انتشرت ظاهرة التسول بصورة لافتة للنظر وهذه الظاهرة قديمة قدم حياة الشعوب، وهي داء خطير متفش في كل شعوب العالم، وقلما تجد شعباً يخلو منها، ولكنها تتباين حسب الحالة الاقتصادية التي تعيشها المجتمعات وظاهرة التسول ازدادت في مجتمعنا وإن كان البعض مضطراً فإن البعض الآخر قد اتخذها مهنة تدر عليه أموالاً كثيرة، ونتيجة الخبرة المتراكمة عند بعضهم أخذ البعض منهم يتفنن في هذه المهنة ، فبعضهم يجلب معه أطفالاً صغاراً تراهم دائماً في حالة غفوة طويلة لا يفيقون منها مادام ذووهم أو مربوهم يمارسون عملهم في التسول أو تجد أطفالاً لا تبدو عليهم الحاجة الدافعة للتسول لكنهم يقدمون على فعلهم بدافع التجريب وطمعاً في الحصول على بعض المال، وللحقيقة وحدها فإن البعض أخذ ينشر النساء بنظام يومي وكأنهم يؤدون واجباً لا يتخلون عنه على مدى أيام الأسبوع ومنهم المعاقون الذين لا يقدرون على العمل كونهم فاقدين أحد أجزاء أجسامهم وكذلك الذين يبررون تسولهم بأنهم عابرو سبيل انقطعت بهم السبل، وفقدوا نقودهم وهم من محافظات بعيدة كما يدعون، ويريدون بطلب المال مواصلة الطريق.. ولكن من يتكرر أمامه هذا المشهد ولنفس الأشخاص سواء كانوا رجالاً أو نساءً لا تنطلي عليه هذه الحيلة. انعدام ثقافة تكريم الانسان ومن خلال بحثنا عن تفسير منطقي لمايدور في الشارع التقينا بعدد من المواطنين والمسئولين وفي البداية تحدث الأخ أحمد محمد الجرادي: في كل المجتمعات تبرز ظاهرة التسول وهذه الظاهرة ليست وليدة اليوم فهي موجودة في أغلب بلدان العالم وعلى مر التاريخ.. فلو التقيت بأحد المتسولين لاكتشفت أن الذي يدفعه لممارسة هذه الحالة ليس العوز وحده وإنما شعوره بالنقص حاله كحال البخيل الذي ليس له قناعة بما توفر لديه من المال إضافة إلى ذلك فإنه لا يملك أي نوع من الثقافة وبالأخص الثقافة الدينية التي ترفع من مستوى الإنسان، وتحافظ على عدم هدر كرامته، لذلك فإن أغلبهم من غير المتعلمين ويسلكون هذا السلوك عن طريق إثارة الشفقة والعاطفة واستخدام جميع لغات التسول التي يعرفونها ويتقنونها جيداً والتي أكثرها كذب مصطنع. مأزق الفقر أما الأخت منتهى عبدالله فتقول: من حق المتسولين أن يمارسوا هذه المهنة فلو كانوا يملكون شيئاً من المال يعينهم في حياتهم اليومية لما أحبوا النزول إلى هذا المستوى الذي يكرهه الكبير والصغير، وبعبارة أخرى ممكن أقول لك إن الفقر والعوز هو الذي دفعهم إلى ذلك. إهانة المرأة من جانبه يكشف الأخ أحمد عبدالله الشامي جانباً آخر للتسول فيقول: إن السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو البطالة المنتشرة في عموم البلد، هذا بالنسبة للبعض منهم أما البعض الآخر فيعتبرها مهنة يجمع من خلالها الأموال الكثيرة ومن الواضح أن عملهم أشبه بتكوين شبكة يحركها رأس مدبر يخطط لهذه العملية ولتقريب الصورة فهم أشبه بعصابة تسيطر على عمل معين تحتكرها لوحدها «والذين يرسلون نساءهم لممارسة هذه الظاهرة ليس لديهم شيء من الكرامة، لأن المرأة خلقها الله تعالى لإدارة شئون بيتها ورعاية الأسرة والأطفال وإشاعة الطمأنينة والأمن داخل الأسرة أما آن تتغير الموازين حيث نجد الرجل جالساً في البيت والمرأة تخرج لكسب رزقها بهذه الطريقة المنبوذة فهذا يتنافى مع الأديان والأعراف في مجتمعنا. أغرب حالات التسول أما الأخ ابراهيم الصهباني فذكر لنا أغرب حالات التسول على حد قوله: للتسول حالات معقولة يتقبلها الآخرون فمثلاً كان التسول في فترات سابقة تتمثل في حالات نادرة جداً وكانت الطريقة تختلف عما يمارس في الوقت الحاضر فالتسول قديماً كان يحمل نوعاً من الكرامة وعزة النفس فلا يتصنع ولا يتكلف أكثر من حالتها العادية التي يمارسها للحصول على المال، أما في الوقت الحاضر فبعضهم يلح معك في الطلب وإذا لم تجد عليه فممكن أن يتجاوز عليك ويشتمك وأغرب حالات التسول التي صدفتها في حياتي الأولى لاحظتها أثناء مروري قرب الفنادق حيث لاحظت أن المتسولين يحصلون على مبالغ بالدولار من النزلاء الذين هم في الغالب عرب أو أجانب بعدما يثيرون عطف وشفقة المقابل بشتى الطرق، والحالة الثانية التي شاهدتها بصفتي سائق سيارة أجرة لاحظتها عندما اقترب أحد الشباب الذي لم يكن يرتدي سوى ثوب فقط، وطلب من الركاب أن يعطوه إيجار السيارة ليتمكن من العودة إلى بلاده بعد أن تقطعت به السبل، وعلى الفور تبرع أحد الركاب بذلك لكنه طلب من الشاب الركوب في نفس السيارة كونها في طريقها إلى مقصده فوافق ثم بعد دقائق ألح على الرجل بأن يمنحه المال ويتركه يذهب ليركب على الماشي ليوفر له ثمن العشاء فرفض الراكب وبعد لحظات انكشف السر حيث خرج الشاب معلناً ذهابه للاتيان بملابسه ولم يعد وقد لاحظته أكثر من عشرين مرة وبنفس العذر!! الجمعيات المناسباتية لكن الأخ رشيد عبده غالب لايريد التحدث فيما كرره الآخرون بل فضل أن يفتح النار على الجميع حيث قال: يعتقد آخرون أن مثل هذه الحالات البائسة أواراقاً رابحة في مواسم الانتخابات تلعب بها بعض أطراف الصراع السياسي وأما الجمعيات التي توصف بالخيرية المنتشرة على امتداد الساحة اليمنية، فلا تخرج عن كونها جمعيات مناسباتية لها القدرة على توظيف المناسبات لتأخذ أكثر مما تعطي خدمة لأغراض أخرى.. ولهذا أرى أن الانتظار الطويل من قبل البؤساء لما ستجود به تلك الجمعيات ليس إلا عاملاً من عوامل الإهانة للكرامة الإنسانية التي كرمها الله ومعززاً سلبياً لاستمرار ظاهرة التسول المقيتة التي دفعت ببعض التربويين إلى الاعتقاد بأن لها مدارس خفية تعمل على استقطاب المشردين وتوجيههم وفق منهج علم نفس التسول الذي يبدو أن القائمين عليه يملكون قدرات غير عادية، كان الأحرى أن تستغل لتحول إلى صورة إيجابية للاستفادة منها، ودون مواربة أقول إن على القائمين بإدارة الجمعيات الخيرية إن كانوا يرغبون حقاً ببناء الوطن أو ينشدون الأجر من الله بلا مراء أن يقدموا خططاً استراتيجية بعيدة المدى تبدأ بإنشاء مراكز تأهيلية على مستوى الحارات ليضمن الفقراء مستوى معيشياً محترماً وإكسابهم مهارات يشعرون معها بأهمية تقدير الذات واحترام العمل والوقت وفق المثل الصيني القائل «علمني كيف اصطاد السمكة ولاتعطني كل يوم سمكة». مشروع مكافحة التسول في إب ولمعرفة رأي الجهات المسئولة التقينا بالأخ نصر البعداني مدير عام مكتب الشئون الاجتماعية والعمل بمحافظة إب الذي أعلن عن تقديم مشروع الحد من ظاهرة التسول إلى السلطة المحلية بالمحافظة، وسرد تفاصيل المشروع بقوله: تفاعلاً مع دعوة الأخ رئيس الجمهورية المشير علي عبدالله صالح المتضمن اعلان محافظة إب محافظة السياحة الأولى في الجمهورية اليمنية واستشعاراً للآثار السلبية لتوسع حجم الظاهرة وتأثيرها على السياحة وسمعة المحافظة وبناءً على توجيهات السلطة المحلية فقد قام المكتب بإعداد دراسة للحد من الظاهرة تتخلص بالقيام بحملات جمع المتسولين والقيام بإيوائهم في المراكز المعدة للاستقبال ومن ثم يتم إجراء الدراسة والبحث الاجتماعي لحالاتهم الاجتماعية والاقتصادية..الخ.. وتصنيفهم حسب فئاتهم العمرية والنوع والحالة الصحية وبعد تثبيت بياناتهم وتصويرهم يتم إعادة توزيعهم حسب البحث ونتائجه. المشروع يصنف المتسولين في ثلاث مجموعات مختلفة: المتسولون المنحرفون والمتسولون ذووا الاحتياجات، والمتسولون العاطلون عن العمل وبالتالي معالجة حالاتهم وفقاً لنوعيتها الخاصة، وقد تم وضع الموازنة المطلوبة لتنفيذ الحملة ورفعها للمجلس المحلي بالمحافظة وتم مناقشتها وستتم المباشرة بإعداد وتجهيز مراكز الإيواء حتى تكون جاهزة قبل بدء الموسم السياحي القادم إن شاء الله.