عاجل: قبائل همدان بصنعاء تنتفض ضد مليشيات الحوثي وتسيطر على أطقم ومعدات حوثية دخلت القبيلة "شاهد"    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    عبدالملك الحوثي يكلف هذا القيادي بملاحقة قيادات حزب المؤتمر بصنعاء ومداهمة مقراتهم وما فعله الأخير كان صادما!    هل تتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري جديد؟ كاتب صحفي يكشف ان اليمن مفتاح اللغز    نهاية مأساوية لطبيبة سعودية بعد مناوبة في عملها لمدة 24 ساعة (الاسم والصور)    الكشف عن ترتيبات أمريكية مؤلمة للحكومة الشرعية وقاسية على القضية الجنوبية    محمد علي الحوثي: "غادري يا ميسون فهو الأفضل لش".. بمن يتغزل "الطبل"؟    600 ألف فلسطيني نزحوا من رفح منذ تكثيف الهجوم الإسرائيلي    البريمييرليغ: اليونايتد يتفوق على نيوكاسل    نجل قيادي حوثي يعتدي على مواطن في إب ويحاول ابتزازه    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    ظلام دامس يلف عدن: مشروع الكهرباء التجارية يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة الأزمة!    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    تطور مفاجئ.. فريق سعودي يقدم عرضا ضخما لضم مبابي    مليشيا الحوثي تواصل اختطاف خبيرين تربويين والحكومة تندد    اختتام البرنامج التدريبي لبناء قدرات الكوادر الشبابية في الحكومة    بريطانيا تخصص 139 مليون جنيه استرليني لتمويل المساعدات الإنسانية في اليمن مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    استعدادا لمواجهة البحرين.. المنتخب الوطني الأول يبدأ معسكره الداخلي في سيئون    بائعات "اللحوح" والمخبوزات في الشارع.. كسرن نظرة العيب لمجابهة تداعيات الفقر والجوع مميز    يوفنتوس مصمم على التعاقد مع ريكاردو كالافيوري    العليمي يصل المنامة للمشاركة في القمة العربية    وزارة الحج والعمرة السعودية توفر 15 دليلاً توعوياً ب 16 لغة لتسهيل رحلة الحجاج    كلوب يسخر من واقعة المشادة مع صلاح    استقرار اسعار الذهب مع ترقب بيانات التضخم الأميركية    بمشاركة أهلي صنعاء.. تحديد موعد بطولة الأندية الخليجية    نيمار يتصدر معدل صناعة الفرص في الدوري السعودي رغم غيابه! (فيديو)    وزيرا المياه والصحة يبحثان مع البنك الدولي تمويل إضافي ب50 مليون دولار لمشروع رأس المال البشري مميز    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 35 ألفا و233 منذ 7 أكتوبر    الخطر الحقيقي على الجنوب وقضيته يكمن في معاشيق    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    ما معنى الانفصال:    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطريق الطويل في مسيرة الاستقلال
نشر في الجمهورية يوم 29 - 11 - 2007

كان أمام الحركة الوطنية في الشطر الجنوبي من الوطن مهمة الدفاع عن ثورة سبتمبر والاستفادة من الظروف التاريخية التي ولدتها من أجل السير في النضال الوطني التحرري ضد المستعمر البريطاني،ففي مايو 1962م جرى حوار في صنعاء بين حركة القوميين العرب وتنظيمات سياسية أخرى تم خلاله تشكيل الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل على أساس الأخذ بالكفاح المسلح أسلوباً لطرد المستعمر الانجليزي وأخذ الصدام مجراه في ردفان.
وكان لابد من جعل الانتفاضة المسلحة في ردفان بداية انطلاق ثورة 14 اكتوبر وعلى إثر توافر الشروط المهنية للسير في طريق الكفاح المسلح بدأ تدريب العناصر التي ستتحمل مسئولية العمل العسكري والفدائي وتم إرسالها سراً للتدريب في معسكرات الجبهة في تعز وصنعاء وتم إدخال السلاح وخزنه في أماكن سرية وبدأت تشكل الفرق الصغيرة التي ستكون مهمتها القيام بالعمليات الفدائية ولكن يبدو أن الخلافات كانت أقوى من أن تغلب لصالح النضال الوطني والكفاح المسلح حيث دب الخلاف بين جبهة التحرير والجبهة القومية وشهد الجنوب حروباً أهلية قبل الاستقلال وخلافات بعد الاستقلال.
في البداية يحدثنا الأخ/ردفان سعيد صالح عن الدور النضالي لوالده في ثورة ال 14 من اكتوبر مستعرضاً عدداً من الأحداث التي مر بها الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني حيث يقول:
لم تقتصر أهمية ثورة 26 سبتمبر عام 1962م بأنها قضت على أعتى نظام كهنوتي في المنطقة ولكن أيضاً في الثورة الاجتماعية السياسية والوعي الوطني الذي أحدثته في كيان المجتمع اليمني وتكوينه الفكري، فقد أتت لتجسد كل القيم والأفكار والمبادئ الثورية التي بدأ يتشرب بها الشعب في أعقاب ثورة مصر عبدالناصر إما بشكل عفوي عبر وسائل الاعلام أو بشكل منظم من خلال التنظيمات السياسية التي تكونت في الخمسينيات،لكن فعل الثورة كان أكثر أثراً في أوساط القبائل التي تمردت على المستعمرين من قبل في عدة انتفاضات مسلحة اجهضت في مهدها ومن ضمنها قبائل ردفان الوليدة، أما والدي سعيد صالح سالم فقد أدرك حينها أن الثورة ليست بالشيء المستحيل وأنها الطريق الوحيد للخلاص من المستعمرين ومخلفاتهم وإن الذين يقومون بها ويقودونها هم أناس عاديون وبسطاء من أمثاله ولكنها بحاجة إلى إعداد وتنظيم كافيين وعندما تندلع يجب السير بها حتى النهاية وتوفير مختلف الضمانات لانتصارها.
ولم يكن انضمام سعيد صالح سالم إلى طليعة القبائل التي هبت من ردفان بقيادة راجح بن غالب لبوزة للدفاع عن ثورة سبتمبر مسألة عفوية أو نزوات قبلية أو طائفية ولكن كانت نابعة عن قناعة ومجسدة لمستوى النضج الثوري الوطني المبكر الذي تحلى به وهذا ماأكدته حقائق المعارك والصمود الأسطوري الذي أبداه في معارك جبال المحابشة مع بقية رفاقه من قبائل ردفان تحت قيادة الشهيد المقدم/أحمد بن أحمد الكبسي والشهيد راجح بن غالب لبوزة.
رحلة العودة وتفجير ثورة 14 اكتوبر
بعد قرار القيادة العليا بتفجير الثورة في «الشطر الجنوبي من الوطن اليمني» كمهمة أساسية لتحرير الوطن من المستعمرين باعتبارها قضية ملحة لتوسيع جبهة الثورة اليمنية والدفاع عنها فأوكلت في البداية إلى العناصر التي شاركت في الدفاع عن ثورة سبتمبر مهمة ذلك، وهذا ما أكده المناضل الشهيد أحمد الكبسي لهذه المجموعة قبل عودتها حين أشار أن تفجير الثورة في «الشطر الجنوبي من الوطن» مهمة أساسية للدفاع عن ثورة سبتمبر والطريق إلى تحقيق الوحدة اليمنية مؤكداً تقديم الدعم المادي والعسكري، والمعنوي للمقاتلين وفي النصف الثاني من شهر سبتمبر 1963م عادت المجموعة العسكرية إلى ردفان بطرق مختلفة وملتوية تحمل كمية كبيرة من المعدات والذخائر العسكرية التي وصلت إلى ردفان عبر طريق الضالع ويافع، وكان سعيد قائداً لإحدى المجموعات العسكرية التي تقع تحت القيادة العامة للشهيد راجح بن غالب لبوزة..
وبمجرد وصول الفرق إلى ردفان توزعت قياداتها على عدد من المناطق وشرعت بالاعدادات الأولية والأساسية للثورة من خلال العمل السري السياسي في أوساط الجماهير وشرح قضية الثورة المنتصرة وأهدافها المختلفة،وكذلك القيام بها وانتصارها ومايترتب هنا من معاناة وتضحيات جسيمة وقد ساعدهم في تنفيذ مهامهم السياسية طابور طويل من العناصر التي تولت لاحقاً مناصب قيادية هامة من الكفاح المسلح ومنهم الشهيد قاسم عبدالله الزومحي والفقيد أحمد جودة والشهيد حنش ثابت سفيان، وبلليل غالب لبوزة ومحمود ناصر .. الخ
وقد بدأت فكرة الثورة المسلحة تنتشر في أوساط القبائل والوطنيين بسرعة البرق، الأمر الذي شعرت بمخاطره السلطات البريطانية بعد أن توفرت لهذه الثورة أهم مقوماتها وشروطها الموضوعية بانتصار ثورة 26 سبتمبر.
ومع إن السلطات البريطانية أدركت طبيعة التغير في جوهر وأساليب العمل الثوري الجديد المعادي للاستعمار إلا أنها لم تتخل بعد عن أساليبها القديمة المعتمدة على التهديد والإرهاب قبل أن تبدأ بتوجيه الضربة القاضية والمميتة لهذه القبيلة أو تلك.
ووفقاً للعادة أرسل الضابط السياسي البريطاني في الحبيلين المستر «نش» إنذاراً إلى الفرقة العائدة من شمال الوطن بقيادة راجح بن غالب لبوزة ووالدي سعيد صالح تطالبهم بتسليم أنفسهم وأسلحتهم التي جلبوها معهم من شمال الوطن وإلا سوف تستخدم ضدهم القوة.
بعد استلام الرسالة عقدت القيادة في ردفان اجتماعاً وقفت فيه أمام نقطتين
مناقشة الرسالة مضمون الرد وكذلك الاجراءات التي يجب اتخاذها لمواجهة الهجوم البريطاني المحتمل واتفق الكل على ضرورة رفض رسالة التهديد البريطاني وارسل الشهيد راجح بن غالب لبوزة الرد كان مقتضباً للغاية من عدة كلمات جاء فيه «إننا لن نسلم أنفسنا ولا أسلحتنا وكما قاتلنا الملكيين مستعدون لمقاتلتكم فإما النصر أو الشهادة،بتوقيع الشيخ راجح بن غالب لبوزة ومع هذه الرسالة أرسلت داخل المظروف طلقة بندقية نوع «عيلمان» والطلقة في أعراف القبائل تعني أن الحرب هي الخيار الوحيد دون سواها.
أما على صعيد المهمة الثانية فقد شرع والدي الفقيد/سعيد صالح وبعض القيادات بإعداد الترتيبات الأولية للمواجهة العسكرية مستفيداً من خبراتهم القتالية السابقة ومستغلاً كل مواهبه القيادية المتفتحة وتجلت أهمية ذلك في دقة توزيع الأفراد والأسلحة المتوفرة وكذلك اختيار طبيعة المواقع الدفاعية واتجاهات الهجوم المعاكس على أساس الاستغلال الأمثل للظروف الجغرافية الجبلية الصعبة، وهذا الاعداد العسكري المنظم والدقيق الذي تطور في الشكل والمضمون لاحقاً قد كشف عن نقطة تحول في المواجهة العسكرية والخروج بالمعركة من واقع المواجهة العسكرية والخروج بالمعركة من واقع المواجهة القبلية المحدودة وغير المنظمة إلى واقع نوعي عسكري جديد كان له أثره البالغ في تطور الوعي العسكري لدى القبائل وهذا ماكانت تجهله السلطات البريطانية التي تحتم عليها مواجهة حرب تحررية تطور وتغير اساليبها وطرق الخداع والتموية فيها يوماً عن يوم.. الأمر الذي كلفها الكثير من التضحيات ومنيت بالفشل المريع في تحقيق ولو أبسط أهدافها من كل حملة أو عمل عسكري، وعلى النقيض من ذلك كان والدي سعيد صالح الذي ذاع صيته وشهرته بعد استشهاد راجح بن غالب لبوزة كقائد مجموعة فدائية حققت جملة من الانتصارات العسكرية الحاسمة التي كان لها أثرها البالغ في تحديد طبيعة المسار اللاحق لحرب التحرير الشعبية في منطقة ردفان.
أول معركة للثورة ومدلولاتها
بعد استلام الضابط السياسي البريطاني رد لبوزة غير المعهود من قبل استشاط غضباً وفي لحظة انفعال تاريخية غير معهودة من الساسة البريطانيين أمر بإعداد أكبر حملة عسكرية ممكن تجهيزها وطلب من القيادة البريطانية في القاعدة عدن، والتي تمثل أكبر قاعدة استعمارية قيادية في الشرق الأوسط الموافقة والامدادات اللازمة من الدعم بالأسلحة الثقيلة وخصوصاً الطيران والمدفعية بعيدة المدى وكان الهدف من الحملة محدداً بالقضاء على الارهاصات الثورية في مهدها وأسر أو قتل جميع العائدين من شمال الوطن وتجريدهم من أسلحتهم ،والأهم من ذلك هو تنكيل وقتل وتشريد أبناء المنطقة ليكونوا عبرة لكل من يرفع صوته أو رأسه أمام سيادة «بريطانيا العظمى».
وفي صبيحة يوم 14 اكتوبر 1963م الذي دخل التاريخ كأول يوم للثورة ضد المستعمرين، التي أضاءت شعلتها درب النضال للشعب اليمني نحو التحرر والتقدم والازدهار في ذلك اليوم الأغر كان الثوار قد استكملوا اعداد الترتيبات الدفاعية الضرورية لمواجهة المستعمرين حيث وزعوا إلى مجموعتين عسكريتين في الاتجاهات الأساسية المحتملة لتقدم الوحدات البريطانية المهاجمة الأولى بقيادة الشهيد راجح بن غالب لبوزة وموقعها «جبل البدوي» والأخرى وهي الأكبر بقيادة سعيد صالح سالم في «نقيل الربوه» نظراً لأهميته كطريق استراتيجية تربط مناطق «العبدلي، البكري، القطيبي، الحجيلي» ولكن الهجوم كان في اتجاه الموقع الأول حيث دارت معركة مواجهة ضارية استخدم فيها المستعمرون جميع الأسلحة التي كانت بحوزتهم إلى جانب مساندة المدفعية بعيدة المدى وغيرها من الأسلحة وفي نهاية يوم كامل من المعركة الضروسة استشهد أول شهيد للثورة راجح بن غالب لبوزة لكن محاولات المستعمرين المتكررة حينها لاحتلال الموقع «جبل البدوي» باءت بالفشل رغم كثافة الهجمات المتكررة وماصاحبها من كثافة نارية وقوة تدميرية مما اضطرهم إلى الانسحاب إلى مواقعهم قبل ولوج الليل خشية الهجوم المضاد الذي كان من المقرر أن يقوم به الثوار تحت جنح الظلام.. المعركة وروح المقاومة الدفاعية المنظمة والشرسة كشفت للمستعمرين أن هذه المعركة لم تكن مجرد تمرد قبلي يمكن سحقه خلال لحظات كما ظلت تصوره وسائل الإعلام الاستعمارية بل هي شرارة ثورة سرعان ما امتد لهيبها إلى مختلف أرجاء الوطن اليمني، الأمر الذي دفعهم إلى إعداد حملات عسكرية أشد ضراوة وأوسع نطاقاً ترتب عنها مزيد من التضحيات والقتل والخراب والدمار.. مزيد من التشرد لأبناء هذه المنطقة وغيرها.
بداية مرحلة نوعية جديدة
في 28 نوفمبر 1967م وقد أرسل والدي سعيد صالح إلى عدن على رأس فريق من فدائيي جبهة ردفان التي ساهمت في دعم العمل الفدائي في مدينة عدن واستكمال تحريرها، كان متمنطقاً سلاحه الشخصي المفضل رشاش «البرن» وهو يشاهد جموع الجماهير المنتصرة تجوب شوارع العاصمة وأحياءها حاملين رايات الانتصار وعلم الجبهة القومية يظلل هامات الثائرين في هذا الوقت كانت حاملة الطائرات البريطانية «ايجل» راسية في الميناء تستقبل آخر جندي من مشاة البحرية البريطانية يرحل عن قاعدة عدن المحررة فيما كانت الفرقة الموسيقية الخاصة بحاملة الطائرات تعزف لحناً حزيناً وكئيباً لأغنية «إن الأمور تسير ليس كما في السابق» في 29 نوفمبر وبينما كان والدي سعيد يقوم بقيادة الفرقة وتنظيم الحراسة على المنشآت الثورية والحفاظ على الأمن والاستقرار وتثبيت السلطة الجديدة في عدن وعند الساعة الثالثة بعد الظهر كان المقدم «داي مورخام» يقف على سلم الطائرة يلقي آخر نظرة على منطقة خور مكسر والدموع في عينيه يشكر الرب أنه مازال حياً ولحسن حظه أن يكون آخر جندي بريطاني يغادر القاعدة البريطانية قبل أن تصله رصاصات الثوار.
وكغيره من المناضلين لم يستطع والدي سعيد أن يحبس دموع الفرح وهو يرى علم الامبراطورية المهزومة ينزل من على السارية ليرتفع بدلاً عنه علم الجبهة القومية بألوانه الزاهية: الأحمر، الأبيض، والأسود.
ولكن قبل أن ينال الجنوب المحتل الاستقلال فقد حدثت عدد من الصراعات والخلافات سبقت يوم الاستقلال والمتمثلة بالحرب الأهلية بين الجبهة القومية وجبهة التحرير والتي أدت إلى دخول العديد من المناضلين إلى السجون والقتل والتشريد.
من السجن إلى المطار
يحدثنا الدكتور/أحمد القاضي عن دوره النضالي معطياً لنا صورة عن الارهاصات التي سبقت الاستقلال والأسباب التي حالت دون تحقيق الوحدة حيث يقول:
كنت ضمن أعضاء التنظيم الشعبي لجبهة التحرير منذ عام 66م في إحدى الفرق التي تعرف بفرقة النصر وشديد الصلة بالأخ/أبو جلال العبسي رحمه الله الذي توفي بعد أن غادرت عدن في 68م حيث كنت أغطي الجانب الإعلامي للعمليات العسكرية التي كانت تقوم بها فصائل التنظيم الشعبي وبالتحديد فرقة النصر التي كان يرأسها خالد المفلحي يرحمه الله.
في الاقتتال الثاني والثالث بين جبهة التحرير والجبهة القومية في 7 نوفمبر تم اعتقالي مع حسين حامد وأخي محمد شاكر أودعنا في عمارات اعتبروها سجوناً لعدة أيام ثم نقلونا إلى سجن «أبين» الذي كان يطلق عليه سجن «البحرين» وإلى الآن لا أعرف لماذا أطلق عليه هذا الاسم، قضينا فيه فترة وفي مارس 68م نقلت إلى سجن المنصورة وعند خروجي من السجن بقيت مراقباً وكان برفقتي المرحوم أبو جلال العبسي واستمرت اللقاءات والحركات السرية التنظيمية رغم الاعتقالات كان موقف أبي جلال حساساً كنت أتعاون معه في وضع النشرات الخاصة بالتنظيم الشعبي ولدينا أماكن معينة سرية نحتفظ فيها بالآلات «الرونيو» التي نطبع بها المطبوعات.
وتوليت فريق توزيع هذه المطبوعات سراً وأذكر أننا احتلينا بعض البيوت في كريتر وكنت أختبئ في البيت إلى أن قبض علينا واستطاع أبو جلال أن يغادر إلى شمال الوطن ومن هناك توجه إلى القاهرة وبقيت أنا أعتبر الشخص الأول في التنظيم السري واضطررت للاختباء، وكان البحث عني شديداً جداً إلى أن اعتقلت وعذبت واعتبرت خليفة أبي جلال والشخص الأخطر في التنظيم السري حتى زملائي الذين حصلوا على مناصب تنظيمية عليا في السلطة سعوا لتخفيف العضوية عني فكان الشرط أن أغادر البلاد فكانت حياتي مهددة، فسعى أحد الشخصيات في قيادة الجبهة القومية لإخراج منحة دراسية لي كانت معلقة من قبل ومنها غادرت من السجن مباشرة إلى المطار.
فالحرب الأهلية كانت بين فصيلين لم يتسلم ولا واحد منهما الحكم، ففي 7 نوفمبر كان هناك اقتتال أهلي اشترك فيه الجيش مع الجبهة القومية واجتاحوا المنطقة التي كنا متمركزين فيها بالمنصورة فاعتقلنا على أيدي أفراد القوات المسلحة ولم نقتد إلى سجون أو معتقلات رسمية بل كانت عبارة عن عمارات أو جراج.
وبعد الاستقلال في 68 نقلونا من سجن أبين إلى سجن المنصورة فالمعارك الأهلية التي كانت تدور قبل الاستقلال عملت بريطانيا على تغذيتها لأن سياستها في كل الدول فرق تسد واذكر أننا كنا نمر بالأسلحة في نقاط تفتيش رسمية فيها جنود بريطانيون يشاهدون هذه الأسلحة ويتغاضون عنها.. وهي تعلم أن هناك فترة قتال بين الفصائل تقول خليهم يتقاتلوا لصالحنا فالاقتتال في 7 نوفمبر وسبتمبر وقبله اغسطس كان يحدث والقوات البريطانية موجودة والبلاد لاتزال مستعمرة وعن أسباب عدم تحقيق الوحدة بعد الاستقلال قال الدكتور/ أحمد القاضي: إن حركة 5 نوفمبر 67م في شمال الوطن كانت حركة يصبغ عليها الطابع الحزبي البعث وكانت جبهة التحرير يومها الجبهة شبه المرشحة لنيل استخلاف المستعمر وأقول حتى الفتنة بين جبهة التحرير والجبهة القومية سببها الحركة التي تمت في شمال الوطن حتى لايصبغ الشمال والجنوب بهذه الصبغة الحزبية.. وتكون الفرصة غير متاحة لتوحيد الشطرين من هنا جاءت الفتنة والاقتتال وهذا واحد من العوامل يمكن لأصحاب الفكر السياسي والمؤرخين أن يبحثوا فيه بعمق وأعتقد أن ذلك كان عاملاً أساسياً لتأخير الوحدة وعدم قيامها بعد الاستقلال مباشرة.. فالانجليز لم يكونوا يريدون الوحدة وكانوا يعولون على دور معين ومصالح معينة في الجنوب فتولي جبهة التحرير للحكم يعني تقارب مع الشمال وكان سوف يسهل من محادثات الوحدة بين الجانبين وهذا مالم يكن الانجليز يريدوه الذي كان يراهن على بقاء القاعدة البريطانية في الجنوب.
الجبهة الوطنية
المناضل محمد شاكر أضاف في الجلسة التي جمعتنا به في منزل الدكتور أحمد القاضي والذي حدثنا عن الارهاصات التي سبقت الاستقلال بالقول: دخل البلد في ارهاصات فقد حدثت صراعات في إطار الحركة الوطنية لاسيما منذ أن نشأت حركة القوميين العرب في 1960م باليمن هذه الحركة جاءت إلى اليمن بعد أن كان حزب البعث العربي الاشتراكي قد وضع ركائز له في الحركة الوطنية أو في مسيرة النضال العربي في اليمن أفرزت القوى الوطنية التي كانت تتمثل في الجبهة الوطنية المتحدة ثم بالمؤتمر العمالي شهدت تلك الفترة زخماً سياسياً ليس في عدن فحسب بل في عموم المناطق المحتلة فيما كان يسمى بالمحميات الغربية والشرقية أبين شبوة حضرموت وقد بدأت الحركة اعتباراً من عام 52م في الجبال.
لم يكن هناك عمل سياسي فقط بل كان هناك عمل عسكري ففي منطقة أبين والمعدي وحمير بعزان خرجت جماعة باعوضة وجماعة الحواجب خرج محمد بن سرور وفي لحج خرج فضل العبدلي وسلطان ناصر الفضل للنضال ففي هذه الفترة كانت هناك عمليات عسكرية وفي عدن قامت الجبهة من خلال فرقة مسلحة بعدد من التفجيرات في سينما الانجليز في التواهي والبيبات المصافي وشرطة القلوعة، اسم هذه الفرقة العاصفة يترأسها الدكتور عبدالحافظ نعمان وفي أبين محمد ناصر الجعري، والشيخ حسين المجعلي وعمر سالم في مناطق الظاهر وفي الصبيحة وللأسف الشديد بعض الكتاب حصروا هذه الفترة بالعمل السياسي فقط وهذا ليس صحيحاً إنما هو عمل سياسي مصحوب بالعمل العسكري وربما في مناطق الجنوب المحتل أدت بعض الظروف إلى كبت وافشال الحركة التي كانت منتشرة على مدى واسع حتى في جبال المعدي بحضرموت وكانوا يصفون الاصنج بأنه الرجل اللبرالي الذي يمكن أن يصل إلى الاستقلال بالطرق السلمية وجاءت الجبهة القومية التي نشأت عام 63م مايو بتعز وكانت مكونة من كل من العناصر الذي كانت متواجدة حينها في تعز وصنعاء من الاستاذ محمد عبده نعمان، قحطان الشعبي والخلافي وبن سرور والعبادل وغيرهم ممن كانوا متواجدين فكونوا الجبهة الوطنية التي عرفت باسم الجبهة القومية هذه الجبهة وبصرف النظر عن موقفها من منظمة التحرير بعد نشوئها اندمجت في يناير «65 66» مع منظمة التحرير في جبهة واحدة عرفت باسم جبهة التحرير مثلت فيما بعد الوجه الرئيسي والقيادة الرئيسية لعملية النضال المسلح ضد الانجليز إلى نوفمبر 67م حيث أعلنت بعض العناصر انتخاب الجبهة القومية وبتصوري أن هذا التنظيم الجديد الذي أعلن هذا الانسحاب ليس هو الجبهة القومية لأن العناصر القيادية التي كانت في إطاره لاتتعدى شخصين ممثلة في قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف بينما القيادات الرئيسية الأخرى مثل علي السلامي وطه مقبل وغيرهم بقوا في إطار جبهة التحرير وظلوا فيها فالجبهة القومية التي أعلنت الانفصال عن جبهة التحرير في نوفمبر 67م ليست هي الجبهة القومية التي كونت مع منظمة التحرير جبهة التحرير فقبل الاستقلال حدث اقتتال ثلاث مرات الأول في إب، شهر ثمانية في لحج ودار سعد والشيخ عثمان وفي سبتمبر 67م تفجرت المعركة الثالثة والأخيرة والتي اشترك فيها حرس جيش الاتحاد الجنوب العربي، والحرس الأول الذي كان قد قام على انقاض شبر بقيادة السيد عبدالهادي حيث دخلت الجبهتان في مباحثات وصلت بهما إلى تحكيم الجيش في مفاصل البلاد وكانت جماعة جبهة التحرير والتنظيم الشعبي سذج بحيث قبلت تمركز الجيش على اعتباره محايداً بينما الكثيرون كانوا يعرفون أن قسماً من القيادات العسكرية قد دخلت مؤخراً في إطار الجبهة القومية ومع ذلك سمحوا للجيش أن يتمركز في مفاصل البلاد خاصة بالمنصورة حيث تتواجد بكثافة جبهة التحرير.
ففي ستة نوفمبر أذكر أثناء الاقتتال بين الجبهتين أن بريطانيا أعلنت اعترافها بجبهة التحرير والجبهة القومية كتنظيمين ممثلين لإدارة الشعب اليمني في الجنوب اليمني المحتل وفي سبعة نوفمبر سحبت اعترافها واذيع البيان مرة أخرى من إذاعة عدن واقتصر البيان على اعتراف بريطانيا بالجبهة القومية كممثلة للشعب اليمني.
ويسبق هذه الأحداث تساقط المناطق الريفية بيد الجبهة القومية بسلام وأية منطقة تسقط بيد جبهة التحرير تلقى مقاومة شرسة يشترك فيها الطيران البريطاني فخاضت الجبهة القومية الصراع ضد جبهة التحرير وذهبنا إلى المعتقلات مع كل القيادات التي كانت موجودة في إطار الحركة العمالية وفي إطار العمل المسلح وأرسلنا إلى مختلف السجون التي كانت قد سقطت بيد الجبهة القومية اعتباراً من الضالع إلى مودية ولودر وزنجبار وجعار، امتلأت السجون وكان حظنا أنا وأحمد القاضي وحسين الفقيه والذهب وآخرون أن نبقى في زنجبار وأتذكر أنهم قد رفضوا السماح لي بالخروج مع الجماعة الذين نقلوهم إلى سجن المنصورة ولكن وقف كل المعتقلين في زنجبار معي فصحبوني معهم والله يرحم سالم ربيع هو الذي سمح بذلك وكان المسئول العسكري لمنطقة أبين 67م بعد خروجنا من السجن 68م بدأت هناك حركة تهدف إلى إيجاد وحدة وطنية لمختلف التنظيمات تنهي موضوع الخلافات والصراعات وتشكيل حكومة ائتلافية وإيجاد حلول لكل المسائل التي تسببت فيها مسألة الانتصار العسكري على جبهة التحرير في نوفمبر.. وبعد أحداث المؤتمر الرابع مارس 68م الذي انعقد في زنجبار وأحداث مايو العسكرية التي دخلتها القوات المسلحة ضد عناصر اليسار أصحاب ربيع وعبدالفتاح ومطيع الذين نسميهم أصحاب الجبل لأنهم هربوا إلى الجبل ثم إلى تعز أصحاب الجبل بدأوا يفتحوا حواراً حول الوحدة الوطنية مع التنظيم الشعبي لكن الجبهة القومية أصحاب السلطة استدركوا الموضوع وعرفوا اللعبة وقاموا بحوار مع أصحابهم الهاربين وأعادوهم إلى البلد فقد استدركت السلطة الخطأ الذي وقعت فيه من حيث انقسامها مع نفسها وبدأت الحوار مع هؤلاء اليساريين أصحاب الجبل وفي منزلي عقد مؤتمر تشكلت قيادات واخترت لتولي إعادة تنظيم التنظيم الشعبي في المناطق الوسطى التي تتشكل في المرتفعات بأبين دثينة،الوضيع، مودية أرسلت إلى هناك وهناك أعتقلت أنا والمناضلان صالح عبدالله المجعلي وسالم ناصر باحراد في القليدة ولم تمر أيام حتى تفجرت الأوضاع في 17 يونيو 68م وحدث اقتتال شمل كلاً من عتق وبيحان بصفة خاصة وحدثت اعتقالات لعدد من المجاميع وذهبت ضحايا كثيرة خصوصاً من القوات المسلحة التي كانت متمركزة في عتق وفي بيحان وقعت معركة شرسة وانتهت هذه الحركة وعادت عناصر اليسار إلى عدن ثم حصل الائتلاف وفي 69م مايو كان قد دب الخلاف بين محمد علي هيثم وبين قحطان الشعبي أدى ذلك إلى تحالفه مع جماعة سالم ربيع علي وحصلت الخطوة التصحيحية في 22 يونيو 69م.
عن سبب عدم تحقيق الوحدة مباشرة بعد الاستقلال قال محمد شاكر:
أريد أن أذكر متى اعترفت بريطانيا بالجمهورية العربية اليمنية عودوا إلى تاريخ الاعتراف وسوف تكتشفوا من الجواب مدى رغبة بريطانيا في توحيد اليمن أو عدم رغبتها فبريطانيا ترفض منذ البداية أن تكون للجمهورية العربية اليمنية أية علاقة في الجنوب ومن ثم جبهة التحرير قد صبغت البعثة إلا أنها كانت على علاقة بعبدالناصر وإذا ضمت عدن وصنعاء لعبدالناصر يعني هذا فشل لبريطانيا هذه النقطة تعني أن «شاكلتون» لم يكن يريد وحدة للجنوب وأذكر أن اليخت الملكي ظل من يوم الاستقلال إلى مابعد المؤتمر الرابع على سواحل عدن يحرس التواجد البحري البريطاني في عدن وهنا يمكن أن نستدل منه على الأحداث العامة التي وقفت لكي تبقى عدن بعيداً عن صنعاء في خمسة نوفمبر حدثت الحركة في صنعاء في ستة نوفمبر يتفجر الاقتتال داخل عدن في سبعة نوفمبر تعترف بريطانيا بجبهة التحرير والجبهة القومية ثم يقتصر الاعتراف بالجبهة القومية ممثلة للشعب اليمني في الجنوب المحتل في عشرين نوفمبر يحصل حصار صنعاء مما لايعطي لصنعاء أية قدرة على الحركة في اتجاه الجنوب.. هذا يعني أن صنعاء محاصرة وفي غضون هذا الحصار يعطى الاستقلال في 30 نوفمبر في حين كانت الملكية تدق سوق الملح في صنعاء ،فكيف يمكن أن يدخلوا في حوار حول الوحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.