وفاة وإصابة خمسة أشخاص في حجة وصعدة جراء الصواعق الرعدية    عصابة حوثية تعتدي على مواطن في إب بوحشية مفرطة    ما هو شرط زيدان لتدريب فريق بايرن ميونيخ؟    الارياني: الأسلحة الإيرانية المُهربة للحوثيين تهدد الأمن والسلم الدوليين ومصالح العالم    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    أكاديمي: العداء للانتقالي هو العداء للمشروع الوطني الجنوبي    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    الكشف عن تصعيد وشيك للحوثيين سيتسبب في مضاعفة معاناة السكان في مناطق سيطرة الميلشيا    صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    بالصور .. العثور على جثة شاب مقتول وعليه علامات تعذيب في محافظة إب    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عبدالواسع الأصبحي يتذكر.. الحلقة15
نشر في الجمهورية يوم 08 - 01 - 2008

لقد كتب الأستاذ المرحوم- محمد عبدالواسع الأصبحي، عن الآخرين في مذكراته أكثر مما كتب عن نفسه، فأبرز رجالاً كان حظهم من البروز أقل مما هم به جديرون، ونوه برجالٍ لا يكادُ أكثر الناس يعرفون عنهم شيئاً.. ومن العدل أن نقرر بأن لكل من يكتبون «المذكراتِ» أو «السيرة الذاتية» الحق في أن يتحدثوا بضمير المتكلم، وإلا لما سميت هذه المؤلفات بالمذكرات ولا بالسير الذاتية، ولكن الميزان في هذا المجال دقيق وحساسٌ، فإذا اختل التوازن هنا، ثقلت كفة «الأنا» أو «الذات» ثقلاً تصبح معه عبئاً باهظاً على التاريخ وعلى القارئ.. وبمقابل ذلك تخف كفة «الهو» أو «الغير» خفة مجحفة بحق التاريخ وبحق القارئ في المعرفة الصحيحة.
ولقد أمسك الأستاذ محمد بالميزان، إمساك الصادق الأمين، الذي تهمهُ أولاً وقبل كل شيء الحقيقة الصادقة، والمصلحة الوطنية، وحق القارئ في الاطلاع على حقائق التاريخ المجردة من عبث الأغراض وتسلط الأهواء، وهذه درجة رفيعة لا يصل إليها إلا القليلون من الخائضين في هذا الميدان من ميادين الكتابة التي تتطلب قدراً عظيماً من النزاهة والإحساس بالآخرين.. وسيجد القارئ الكريم، ما يكفي من الأمثلة التي تبرهن على هذه السوية الرفيعة التي وصل إليها كاتب هذه المذكرات.
كما أن القارئ سيقف أمام بعض الحقائق الإقليمية التي تشمل البحر الأحمر وخاصة في شطره الجنوبي وما جرى على ساحله الشرقي في اليمن وساحله الغربي الذي تقع عليه بعض دول ومناطق شرق أفريقية وما كان يدور في شرق أفريقية من الصراع الاستعماري الذي أدى إلى نشوء دول واختفاء أخرى وهو لا تزال رحاه تدور أمام أعيننا إلى هذا اليوم.. ولن يسع القارئ إلا أن يشعر بالإعجاب إلى حد الدهشة، لما أبرزه الأستاذ محمد عبدالواسع الأصبحي، من أخبار اليمنيين في تغريبتهم الحديثة التي بلغوا بها أصقاع الأرض، وما قابلوه من أهوال تتضعضع أمامها الجبال، ولكنهم قابلوا كل ذلك بصبر عظيم، وجلدٍ لا يذل ولا يهون، وبقدرة على التكيف مع عالم غريب ينكرهم وينكرونه، وينفيهم فيقتحمونه، مما ينبئ عن معدن صلب عريق لهذا الشعب الذي أنجب هؤلاء الرجال، ويبشره بمستقبل زاهر مجيد رغم كل ما يحيط به من مكر الأعداء وقسوة الظروف.. ولو كان لي أن أوجه نداء لهتفت.. نداء.. نداء..: أيها اليمنيون اقرأوا مذكرات المناضل الحر الأستاذ «الخال» محمد عبدالواسع حميد الأصبحي المعافري الحميري اليمني، من هذه المنطلقات، وستجدون فيها طاقة خلاقة قوية، تدفع بالمسيرة إلى الأمام بثقة ماضية وجباه عالية.
دمشق 21-5- 1996م مطهر الإرياني
«الجمهورية» تعيد نشر هذه المذكرات لرجل ساهم بقسط وافر في خدمة الوطن واستذكر ملامح وشواهد من التاريخ المعاصر لليمن والظروف المحيطة بتلك المرحلة وهي مذكرات أحق أن يقرأها هذا الجيل الذي لا يعلم حجم تلك التضحيات وطبيعة الظروف فضلاً عن اتسامها بالأسلوب الأدبي الشيق في رواية الأحداث والأسماء
الحلقا
15
أما قصيدة «الطريق» فقد ظللت افتش عنها مايقرب من شهر ، حين كنت في عدن ، حتى عثرت عليها بدرج دكان المرحوم طاهر أنعم غالب وهي مهملة ، ومن كثرة تردادي لها وكتابتها لبعض اصدقائي سواء في القاهرة أو السعودية أوفي تعز حفظتها عن ظهر قلب ، وأوردها هنا ، لأنها جديرة بأن تنشر وتنشر:
قصيدة الطريق..
فراقنا طويل
فارقت بيتنا القديم
يقوم فوق تل
وحوله نمت شجيرات «النشم»
وفق سطحه رصت أصص
للزهر والريحان
ورتبت مقاعد من الحجر
وعرشت سقيفة وارفة الظلال
تدور في ارجائها «كركرة المداعة»
وعبق البخور
فارقته ولم أزل صغير
ورحلتي تطول
والأخبار لاتسر
الموت يخطف الأحباب
والبن ينفض الأوراق
أعواده تجف ، والدخان
يكاد أن يجف من مداخن البيوت
ولم يعد يطرق بابنا ضيوف
ü ü ü
كل عام أقول لن يطول هذا البين
لكنني مازلت أحزم المتاع
لرحلة جديدة
أقول : لن تطول رحلتي
ولن يكون راحلون آخرون
لكن: رسالة يائسة حزينة
تقول: إن رحلة جديدة
ينوي بها قريب
والخير قل..
وقد تطول رحلتي.. قد لا أعود
والصغار
آه.. لو لم يكن لنا صغار
فلتحفظهم السماء
الفراق مر
لا نضمن اللقاء في ظلاله
والقلم
عليه أن يقوم باللقاء بيننا على الورق
قد كان شملنا مع القريب يجتمع
على قراءة الخطاب
على كتابة الجواب
والآن
قد نلتقي .. اثنين .. اثنين
في أسطر تتلى
همساً ، وطيف يلوح في الصفحة
ربما على مقهى
أو ربما في شارع مترب
لكن يظل اللقاء لهفة
يظل أمنية
ü ü ü
رب طريق ضم عابرين
ساروا عليه
خطاهم تنسج فرقة اللقاء
لكن طريقنا طويل
أحس خطونا عليه
يعزف لحن البعد والفراق
ترابه.. اشجاره.. صخوره.. تقول:
«قلبي معك»
لكن مدة الطريق
تقود للبعيد
رياحه تدفع لا تعيد
تصاحب الشدو الحزين
تكرر السؤال.. لاتجيب..
هل يطمع المسافر الوحيد في رفيق ،
«في معاده»
ü ü ü
يابيتنا على التلال
إني اراه طيف
الريح في أرجائه تلعب والخفاش
يمرح في أرجائه يطيش
وكوة وحيدة تضاء في المساء
ويرسم الضياء في الجدار
صورة إنسان
يقبع والأطفال من حوله
يحكي لهم عني
في العالم القاصي
عن غائبين آخرين
كانت بهم تخضو ضر الشعاب
ساروا مودعين الأهل والأحباب
حقولهم مع الربيع
تحن للإخصاب
تود لو لامسها إنسان
وينعس الأطفال والأشواق
تغرس في عيونهم أحلام
بعودة الأعمام
وكل الغائبين
ü ü ü
إني أراهم يرقبون عودتي على التلال
من مطلع الصباح حتى مهبط المساء
أصواتهم أسمعها.. تحملها الرياح
تهتف بي.. ياعمنا.. تعال
عيونهم تسمرت على الطريق
ويسألون كل عابر بهم: من أين جاء.. من يكون؟
وهل لديه عن غائبهم خبر
ü ü ü
يا أيها الطريق
كما حملت خطونا إلى البعيد
كما سمعت شدونا الحزين
هلا تطيق خطونا نسير عائدين
وجوهنا قد يممت شطر اليمن
وشدونا لما يعد يثقله الحزن
يا أيها الطريق
هل تطيق ؟
هل تطيق؟
والطريف أني كتبت هذه القصيدة للأستاذ محمد أنعم غالب نفسه ، عندما كان يعمل مع شيخنا الجليل والعالم الكبير «حمد الجاسر» محرراً في صحيفة اليمامة ، لأنه لم يكن قد نقلها.
وأما قصيدة «الغريب» أو «غداً نعود» فقد جاء بها الأستاذ الكبير أحمد محمد نعمان عام 1959م عندما جاء من بريطانيا إلى عدن فطبعنا منها عدة نسخ ، ووزعناها مجاناً ، ولم تبق معي نسخة واحدة لذلك فإني احفظ منها غيباً شذرات فقط ، وقد أوردتها سابقاً كاملة لأهميتها ولأنها تمثل هموم المغتربين ومعاناتهم ، وكأن الشاعر في هذه القصيدة قد تقمص روح سبعة ملايين من اليمنيين المشردين.
ولا أود أن أسهب عن الدور العظيم الذي قام به المغتربون اليمنيون في كل الحركات التحررية التي قامت في اليمن ، والتي كانت توأد لعدة أسباب وعوامل خارجية وداخيلة.
وقد صور ذلك الشاعر الكبير الأستاذ عبدالله البردوني في قصيدته التي كتبها قبل الثورة ببضعة أشهر ، وعنوانها «نحن والحاكمون» ومطلعها:
أخي صحونا كله ماتم
وإغفاؤنا ألم أبكم
وقصيدة أخرى عنوانها «وعد ووعيد» وكانت تصلنا بطرق سرية إلى عدن.
أفراح الثورة في عدن
لا أستطيع أن أصور الفرحة الغامرة لأبناء اليمن في عدن مهما أوتيت من بلاغة، في صبيحة يوم 26من سبتمبر 1962م.
أتذكر في ذلك اليوم النسب المناضل عبدالرحمن الصريمي الذي جاء يوقظني في السادسة صباحاً، وهو يلهث، ويقول:
«ياخال محمد: استمع إلى إذاعة صنعاء.. فقد قامت ثورة باسم الجمهورية العربية اليمنية»، فأصخت السمع، وإذا بي أسمع صوت الأستاذ محمد عبدالله الفُسَيَّل»، وظللت أستمع إلى البيانات.. ثم استقليت سيارة أجرة إلى عدن، وكنت في الشيخ عثمان مقر متجري- المنهوب مع الأسف- وإذا بي أفاجأ بأكثر مما كنت أتصور: أعلام التحرير على سطوح المنازل والسيارات الخاصة والأجرة، والرقصات الشعبية في الشوارع.. في عدن والمعلا والتواهي، ولحج، وكل القرى، والأرياف في الجنوب اليمني.. كلها تغمرها البهجة والفرح.
وما كادت إذاعة صنعاء تذيع لون علم الجمهورية العربية اليمنية، حتى بادر الناس إلى إضافة النجمة، أما العلم فقد كان هو هو.
في اليوم الثاني عقدنا اجتماعاً جماهيرياً، وكان يرأس ذلك الاجتماع الشيخ الشهيد علي الأحمدي، فتحدث عن خلاص الشعب اليمني من الحكم الكهنوتي، والقهر والاستبداد، ثم أضاف قائلاً:
إن الجمهورية سوف تصمد، وخاصة بعد أن أيدتها واعترفت بها الجمهورية العربية المتحدة «مصر عبدالناصر».
كان الأحمدي خطيباً مفوهاً لسناً، ثم ألقي قصيدة الشاعر الكبير الأستاذ علي عبدالعزيز نصر، ومطلعها كما أتذكر:
سأغني لك يا شعب وإن لم تسمعِ
سأغني وليكن في أغنياتي مصرعي
ثم أعلن من الإذاعة قرار تشكيل الحكومة، وقد ذكرت من قبل في الطبعة الأولى لكتابي أن الأستاذ محمد عبدالله الفسيل شطب أربعة وزراء، وأدخل أربعة آخرين بدلاً عنهم، وكان شجاعاً وجريئاً، وكان من بين الأربعة محمد سعد القباطي- الذي تألم كما قيل من كلمتي التي أثبتها في الطبعة الأولى على لسان الفسيل «أنه لم يكن لا في العير، ولا في النفير» فأنا أعتذر، لأن التعبير قد خانني، وأقول: «إنه كان في المؤتمر العمالي، ثم تعين وزيراً للمغتربين، ثم وزيراً مفوضاً في الصومال لمدة ست سنوات، ثم مساعداً لأمين عام المجلس الوطني، وأخيراً سفيراً في السودان».. وعفواً من هفوتي.
أقول: وقبل سفر الشهيد علي الأحمدي إلى صنعاء لاستلام وظيفته كوزير للإعلام، اقترح علينا أن نقوم بتجنيد الشباب اليمني.. وما أكثر الذين جاءوا إلى الاتحاد اليمني، والمؤتمر العمالي، لكي ينخرطوا كمجندين في الحرس الوطني، وللتاريخ نقول:
إننا بذلنا جهوداً خاصة في ذلك، وفي المقدمة كان المرحومان محمد علي الأسودي، وأحمد يحيى الكحلاني، كما أن التجار لم يقصروا، فقد تبرع الكثير منهم بالسيارات، والناقلات، لنقل المجندين من الحرس الوطني للتدريب: إذ منهم من تم إرسالهم إلى تعز، ومنهم إلى صنعاء، وقد تجاوز عددهم العشرة آلاف مجند.. وحتى الذين كانوا في وظائف كبيرة، تركوا أعمالهم وانخرطوا في الجندية، وقد استشهد الكثير والكثير منهم لأنهم لم يكونوا قد تعودوا القتال بعد.. يرحمهم الله.
وسأضرب مثلاً بسيطاً للدلالة على حماس اليمنيين واستهانتهم بالحياة في سبيل الثورة والجمهورية، فأذكر ثلاثة أشخاص مشهورين:
من متطوعي الحرس الوطني
الأول: المرحوم عبدالعزيز المقطري: الذي كان يدير أعمال والده التجارية، وكان والده الحاج ياسين أحمد قائد المقطري تاجراً مشهوراً، فانخراط الولد عبدالعزيز المقطري في سلك الحرس الوطني، وانضم مع إخوانه المقاتلين، وكاد أن يفقده نظره، لولا لطف الله، وبعد أن نقل إلى المستشفى، خرج منه، ودخل يعمل في البنك اليمني للإنشاء والتعمير، لأنه خريج في مجال الحسابات، وكان من المبرزين في البنك، وظل ينتقل في وظائف البنك حتى صارا مديراً لفرع تعز، ثم الحديدة، ثم صنعاء.. وفي أواخر أيامه كان مديراً عاماً للبنك اليمني، يرحمه الله.
الثاني: حسين السفاري: ترك عمل والده- وللإنصاف فإن والده الأخ محمد سعيد السفاري وافق ولده على أن يدخل في الخدمة الوطنية رغم حاجته إليه آنذاك..
الثالث: الشهيد محمود عشيش: الذي استشهد في أحداث يناير1986م.
وقد تقلد عدة مناصب في الحكومات المتعاقبة في الشطر الجنوبي سابقاً.
لقد ظل هؤلاء الثلاثة يعملون مع العميد محمد علي الأكوع بإخلاص وتفان، وكان الكتاب من اليمنيين في المكاتب البريطانية في عدن يوافونهم بكل كبيرة وصغيرة، بحيث إنهم لم يدعوا مجالاً لأي فرد من المخابرات البريطانية أن يمر عن طريق تعز، فقد كان العميد محمد على الأكوع لهم بالمرصاد، ولا أنسى أنه كان من ضمن من ساعده على ذلك عبدالكريم عبدالقادر الأغبري- كما قال العميد محمد الأكوع..
العميد محمد علي الأكوع
إن ما قام به العميد محمد علي الأكوع من الأعمال الثورية اليمنية أعجز والله عن وصفها: فقد أرسل بعض الأذكياء من المخلصين اليمنيين ليندسوا في صفوف الملكيين.. ومنهم على سبيل المثال أمين سامي الأموي، الذي استطاع أن يندمج مع الملكيين، وقد كسبهم إلى صفه عندما سجن خطأ في تعز.. أي أنه سجن معهم، ثم أخذ منهم توصيات إلى الملكيين في عدن، حتى جاءت ظروف تم فيها نقل العميد محمد علي الأكوع، ولم يستطع أي شخص أن يسد مكانه إطلاقاً.
هذه نبذة بسيطة ومختصرة عن حماس اليمنيين وتفاعلهم مع الثورة والجمهورية.
ولهذا أقول: إن العميد محمد الأكوع.. نجا بأعجوبة تكاد تكون معجزة، من المؤامرة التي دُبرت له، فقد شاهد الموت، والسيوف تلمع، وهو مطلوب حياً أو ميتاً، ولولا تدخل القدر، ورباطة الجأش للقي مصرعه.. ولكنه فّر هارباً عام 1955م إلى عدن، وقد استطاع أن يكسب الكثير من اليمنيين الشرفاء، حتى عندما انتقل إلى القاهرة، فقد ظل يعمل على التواصل معهم، وأقول مخلصاً: أنه في عام 1958م عندما كان في القاهرة طلبتُ منه توصيات لأصدقائه.. فكتب إليهم.. إلى الأسماء الشريفة والنظيفة.. الذين تعاونوا معي فيما بعد.. ولهذا فإن المثقفين والشرفاء من الأحرار ارتاحوا لتعيينه في تعز،فواصلوا المعلومات إليه.
وللإنصاف:فإن الأخ العميد محمد علي الأكوع، غالباً ماكان ينكر ذاته،وأذكر على سبيل المثال هذه الحادثة.
«عندما نزلت بصحبته وكان يرافقه أيضاً صديقه الخاص عبدالكريم عبدالقادر الأغبري،ومعنا أيضاً الشاعر علي بن علي صبرة لتهنئة الرئيس قحطان الشعبي بمناسبة عيد 14 أكتوبر عام 1968م،أذكر أن الرئيس الراحل قحطان الشعبي أثنى عليه لخدماته الوطنية،وعمله الشريف النظيف في المخابرات،وإذا به ينكر ذاته قائلاً: إذا كان هناك فضل لنجاحي في الجهاز،فإنه يعود إلى الزميل عبدالكريم عبدالقادر الأغبري وآخرين».
هذه نبذة قصيرة،ومثال على إخلاص اليمنيين والتفافهم حول ثورتهم وجمهوريتهم، وعلى تضحياتهم بالغالي والنفيس،وتركهم لأعمالهم ووظائفهم التي تدر عليهم الأموال والأرباح.
وماقصة «السُّفارى،وعشيش وعبدالكريم عبدالقادر» إلا قصة من آلاف القصص التي سطّرها أولئك الأبطال الشجعان في كل شبر من هذه الأرض الطيبة.
أما العميد محمد علي الأكوع الذي عمل، ويعمل لليمن حتى الآن،والذي ينكر ذاته،فإنه يحتاج مني إلى كتاب خاص عن أعماله البطولية وشجاعته في أحلك المواقف والظروف.
وتا لله لست مجاملاً، ولن أجامل أحداً ماحييت، بيد أني أقول الحقائق، وليعذرني القارئ،فإني أحبه، وأجله، وأحترمه ،وله مواقف شجاعة ومشرفة هذا إن لم أقل مشهورة، يجحدها الجاهلون، ويحترمها الشرفاء المخلصون.
أما التبرعات التي انهالت من اليمنيين لصالح الحرس الوطني فحدث ولا حرج.. حتى النساء من شدة حماسهن وتفاعلهن،تبرعن بصيغتهن.
ولقد رأيتهن بنفسي ومعي الأخ المروني،وهن يخلعن ماعليهم من حلي «الذهب» ويسلمنها للمشير عبدالله السلال.
أما بالنسبة إلي فبعد خمسة عشر يوماً شددت الرحال إلى صنعاء مع مجموعة، وكنا مايقارب الثلاثين شخصاً، يتقدمنا المرحوم المناضل الحاج محمد علي الأسودي،وبعد خمسة أيام تشكلت لجنة لمراقبة الإذاعة والتعليقات،وكنا أكثر من عشرة أشخاص:
«الأستاذ عبدالله البردوني،محمد أنعم غالب،محمد عبدالواسع حميد،محمد الشرفي، عبدالمجيد الزنداني، عبدالرحمن نعمان ثم مدير الإذاعة الأستاذ يوسف الشحاري»،ولكنها لم تدم سوى خمسة أيام، فقد ألغاها، سامحه الله الدكتور عبدالرحمن البيضاني، وله قصة ليس هذا أوانها.
وذات يوم سلمني الأستاذ محمد عبدالله الفسيل قراراً جمهورياً بتعييني مديراً عاماً بوزارة المغتربين، وقراراً لمحمد أحمد شعلان بتعيينه نائب وزير.
ولظروف كثيرة جداً قبلت،ثم استلمت ولأول مرة مئتي ريال فرنسي آنذاك «ماريا تريزا» وهذا المبلغ ساعدني على العودة إلى القرية، ثم العودة إلى عدن ولكن ليس مقيماً،بل لأجمع التبرعات للحرس الوطني،وأعود إلى صنعاء.
تأسيس جميعة الهلال الأحمر اليمني
هنا وللتاريخ أسجل:بأن الشهيد العملاق محمد أحمد نعمان اقترح أن تؤسس «جمعية الهلال الأحمر اليمني»،وكان الأخ علي محمد سعيد أنعم يعمل كوزير للصحة آنذاك، فقبل الاقتراح، ورحب به، فتقرر عقد الاجتماع التأسيسي في مقر وزارة الصحة، مقابل ميدان التحرير آنذاك،وقد حضر الاجتماع نخبة من التجار،أذكر منهم وفي مقدمتهم المرحوم الحاج شمسان عون، وأحمد حيدر ثابت،ومحمد سيف ثابت وعبدالله شمسان الدالي، ومن صنعاد الوتاري، والسنيدار، والثور وناصر الكميم.
وكان أن تعين الأخ علي محمد سعيد أنعم رئيساً لجمعية الهلال الأحمر، ومحمد عبدالواسع حميد مديراً عاماً، وحسين عسلان أميناً للصندوق،كما تم تعيين مديرين لفرعي الحديدة وتعز.
وإن أنسى لا أنسى ذلك الخطاب الحماسي والناري للأستاذ محمد نعمان الذي أذهل الجميع،وخاصة الذين يعرفون عنه.. وحتى يومنا هذا مازال الأخ علي محمد سعيد يتذكر ذلك الخطاب.
ثم ألقى الدكتور البيضاني كلمة لابأس بها ولكن هيهات ثم علي محمد سعيد ومحمد عبدالواسع حميد،وآخرون.
فانهالت التبرعات .. وأذكر أن مجموع ماوعد التجار الذين عادوا إلى عدن بعد يومين أن يتبرعوا به كان «000.250»/شلن، ومن صنعاء آلاف الريالات الفرنسية، وكان يرأس لجنة التبرعات بصنعاء الوطني المناضل الشيخ ناصر الكميم.
نزلت إلى عدن، وبحوزتي قائمة بأسماء المتبرعين، وفعلاً دفعوا المبالغ التي كانوا قد وعدوا بالتبرع بها، عدا شخص واحد، كان يعلن دوماً عن تبرعه ولايدفع سامحه الله،إنه «عبدالكافي سفيان»، وكنت لا أستلم تلك التبرعات نقداً، بل بصكوك وباسم علي حسين الوجيه، رحمة الله عليه.
وأتذكر أن مجموع ماتم تحصيله كان حوالي «000،250» شلن، ولكي لاتحوم حولي الشبهات السياسية عند السلطات البريطانية آنذاك،اتصلت بالمرحوم حسين بيومي، الذي كان وزيراً للإعلام في حكومة عدن،والتي يرأسها أخوه حسن بيومي، وكان حسين صديقاً لي، وطلبت منه أن يتصل بالمعنيين بالأمر، ليسمحوا لي بأن أجمع تبرعات باسم جمعية الهلال الأحمر اليمني.. فهو عمل إنساني، وليس عملاً سياسياً، وظل ثلاثة أيام يحاول بلا جدوى،ولم يشعروا إلا وقد جمعت تلك التبرعات وأودعتها لدى علي حسين الوجيه، ذلك الإنسان الشريف الذي ظل يضحي ويناضل، والحديث عنه طويل ولسوف يطول.
الالتباس والخطأ بين اسمي واسم محمد عبدالواسع نعمان
محمد عبدالواسع سلام خذ
حدث عند نزولي إلى عدن أن قمت باستئجار غرفة في فندق «قصر الجزيرة» ولكني لم أنم فيها إلا نادراً، فقد كنت أقعد في منزل الأستاذ حسين علي الحبيشي عميد كلية بلقيس أو لدى الأستاذ محمد أنعم غالب مدير كلية بلقيس.
وفي إحدى الليالي وصلت في ساعة متأخرة من الليل إلى الفندق، وإذا بمدير الفندق يسلمني ورقة بأن لا أبرح الفندق حتى يأتي لمقابلتي في الصباح مسؤول من «C.G.D» «المخابرات السرية البريطانية».
وفي صباح اليوم التالي جاءني ذلك المسؤول، وهو كما أتذكر عدني من أصل صومالي، وكان مهذباً جداً..وأول شيء استغربته هو مخاطبته لي ب «ياصاحب السعادة» فدهشت ثم سألني: هل أفطرت؟ قلت: ليس بعد فقال: افطر على مهلك، وأريد منك أن ترافقني إلى الضابط البريطاني في التواهي، يريد مقابلتك، فأجبته بالترحاب.
وبعد أن تناولت فطوري سألني، وبلهجة مؤدبة: هل أنت جاهز؟ قلت: نعم فأدار قرص الهاتف، واتصل بذلك الضابط البريطاني كما فهمت في التواهي، ورغم أن ذلك اليوم كان يوم أحد، وجميع الدوائر الحكومية مقفلة ولكن..وقد طلبت من ذلك الضباط العدني الصومالي وأتذكر اسمه «عوالة» أن نمر بمنزل صديق لي فسألني عن اسمه فقلت له:اسمه حسين الصافي مدير عام إذاعة عدن فاستغرب معرفتي إياه، لأن الصافي كان مشهوراً لدى كل الأطراف العدنية، وفعلاً وافق ومررنا معاً إلى منزله، فأخبرته باختصار بأني مطلوب في التواهي في محل كيت وكيت، وقد كان شهماً..فطمأنني، وتكلم ببضع كلمات بالإنجليزية التي لا أتقنها مع ذلك الضابط ثم وجه الكلام إليَّ قائلاً: سوف أتبعك بعد عشر دقائق.
والطرفة هنا: فعند وصولي إلى التواهي، وقبل دخولي مكتب الضابط البريطاني إذا بي أفاجأ بصفين من الجنود المسلحين يرفعون بنادقهم يؤدون لي التحية العسكرية!! فتعجبت، وكنت أقول في نفسي: لماذا يؤدون لي التحية العسكرية؟ ولماذا ذلك الضابط الصومالي يخاطبني بصاحب السعادة؟
بيد أني كنت رابط الجأش لعلمي أن هناك قانوناً يحميني فيما لو التبسوا في أمري أو شكوا فيّ..وبدأ الضابط البريطاني ينهال علي بالأسئلة، وبطريقة مهذبة أيضاً، بعد أن أمر لي بكرسى إلى جانب مكتبه.
وأتذكر أن من ضمن الأسئلة التي وجهت إليّ:أنت جئت من صنعاء منذ كم من الأيام؟ وماالذي جاء بك؟
قلت له: أولاً، أنا مدير عام الهلال الأحمر اليمني، وقد نزلت إلى عدن لكي أجمع تبرعات من المحسنين لصالح الهلال الأحمر وبماأني أعرف القانون فإني أحاول أن أتصل أو أجمع من أي تاجر يتبرع، وقد فضلت أن أحصل على الترخيص لجمع التبرعات من السلطات البريطانية ولهذا فقد اتصلت بالصديق حسين علي بيومي ليأخذ لي الترخيص، فهز رأسه باسماً والأسئلة كثيرة منها أيضاً:
اسمك محمد عبدالواسع فكم تعرف اسماً يطابق اسمك واسم أبيك؟
فأجبته:
الأول: العقيد محمد عبدالواسع نعمان نائب وزير الداخلية.
والثاني: محمد عبدالواسع غانم القرشي، وله متجر في الشيخ عثمان.
والثالث: أنا أمامك، محمد عبدالواسع حميد، ولي متجر في الشيخ عثمان.
وفي تلك اللحظات قُرع الباب، ودخل السيد حسين الصافي..فتحدث مع الضابط البريطاني بكلمات، عرفت فيما بعد أنه كان يعتقد بأني نائب وزير الداخلية محمد عبدالواسع نعمان فحياني واعتذر.
ثم خرجت مودعاً، بمعية السيد حسين الصافي، ولكني لم أجد أثراً للحراس الذين قاموا بتحيتي عند وصولي، فابتسمت بارتياح، ثم أوصلني السيد حسين الصافي إلى فندق «قصر الجزيرة» بعدن.
وفي اليوم التالي التقيت المرحوم حسين بيومي..فأخبرته بما جرى، ثم ابتسمت وقلت له: أعتقد أنهم أخبروك.
فحياني وقال مداعباً: أنت شيطان وبعد ثلاثة أيام شددت الرحال إلى شمال الوطن، ماراً بالتربة مركز الحجرية وعقدت هناك اجتماعاً ودُعيت أنا ومن معي إلى حفل خطابي وانهالت التبرعات باسم الهلال الأحمر اليمني، وأتذكر أن بعض النساء تبرعن آنذاك بستة جنيهات ذهبية، وقد سلمتها للأخ حسين عسلان الذي كان دوماً يضع كل شيء في «الكازا» أي الخزانة ورعى الله الأخ حسين عسلان الذي كنت أفطر في منزله طوال شهر رمضان، يرافقني المرحوم عبدالباري قاسم، الذي قتل في طائرة الموت، التي ذهبت إلى حضرموت ولم تعد، وكان المرحوم عبدالباري يحمل رسائل من الشهيد سعيد علي الأصبحي لي أولاً، ثم رسالة للشهيد الزبيري، وأخرى للقاضي عبدالرحمن الإرياني، ثم رسالة للمشير السلال، مع شيك بمبلغ ثلاثين ألف شلن للحرس الوطني والقصة مشوقة ربما أعود إليها فيما بعد لأنها جديرة بالكتابة.
وقد عشت حينها قلقاً متأزماً، إلى أن جاءت المفاجأة المحزنة والمؤسفة.
البيضاني يغدر بالأحرار
بعد أن تعين قبل حوالي شهر بقرار جمهوري الدكتور عبدالرحمن البيضاني نائباً لرئيس الجمهورية. ونائباً للقائد العام ووزيراً للخارجية، بدأت تصدر القرارات تلو القرارات: حيث تعين الأستاذ محسن العيني مندوباً دائماً في الأمم المتحدة، والشهيد علي الأحمدي وزيراً مفوضاً في المانيا الغربية.. إلى آخر ذلك من التعيينات.
وتلاحقت الأحداث والمفاجآت فقد تم عقد اجتماع هام في رئاسة الجمهورية برئاسة المشير عبدالله السلال، ونائبه الدكتور البيضاني والوزراء، وأعضاء قيادة الثورة وطبعاً كان أغلب الحاضرين لاحول لهم ولا رأي فقد طغى البيضاني بطريقته الخاصة على المجتمعين، متسلقاً بانتهازية على موجة المساعدة المصرية لثورة اليمن عسكرياً وسياسياً واقتصادياً حيث قضت نتائج الاجتماع أن يخرج من اليمن كل من:
1 القاضي عبدالرحمن الارياني: مكلفاً بجولة لزيارة بعض الأقطار العربية لشكرها على الاعتراف بالثورة.
2 الأستاذ أحمد محمد نعمان، وتقرر تعيينه في الجامعة العربية.
3 اللواء حمود الجائفي.. وعين سفيراً في القاهرة.
4 الشيخ محمد علي عثمان..وعين وزيراً مفوضاً في السودان.. تصوروا أن يعين الشيخ محمد علي عثمان وزيراً مفوضاً في السودان؟! ولم يذهب بل ظل في القاهرة حتى عاد بعد ذلك مع القاضي عبدالرحمن الإرياني، فقد كان الشيخ محمد علي عثمان له ثقله، ومؤثراً في كثير من محافظات اليمن.
ثم تصور أيها القارئ القاضي عبدالرحمن الإرياني العلامة والسياسي بل رجل اليمن في كل المواقف يؤمر بمغادرة اليمن.
وأود هنا أن أشير أو أن أقول بأن هذا تاريخ، وليس تحاملاً أو هجوماً، أو نقداً لاذعاً للدكتور البيضاني..كلا.
كما أود أن أقول وبصراحة إن مذكرات زعيمنا الروحي القاضي عبدالرحمن الإرياني قد كتبت بدقة، وبإسهاب وفيها الكثير حول هذا الموضوع، الذي أشرت إليه إشارةً هنا وسوف تخرج تلك المذكرات قريباً إلى النور.
وسوف أضرب مثالاً بسيطاً: كان القاضي عبدالرحمن الإرياني قد طرح قضية إرسال وفد على مستوى عال إلى المملكة العربية السعودية، وقد وافقه في هذا الأستاذ النعمان، والشيخ محمد علي عثمان، والشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وبعض العقلاء، كما طرح أيضاً اللقاء في الراهدة مع القاضي أحمد السياغي، فقد كان أيضاً من العقلاء ومن ذوي الرأي والمشورة بيد أن هذه الآراء والاقتراحات اعتبرت من قبل الذين هددوا الرياض، وعلى رأسهم البيضاني خروجاً على السياسة التي رسموها وهذا الكلام موجود وموثق في الإذاعة وغيرها.
«ابتعدوا عن قصور الناصرية..الخ هذا».
وكنا نسمع من الإذاعة إلى البيانات الطويلة العريضة ومن ضمنها:
«وقد أمرنا أسطولنا البحري بالتحرك صوب الشمال..» الخ.
في أوائل عام 1965م ذهب القاضي عبدالرحمن الإرياني والأستاذ النعمان مع وفد كبير، ضم كبار مفكري اليمن، للقاء الغادر، وكان الغادر قد التقى المشير عبدالحكيم عامر من قبل، فأخذ منه مبلغاً من المال، ثم خدعه كعادته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.