انفصلت جزيرة سقطرى عن القارة الإفريقية منذ ملايين السنين، وتبعد عن الشواطئ اليمنية بما يقارب من (400) كيلو متر، وتعتبر فيها الاحتياطي الفريد من نوعه من الكائنات الحية، ولاتزال تحتفظ بالسر الأسطوري. أحادية اللون هادئة ومكان مرغوب فيه والذي عمل فيها جوارسيك بارك فيلمه عن هذه الجزيرة قديماً، حتى أن النباتات فيها تبدو وكأنها كتل صخرية سقطت من السماء مبعثرة بطريقة عشوائية على الصخور بتورمات عملاقة وبأشكال سلسة وبدينة كأنها أعضاء مبتورة وشائكة بأوراق وردية بارزة كشموع سيئة الترتيب. منذ الخروج من مطار سقطرى المسمى أدينيوم أو بسيوم وشجر القثاء تثير بإيقاعها.. إن هذه الجزيرة الغامضة تذهلك قبل أن تسحرك بشكل غريب جداً بهذه المناظر التي هي بشكل غامض ترجع إلى ما قبل التاريخ وبطريقها المعبدة بالأسفلت المهجورة والصحراوية كلياً، توقفت على حافة حديبو العاصمة والمنطقة الرئيسية لأرخبيل سقطرى التي تتبع حالياً محافظة حضرموت اليمنية، يأخذك شعور غريب غير تام على طول السياج الصخري المرتبة بمهارة حول هذه الأراضي الواسعة والأكواخ الطينية المقترنة بالغبار المحيط بها مصفوفة جيداً فوق رصيف المطعم، حيث هناك بعض الماعز تلعق بشراهة قعر الصحون وترمي البشكير المصنوع من الورق المنسية على الطاولات والعقبان المصرية (الرخمة) على رأسها تحرسها، واللغز في ذلك أنها لم تفزعها هديرها المساوي (4*4) عند مغادرتها، فهذه الجوارح الفريدة يختل توازنها قليلاً عند الوقوف، وأناقتها الجذابة عند الطيران يسميها السقطريون سلة المهملات، فهي في الواقع تعمل عملاً بيئياً صحيحاً وجيداً في كل مكان يترك البشر أشياء مهما كانت إثر عبورهم سيغيرك وجودهم كثيراً. وعلى مر الأيام التي ستخيم فيها ستجدها أليفة أيضاً كالماعز التي عددها ما يقارب (70.000) على الجزيرة المقاربة لعدد السكان فيها، والذي يبلغ عددهم (50.000) أو الدلافين التي تعزز ذلك المشهد إذا دعت الحاجة إلى هذا الانطباع القوي الذي ينعشك وأنت تغادر هذه الجزيرة المفقودة. يبلغ طول الجزيرة (140) كيلومتراً طولاً و(40) كيلومتراً عرضاً، أي ما يعادل نصف جزيرة (كورسيكا) وتعد هي أكبر جزيرة من أربع جزر الأرخبيل اليمنية تضربها المياه الهائجة بشدة من الشمال والآتية من خليج عدن وتضربها المياه الهائجة أيضاً من الجنوب الآتية من المحيط الهندي تظل صعبة الوصول من شهر مايو إلى شهر سبتمبر عندما تهب عليها الرياح الموسمية من الجنوب الغربي مما يجعل الصيد والملاحة مستحيلاً في جميع أنحائها والارتباط الجوي فيها غير أكيد. كان يؤتى إليها في العصور القديمة لطلب نبات المر والبخور.. يقال أن الكسندر الأكبر جاء إلى هذه الجزيرة ليتزود بنبات (الألوي فيرا) الذي يوجد في هذه الجزيرة ليجدد به نشاط قواته. احتل طرف العالم هذا من قبل البرتغاليين، ثم أصبح مركزاً استراتيجياً للمحمية الإنجليزية (عدن) قبل أن تصبح جزءاً من جنوب اليمن عام 1967م، ثم اندرجت تحت حكم السوفييت التي لاتزال حفنة من دبابتها ومدافعها الصادئة على مشارف منطقة قلنسية تشهد على ذلك، فأثناء وحدة البلاد انضمت جزيرة سقطرى أخيراً إلى الجمهورية اليمنية فأثناء افتتاح مطارها عام 1999م تكاثر في الجزيرة علماء الطبيعة وعلماء النبات وغيرهم من المتخصصين في مجال علم الدلالة البشري والنباتي، جذبتهم حكايات المستكشفين (خاصة الحملات الأكاديمية للعلوم في فينيا حديقة النباتات الملكية في أدينمبرج في مطلع القرن العشرين) فالعالمة العالمية المفتونة عملت على اكتشاف هذه الأرض التي انفصلت عن القارة الإفريقية منذ (60) مليون سنة.. كانت تضم بعضاً من القبائل الرّحل الأصليين من جنوب الجزيرة العربية، وتضم أيضاً واحداً من أكبر الاحتياطيات الأسطورية من النباتات الاستوائية في العالم والآلاف من شجر دم التنين (دم الأخوين) والعديد من الأنواع المستوطنة التي لم يرَ مثيلها في أي مكان آخر، وأيضاً اللغة الأصلية هي لغة سامية غير مكتوبة خاصة بهذه الجزيرة فقط، فاللغة السقطرية غنية بالقصائد التي تعكس تقاليدهم وأعرافهم المتأصلة في القدم الخاصة بهذه الجزيرة، فقد عمل برناديت ليكليرك نوفو على إعادة كتابة النصوص كما كانت في الأصل عبر التسجيل الصوتي الدقيق للغة المهددة بالزوال بالتدريس الحصري للغة العربية في المدارس.. ظهرت برامج التنمية المستدامة والصيانة في السنوات الأخيرة مشتركة مع صناديق التمويل العامة والمبادرات الخاصة وموضحة المقدسات الطبيعية والتي منعت إقامة المخيمات بهمجية وعملت المنظمات غير الحكومية على تدريب السكان على حرث الحقول وتربية النحل والتجارة بالعسل وبأن الحاصلات الزراعية مطلوبة جداً من قبل دول الخليج. أخيراً انتشرت الطرق المعبدة بطريقة غير متوقعة منذ خمس سنوات بالإضافة إلى بعض الكيلومترات ابتداءً من منطقة حديبو.. السياح الذي يقدر عددهم ب3000 في عام 2007 أغلبهم من الايطاليين لم يتذمروا من ذلك أبداً لكن أحمد المرتفع بالكاد عن مستوى الأرض كان يعبر هضبة دكسام المظللة بالآلاف من شجر دم التنين (دم الأخوين) على قدميه العاريتين لمدة ساعتين ليلتحق بمدرسته، يبتسم ابتسامة عريضة وهو يحمل دفتر اللغة العربية تحت ذراعيه، أجمل ما في البدوي أنه يستقبلك بحفاوة بالغة في كوخه ثم يقوم بتقديم الشاي الملبن الحلو ساخناً.. وعلى حافة الطريق وجدنا امرأة ملفوفة بحجابها الملون على وشك أن تضع الابن الرابع عشر خلال أيام قليلة كانت بمفردها في الطريق وهي تدخل قطيع الماعز..تشاهد في الجزيرة الوديان الصغيرة التي تسيل على طول الصحراء، فالجزيرة مغمورة بجمال يبهر النفس.. هنا قطع دليلنا على قشرة شجرة دم التنين (دم الأخوين) ليحصل على مادة الرانتج الثمينة التي كانت تنزل إلى ما يسمى (ستراديفاريوس) واليوم تسمى سيلمى وصانع الفخار في حديبو يزين مجمرة العطور بهذه المادة في الأرض.. وهناك أيضاً الطهي على الجمر موجود على حافة الطريق وأيضاً يوجد على شواطئ قلنسية حمالون بمختلف الأعمار ينزلقون فوق المياه الشفافة محملين على رؤوسهم بأكياس الحنطة المعبأة كثيراً مثلهم يأتون من سفينة شحن عمانية.. في الطرف الآخر من الجزيرة هناك خليج صغير يسمى خليج الارخر مرسوماً بالفرشاة الإلهية يأوي فيه معسكراً صغيراً.. كانت السماء مليئة بالنجوم وستمر بلا شك الدلافين بالحال لتتناول فطورها، فيفضل ألا تتخيل أن يأتي يوم تغير من سحر الواهي لهذه الجنة بالأسمنت، فهي سليمة لأنه تعذر الوصول إليها حتى القرن الواحد والعشرين. - صحيفة لوفيجارو الفرنسية