العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع حميد الأصبحي.. يتذكر
نشر في الجمهورية يوم 12 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
18
الحلقا
الدكتور عبدالرحمن البيضاني وبس
أتذكر أني قرأت في العام الماضي وفي صحيفة «الشورى» مقالاً بقلم البيضاني رداً على الأديب الكاتب زيد بن علي الوزير،ولأن البيضاني قد حشرني حشراً زاعماً أنني والمرحوم الأستاذ قاسم غالب كنا وسيطين له لدى الأستاذ أحمد محمد نعمان حيث كان هو راغباً كما يدعي في ثورة مسلحة في اليمن ولكن النعمان كان يرفض ذلك.
أولاً: أنا لم أكن وسيطاً على الإطلاق ، فلم أزر القاهرة منذ التقيته،وكنا أنا وعبدالرحمن عبدالله على الحكيمي قد التقينا أنور السادات في منزل البيضاني،في مأدبة عشاء كان قد أعدها البيضاني وحضرتها زوجة أنور السابقة وليست «جيهان» وزوجة البيضاني وأختها التي قدمت من الاسكندرية مع زوجها «محمد» ثم ذهبنا إلى المعمورة على شاطئ الاسكندرية لمدة أربعة أيام،وعدنا إلى القاهرة، وأذكر أني حاولت زيارة الأستاذين النعمان والزبيري لعلاقتي الوطيدة بهما منذ الأربعينيات ،ولكنه مع الأسف ضرب عليّ وعلى زميلي عبدالرحمن الحكيمي الحصار إلى أن حجز لنا تذاكر السفر،ثم ودّعنا إلى المطار،وعند وصولي عدن ذهبت تواً لزيارة الشهيد علي الأحمدي الذي لم أكن أقطع برأي دون مشورته، وحتى عندما وصلتني الدعوة مع تذاكر السفر بواسطة الزميل المناضل محمد قائد سيف، استشرته فقال سافر إلى القاهرة لنرى ما وراء هذا الذي ينفث من إذاعة صوت العرب وصحيفة «روز اليوسف» سموم الطائفية والعنصرية..وهكذا ذهبت إلى القاهرة كما أسلفت،وبقيت بعد ذلك متألماً لعدم تمكني من زيارتهما وقد كتبت لهما عدة رسائل اعتذار،وشرحت لهما كل شيء وأغلب رسائل الاعتذار كانت مذيلة بخط الأستاذ محمد أنعم غالب؛ ولم أزر القاهرة إلا عام 1963م عندما التقيته، أي البيضاني ،وحملت معي رسالة شفوية من المرحوم حسين علي بيومي الذي كان آنذاك وزيراً للإعلام في حكومة عدن،والحديث طويل حول هذا الموضوع،وقد كتب عني بأنه «أي البيضاني» أرسلنا إلى الراهدة مع عبدالرحمن الحكيمي لنجمع قبائلنا من حولنا،استغفر الله أنا ليس لي قبائل هناك ولم أعرف الراهدة إلا بعد قيام الثورة المباركة،وليس هذا المهم فالأهم هو: أن الزعيم اليمني الكبير بل صانع «النور» في اليمن الأستاذ النعمان قد ابتدأ نضاله في الثلاثينيات وأصدر كتيب«الأّنة الأولى» وهو في القاهرة قبل الحرب العالمية الثانية،ثم عاد إلى اليمن،ثم فرّ بجلده مع الأستاذ الكبير محمد محمود الزبيري وكانا يمثلان اليمن وكأنهما جسد واحد وروح واحدة،كما كانا يمثلان الوحدة الوطنية بحق وحقيق؛ والكتابة عن الأستاذ النعمان تحتاج إلى كتب وأسفار.
أقول عندما ألغى الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الاتحاد الفيدرالي بين الجمهورية العربية المتحدة واليمن، نتيجة قصيدة على لسان الإمام أحمد ،أذيعت من صنعاء الخ....فإن المسؤولين في الحكومة المصرية استدعوا الزعيمين اليمنيين الأستاذ النعمان والأستاذ الزبيري وقالوا لهما بما معناه؛ أن إذاعة «صوت العرب» مفتوحة على مصراعيها لكما وبإمكانكما أن تعلقا بما تريدان وبما يلائم سياسة الجمهورية العربية المتحدة. وهنا أجابهم النعمان بسخريته المعروفة واللاذعة:نحن لسنا كلاباً مسعورة تطلقونها للصراخ متى شئتم،وتأمرونها بالتوقف حسب هواكم، ابحثوا عن آخرين غيرنا وهنا لم يجدوا سوى «الدكتور عبدالرحمن البيضاني» وحينها بدأ تعليقاته من صوت العرب وبالتالي يكتب المقالات في صحيفة «روز اليوسف» فلا هذا ولا ذاك،وسوف أورد هنا ملاحظة وليس تاريخاً وإن كان ذلك جزءاً من التاريخ؛فالجمهورية العربية المتحدة،بعد الانفصال بين مصر وسوريا كانت في عداء أيضاً كما هو معروف مع بغداد أيام عبدالكريم قاسم، وفي عداءٍ والأردن ثم تونس والمغرب، وبالتالي المملكة العربية السعودية.
إذاً فإن القاهرة كانت تتابع أولاً بأول مجريات الأمور في اليمن كما أنها تعلم أن هناك تنظيماً سرياً للضباط اليمنيين الأحرار وكذا المدنيين من العلماء والمثقفين، وكان همزة الوصل هو «المرحوم محمد عبدالواحد» القائم بالأعمال في صنعاء الذي كان يتابع ويرفع كل شيء إلى القاهرة؛وأراني مضطراً للقول بأن الضباط الأحرار لم يكن لهم أية صلة بالدكتور عبدالرحمن البيضاني على الإطلاق،فمن هؤلاء الضباط من استشهد في ميادين البطولة والشرف وأتذكر منهم: علي عبدالمغني،صالح الرحبي، أحمد الصباحي، سعد الأشول ،أحمد الكبسي،محمد مطهر،ومنهم من مات كالمشير السلال والفريق حسن العمري،ومن الذين لايزالون على قيد الحياة حسين الدفعي ،عبدالله جزيلان،أحمد الرحومي ،محمد الخاوي ،صالح الأشول،على قاسم المؤيد ،عبدالله المؤيد،حمود بيدر،عبدالله الراعي،أحمد الوشلي،عبدالله عبدالسلام صبره وآخرون لا أتذكرهم الآن، هؤلاء كانت صلتهم بالقاهرة وبواسطة القائم بالأعمال محمد عبدالواحد الذي صار فيما بعد مدير مكتب أنور السادات
وسامح الله سعيد حسن فارع « إبليس» ومحمد قائد سيف ومحمد عبدالواسع حميد والأستاذ أحمد محمد نعمان،والحكاية طويلة ولا أريد الآن نبش الماضي؛ولقد ذكرت من قبل عن أستاذنا محمد عبدالله الفسيل وكيف غير القائمة التي جاءت من القاهرة.
ثم..ثم ماذا إخراج زعماء اليمن إلى القاهرة وتصوروا أن يعين الشيخ محمد علي عثمان وزيراً مفوضاً في السودان التي لم يذهب إليها.
الخلاصة أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فهم كل شيء بعد النكسة وأفاق بعد فوات الآوان.
وكل ماأطلبه الآن من الدكتور عبدالرحمن البيضاني أن يفيق ثم ومن الأفضل أن يلزم الصمت ،وكفاه مافعل عام 1994م أيام المحنة،حينما كان يتنقل بين صنعاء وعدن ويخطب ويصرح وأيضاً تحت اسم أنه كان أول نائب لرئيس الجمهورية في اليمن.
نصيحة من القلب للدكتور «عبدالرحمن البيضاني» فقد أكلنا عيشاً وملحاً وبلاش «بيضاني » ثم لحقه «مرادي» من أكل بيدين اختنق،وأخيراً وليس آخراً،أحب أن أقول كلمة وأنا صادق فيما أقول بأني: لا أود أن أنابذ الدكتور أو أجادله وأدخل معه في أخذ ورد وشد وجذب..كلا؛فلقد كتب الأستاذ أحمد جابر عفيف كتاباً تحت عنوان «البيضاني يرد على البيضاني» ،وكذا أستاذنا أحمد محمد الشامي كتب عنه في كتابه «رياح التغيير» أما أنا فقد عزفت عن الكتابة في مثل هذه المواضيع.
أتذكر أني كتبت عام 1965م جزءاً من مذكراتي تحت عنوان «أسرار لم تكشف» بدأته بقولي:بعد عودتي عام 1965م من مؤتمر حرض قرأت رؤوس أقلام على الصديق الحبيب الأستاذ محمد عبدالوهاب جباري فدهش كثيراً،ثم قال لي:إذا أتممت كتابة هذه المذكرات فسوف تكون ذات قيمة إذا فكرت في نشرها ولكني أنصحك بأن تذهب إلى «جبل طارق» ،أي أنت سوف تكون مهدداً وفي خطر؛أما إذا تركتها للمستقبل فلن تكون سوى مذكرات أو كتاب يقرأ كتاريخ؛ وبعد ثلاث سنوات من عودتي من الصين،وحينها كنت وزيراً للوحدة عام 1968م وفي شهر رمضان المبارك سهرنا في منزلي بتعز لمضغ القات وكنا أربعة: الدكتور عبدالكريم الإرياني وشقيقه أستاذنا مطهر الإرياني وعبدالرحمن شجاع وأنا طبعاً؛ وهنا قرأت عليهم جزءاً كبيراً من المذكرات ولشد ما كان إعجابهم كبيراً ودهشتهم أيضاً؛ ولاتزال هذه المذكرات في قريتي.
«عودة إلى عام 1966م»
قبل النكسة تعين «الدكتور عبدالرحمن البيضاني» سفيراً لليمن في لبنان بدلاً عن الأستاذ المناضل أحمد جابر عفيف؛وهنا ويا للأسى والأسف والحزن إذا بالسفير الجديد يستعدي السلطات اللبنانية لمطاردة الشرفاء من اليمنيين الذين نجوا آنذاك بجلودهم وأرواحهم من صنعاء وبالتالي من القاهرة،هرباً من الاعتقال بعد أن شاهدوا أن حكومة بأسرها معتقلة في سجون القاهرة،وطبعاً فإن الحكومة اللبنانية لبّت طلب السفارة اليمنية بتسفيرهم خارج لبنان،ومن هؤلاء ياترى؟الشيخ جازم الحروي الذي ضحى منذ الأربعينيات وأمر ولي العهد بهدم داره في تعز وتاريخه مشهور،والذي مدحه أستاذنا القاضي محمد محمود الزبيري بعدة قصائد ومنها:
ألا فليعش في مهجة الشعب جازم
فدته بحبات القلوب العوالم
ثم القاضي الفاضل عبدالجبار بن أحمد علي المجاهد ثم جميل محرم...ثم..المهم مايقرب من سبعين شخصاً؛فمنهم من سافر إلى اليونان ومنهم من ذهب إلى بريطانيا وهلم جرا؛
استطراد في مسألة النسب: الشاعر الحطيئة
عفواً وعذراً أيها القارئ الكريم،فقد رأيتني مضطراً لكتابة فصل صغير عن الدكتور عبدالرحمن البيضاني لأصحح ما كتبه عني، وهنا أجدني مضطراً لأن أورد نبذة قصيرة عن الشاعر المخضرم «الحطيئة».
اسمه الحقيقي على ماأتذكر «جرول بن أوس» العبسي والذي يعيبه أنه كان يتنقل في نسبه من عبسي إلى أسدي الخ.
وهو من أصحاب «المشوبات» مثله مثل النابغة «نابغة بني جعدة».
ويعود السبب في تسميته بالحطيئة إلى أنه كان فقيراً وكان يذهب إلى السوق لشراء طعام له ولأولاده الصغار فكان أصدقاؤه عندما يشاهدونه داخلاً أو خارجاً من منزله،يسألونه: أين كنت يا جرول؟أين ذاهب يا جرول؟ فيجيبهم قائلاً: سأذهب لأحطو أطفالي،أو كنت أحطو أطفالي،ولذلك لصق به هذا الإسم،ويقال أنه كان هجاءً مقذعاً أحياناً حتى أنه ذات يوم هجا نفسه، فقال:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما
بسوء فما أدري لمن أنا قائله
فمر على بركة ممتلئة ماء نميراً فرأى وجهه وكان دميماً مجدوراً فقال:
أرى لي وجهاً قبح الله خلقه
فقُبح من وجه،وقُبح حامله
وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب شكا الزبرقان بن بدر إلى عمر بهجوه بقصيدة منها:
دع المكارم لاترحل لبغيتها
واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
ومنها البيت الذي يعتبر من الحكم:
من يفعل الخير لايعدم جوازيه
لايذهب العرف بين الله والناس
ويذكرني هذا البيت بالشاعر العربي الكبير أبي الطيب أحمد بن الحسين «المتنبي» عندما كان يخلط الهجو بالحكم: مثلاً:
لايسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم
ومن البلية عذل من لايرعوي
عن غيه وخطاب من لايفهم
فأمر الخليفة عمر بن الخطاب بسجن الحطيئة، فأنشد الحطيئة قصيدة ليتشفع بها إليه ومنها:
ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخٍ
زغب الحواصل لاماءٌ ولا شجرُ
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمةٍ
فاغفر عليك سلام الله ياعمرُ
«وذي مرخ» قريته والآن تسمى «الغاط» في المملكة العربية السعودية» ومشوبة «نابغة بني جعدة» واسمه «قيس بن عبدالله بن عدس» التي مدح بها الرسول الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم عام 8ه،مطلعها:
خليلي عوجا ساعة وتهجرا
ولوما على ماأحدث الدهر أو ذرا
ولشد ماأعجبتني هذه الأبيات:
ولا خير في حلم إذا لم يكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له
حليم إذا ماأورد الأمر أصدرا
ففي الحلم خير في أمور كثيرةٍ
وفي الجهل أحياناً إذا ما تعذرا
كذاك لعمري الدهر يومان فاعرفوا
شرور وخير؛ لا بل الشر أكثرا
ونابغة بني جعدة أضاف إليه الأدباء قديماً جعدة ربما للفرق بينه والنابغة الذبياني الذي عاش قبل العصر الإسلامي وطبعاً هو من أصحاب المعلقات؛ومطلع معلقته:
عوجوا فحيوا لنعم دمنة لادار
ماذا تحيون من نؤي وأحجار
وكانت تنصب له قبة في سوق «عكاظ» فيحكم بين الشعراء..الخ.
والآن ربما يتساءل بعض القراء؛ لماذا أوردت هذه النبذة القصيرة عن الشاعر «الحطيئة»؟ مع أن هذا ليس من مواضيع الكتاب؛ فالجواب هو أني تذكرت «الحطيئة» عندما مررت في مذكراتي بأشخاص لم أحب أن أصرح بأسمائهم ولهذا فإن أترك معرفة ذلك وفهمها للقارئ الحصيف مع تقديري.
محمد عبدالواسع حميد الأصبحي يعين وزيراً
نعم..كيف تعينت وزيراً للوحدة؟
أولاً: أود أن أنوه للأعزاء القراء بأني لم أكن أول وزير للوحدة بعد استقلال الشطر الجنوبي سابقاً، كما يعتقد الكثيرون.
فقد كان الأستاذ الكبير ،الطيب ،الدبلوماسي عبده عثمان محمد الزبيري القدسي هو أول وزير للوحدة ،وقد ضاق ذرعاً ببعض الإخوة الذين كان يؤمل فيهم الخير أو الوحدة..لأنه كان وحدوياً حتى العظم من قبل الثورة، كان لايؤمن إطلاقاً بالتشطير،وكان باعتقاده أن الإخوة في الشطر الجنوبي سابقاً..بمجرد أخذ وثيقة الاستقلال سيعلنون الوحدة الفورية مباشرة،كما كانوا يدعون في خطبهم وفي محاضراتهم.هذا جانب،أما الجانب الثاني: فإنه أراد أيضاً أن يعود إلى إثيوبيا،لكي يستطيع أن يقدم خدمات أكثر.. فقد كان محبوباً هناك ،فهو يعتبر الدبلوماسي اللامع بين العرب في أثيوبيا.إن لم أقل بين الجميع.
وجانب آخر: أنه هو الذي رشحني وزيراً للوحدة خلفاً له،فقد ذهب إلى القاضي عبدالرحمن الإرياني،ثم إلى الفريق العمري، وقال لهما بأن الذي سيخلفني في الوزارة هو محمد عبدالواسع حميد...ولما كانوا يعرفونني حق المعرفة.فقد اقتنعوا برأيه، ثم ذهب أيضاً إلى الدكتور حسن مكي رعاه الله وكان وزيراً للخارجية،فاقتنع مع أني كنت آنذاك مرشحاً كسفير للجمهورية العربية اليمنية لدى الصومال، لأنه كان هناك مفوضية ليس إلا.
وقد نصحني الدكتور حسن مكي بأن أقبل وزارة الوحدة قائلاً: «أنت ذهبت إلى الصين بدرجة نائب وزير،أو وكيل وزارة والمرتب أقل..فلو قبلت أن تتعين وزيراً للوحدة لمدة ثلاثة أشهر فسوف تتعين من جديد سفيراً في الصومال، أو في غيرها،والمرتب سيكون أكبر»..فقبلت.
وقد أعلن في الإذاعة القرار الجمهوري بتعييني وزيراً للوحدة،كما تعين بقرار جمهوري أيضاً الأستاذ عبده عثمان محمد سفيراً لليمن في الإمبراطورية الإثيوبية..وقد أفاد كثيراً،ولولاه لحدثت أحداث جسام في تلك المظاهرات الصاخبة التي شنها الإثيوبيون ضد العرب،والعرب ليس إلا اليمانيين هناك.
فقد حدث أن سرب اليهود إليهم خارطة،عندما احتلوا الجولان ، بأن العرب «سوريا» بالذات يجزمون بأن إرتيريا عربية،وشعبها شعب عربي.
وهنا ثارت ثائرتهم،فهدأ عبده عثمان الموقف ،وعقد مؤتمراً صحفياً شرح فيه الوضع الصحيح بالتفصيل،كما قابل الإمبراطور هيلاسلاسي..الخ وبالتالي ذهب وفد كبير من اليمن إلى اثيوبيا على مستوى عال كان في مقدمتهم الدكتور محمد سعيد العطار رئيس البنك اليمني والأستاذ محمد أنعم غالب،والمرحوم الأستاذ محسن السري.
وقد عاد الوفد من إثيوبيا يوم وقوع الكارثة في اليمن.
قبلت أنا التعيين كما أسلفت وبعد مضي قرابة شهرين على تعييني إذا بالكارثة.وإذا بالمصيبة تقع في اليمن أي والله
لقد كانت أحداث 23أغسطس كارثة حقيقية كادت تعصف بالأخضر واليابس وكل الكتاب اليمنيين والعرب قد كتبوا عنها..لأن الحرب أهلية بين الجمهوريين أنفسهم، والملكيين حول صنعاء،ولولا لطف الله لانتهت الجمهورية.
أتذكر أني كنت في فندق السلام في شارع جمال عبدالناصر بصنعاء وجاء صالح الدحان وأخذ حقيبتي بمافيها من الملابس والتحف الصينية إلى شقة الأستاذ محمد أنعم غالب الذي كان مسافراً في أثيوبيا، أما زوجته وأولاده فقد كانوا في القاهرة، أخذني إلى هناك، وكنا ثلاثة: محمد سيف عقلان عمره الله والأستاذ صالح الدحان وأنا.
تسلل أحد المقاومين «المجانين» وتسلق المبنى إلى الدور السادس وقد مرت إحدى المصفحات في الشارع فأطلق عليها النار فردت عليه المصفحة بطلقة مدفعية اخترقت المؤسسة وأشعلت فيها النار..وكنت حينها خارج الشقة.. كما أن صالح الدحان ومحمد سيف كانا خارج الشقة أيضاً.
كنت حينها مع الأخ الأستاذ حسين علي الحبيشي المستشار القانوني آنذاك للمجلس الجمهوري ومجلس الوزراء كنا في عمارة بجانب القصر الجمهوري وهنا بدأت المعركة واستمرت قرابة سبعين ساعة استخدمت فيها كافة أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة ماعدا الطيران.
وذات ليلة بكيت..لاخوفاً على حياتي ولكن خوفاً على الجمهورية.. لأن الملكيين انتهزوا فرصة هذه الحرب الأهلية أو «الاقتتال الأهلي» فزحفوا على صنعاء حتى وصلوا إلى منطقة النهدين.. وهنا حدث الاتصال بين العميد مجاهد أبو شوارب وعبدالرقيب عبدالوهاب وبعض القادة المتحاربين كما أتذكر بأن يكفوا عن الاقتتال..لأن الجمهورية قد أضحت في خطر وأن الملكيين على مشارف صنعاء وهنا حدثت المعجزة، فتوقفوا عن الاقتتال وصوبوا جميع أسلحتهم صوب الملكيين الذين ولوا فارين يجرون أذيال الهزيمة.
كنت حينها قد تذكرت الثورة الفرنسية مع الفارق الكبير طبعاً كيف حدث الخلاف بين الثوار، وكيف سالت الدماء، فلما رأوا الخطر محدقاً بهم ومحيط بباريس، تجمعوا وحملوا على الأعداء وهزموهم هذا كمثال فقط.
انتهت الحرب الأهلية في اليمن، وذهب من ذهب إلى الجزائر وبعد المصالحة اجتمع مجلس الجمهورية ومجلس الوزراء، وبعض الضباط واتفقوا على أن يخرج الضباط الذين تسببوا في الاقتتال الأهلي من كل الفئات إلى الجزائر وهكذا..فذهبوا، يتقدمهم حسين الدفعي، كما أتذكر..وبعد شهرين عادوا إلى القاهرة.. فمنهم من عاد إلى صنعاء، ومنهم من عاد إلى عدن، هكذا بدون أي شيء هذه قصة قد كتبت وسأورد هنا قصة للمقارنة ليس إلا.
شهامة ومروءة
إبان الاقتتال الأهلي، سقطت قنبلة على المنزل الذي يقع في الصافية والذي كان فيه عبدالله أمين عبدالواسع نعمان، وصديقه سعيد قائد مدير المدرسة الأهلية حالياً فأصيب عبدالله أمين نعمان بشظية فظل يزحف ويسير ببطء حتى وصل إلى جانب العرضي وكانت هناك «زخات» من الرصاص كأنها المطر تتساقط عليه وعلى زميله فشاهدهما من على السور الأخ مجاهد أبو شوارب الذي كان يتقاتل مع عبدالرقيب عبدالوهاب وزملائه.
وقد عرف حينها عبدالله أمين نعمان، فاستدعى ثلاثة أو أربعة من رفقته وقال: إليكم إليكم.. انقذوا عبدالله أمين نعمان فهو مجروح ويزحف على رجليه فذهبوا واحضروه وزميله إلى جانب السور ثم ادخلوهما إلى منزل مجاهد أبو شوارب وظل يعالج عبدالله أمين نعمان حتى انتهت الحرب وعاد إلى منزله.
هذه مقارنة بسيطة أقولها للذين يقتلون على الهوية هذا العميد مجاهد أبو شوارب لم يقل حتى في نفسه إن هذا المجروح عبدالله أمين نعمان من ذبحان أو من بيت النعمان، وذلك الذي يقاتلني عبدالرقيب عبدالوهاب نعمان من ذبحان، سأقتل هذا ابن عمه، أبداً لم يفكر بهذا إطلاقاً كان يفكر في إنقاذ هذا الإنسان الذي عرفه من قبل وعرف والده هذه ذكرى للذين يقتلون على الهوية لقد قال عنترة قبل الإسلام هذا البيت المشهور:
لايحمل الحقد من تعلو به الرتب ولاينال العلى من طبعه الغضب
ثم قال أحمد شوقي في هذا المعنى وأجاد:
وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا
ثم قال:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتماً وعويلا
فالعرب، واليمنيون بخاصة لهم خلق وأخلاق كريمة وفاضلة لايحملون الأحقاد، ولايغدرون.
أرانب محمد أنعم غال
أجزم بأن كل أديب في اليمن شماله وجنوبه بل والجزيرة العربية ومصر يعرف من هو أنعم غالب..الاقتصادي، القانوني، الأديب..الخ.
جاءت المحنة أو الاقتتال الأهلي وهو في أثيوبيا مرافقاً للدكتور محمد سعيد العطار ومحسن السري، وقد قدموا قبل نهاية الاقتتال ثم دخلوا صنعاء، ونزلوا كما أتذكر في منزل عبدالله الديلمي، وهناك بلغه أن شقته قد نهبت، وعرف بأني كنت بداخلها مع صالح الدحان، فاتصل بي إلى منزل الأستاذ حسين علي الحبيشي حيث كنت أقيم آنذاك، وجرى بيني وبينه على الهاتف هذا الحوار اللطيف:
أخ محمد عبدالواسع؟
نعم.
أنت دخلت الشقة؟
نعم دخلتها.. فقد اتصلت بالعميد محمد على الأكوع الصديق الصدوق فذهب معي إلى وزارة الداخلية عند الأخ عبدالكريم حميد قائد الأمن المركزي فأرسل معي أحد الضباط لكي نفتح الشقة..وقد وجدنا بابها مكسوراً فدخلنا..ووجدناها مقلوبة عاليها سافلها.
شكراً.
أخ محمد عبدالواسع.. هل رأيت كتاباً في الغرفة الوسطى، وبه وثيقة تاريخية، فقد جئت بها من إحدى المكتبات في بريطانيا؟
يامحمد أنعم.. هؤلاء تتار..ذكروني بعام 1948؟ عندما نهبوا صنعاء حتى أبواب النوافذ أخذت، بل والقمريات أيضاً.
بسيطة..هذه أشياء مادية تستعمل فتؤخذ لكن هذا الكتاب ثمين وبداخله ورقة لاتقدر بثمن.
فقلت إني لم أر شيئاً..لا كتاباً، ولاورقة.
بسيطة.. إذا أخذوا الكتاب ياأستاذ محمد دعهم يتثقفوا لكن الوثيقة، ورقة، هل رأيتها أو شاهدتها؟
يامحمد أنعم..لم أجد أي شيء..فقد قعدت أربعة أيام في بدلة واحدة أنام فيها وأحضر مجلس الوزراء، وعندما ذهبت إلى الشقة لم أجد حتى فوطة أو بيجامة للنوم.
بسيطة..هذه أشياء مادية تستعمل فتؤخذ..لكن اسمع الورقة..هل فتشت جيداً ولم تجدها؟
يامحمد..لقد نظفوا البيت تماماً حتى الموكيت قلبوه ليروا ماتحته وكذلك الهاتف أخذوه مع الأسلاك، لم أجد حتى معجون الأسنان في الحمام فمارأيك؟ ماذا تريد من الورقة بعد هذا..لقد انتهى كل شيء.
فلما رآني منفعلاً قال: أخ محمد رجاءً سؤال أخير.
قلت: تفضل.
قال: هل شاهدت هناك الأرانب؟ بجانب المطبخ في الكوة؟
لقد تركنا لها طعاماً، وماءً، ولست أدري مامصيرها بعد أن نفد طعامها وماؤها..
فانفجرت ضاحكاً وقلت: ياأخ محمد وهل تعتقد أن التتار يبقون على شيء؟
قال: بسيطة..بسيطة..إذا كانت قد ذبحت، وأكلت فهذا شيء جميل، لكن عندما دخلت إلى المطبخ هل التفت يميناً وشمالاً؟ أخشى أن تكون هذه الأرانب قد ماتت جوعاً وعطشاً.
فضحكت مرة أخرى وقلت له: على مهلك.. على رسلك لقد أخذت وأكلت وهي الآن في النفايات «وقد حدث هذا فعلاً».
محمد أنعم ذلك الإنسان..يحنو حتى على الأرانب، ويخاف أن تموت جوعاً لم يكن يعلم بأنهم جعلونا نمشي عراةً!!
في تلك الفترة قدّم الفريق حسن العمري استقالته من رئاسة الوزراء وبعد أسبوع كلف بتشكيل وزارة أخرى فتغير بعض الوزراء، وبقي البعض الآخر، فقد ذهب الدكتور العطار إلى الأمم المتحدة وكذا محسن العيني، وتعينت أنا من جديد وزيراً للوحدة، كما تعين الأستاذ حسين علي الحبيشي نائباً لرئيس الوزراء، إلى جانب عمله كمستشار قانوني للمجلسين «الجمهوري، الوزراء» وأتذكر أيضاً الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني أنيطت به وزارة الاقتصاد، والدكتور محمد عبدالودود صار وزيراً للصحة.
الرسالة المزيفة
وذات صباح ذهبت مع الأستاذ حسين علي الحبيشي لمقابلة الفريق العمري فوجدنا هناك الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني وأحمد الرحومي الذي كان قد تعين وزيراً للمالية، وإذا بالفريق العمري يخرج لنا ورقة «رسالة» مكتوبة بخط عبدالغني علي أحمد من القاهرة كما قال لنا وهي موجهة لبعض الإخوة مثل الدكتور العطار، وعبدالغني مطهر، وآخرين.
وقد سربت بعض الفئات هذه الرسالة إلى الفريق حسن العمري.
فقرأها لنا فأصابنا بالذهول، قلت له: أرني من فضلك هذه الرسالة، أنا أعرف خط عبدالغني علي وتوقيعه أنا أشك..فهذه الرسالة مدسوسة وكعادة العمري صاح بأعلى صوته: أنت يامحمد دائماً بالطيبة حقك هكذا..لاتصدق أي شيء!! وهذا مع تأكدي بأن العطار وعبدالغني مختلفان منذ عام 1964م ولكن..ولكن.. المهم أن الذين سربوا تلك الرسالة أجادوا فعلاً تزوير الخط إلى حد كبير فقد كان الخط شبيهاً بخط عبدالغني علي أحمد، أما التوقيع فلم يكن توقيعه فقلت: هذا التوقيع مزور، فصاح مرة أخر ى..وتركته.
كانت تلك الرسالة قد وصلت إلى الفريق العمري قبل حادث أغسطس، وتجرجر «الصاعقة والمظلات» من جهة و «المدفعية وقوات أخرى» من جهة أخرى واشتبكوا في حرب أهلية لا غفر الله لمن كان السبب.
استأذنت وسافرت عن طريق الحديدة إلى تعز، بعد أن فقدت كل شيء من متاع وملابس ولم يبق معي أي شيء سوى البدلة التي علي، والتي ظللت بها مايقرب من شهر، وعندما فتحت المتاجر اشتريت قميصاً، وبنطلوناً وفوطة..الخ ثم تشكل وفد إلى عدن وكنت رئيساً للوفد الذي كلف من قبل القاضي عبدالرحمن الإرياني رئيس المجلس الجمهوري للتوجه إلى عدن.. لتقديم التهنئة للإخوة في الشطر الجنوبي سابقاً أيام المرحوم قحطان الشعبي بعيد 14 أكتوبر، ولدى وصولنا إلى عدن احتفلوا بنا ثم قابلنا الرئيس قحطان الشعبي وكان كما قلت سابقاً صديقاً قديماً من قبل الثورة وبعدها.
ثم كان الاحتفال بتوزيع الأراضي في منطقة «لحج» وقد رأيت اسمي في البرنامج..كلمة وفد الشمال يلقيها «فلان».
وقد ألقيت كلمة مرتجلة..أعجب بها الحاضرون، وأسعفتني الذاكرة في آن آتي ببضع أبيات من قصيدة الشهيد محمد محمود الزبيري:
سجل مكانك في التاريخ ياقلم فهاهنا تبعث الأجيال والأمم
خمسة أبيات من هذه القصيدة ثم ذهبنا إلى منطقة «لودر» حيث كان السلطان «جعبل» وياللسلاطين وقصورهم!
لو رأيت الدور في أديم أو في حيفان أو في غيرها من المناطق الأخرى ستجد أبسط دار أحسن وأكبر بكثير من دار السلطان «جعبل» أطلقوا عليه اسم سلطان وهو عبارة عن شيخ منطقة أو قبيلة.
وفي اليوم التالي ذهبنا إلى «مكيراس» وهي تبعد عن البيضاء بضعة كيلومترات ثم عدت وحدي دون باقي أعضاء الوفد..بعد أن أصبت بدوار وقد ذهب مع الوفد العميد محمد علي الأكوع والأستاذ علي بن علي صبره وعبدالكريم عبدالقادر بينما عدت أنا إلى عدن.
كان الإخوة في إذاعة عدن، ومن ضمنهم محمد صالح العولقي أتذكر آنذاك كان وزيراً للدفاع قد اقترحوا علي أن أذهب إلى الإذاعة.
أو يأتي مندوب الإذاعة إلى الفندق حيث أقيم في فندق «الصخرة» لأسجل قصيدة علي ناصر القردعي، وآخرين.
وقد اخترت قصيدتين للقردعي، وقصيدة أخرى جميلة كان كل من سمعها يعجب بها ومراراً اقترح علي فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح أن آتي بقصيدة «الوهبي» ومرة أخرى أيام التداعيات في 1994م.
ذهبت مع مجموعة من ضمنهم المرحوم المشير عبدالله السلال، اقترح علي أن أقدم تلك القصيدة الرائعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.