قيادي حوثي يواصل احتجاز طفل صحفي ويشترط مبادلته بأسرى حوثيين    وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع الأصبحي يتذكر..الحلقة 15
نشر في الجمهورية يوم 09 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
قصيدة الرويشان
فانبرى الشيخ محمد يحيى الرويشان، وارتفع فوق صخرة وأنشد قصيدة شعبية رائعة، نوردها هنا:
حنيت ماحنت الشرفة وطالب شرْ
حنين أبو شمس ذي له فعل ندَّارِ
حنين مركب غلط في البحر وتحيرْ
ماحنت الميج تقذف سمَّها الناري
مابي مخافة ولاموجع ولابي شرْ
إلا من أهل السياسة وأهل الأفكارِ
ذي فرحونا، وقالوا شعبنا اتحرّر
وهانوا الحرية والناس الأحرارِ
والسيد «1» ابصرت مافي دولته سّبر
حكم علينا بقيله والتسيطارِ
إن جيت أميلك فهذا عاب يتعذّرحلفت مازيد أميلك طول الأعمارِ
وإن جيت أجمهر فقلبي منها أتكدّر
وإن جيت بااصبر فكم جهدي تصبارِ
ما أنا فلا لاح لي الأيمن ولا الأيسر
من بيده الأمر فأعماله تضرّارِ
ياعلة السّل ذي ما طبها دخدَرْ«2»
ولامداوي نقض هاتيك الأسحارِ
مشائخ الشعب هم أصل البلا والشر
أيش المكلف عليهم وأيش هو الجاري
واحنا علينا وثن«3» لانربش المحضر
لو مابقى من رجال العز مغوارِ
مادام عاد بهّ دول باتديَ المعبر
وعاد صفر المجاري فوق الأغمارِ
مْيلك وجمهرْ وما الله قدره قدّر
لابد بعد الغلس من ضوء الأبكارِ
وعندما ذهب وفد من كبار الشخصيات اليمنية لزيارة مصر ومقابلة الرئيس جمال عبدالناصر في إبريل 1963، أمر المشير عبدالله السلال أن يرافق الوفد الدكتور البيضاني، وكان المشير السلال قد حمّل أحد أعضاء الوفد رسالة إلى الرئيس جمال عبدالناصر يطلب فيها بقاء الدكتور البيضاني في مصر، وعدم عودته إلى اليمن، لأن البيضاني كان يراسل سلاطين الجنوب وبعض المسؤولين في حكومة عدن، لفصل اليمن وتشطيره طائفياً، والرسالة موثقة في ملاحق هذا الكتاب.
وعندما قابل الوفد عبدالناصر، واستأذنوه بالعودة إلى اليمن أذن لهم، ماعدا البيضاني فقد قال له: ابقَ هنا في القاهرة، ولاداعي للعودة إلى اليمن، فأصابه الذهول، وظل هناك، ولم يعد، والبقية يعرفها الدكتور البيضاني، والعقيد حمود بيدر، وربما العقيد علي عبدالله السلال.
ولا أود هنا أن أربط الأحداث التاريخية التي مرت بها اليمن فتلك الأحداث أتركها للمؤرخ، والمنقب، والباحث المدقق عن كل مجريات الأمور التي مرت بها الثورة في عمرها الأول، وماتوالت بعدها من أحداث جسام، وإنما همي الآن يقتصر على سرد أحداث ظلت عالقة في ذاكرتي فرأيت أنه من واجبي أن أسردها سرداً.. ليسهل على القارئ البسيط من عامة الشعب قراءتها وفهمها.
أعتذر للقارئ، ثم أعود إلى الشخصيات اليمنية الكبيرة التي طُلب منها مغادرة اليمن إلى القاهرة.
ذهب كل من طُلب منهم السفر إلى القاهرة، والمعّينون في السفارات ماعدا الشهيد علي الأحمدي، فقد التقيته في القصر الجمهوري، بعد أن قابل المشير عبدالله السلال، وهو مربدّ الوجه متألم لا على إقصائه من وزارة الإعلام وتعيينه وزيراً مفوضاً في ألمانيا الغربية، ولكنه كان متألماً جداً لخروج رجالات اليمن إلى خارجها، واليمن في أمس الحاجة إليهم وفي هذا الوقت بالذات، ثم أضاف يقول:
«أما أنا فلم أقابل وزير الخارجية، ولن أقابله، وسأعود إلى رداع التي ينتظرني فيها آلاف الشباب من الحرس الوطني الذين جاءوا من كل صوب للدفاع عن الثورة والجمهورية».
اغتيال الشهيد الأحمدي
وفعلاً عاد في اليوم التالي إلى رداع فالتف حوله الشباب، وألقى فيهم كلمة حماسية، وكان خطيباً لسناً، باللغتين العربية والإنجليزية، وكان بجانبه آنذاك الأستاذ محمد عبدالوهاب جباري، الذي دفعه الحماس إلى إلقاء كلمة تشجيعية على المجندين، وكما أتذكر أن الأستاذ سعيد محمد الحكيمي كان حاضراً، وكان رحمه الله يريد أن يزحف إلى مدينة «حريب» ويعسكر هناك لكي يتصدى للمرتزقة الذين يتسللون من بيحان لإجهاض الثورة والجمهورية، ولكن.. وما أكثر لكن.. !! إن شخصية الأحمدي القيادية، والتي اجتذبت الجماهير، لم ترق لأولئك الذين لايريدونه، فإذا بهم يغتالونه ليلاً.. فقد خرج من بين المجندين ليقضي حاجته، وهناك أطلقوا عليه النار من مكامنهم، فأطلق صرخة واحدة ثم خرّ صريعاً.. وفي اليوم التالي تفرق المجندون وتوجهوا إلى قراهم، وقد أصابهم الذهول من هول الصدمة.
لاتستغربوا أيها الأحباب فقد أصبت أنا أيضاً بالذهول وأنا استمع إلى إذاعة «لندن» وهي تذيع ذلك النبأ المفجع، وكنت وصديقي علي محسن الزرقه التقيته في تعز قادماً من قطر متجهين إلى الحديدة بسيارة أجرة، فلما رآني ذاهلاً ربَّت على كتفي لكي أفيق من ذلك الذهول والصمت المخيم، فإذا بي انفجر باكياً وبشهيق، وهذا أجمل شيء صنعته في تلك اللحظات، وهو التنفيس عن كربتي وحزني بتلك الدموع السواخن فكفكفت دمعي، وأفقت من هول الصدمة، وسكنت نفسي.
وهنا أتذكر قول الشاعر، وأظنه، إسماعيل صبري:
ليس لي في الخطوب دمع يراقُ
فبكائي الذهول والإطراقُ
ويطاق الحزن الذي يلد الدمع
وليس الحزن العقيم يطاقُ
نعم قُتل الأحمدي، وربما ارتاح الشامت، وفرح الحاقد.
«خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقّري ما شئت أن تنقّري»
ومع هذا فإني أقول:
«فقل للشامتين بنا: أفيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا»
أتذكر أيضاً أنه من ضمن من أُمر بمغادرة اليمن الشاب الخلوق «الدينامو» والمفكر السياسي المحنك «عجزت النساء أن يلدن مثله» محمد نعمان، الذي قتل في بيروت فيما بعد، في مسرحية معروفة.
ولا أنسى صحيفة «لوموند» الفرنسية وهي تؤِّبنه، فقد كان سفيراً لليمن في باريس، ومن هناك عرفوه، قالت صحيفة «لوموند».. أتذكر هذه الفقرة: «لقد اغتالوا رجل الحوار، رجل اليمن الفذ»، ثم أضافت: «إنه من أبرع الدبلوماسيين والسياسيين في الشرق الأوسط».
تعين قائماً بالأعمال في «يوغسلافيا» بدون ميزانية، ثم رافقه الأستاذ حسين السفاري، فقبل طائعاً مختاراً، وذلك خدمة لليمن، وإلا فإن أباه محمد سعيد غالب السفاري من كبار التجار في عدن، وكان حسين مدير أعمال والده.
عوده بعض الزعماء
في مطلع عام 1963م، عاد زعماء كثيرون إلى وطنهم اليمن، ماعدا الأستاذ أحمد محمد نعمان، فقد ظل في الجامعة العربية، واللواء الجائفي الذي كان سفيراً في القاهرة، كما عاد الأستاذ محمد نعمان من يوغسلافيا ثم عاد حسين السفاري، ولكن إلى عدن ليدير أعمال والده هناك، ومع ذلك فلم يقصِّر في العمل الوطني وكما عرفه صديقه العميد محمد علي الأكوع كما عاد إلى عدن أيضاً المرحوم الشهيد محمود عشيش، إلى عمله في المصافي بعدن.. وقد انضم فيما بعد إلى الجبهة القومية، وكان عضواً بارزاً فيها.
لقاء خاطف مع البيضاني
في يونيو 1963م، اتجهت جواً إلى القاهرة، في طريقي إلى سويسرا ثم اتصلت بالدكتور البيضاني، وكان يسكن في «المنيل»، فدعاني إلى مأدبة غداء في منزله.. وحينها بلغته رسالة شفوية من صديق معروف في عدن وهو حسين علي البيومي وزير الإعلام في حكومة عدن المستعمرة آنذاك، فاطمأن لي.
وقد حدثني بأنه يريد الذهاب إلى عدن، وسوف يلتقي صديقاً في «بون» بألمانيا الغربية، والحديث طويل «والمجالس أمانات»، وبما آتي على ذكر الحديث، إذا سمح لي الدكتور البيضاني.
عودة إلى جمعية الهلال الأحمر اليمني
كانت إذاعة صنعاء قد أذاعت بياناً بأرقام الأسرى من الجنود السعوديين، وقدوصل آنذاك إلى صنعاء موظف كبير موفد من قبل جمعية الصليب الأحمر الدولي لكي يشاهد عن كثب أحوال الأسرى،وبطبيعة الحال، وبحكم منصبي كمدير عام الهلال الأحمر اليمني، التقيته وأنزلته في دار الضيافة، حيث لم يكن يوجد فندق واحد في صنعاء وآنذاك، أخذنا ترخيصاً من وزارة الداخلية، وذهبنا معاً لزيارة بعض السجون، وبعد زيارتنا لسجن «القلعة»، وبالتالي سجن «الرادع» لم نجد في هذه السجون أسيراً سعودياً واحداً.. ماعدا بعض الأسرى والمسجونين ولكن من قبائلنا اليمنية.
وقد ظل مندوب الصليب الأحمر يطرح علي الأسئلة والاستفسارات :
أين الأسرى؟ وكنت أسوف، وأتهرب من الإجابة على أسئلته، وقد ذهبت إلى الأخ علي محمد سعيد، باعتباره وزير الصحة، ورئيساً لجمعية الهلال الأحمر اليمنية، وأخبرته بما جرى،
«اسمع إن الذين يحاربوننا هم من قبائلنا، من اليمنيين المرتزقة»!!
دخول جمعية الأحمر اليمنية كعضو في جمعية الصليب الأحمر
عندما جاء مندوب الصليب الأحمر إلى صنعاء.. ظللت أرافقه، وقد ساعدني في ذلك إجادتي للغة الفرنسية التي كان لايتحدث بها في اليمن سوى أفراد قلّة، ثم تركت تحت إمرته سيارة جيب كان قد تبرع بها المرحوم المتحمس محمد علي الشيباني، وربما كثير من شبابنا لايعرفون شيئاً عن هذا الإنسان الطيب والكريم، فهو من الشخصيات الكبيرة ومن الذين ساهموا، وقدموا خدمات جليلة للوطن قبل وبعد الثورة، كما لا أخال القراء يجهلون شقيقه سعيد علي الشيباني الملقب «الجريك» الصحفي اللامع والساخر، وصاحب جريدة «الصباح» التي كانت تصدر في الحديدة،وقد قال لي مندوب الصليب الأحمر.
«إن جمعية الصليب الأحمر الدولية سوف تنظم مؤتمراً عالمياً بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس الصليب الأحمر الدولي الذي تأسس عام 1863م، وإنه سوف توجه دعوات إلى جميع أنحاء العالم، ولهذا فإننا سوف نوجه لك دعوة لحضور هذا المؤتمر.. كما إننا سوف نرسل لك تذاكر سفر إلى صنعاء».
فوافقت بفرح بالغ، وسرور لاحدود له للسببين التاليين:
أولاً: لأني سأخرج من هذه الدوامة التي أقضت مضاجعي.
ثانياً: لكي أسجل اليمن كعضو في جمعية الصليب الأحمر الدولية، لأن اليمن لم تكن مسجلة كعضو في هذه الجمعية حتى ذلك التاريخ.
وفي نهاية يوليو 1963م،غادرت القاهرة متوجهاً إلى جنيف «سويسرا» وكان معي في تلك الرحلة عضو بارز في جمعية الهلال الاحمر المصرية أتذكر اسمه الدكتور أحمد حلمي شاهين.. وذلك لحضور هذا المؤتمر، والذي استمر مايقرب من شهر، كنا خلاله ضيوفاً على جمعية الصليب الأحمر الدولية.
حضر هذا المؤتمر مايقرب من ثمانين جمعية من شتى بقاع العالم،وكان كل وفد يضم شخصين أو ثلاثة أشخاص من كل بلد.. كما خصصت لنا حافلات للتنزه في أكثر مدن سويسرا والتعرف على معالمها الحضارية، وقد فوجئت ذات يوم بالدكتور شاهين يسألني:
يامحمد: أنتم في اليمن تضعون قيوداً حديدية على أقدام المسجونين؟
فقلت له: لماذا تطرح علي هذا السؤال؟
فأجاب:إن أحد أعضاء جمعية الصليب الأحمر الدولي هنا أراني قيوداً وقال لي: إذا أمكن أن تستدعي المندوب اليمني لأطرح علية بعض الأسئلة. وعندما دخلنا مكتب عضو الجمعية السويسري، تبادلنا التحايا وقد أراني قيدين ثقيلين صدئين، ثم سألني قائلاً:
«هل صحيح أنكم في اليمن تضعون مثل هذه القيود في أرجل المسجونين؟ ومثل هذا القيد الذي أمامك؟».
وعلى الفور كانت إجابتي بأن كشفت عن ساقي وأريته أثر جرحين متقابلين في كلا الساقين، وقلت له:
انظر بإمعان أثر هذه الجراح.. إنها من أثر القيود، حيث لم يكن يسمح لنا بعلاج الجراح، إلا ببعض المسكنات أو بعلاج بدائي، فسألني:كم قضيت في السجن؟ فقلت له: ثلاث سنوات، لأنني طالبت بالحرية لبلادي، فاقتنع بأن القيد من مخلفات الماضي، ووعدته بأن ذلك سيزول.. ولكن .. وما أمّر لكن!
في صحبة الزبيري
عدت من سويسرا إلى القاهرة ،ومنها اتجهت إلى اليمن،فكان وصولي ،واليمن تشهد مؤتمراً،دعا إليه شهيد اليمن القاضي محمد محمود الزبيري إنه«مؤتمر عمران» وقد كتب الكثيرون عنه..ولاداعي للخوض فيه هنا.
في أوائل عام 1964م راق لي أن أرافق الأستاذ الزبيري إلى «أرحب» وكان الأستاذ رحمه الله يخرج إلى المساجد والقرى المتناثرة هنا وهناك يلقي الخطابات الحماسية الدينية والوطنية..أما أنا فبعد تناول طعام الغداء كنت أقعد لمضغ القات بين القبائل الكرام.وكان المحل الذي نزلت به هو «بيت مهدي» كما أتذكر وأذكر أن واحداً منهم سألني عن سيف حميد..الذي كان قد نزل عليه ضيفاً في الحصن «نعامه» أي أيام الإمام يحيى فقلت له:إنه عمي شقيق والدي.
أقول أن المقيلين لمضغ القات كانوا خليطاً من الجمهوريين والملكيين،وكعادتي بدأت حديثي عما قاساه الشعب اليمني من الظلم والجور والإرهاق بالضرائب،وكنت أضرب الأمثلة مما كان يحدث للشعوب من الظلم والاستبداد وضربت لهم مثالاً الشعب الفرنسي الذي ثار على الطغيان والقهر والإذلال قبل مئتي عام ،وإذا برجل ينبري لي من بين المقيلين رافعاً صوته قائلاً:
«اسمع ياذاك..خليك من «الجمغورية» حقكم وكان يعني «الجمهورية» ،ثم أضاف يقول: الله يحفظ المام «الإمام».
وقد انزعج بعضهم من جرأة هذا الرجل ،ولكنهم لاذوا بالصمت،فعرفت إني بين ملكيين. ولم أجد أمامي إلا أن أبدد ذلك الصمت ،فأنشدتهم بعض القصائد الشعبية التي كنت أحفظها، وختمت ذلك بقصيدة للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،من قصيدة مطلعها:
ويممت همدان الذين همُ همُ
إذا ناب أمر كاهلي وسنامي
وأنهيت هذه القصيدة بهذا البيت:
ومن «أرحب» الشم المعاطيس بالقنا
و«نهم» وأحياء السبيع ويام
وللحقيقة والتاريخ أقول:إني لم أكن أخشى غدرهم،أو القبض عليّ لتسليمي إلى جهة ملكية ليحصلوا على مكافأة مالية..أبداً. لم ينتبني شيء من الذعر أو الخوف،ذلك لأني أعلم وأثق بأن قبائلنا وعشائرنا اليمنية متحلية بالأخلاق الكريمة والقيم العالية الفاضلة،تحكمهم عادات وأعراف لايحيدون عنها.. وياليتها تبقى صافية،دون أن تعكرها الدروشة وتتسلل إليها الدعوات الناخرة في الأجسام والعقول والنفوس.
المهم أنهم أكرموني،وأعزوني أيما إعزاز،وفي اليوم التالي استأذنتهم في العودة إلى صنعاء،وفي الحال احضروا لي سيارة ومرافق إلى صنعاء،وقد تركت لديهم رسالة لأستاذنا الزبيري أخبره فيها بعودتي إلى صنعاء،وفي الطريق التقيت الصديق القديم الشيخ يحيى العذري الذي حاول إعادتي إلى أرحب ليستضيفني.
بيد أني اعتذرت له.. ولكن كرمه أبي عليه إلا أن يعود معي إلا أن يعود معي إلى صنعاء وللتاريخ:فإن الأخ يحيى العذري،كان من ضمن الذين التقيتهم في المملكة العربية السعودية ولم يقصَّر في نشر التوعية بين اليمنيين هناك عامي 57. 1958م.
وإن أنسى لا أنسى الصديق المناضل عبدالوهاب حمود جغمان الذي ساعد الحركة الوطنية،وساعد أخاه يحيى جغمان الذي كان يدرس في الكويت ،ولكن «....»
ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة
بين الرجال وإن كانوا ذوو رحم
أجل..عدت إلى صنعاء،ومازالت هذه الحادثة عالقة في ذاكرتي،أرددها لبعض الإخوة الذين يستمرئون القتل والخطف والغدر..والقتل بالهوية.أجل عدت إلى صنعاء، ثم...
وفي هذه الأثناء وصلتني برقية من مدير فرع الهلال الأحمر اليمني وهو على ماأتذكر علي عمر النابهي،الذي كان مدرساً قبل الثورة في مدرسة النهضة، يفيدني فيها بأن حريقاً قد شب في الأرياف في ناحية الزيدية المجاورة للحديدة. ومن حسن الحظ أن سيارة إطفاء كانت قد وصلتنا من عدن تبرع بها الفاضل أحمد هائل سعيد أنعم..أفادتنا كثيراً في إخماد الحريق،وقد نزلت فوراً إلى الزيدية..وتم احتواء الموقف وإطفاء الحريق. وحضر إلى ناحية الزيدية محافظ لواء الحديدة المرحوم القيل الكريم المتواضع أمين أبوراس.
ثم توالت الأحداث في اليمن والشرق الأوسط،فتركت الهلال الأحمر ولم أعد أستلم مرتباً..حيث لم يعد هناك دخل، أو تبرع،أو اشتراكات،فخجلت،وتركت الكازا«الخزانة» للأخ حسين عسلان ..إذا بقي فيها شيء يكون مرتبات لباقي الموظفين.
عاد استاذنا الزبيري إلى صنعاء،ونزلت برفقته إلى تعز التي كانت تغلي كالمرجل «مناطقية ،عشائرية ،قبلية ،طائفية» وإذاعة عدن ما فتئت تغذي تلك النعرات والعمل على توسيع وإثارة الخلافات والفتن.
وقد اجتمع الشهيد الزبيري في اليوم الأول بالإخوة أمين عبدالواسع
نعمان أمدّ الله في عمره مع المرحومين «الشيخ صالح الرويشان، ومطيع دماج ،وأمين عبدالواسع نعمان» ثم عقدوا اجتماعاً في اليوم التالي،وكنت حاضراً معهم..وقد اتضح للجميع أن الذين أثاروا تلك النعرات هم أشخاص منتفعون..وعلى أية حال فقد مرت تلك القضية بسلام «كسحابة صيف».
وبعد ذلك أصرّ أستاذنا الزبيري على أن أرافقه إلى «يريم» وكان العامل فيها «المدير» آنذاك المرحوم الشيخ يحيى بن ناجي القوسي،الرجل الكريم المضياف الذي كان على خلق رفيع ،والابتسامة لاتفارق شفتيه.وقد مكثنا أسبوعين..نذهب إلى أي مكان ثم نعود إلى يريم.
ولقد أتيحت لي فرصة العمر،حيث خرجنا بمعية أستاذنا الزبيري إلى حقل «قتاب» أو «كتاب» وقمنا بزيارة خمسة سدود على ماأتذكر..
وهي لاتزال قائمة،ويطل على هذه السدود «الجبل» المنيف «ظفار» عاصمة الحميريين،وإنها وأيم الله تستحق الزيارة «من كل يمني» يقرأ التاريخ ،لدقة صنعها،وقوة بنائها،وهي:
«سد سجل ويهجن وهرّان وصعفان» وأخيراً سد «لحج» بجانب قريتي عراس اللتين لاتبعدان عن مدينة يريم سوى ثلاثة كيلو مترات
وحقيقة: إني كنت أعتقد أن الحسن بن أحمد الهمداني يبالغ حينما نسب إلى أسعد تبّع قوله في وصفه للسدود اليمنية، عندما قال في قصيدة طويلة منها:
وفي البقعة الخضراء من أرض يحصب
ثمانون سداً تقذف الماء سائلاً
أما بعد أن شاهدت تلك السدود العظيمة، فقد أيقنت أنه كان صادقاً.
وذات يوم اقترح أستاذنا الزبيري القيام بزيارة «دمث» لاسيما «الحَرَض»، ومن الغريب أنني سألت الأستاذ:
هل نستطيع أن نمر على منطقة «الذاري»؟
فأجابني: بأن طريقنا إلى دمث تمر على الذاري، ولكن قل لي:
ما شأنك أنت والذاري؟
قلت: سأهتبل فرصة مرورنا هناك لكي أوفق إن شاء الله بزيارة السيد محمد الذاري الذي صنع معي جميلاً أيام الملكية دون أن يعرفني، فانفجر- رحمه الله - ضاحكاً، وقال:
«إن السيد محمد الذاري هو نسبي، وكل همي هو زيارته، وزيارة شقيقتي»، ولشد ماسررت بهذا النبأ.
وصلنا منطقة الذاري الخصبة ظهراً، وإلى منزل السيد محمد الذاري الرجل الكريم المضياف الذي يقول الحق دون خوف أو وجل ولو على نفسه، وفي اليوم التالي قطعنا الطريق إلى دمث بين صخور جبلية وقاسية حتى وصلنا ظهراً.. وقد مررنا بذلك الوادي الجميل الذي تتدفّق مياهه بغزارة، وفي تلك السائلة عين ماء كبريتية حارة «فوَّارة» يقصدها الكثيرون للعلاج، ثم صعدنا الحرضة الكبرى، وهي عبارة عن تلة يصل إرتفاعها إلى حوالي مائة وخمسين متراً، وعرضها خمسون متراً تقريباً، وكانت المياه المعدنية فيها تسيل بغزارة كبيرة جداً، وهي على ذلك الحال منذ آلاف السنين، وفي جنباتها تسيل المياه الحارة، وقد صنع لها الفلاحون أحواضاً لتبرد.. وقد شربت من ذلك الماء، وله مذاق لذيذ، وطعمه يساوي «الصودا» ولكنه بحاجة إلى تحليل، ولا يوجد شبيه لهذه «الحرض» لا في الشرق ولا في الغرب، ماعدا - كما قيل لي - في «المكسيك»، وبعد مايقرب من اسبوعين خرجت متخفياً من يريم ومن الأستاذ الزبيري، فقد نفد ما معي من نقود، وأصبحت لا أملك ريالاً واحداً رغم أن كل شيء موفر لنا سواء عند الشيخ يحيى بن ناجي القوسي أو عند أعيان يريم، الذين أغرقونا بالمآدب والحفلات والقات، ولكنه لابد للإنسان من مصاريفه الخاصة كالسجائر لعنها الله والتي يستحي المرء أن يطلبها من مضيفيه.
لقد يممت شطر محطة صنعاء لسيارات الأجرة.. وهناك واجهتني مشكلة الدفع المقدم لإيجار السيارة.. تحدثت مع السائق الأول والثاني والثالث فكانوا جميعاً يريدون مني أن أدفع الأجرة مقدماً، وهذا ما لا أملكه، فقلت للسائق الثالث: أوصلني إلى فندق صنعاء، وهناك سوف أعطيك الأجرة مضاعفة «دبل»، وإذا بشخص قد عرفني وعرفته - واسمه «خيري» - يدفع عني ثلاث ريالات.
والطريف في هذا أن الأستاذ الزبيري عندما عاد إلى صنعاء بعد ثلاثة أيام من سفري، عاتبني لأني تركته، وذهبت إلى صنعاء بمفردي! فقلت له: إن جيبي خلا من كل ريال لبعض حاجاتي، وكنا لانخجل من بعضنا بعضاً، وليس بيننا أي تكليف، فأجابني بتلك الطيبة والطهارة: «كنت سوف تخبرني - وسوف أستلف نقوداً لي ولك».. نعم هكذا كان.
بعد شهرين تقريباً من عودة أستاذنا الزبيري إلى صنعاء وبعد أن تجول وتنزه في المناطق التي ذكرتها، والتي غالباً ما كنت أرافقه فيها.. لم يطق البقاء في العاصمة صنعاء، فشد الرحال إلى «أرحب» و«خولان»، ثم استقر به المقام في جبل «برط»، حيث صحب معه المناضل الأستاذ محمد عبدالله الفسيل.. ثم انضم إليهما - على ما أتذكر - عبدالملك الطيب، وعبدالمجيد الزنداني، وراح يصدر صحيفة تحت اسم «حزب الله» أواخر عام 1964م، وبداية 1965م، كانت تصل تباعاً إلى القاضي عبدالرحمن الإرياني، والأستاذ أحمد محمد نعمان.. وكنا نقرؤها معاً.
وقد اختار هذا الاسم للصحيفة بسبب أن الملكيين كانوا قد أشاعوا بين الناس البسطاء من عامة الشعب، والسذج منهم خاصة، بأن الجمهورية هي خروج عن الإسلام، لذلك أطلق على هذه الصحيفة اسم «حزب الله».
استشهاد الزبيري
كانت هناك مطاردة للزبيري قبل استشهاده ببضعة أشهر، فقد نصبوا له عدة كمائن، ولكنهم لم يتمكنوا منه لسرعة تحركه بين القبائل التي كانت تقابله بالترحاب، وقد حكى لي قصة حدثت، اطمأن إليها، ولم يحذر، فما كل مرة يكون المرتزق شريفاً، وهي:
أن الملكيين دفعوا مبالغ من الجنيهات الذهبية، وأغروا بعض الأفراد من قبيلة «أرحب» لقتله، لأنه كان دائماً يمشي بدون سلاح ولا حراسة.. لكن الضمير الشريف والنظيف إلى جانب الأعراف القبلية والأخلاق والقيم والمبادىء النبيلة، أبت عليهم تنفيذ ماطُلب منهم، ولم يكتفوا بالرفض فحسب بل توجه شخصان منهم للقاء الأستاذ الزبيري، وبعد أن سلما عليه بكل أدب واحترام وضع بين يديه مبلغاً لا بأس به من الجنيهات الذهبية، وأبلغاه أنهما كانا مكلفين باغتياله مقابل ذلك المال، وقالا له:
«لقد لاحقناك، فوجدناك على عكس مايزعمه أعداء الوطن.. أنت مصلح وعالم كبير ليس لك مطمح ولا مطمع سوى مصلحة هذا الشعب.. والآن خذ هذا المال، واعتبره حلالاً لك منّا وليس من أحد».
فاغرورقت عيناه بالدموع، ثم حمد الله كثيراً على أن الأخلاق الفاضلة والقيم الرفيعة والخصال الحميدة لاتزال متأصلة الجذور في شعبنا، ثم أعاد إليهما المبلغ، شاكراً لهما صنيعهما وأخلاقهما الفاضلة، وقال لهما: «تأكدا تماماً أن هذا المال أصبح حلالاً صافياً لكما ودعا لهما بكل خير، ثم انصرف».
كان حينها قد اتفق مجموعة كبيرة من زعماء اليمن من ذوي الفكر والعلم على اللقاء في «برط»، يتقدمهم القاضي عبدالرحمن الإرياني وأحمد محمد نعمان، وأتذكر أنه كان من ضمنهم، القاضي عبدالكريم العنسي ومحمد السياغي، وأحمد عبده سعيد، وآخرون.
المهم.. كان الركب كبيراً.. فوصلوا إلى «برط»، والتقوا زميلهم ورفيق دربهم القاضي محمد محمود الزبيري، ونزلوا ضيوفاً على «ذو محمد» والشيخ أمين أبو راس.
وقبل عودتهم إلى صنعاء أصرَّت قبيلة «ذو حسين» على دعوتهم جميعاً، فقبلوا الدعوة، وسار ركب طويل عريض من زعماء اليمن ومن رافقهم حتى وصلوا إلى قرية قديمة - وهي مشهورة - تُدعى «أرجوزة» وهناك وقعت الكارثة.
إن الملكيين لم ييأسوا من اغتيال الزبيري، فقد كلّفوا شخصين آخرين لاغتياله، فكمنوا له بالقرية الخربة وصوبا بندقيتهما إلى صدره، فأردياه قتيلاً.
بحثت عن هبة أحبوك ياوطني
فلم أجد لكَ إلا قلبي الدامي
وأغلب الشعب اليمني عامتهم وخاصتهم يعرفون تفاصيل قصة اغتيال الشهيد الزبيري.
أقول: وكانت ستحدث فتنة، وربما حرب بين «ذو محمد» بقيادة أمين أبو راس و«ذو حسين» بسبب لجوء القتلة إلى قرية في «ذو حسين».
وأخيراً سُلم القتلة إلى القيل المرحوم أمين أبو راس، ثم نقلاً إلى «خَمِر» لدى الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، ووضعا هناك في سجن «مهلهل» ثم...!!
هوامش
1 السيد = الإمام
2 دخدر = دكتور «طبيب»
3 وثن = قسم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.