البحسني وبارجاش يضعان إكليل الورد على ضريح الجندي المجهول بالمكلا    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    إصابة ثلاثة أطفال جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات بالضالع    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    خبير أرصاد يحذر: منخفض الهدير في اليمن ليس الأول ولن يكون الأخير (فيديو)    ضبط 54 متهمًا في قضايا جرائم جنائية    تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    أول قيادي مؤتمري موالي للحوثيين بصنعاء يعزي عائلة الشيخ "الزنداني" في وفاته    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع حميد الأصبحي،.. يتذكر
نشر في الجمهورية يوم 10 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
النعمان يشكل الوزارة
كلف الأستاذ أحمد محمد نعمان بتشكيل الوزارة الجديدة وكان الوزراء يمثلون طلائع المثقفين أمثال الأستاذ محسن العيني الذي تعين وزيراً للخارجية ،والدكتور العطار وزيراً للاقتصاد ورئيساً للبنك اليمني،والمرحوم أحمد عبده سعيد وزيراً للمالية والدكتور حسن مكي وزيراً للمواصلات ،ثم تم تعيين نواب وزراء ومديرين من خيرة الشباب.
وبالنسبة لي فقد تعينت نائباً لوزير المواصلات..ولا داعي للحديث عن نفسي،فقد كنت أستلم مرتبي من الوزارة «180 ريالاً»بينما غيري يستلم «360 ريالاً» أي النصف من الوزارة التي يعملون بها والنصف الآخر من القصر الجمهوري،وهذا كله تقديراً لموقفي ،ولم أبالِ،. المهم أني كنت أشعر بالراحة النفسية ،فقدكنت أؤدي واجباً وطنياً.
وذات ليلة زرت الأستاذ أحمد محمد نعمان في منزله الكائن في الجهة المقابلة لفندق صنعاء،بعد استشهاد الزبيري ،وبعد أن تبادلنا الحديث وصلنا إلى أننا فقدنا الزبيري في وقت كنا في أمس الحاجة إليه..وبسرعة آلية حزينة استشهدت ببيت من قصيدة الشاعر الكبير إيليا أبي ماضي في رثاء والده:
طوى بعض نفسي إذ طواك الثرى عني
وذا بعضه الثاني يسيل به جفني
وحينها لم استطع ژأن أحبس دموعي..ثم التفت نحو الأستاذ النعمان وإذا به يرسل تنهيدة،انتزعها من أعماقه قائلاً لي:
«يامحمد ..هذا والله أنا ..أنا..فقد طوى الموت نصفي بعد أن فقدت صديق العمر الزبيري».ثم انفجر باكياً بنحيب لم أشاهده من قبل من الأستاذ النعمان..إلا عندما وقف في عدن عام 1959م،يؤبن الشهيد حميد بن الأحمر،ثم أطلق زفرة حرّى من أعماقه ،وأضاف يقول:
«يامحمد عبدالواسع أتدري بأن رفيق عمري الشهيد الزبيري كان ألصق بي من شعرات قَصّي..وكنا منذ ما يقرب من نصف قرن نمثل الوحدة الوطنية..ثم أتدري بأنه كتب قصيدة شعرية آية في الأدب والروعة،ولأول مرة منذ خروجه من اليمن،يشكر فيها الإمام أحمد لإفراجه عن زميله أحمد محمد نعمان ثم قرأ لي بضعة أبيات من قصيدته،وتنهد بألم وودعني».
أما أنا فقد عدت إلى سكني في فندق صنعاء..الفندق المتواضع..عدت إلى وحدتي ووحشتي،وقد طفقت أفكر في الماضي والحاضر،وأناجي نفسي..هل يُصدّق ولو بالحلم أن أي إنسان في اليمن يفكر لمجرد التفكير في اغتيال الزبيري وتصويب الطلقات القاتلة إلى جسده مهما كانت الإغراءات..بل كيف سولت لهم أنفسهم أن يتآمروا على اغتياله وأن يدفعوا الذهب للمرتزقة،لكي يطفئوا ذلك الشعاع الذي أنار للشعب اليمني الطريق القويم.
لم يكن الزبيري في أي يوم من الأيام مخفوراً بحرس ،وهو يتجول في جبال اليمن وأوديتها وسفوحها وسهولها،لايحمل سلاحاً ولا حتى العسيب «الجنبية».. كان سلاحه العلم والدين والقرآن والإسلام النظيف النزيه الذي لم يدنس بشائبة من الشوائب،لا دروشة أو خرافة من الخرافات..كان سلاحه الإيمان بالله والوطن..كان يحب شعبه إلى درجة لاتخطر على بال أحد، لايعرف الحقد إلى نفسه سبيلاً...ألطف من النسيم إذا سرى ،وأصفى من الماء النمير..
تعارفنا عام 46.1947م ،وقبلها عرفته من خلال قصائده. راسلته عامي 50.1951م،عندما كان في الباكستان،وراسلته عام 1935م،وأنا في فرنسا أعمل بحاراً «وقاد سفن» ،وهو في مصر ،وفي نوفمبر 1955م .توجهت إلى القاهرة بلهفة وشوق لرؤيته، ورؤية رفيق عمره ودربه الأستاذ الكبير ،وصانع النور في اليمن أحمد محمد نعمان.
وتوالت السهرات،والعبرات، وأنا أحدث نفسي ساهماً أراقب طلوع الفجر لكي أذهب إلى العمل:«بالأمس فقدتُ الأحمدي ،واليوم أفقد الزبيري» وكنت أردد بيني وبين نفسي هذا البيت:
ولو أني خبأتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
لم يقدر لحكومة «خمر الوطنية» البقاء..فقد جُمد رئيس وزرائها «النعمان» في مصر،وجُمَّد البقية حيث هم في الخارج ،ومن بقي منهم زجّ بهم في السجون.
حكومة العمري
تشكلت حكومة جديدة برئاسة «الفريق حسن العمري» بعد أن قدم الأستاذ استقالته،وظل في القاهرة أتذكر ،في تلك الحقبة العصيبة ذهبت مجموعة كبيرة من المشائخ اليمنيين «الجمهوريين» صوب المملكة العربية السعودية..اتجهوا إلى الرياض،وطلبوا مقابلة الملك فيصل رحمه الله..الذي رحب بهم،مما دفع بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر إلى لقاء الملك فيصل،وقد تم هذا اللقاء في الطائف،وقد تمخض عن لقائهما عقد «مؤتمر حرض» الذي كان سيعقد عام 1964م،بعد مؤتمر «آركويت» في السودان ،ولكنه أُلغي آنذاك لسبب أو لآخر.
أعود إلى حكومة الفريق حسن العمري..وكان قد تعين فيها المناضل القاضي عبدالسلام صبره وزيراً للمواصلات،فأبقاني في منصبي السابق نائباً لوزير المواصلات،ولكن لفترة قصيرة،تعينت بعدها وكيلاً لوزارة الصحة،وكان الوزير آنذاك هو الدكتور محمد كامل الواسعي وهو من مواليد مصر،وأمٍ مصرية.
مؤتمر حرض
عقد مؤتمر حرض في أوائل 1965م ،وقد كتب عنه الكتاب في الشرق والغرب وهو موثق في مصر واليمن والسعودية،ومن تحصيل الحاصل أن أكتب عنه في هذه العجالة.
ولا يفوتني في هذا الكتاب أن أصارح القارئ العزيز بأني لم أكن عضواً في مؤتمر حرض،بل كنت مرافقاً للأستاذ أحمد محمد نعمان الذي أصر على مرافقتي له،وكذا آخرون كانوا مرافقين،أذكر على سبيل المثال زيد مطيع دماج وأحمد قاسم دماج وآخرين.
كانت القضية مطبوخة جيداً بين مصر والسعودية ،لكي نقبل بتغيير اسم «الجمهورية العربية اليمنية » إلى اسم «الدولة الإسلامية» أو «الدولة اليمنية» ولكن فوتناها على الجميع.
ولو أنا على حجر ذبحنا
جرى الدميان بالخبر اليقين
قصة العوجري
حامس العوجري شيخ كبير من مشائخ لواء صعدة،له وزنه وثقله،ملكي حتى العظم مع العمالة،ويمني حتى العظم بدون عمالة.
كنت أسمع عنه وعن تأثيره في قبائل خولان الشام و...ولم أكن أعرفه كشخص ،إلا عندما وصل بطائرة مروحية من السعودية إلى حرض وإذا بي أفاجأ بالأستاذ رشاد فرعون واللواء محمود عبدالهادي يقفان أمام سلم الطائرة،وبصوت واحد يرفعان صوتيهما:
«وأين..أين الشيخ حامس العوجري...» ثم يحتضنانه دون الآخرين وحينها عرفت أن له وزنه وثقله لدى السعودية.
التقيته مرتين مع مجموعة من المشائخ ،وكنت أصغي وأنظر إليه لأسبر غوره، فرأيت فيه الرجل الحصيف الذي يفكر ويقدر والذي أريد أن أصل إليه في قصة العوجري،هو التالي:
لقد نصبت لنا جميعاً في «حرض» أكثر من ستين خيمة،وكنا جميعاً نجتمع «نحن اليمنيين» سواء الملكيين أو الجمهوريين معاً. في مآدب الطعام أو مضغ القات. وكنا إخوة متحابين،الأمر الذي أثار غضب الطرفين الآخرين المصري والسعودي . نسوا ..لم يعرفوا..
إذا احتربت يوماً فسالت دماؤها
تذكرت القربى ففاضت دموعها
لم نشعر ذات يوم إلا بخيام الملكيين تقتلع من أماكنها إلى مكان قصي آخر يبعد عن خيامنا بقرابة خمسمائة متر.وهنا بيت القصيد.
ففي عصر ذات يوم انتبهت مذعوراً على نغمات شجية وحزينة،فإذا بي أرى ،وأسمع..
كانوا عشرة من الرجال في صفين متوازيين، وفيهم الشيخ العوجري،وعلى كتف كل واحد منهم بندقيته،وهم يزملون بنشيد شجي،ثم يسيرون خطوتين إلى الأمام وخطوة إلى الخلف وهم يرددون زاملاً شجياً لم أسمع مثله طوال حياتي ،وكان بجانبي الشيخ «علي ناصر طُريق» من مشائخ «مراد» الذي أخذ مني الزامل بعد أن كتبته .ولست أدري هل بقي ذلك الزامل الشجي والسياسي مع الشيخ علي ناصر طريق أم لا؟
وخلاصة الزامل هي:
ياأهلي وياشعب اليمن
وأنتم ياأهل الحل والعقد في..
أما كفى أن فرقوا بين الخيام
وكان هؤلاء العشرة يلفون ويدورون حول خيامنا وهم حزانى،ولم يبق إلا أن تنحدر الدموع من مآقيهم.
ذهبت لتوي إلى خيمة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر فخرج يستقبلهم،وظلوا يدورون على الخيام، وأتذكر أن الشيخ عبدالله استدعى أحد مرافقيه، ويبدو أنه كان شاعراً واسمه على ماأتذكر علي السنحاني ،الذي سرعان ما نظم بيتين من الشعر ،جواباً على أصحاب «حامس العوجري» ثم قام عشرة من أصحاب الشيخ عبدالله ،ورفعوا أصواتهم بالزامل،وظلوا يلفون حول خيام الملكيين خيمة خيمة..ثم عادوا.
وبعد ثلاثة أيام من هذا. لم نجد،ولم نسمع حساً أو صوتاً للشيخ حامس العوجري..وأخيراً عرفنا أنه عاد إلى دياره لحل مشكلة..وهناك أطلق عليه أحد الأفراد النار،فأرداه قتيلاً،وحينها أشيع أن القاتل مجنون.
وقد طويت هذه الصفحة،وبقي قتله لغزاً من الألغاز المحيرة؟
ضغوط وتهديد
استمرت الضغوط على الوفد الجمهوري مدة أسبوع ،ووصل بهم الأمر إلى درجة التهديد والوعيد..وقد قال لنا اللواء أحمد شكري:
يجب أن تقبلوا بالحل الوسط،وهو تغيير اسم الجمهورية إلى «الدولة الإسلامية».لكن الوفد أصرّ على موقفه..
ومن أراد أن يطلع على التفاصيل فليرجع إلى الوثائق والكتب التي كتبت عن ذلك المؤتمر..وعدنا جميعاً،وعاد من أرادوا فرض الحل الوسط «بخفي حنين».
سأذكر هنا حادثة أعجبتني ..سأتحف القارئ العزيز بها..وهي:
«كانت جلسات المؤتمر متداولة ..مرة للجمهوريين يرأسها القاضي عبدالرحمن الإرياني،ومرة للملكيين،ويرأسها الأستاذ أحمد الشامي الذي كان آنذاك وزيراً لخارجية الملكيين.
وفي ليلة صاخبة وممتعة في آن واحد..كان دور الرئاسة تلك الليلة للأستاذ أحمد الشامي ، فدار حوار ونقاش..وكان نجم تلك الجلسة الدكتور حسن مكي ،فقد اشرأبت نحوه الأعناق،بما فيهم الدكتور رشاد فرعون الذي لم يكتم إعجابه بالدكتور حسن مكي.
وفعلاً كان مبرزاً في حواره ونقاشه وأقولها بحق: إنه برز على أحمد الشامي ،إن لم أقل إنه أحرجه،وفي نهاية الجلسة خرجنا وإذا بالشيخ سنان أبو لحوم يرفع صوته عالياً ويقول:
«ياقاضي عبدالرحمن،ياأستاذ نعمان،يامحمد علي عثمان..إن معنا هذا المساء صاروخ ..إنه الدكتور حسن مكي» ثم أضاف يقول:
«لقد رفع رؤوسنا عالية أمام المصريين والسعوديين» وقد أجابه النعمان ،ولاتقلل أيضاً من العطار ، وأحمد عبده سعيد.
وللحقيقة والتاريخ فقد كان الدكتور حسن مكي إلى جانب ما يتمتع به من ذكاء حاد محاوراً ،ومناوراً ودبلوماسياً وسياسياً من الطراز الأول وقد خبرت سنوات،فكان أينما يتعين سواء في الاقتصاد أو رئاسة البنك، أو المواصلات ،أو الخارجية دائماً يعرف كيف يكون إيراد الإبل..
والحديث عن الدكتور حسن مكي طويل وكله إشراق وضوء ،وليس هذا مجال الحديث عنه في هذا الكتاب.
محمد عبدالواسع يلاحق محمد عبدالواسع
«ونقدر فتسخر الأقدار!!»
أولاً: تحدثت من قبل عما حدث لي في بور سعيد في نوفمبر 1955م، فقد حققوا معي خطأ بسبب أن شخصاً كان يدرس في الأزهر يحمل الجنسية الإثيوبية، وكان يحمل الأسم نفسه «محمد عبدالواسع».
وقد انتهيت من ذلك المأزق بسهولة.
ثانياً: عما حدث في «عدن» عندما اعتقدوا بأني «العميد محمد عبدالواسع نعمان» الذي كان نائباً لوزير الداخلية.. وقد انتهيت من ذلك المأزق أيضاً بسلام، وسبب الالتباس في الاسم بالنسبة إلي هو أنني كنت معروفاً، إن لم أقل مشهوراً سواء في عدن أم القرن الأفريقي، وباقي المناطق الأخرى التي يوجد فيها مغتربون.. ولا غرو إذا قلت إني تسلمت عدة رسائل تهنئة بتقلدي منصب نائب وزير الداخلية.. هذا جانب.
أما بالنسبة لمحمد عبدالواسع نعمان.. فلم يكن معروفاً خارج اليمن وبالعكس داخلها.. فقد كانوا يخلطون بين اسمي واسمه.
وعلى سبيل المثال: كان المرحوم المشير السلال عندما يخطئ بعضهم بيننا، يقول: «ليس هذا.. أقصد ذاك محمد عبدالواسع.. الذي قدم لنا التبرعات من أصحابها» أما العميد محمد عبد الواسع أحمد قاسم الذبحاني فربما يلتقي في الجد ببيت نعمان، وسر إضافة الاسم الثلاثي له، هو أن الشيخ الشهيد عبدالوهاب نعمان كان قد مكث في صنعاء ما يقرب من ربع قرن بين سجين ومطلق، وأحياناً عاملاً في بني مطر أيام الإمام يحيى، وكان مشهوراً بأخلاقة الفاضلة وكرمه الحاتمي، كما أن كل من قدم إلى صنعاء من الحجرية بالذات.. في قضية ما، كان يرى لزاماً عليه زيارته، ولهذاكان كل من جاء إلى صنعاء من الحجرية، وخاصة «ذبحان» يطلقون عليه «نعمان» وهذا ما حدث لمحمد عبدالواسع أحمد قاسم.
تخرج من العراق، وبعد تخرجه تعين نائباً لمدير أمن صنعاء،. ثم مديراً لأمن صنعاء، ابتداء من 1949م تقريباً، وعليه أن يصحح التاريخ إذا خانتني الذاكرة.. وبالطبع أطلق عليه الاسم الثلاثي نعمان، وظل يوقع محمد عبدالواسع نعمان.
تم تعيينه عام1966م سفيراً لدى إيطاليا وتعود معرفتي به إلى عام 1917م أيام احتلال إيطاليا لأثيوبيا، عندما نزل من أديس أبابا مع والده.. المرحوم الشيخ الوقور أحمد قاسم الذبحاني ضيفاً على عمي قاسم حميد في جيبوتي، ثم غادراها إلى اليمن، وظللت أسال عنه، فعلمت من والده، ونحن في ذبحان، أن الأمير الحسن بن يحيى قد سجنه، ثم أفرج عنه..
بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م تعرفت عليه من جديد، وقد نزلت في منزله مراراً عندما كنت بدون مأوى، وصفر اليدين، ولن أنسى ذلك له ما حييت.
ومرة أخرى نزلت في منزله مع رسول الشيخ الشهيد سعيد علي الأصبحي وهو «عبدالباري قاسم» الذي قتل في طائرة الموت الذاهبة إلى حضرموت.
كان العميد محمد عبدالواسع أحمد قاسم رئيساً لجهاز «الأمن السياسي»، وأقول مخلصاً إنه كان في عمله على مستوى المسؤولية، خدم وطنه بنزاهة وإخلاص، لم يؤذ أحداً، ولم يسجن أحداً بدون ذنب أو جريرة.
في عام 1965م على وجه التقريب- لا أتذكر التاريخ بالضبط- غادر صنعاء إلى أسمرا، بورقة مرور ليس إلا، ثم اتجه إلى أديس أبابا، ومنها اتجه إلى جيبوتي، وكان يحمل توصية من محمد سيف ثابت إلى صديق الجميع «عوض علي خليفي».
ومحمد سيف ثابت غني عن التعريف، وهو أشهر من نار على علم والواجب الوطني يحتم علي أن أفرد له فصلاً قصيراً فيما بعد.
كان العميد محمد عبدالواسع مغامراً في هذه السفرة الطويلة، ويظهر لي أنه غادر اليمن في سن مبكرة إلى العراق والأردن وفلسطين، ثم عاد إلى صنعاء، لهذا لا توجد له أية صورة سواء في المخابرات البريطانية أم الفرنسية.
أما مغامرته الثانية فقد كانت عندما استقل طائرة من جيبوتي إلى عدن، ومنها إلى تعز ثم صنعاء، وهنا جوهر القصة: عندما قدم من أديس أبابا الأخ اللامحترم محمد أحمد خالد- أنا آسف جداً أن أكرر هذا الاسم.. إن مجرد ذكر اسمه يثير الاشمئزاز لكل من يعرف أعماله السيئة، وحقده على كل شيء وربما حتى على نفسه- علم أن محمد عبدالواسع كان في جيبوتي لمدة ثلاثة أيام، ثم غادرها إلى اليمن، فاتصل فوراً بالمخابرات الفرنسية، وأخبرهم بأن محمد عبدالواسع كان هناك، فكيف دخل جيبوتي وخرج دون علمكم؟ وللحقيقة والتاريخ فإنني لم أسيئ إلى فرنسا في أي يوم من الأيام سواء عندما كنت في فرنسا أم في جيبوتي، لكن المخبرين من العرب- مع الأسف- كانوا يشاهدون نشاطي لليمن ولمصر، فملأوا الملفات بتقاريرهم عن خطورة محمد عبدالواسع، لا سيما أنهم قد عرفوا في الماضي الأستاذ الفذ محمد سعيد الأصبحي وخطورته.
وقد مكث المسكين الطيب القلب، والكريم المفضال «عوض علي خليفي» عدة أيام رهن التحقيق، وكذلك- كما أتذكر- أحمد عبده زيوار الموظف بالمطار، وقد وُجَّهت لعوض خليفي عدة أسئلة منها:
من زار؟ وأين قعد؟ ومع من اجتمع؟
هل كان «محمد عبدالواسع» هنا أيام زمان؟ وكان في فرنسا؟.. إلخ.
وكان ردّه دائماً- وكان محقاً- لقد نزل هذا الشخص عندي في الفندق، وهو لا يعرف جيبوتي مطلقاً، ولأول مرة يصل إلى هنا.
- كيف عرفته؟
- عرفته بتوصية من تاجر يمني صديقي.
وكان عوض خليفي يصر دائماً على أنه لم يزر جيبوتي إلا هذه المرة.
وأخيراً هداهم التفكير إلى أن يحضروا ملفي الموجود لديهم والذي به صورتي، وهنا انفرجت أسارير عوض خليفي، وزال عنه الخوف والكآبة، وصاح بصوت مرتفع كعادته: هذا الذي في الملف أعرفه، كان في الجمارك وقتاً طويلاً، ثم سافر إلى فرنسا، وعاد إلى جيبوتي، ولم يعد حتى الآن، فأمر مدير الجهاز الفرنسي باستدعاء مخابرات المطار، ووضع الملف والصورة أمامهم.. فأجمعوا كلهم وقالوا: إن الشخص الذي مرّ عندنا في المطار غير هذا.
حينها- كما قال لي عوض علي خليفي- اعتذروا له، وشكروه، ثم سألوه عن صفة، ذلك الشخص الذي مرّ وعمله، وهو يحمل اسم محمد عبدالواسع، فقال لهم: إنه سكرتير المشير السلال، فاعتذروا مرة أخرى قائلين: «إن الذي رافقته ذو شخصية مهمة، ولو كنت أخبرتنا من البدء لأكرمناه، وعملنا له الواجب الذي يستحقه». رغم أنه لم تكن هناك علاقة دبلوماسية بين فرنسا والجمهورية العربية اليمنية آنذاك.
رسول سعيد علي الأصبحي من الرياض
في مطلع عام 1963م، قدم الأستاذ عبدالباري قاسم، رسول سعيد علي الأصبحي من الرياض عن طريق البحرين، وصل إلى عدن، ثم انتقل إلى تعز وصنعاء، وكان إلى جانب ثقافته الواسعة مديراً لمكتب شؤون اليمنيين في الرياض «رئيس الجالية اليمنية في الرياض والمنطقة الشرقية».
أما سعيد علي الأصبحي فقد كانت له مكانته لدى الأمراء السعوديين وولي العهد آنذاك «محمد البدر»، أي الإمام المخلوع.
ولما كان سعيد علي الأصبحي رجلاً وطنياً مخلصاً- وقد تكلمت عنه من قبل- فقد طُلب منه بعد قيام ثورة سبتمبر 1962م أن يقوم بتجنيد اليمنيين لينضووا تحت راية الملكيين، ولكن أنّى له، وأنّى لهم ذلك؟ وظل في أخذ ورد معهم.
وتشاء المصادفات أن يصل إلى الرياض تاجر يمني- لست أدري من هو- أوعز إليه بأن محمد عبدالواسع يعمل ضده لدى المشير السلال والمصريين، وأنه يتهمه بأنه ملكي حتى العظم، وكان هذا التاجر يقصدني أنا لسببين:
الأول: أنه كان يريد أن يورط سعيد علي.
الثاني: أن يخلق عداوة بيننا.
ومن حسن حظي وحظ سعيد علي أنه اعتقد أن المقصود هو محمد عبدالواسع نعمان نائب وزير الداخلية آنذاك.
ويشاء سوء طالعهم أن يفضح آمرهم، عندما وصل الأستاذ عبدالباري قاسم إلى تعز، فإذا بهم يحذرونه من محمد عبدالواسع، ما عدا عبدالملك الأصبحي الذي كان على عكسهم تماماً، وكنا نحن الثلاثة زملاء في الرياض، وهنا قال عبدالباري لبعضهم: والله ما أنزل إلا عنده! وقد التقتيه بعد أن وصل إلى صنعاء في فندق صنعاء، وعلى التو رافقته إلى منزل العميد محمد عبدالواسع نعمان نائب وزير الداخلية، وكان ذلك في شهر رمضان المبارك، وقبيل المغرب ذهبت بصحبته إلى منزل الصديق حسين عسلان لتناول الفطور، وطعام العشاء، وقد استضافنا الأخ حسين طوال شهر رمضان.. فشكراً له وما زلت أذكرها، وكان المرحوم عبدالباري قاسم قد أبدى استغرابه عندما كنا مقيمين في منزل العميد محمد عبدالواسع نعمان، فسألته عن سبب استغرابه، فقال: إنه نُقل إلى الأخ سعيد علي من بعض الأشخاص أن محمد عبدالواسع يحاول إيذاءه، وبدون سبب، فطمأنته.
ولست أدري ما الذي أدخل الشك إلى نفس سعيد علي.. رغم أنهما لا يتعارفان إلا بالسماع؟
وكان عبدالباري قاسم يحمل خمس رسائل خطيرة.. كيف استطاع أن يخرجها، ويوصلها إلينا في صنعاء؟ سأشرح ذلك:
كانت الرسالة الأولى موجهة إلى المشير عبدالله السلال، وبطيها شيك بمبلغ «000.30« ثلاثين ألف شلن تبرعاً منه للحرس الوطني، والرسالة الثانية موجهة إلى القاضي عبدالرحمن الإرياني، والثالثة للأستاذ محمد محمود الزبيري، والرابعة والخامسة لي.. إحداهما كانت من سعيد علي، لكي أقدم عبدالباري قاسم للزعماء الثلاثة، والأخرى، وهي رسالة خطيرة جداً من موظف سعودي كبير، وكان لا يزال صديقي، وصديق عبدالباري قاسم.. وبسرعة مزقتها بعد قراءتها حفظاً على حياة ذلك الإنسان العربي الشهم، وقد كتبت له رداً على تلك الرسالة.
كتب لي هذا الإنسان، وهو يقدم رسالة الدكتوراه في الولايات المتحدة، وشكرني كثيراً على النصائح القيمة- رعاه الله- فلم يعد بذلك الحماس المتوهج، والتشنج الزائد.
«باريس والباستيل قد نسيا بأن الشعب ثار».
أما حكاية خروج الرسائل.. فقد كان هناك موظف في مكتب سعيد علي، يمني من حضرموت، يحمل «تابعية» سعودية، سافر إلى البحرين محملاً بتلك الرسائل، وظل ينتظر وصول عبدالباري قاسم في البحرين.
وعند وصوله سلمه الرسائل ، وعند العودة التقاه أيضاً في البحرين ليسلمه الرسائل التي حملها من صنعاء.
المهم أني رافقته إلى الزعيمين الكبيرين القاضي عبدالرحمن الإرياني والقاضي محمد محمود الزبيري، وسلم لهما الرسالتين، وفي اليوم التالي استلم رداً على الرسالتين، لكي يوصله إلى سعيد علي.
أمارسالة المشير السلال، وصك التبرع.. فقد أخبرت العميد محمد عبدالواسع بشأنهما، فضرب لنا موعداً مع المشير السلال بعد يومين مساءً، وكان ذلك في شهر رمضان، فذهبنا نحن الثلاثة للقاء المشير عبدالله السلال في الساعة الواحدة بعد منتف الليل.
وبعد أن سلم عبدالباري الرسالة، وصك التبرع للمشير السلال بدأ حديثه بلغة فصيحة ودبلوماسية عما يلقاه سعيد علي الأصبحي من القلق، وأنه على استعداد لترك الملايين في سبيل الثورة والجمهورية، مما أثار إعجاب المشير السلال، فأمر العميد محمد عبدالواسع بكتابة الرد ثم قال له: اكتب له الرد بما تراه يليق به من التقدير والاحترام.
وفعلاً كتب العميد الرسالة، وكانت أية في التقدير والحب والإعزاز، وسلمها للمشير السلال.. الذي وقعها وختمها.
وفي اليوم التالي ذهبت، وعبدالباري إلى الإذاعة.. وقد أذعت بصوتي أن المغترب «صالح عبدالله العولقي» تبرع بمبلغ ثلاثين ألف شلن للحرس الوطني، وكانت هذه علامة اتفق عليها سعيد علي وعبدالباري قاسم.. بأنه قد سلم الرسائل، وكل شيء على ما يرام.
وأسجل هنا، وللتاريخ.. أن سعيد علي بدأ يتأهب للهرب، ويضحي بالغالي والرخيص في سبيل الثورة والجمهورية، والقصة معروفة عن هروبه عن طريق الكويت، ثم السفر إلى القاهرة، ومقابلته للرئيس جمال عبدالناصر الذي قلده وساماً، وقد كتب جزءاً من ذلك عن حياته في كتيب نشره بعنوان «قصة يتيم».. وكنت حينها في «جنيف» سويسرا، وحين وصل إلى اليمن، استقبله الأخ عبدالملك الأصبحي في مطار «الحديدة»..
بالنيابة عن الجميع، ثم سارا معاً إلى مطار «تعز».
ويعد يومين ذهب إلى قريته في الأصابح ثم.. ثم..
استمر في خدمة وطنه حتى قتل شهيداً في «المعافر» أي الحجرية بأيد أثيمة «أعضاء الجبهة» «الركبة» مصاصي الدماء، والعباءة لبسوها العقيد عبدالله محمد عبدالعالم الذي لم يكن له لا ناقة ولاجمل في القتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.