه الشهيرتين اللتين بنيتا فى أوقات مختلفة. فالمئذنة الغربية يرجعها البعض للقرن الخامس الهجري بينما تعود المئذنة الشرقية للقرن السابع ويلاحظ الزائر للجامع التأثر الكبير بفن العمارة الإسلامي السائد فى عصر الدولة الفاطمية والجامع عبارة عن مساحة مستطيلة محاطة بأربعة أروقة ويتكون كل رواق من أربع بلاطات وأربعة صفوف من الأعمدة. وفى إحدى زوايا الجامع تقع مكتبة جامع السيدة أروى بنت أحمد والتى جمعت بين صفات الحكم والعلم ووصفها المؤرخون بأنها "على جانب كبير من الأخلاق وجمال الخلقة، جهورية الصوت، قارئة كاتبة تحفظ الأخبار والأشعار والتواريخ وأيام العرب" وعلى رفوف المكتبة يمكن الاطلاع على العديد من المخطوطات فى مختلف العلوم والمعارف والتى لايزال على بعضها هوامش وتعلياقات بخط الملكة أروى.. وبحسب موقع «العرب أون لاين» أقيم حديثاً فى المدينة متحف صغير يضم بعضاً من محتويات دار السلطنة إضافة إلى بعض الأدوات التى كانت تستخدم فى عصر الملكة أروى مثل أدوات الحرب التى كان يقال إنها خصصت طابقاً فى قصرها لصناعتها.. كما أن من أبرز معالم المدينة فى يمنا ضريح الملكة التى صنعت كل هذا المجد فسميت بلقيس الصغيرة ويعود ضريحها للقرن السادس الهجري ويقع فى أحد أركان جامعها وقد أشرفت على تصميمه بنفسها قبل وفاتها.