يؤكد الوعاظ والمرشدون في أيام العشر من ذي الحجة على تنبيه الناس إلى مسألة الإمساك عن تقليم الأظفار وحلق أو قص الشعر، وأن هذا الحكم يلزم كلَّ مَنْ أراد أن يضحي أو يضحى عنه،ويعللون ذلك بقولهم ليتشبه المضحي بالحاج، ويربطون بين الحاج والمضحي أن الحاج يعتق من النار وكذلك المضحي إذا وفر شعره وظفره ولم يمسهما بحلق أو تقصير حتى ينحر أضحيته، فإنه يعتق من النار. من هنا اندفع الوعاظ والمرشدون يفقهون الناس فقه العشر من ذي الحجة قبل دخولها ويهيئون الناس لاستقبالها بالأعمال الصالحة ومن ضمن تلك الأعمال هذا العمل «الامساك عن قلم الظفر وحلق أو تقصير الشعر حتى ينحر المضحي أضحيته» هنا أحب لفت أنظار الواعظين الذين دفعهم الحماس الزائد إلى هذا التنبيه، فأقول: 1 أولاً أنهم شوشوا على الناس فانهالتْ الأسئلة بهذه الصورة هل نتنبه بالحاج فنلبس ملابس الاحرام؟ وآخر يسأل أنا أريد أن أضحي هل يحرم عليَّ قلم أظافري وحلق أو قصى شعري؟ وآخر يسأل هل يحرم عليَّ في هذه العشر جماع زوجتي لأني إن شاء الله أريد أن أضحي؟ والقسم الأكبر من الناس هم الذين اكتفوا بما فهموا من كلام الواعظ في أنه يلزمهم أن يتشبهوا بالحاج ولايحل لهم تقليم أظافرهم وحلق أو تقصير شعورهم إلا بعد ذبح أضاحيهم وهو يوم العيد، وكذلك الافضاء إلى زوجاتهم الا بعد ذبح الأضحية، وهم مستمرون على هذه العادة التي يظنونها عبادة فقد هرم عليها الكبير ونشأ عليها الصغير وتوارثها الوعاظ كابراً عن كابر ولايزالون.. هنا أحب عرض المسألة كما هي عند بعض أهل العلم فأقول المسألة خلافية وأصلها حديث أم سلمة في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب.. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيتم هلال ذي الحجة، وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» فهذا بلفظ الأمر «فليمسك» وهذا بلفظ النهي وهو «فلا يأخذنَّ من شعره ولامِنْ أظفاره شيئاً حتى يضحي» انظر 4 654 طبعة دار الشعب القاهرة. وفي لفظ «فلا يمسَّ من شعره وبشره شيئاً 4 653 وفي لفظ «فلا يأخذنَّ شعراً ولايقلمنَّ ظفراً» فذهب سعيد بن المسيب والإمام أحمد وداؤود الظاهري إلى أنه يحرم على المضحي أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحى في وقت التضحية فالنهي للتحريم والأمر للوجوب كماهي القاعدة الأصولية وذهب الشافعي إلى أن النهي في الحديث للكراهة التنزيه وليس بحرام واحتج الشافعي بحديث عائشة رضى الله عنها قالت: كنتُ أفتلُ قلائد هدي رسول الله بيدي، ثم يقلده ويبعث به «إلى الحرم» ولايحرم عليه شيء أحله الله حتى ينحر هدي» رواه البخاري ومسلم فكأن عائشة قد علمت بحديث أم سلمة فردتْ عليها ولهذا قال الشافعي رحمه الله «البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية» ومعنى كلام الشافعي لو كان يحرم على المضحي ماذكرتم كان بالأولى أن يحرم على المهدي لأن هديه وصل إلى الحرم ونحر هناك فهو الأولى بالتشبه بالحاج فالرسول مرة أهدى إبلاً ومرة أهدى غنماً لكنه أقام في المدينة حلالاً لم يحرم عليه شيء ولم يتشبه بالحاج فلماذا تلزمون المضحي وهو المقيم والذي يذبح أضحيته في بلده أن يتشبه بالحاج؟ أما عن تشبه المضحى بالحاج فقد قال النووي شارح صحيح مسلم: وقيل التشبه بالمحرم قال أصحابنا هذا غلط لأنه لايعتزل النساء، ولايترك الطيب واللباس «أي لباس الإحرام» وغير ذلك ممايتركه المحرم. بهذا تعلم أن المسألة خلافية حتى بين الصحابة فهذه أم سلمة زوج رسول الله وهذه عائشة زوج رسول الله فالرد حاصل بينهما، وهذا سعيد بن المسيب التابعين لما سأله السائل عن هذا الحديث الذي رواه عن أم سلمة قال:« ياابن أخي هذا حديث قد نسي وترك حدثتني أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم» وساق الحديث انظر صحيح مسلم بشرح النووي 4 655. بعد هذا نقول مالداعي لاشغال الناس بمسائل الخلاف فهل يقصد الوعاظ حصول الأجر والثواب لهم أم هو التبجح بالعلم الذي يظهرونه للناس، ثم نسألهم مَنْ من الصحابة والتابعين والعلماء والفقهاء كان يعمل بهذا الحديث؟ بل نسأل الوعاظ الذين يثيرون فقه العشر من ذي الحجة هل أنتم تعملون بهذا الحديث؟ يامن تشغلون الناس به ولاتشغلون أنفسكم به وهذا سعيد بن المسيب يقول للسائل «ياابن أخي هذا حديث قد نسي وترك» انظر صحيح مسلم 4 655 ياوعاظ الا تتركون ماترك وتسلمون الناس من ايراد الإشكالات عليهم وجلب هذا الأصر والمشقة وإدخال الأزواج والزوجات في خصام حول العشر والعشرة الزوجية ثم هل كل رأي تعثرون عليه يجب أن تلزموا به الناس فسعيد بن المسيب رحمه الله يرى ألا يجامع المضحي زوجته ليلة مزدلفة أي ليلة عيد الأضحى فهل أنتم تفعلون مايفعله سيد التابعين سعيد رحمه الله. ياوعاظ يسروا ولا تعسروا، وانتقوا ولاتكدروا.