يسأل عجوز الستين جاره الذي يكبره بخمس سنوات عن سبب تمرد الاطفال على العيد وعلى فرحته حتى الكسوة التي كانت سبباً في طيران النوم من كثر فحصها وتعلق النظرات عليها لا توجد عين الرضا عليها اليوم!! "سبأنت" عادت بذاكرة الكثير الى الوراء والى الطفولة الاولى و كيف كان التعامل مع كسوة العيد والمحافظة عليها مقارنة بطفولة اليوم!! ورود لم تغب عن الذاكرة لم تغفل عينا اسماعيل لحظة واحده عن حذاء العيد الذي ظل يقلبه بين يديه ليتفحصه مرة ويلبسه للتجربة عدة مرات.هذا الحذاء الذي كثيراً ما تمنى امتلاكه، وفي ليلة العيد لم يهنأ اسماعيل النوم إلا وحذاءه عند رأسه ليستيقظ في ساعات الصباح الاولى من يوم العيد وعيناه تتفقد ذلك الحذاء، الذي ابتدأ انتعاله قبل ارتداء الثياب.. هذه الصورة التي مر عليها سبعة وعشرون عاماً تتكرر في ذهن اسماعيل كل ليلة عيد، و يتساءل اسماعيل لماذا لا تتكرر الفرحة التي كانت تغمرنا في تلك الايام بكسوة العيد في عيون الاطفال اليوم ولا يبالي كثير منهم بما تم شراؤه وأولاد اسماعيل اكبر دليل على ذلك يقول اسماعيل قد يفرحون بتلك الثياب لكنهم لا يرتبطون بها ولا تنام كسوتهم بجانبهم كما كنا نفعل وقد نحرم ساعات كثيرة من النوم بسبب التفكير كيف سنبدو بتلك الكسوة ؟! يقول جميل المداني (45عاماً) الله يرحم ايام زمان لما كنا ما نلبس جديد إلا من العيد الى العيد وكنا نملك الدنيا بثوب العيد والجزمة او شميز وبنطلون ولا شي ثاني جنبهن ولا اذكر اني او واحد من اخوتي تشرط على كسوة العيد..اما اليوم نشتري ثياب العيد يقول ابنائي الاربعة باقي ثاني العيد وثالث العيد !! من خلاف التعليقات على النوع واللون والحجم المهم قصة ما لها اول من آخر.. ما زال الفستان الاحمر الذي تتوسطه ورود صفراء لم يغب عن مخيلة كريمة منذ اربعة وعشرين عاماً وهو فستان العيد الذي اختارته كريمة بنفسها من المحل عندما اصطحبها والدها للمرة الاولى لشراء كسوة العيد واليوم تعجز كريمة عن ارضاء ابنتيها اللتين لم يتجاوز عمرهما السابعة والثامنة فتظل تخيرهما بموديلات متنوعة وأذواق مختلفة لكن دون جدوى وتقول كريمة" بدلاً ان نستعد بتجهيز متطلبات العيد المنزلية نظل نبحث في الاسواق عما يرضي سهام وسهى. تبحث الاستاذة صفية مدرسة في إحدى المدارس الخاصة عن فرحة العيد في كثير من وجوه الاطفال فلا تجد إلا القليل تكسو وجهه تعابير الفرحة والسعادة ولا تجد تفسيراً لذلك وتقول صفيه ارتبط مفهوم العيد لدى الاطفال اليوم بالمتطلبات واهمية تلبيتها فإن وجد الشيء كان عيداً وإن لم يجد فتتأجل الفرحة!! والمشكلة ان كثيراً من الاطفال لم يعد يكتفي بما يوفره الآباء بل هناك قائمة من اللوازم التي تتنوع بين الالعاب والملابس يربطها هؤلاء الاطفال بالعيد وبفرحته على العكس منا حينما كنا نخرج يوم العيد وفرحتنا لا توصف كل بمظهره الجديد.. يرى عبدالكريم الحمادي (50عاماً) ان هناك اموراً كثيرة شغلت الاطفال ان يستطعموا حلاوة العيد ولم يعد الهم الوحيد لديهم في العيد ان يحصلوا على ثياب جديدة فقط بل ان هناك اموراً كثيرة ارتبطت بالعيد مثل شراء كثير من الالعاب والالكترونيات واشتراط الخروج الى المنتزهات والحدائق وهذه لم تكن موجودة على ايامنا. يتذكر عبدالكريم شيئاً جميلاً جدا لم يغب عن ذاكرته وهو (العسيب والجنبية) الذي حصل عليهما لاول مرة كان في يوم العيد ولم تتسعه الفرحه بتلك الهدية التي فاجأه بها والده ومن فرحته بالعسيب اصر ان يظل مخبأً حتى لا يشاهده اطفال حارته فيقلدوه فتنتزع هديته فظلت مخبأة ولم يلبسها عبدالكريم إلا مرات معدودة !! تمرد الصغار يبقى العيد ابتسامة طفل وسعادة اسرة ومناسبة دينية عظيمة تربط المجتمع ببعضه البعض لذلك يفترض علينا ان نعلم ونربي اطفالنا على انها مناسبه تكمن اهميتها بقيمتها المعنوية وليس الهدف منها الشراء وارتياد الاسواق وليس هناك خلاف ان من السنة ارتداء الجديد يوم العيد ولكن بثقافة شرائية منظمه. وهذا ما تعثر على ام نشوان إيصاله الى أبنائها الخمسة الذين احتار جميعهم ما يأخذون وما يلبسون، وكيف يكون كل منهم مميزاً تقول ام نشوان على الرغم من الخروج الى السوق ما يقارب الأسبوع إلا انني لم الحظ السعادة والرضا على وجوههم وكأن الأمر واجب وسيتم إسقاطه دون نقاش.. وتعود ام نشوان الى عيدها الذي نامت ليلتها فيه وهي ترتدي شنطة العيد صغيرة الحجم والتي ستجمع فيها عسب العيد حتى تتمكن من شراء لعبة صغيرة لم تكن حينها تجاوزت السابعة..!!واليوم تجزم ام نشوان استحالة مقارنته بالامس خاصة مع هذا الجيل الذي لا يعجبه شيء. ابدى توفيق الصلوي(39عاماً) بائع ملابس خاصة بالاطفال بصنعاء استغرابه من اطفال يصطحبهم الاباء واعمارهم لا تتجاوز الرابعة والخامسة وهم يرفضون عدداً من الموديلات او الالوان ويتمردون على اذواق ابائهم في الاختيار وكأن جميعهم يعي ما يناسبه وما لا يناسبه.. ويقول توفيق لا اتذكر انني خيرت في عيد من الأعياد بتحديد ما البس سواء كانت ثياباً أو احذية!! يقول عدنان الخامري الذي يحوي محله اشكالاً وألواناً متنوعة من الاحذية بشارع هايل ان وقتاً طويلاً يضيعه عماله أثناء عملية البيع في ارضاء ذوق طفل لا يتجاوز الرابعة او طفلة تخيرها والدتها بين جميع الموديلات وتصر على حذاء بكعب عال!! وقفة عيدية حين يتردد التكبير صباح يوم العيد، وترج المساجد بالتهليل وتسيل الدموع فرحا ودعاء لمن هم في بيت الله الحرام لا شك أن مثل هذه الأمور تؤكد المعاني الرائعة للعيد السعيد وتجسيدها لتغسل النفوس ، وتصقلها لاستقبال مرحلة جديدة مليئة بالحب والعطف والحنان بين الأسر والتواصل من جديد مع الأهل والأقارب لينعم الجميع بفرحة العيد وتمحو ابتسامة الاطفال البريئة كل لحظات ألم، ويؤكد البعض للكل سواء كان صغيراً أو كبيراً ان هذا هو العيد الحقيقي الذي لا يرتبط وجوده بما سيتم شراؤه أو امتلاكه.