الهجرين .. بوابة دوعن المنيعة، إذ تعد من أمنع البلدان الحضرمية وأفضلها تحصيناًً، حيث يرى ساكنوها القادمون إليها من جميع الجهات وذلك لتوسط موقعها الذي يمثل أنموذجاً فريداً، حيث تبدو المدينة وكأنها جزيرة فهي تتوسط مجرى واديين وادي الغير غرباً ودوعن الشهير شرقاً.. حيث تكثر أشجار السدر التي يتغذى النحل على رحيقها. منطقة الهجرين والهجرين إحدى مدن اليمن التاريخية والتراثية، فهي شاهدة على حقبة زاخرة بالحياة والأنهار والجداول وتمثل أحد رموز الحضارة التراثية القديمة وتعد من أهم واجهات السياح، بل مزار للشعراء والأدباء والمؤرخين والباحثين لما تحويه من شواهد أثرية ومعالم تاريخية ومقومات سياحية فريدة ومتنوعة تحيط بسقوفها أشجار النخيل وتجاورها الحقول الظليلة وأحواض مزارع الذرة. وقد وصف عدد من الشعراء مثل الشاعر «صالح المفلحي» في إحدى قصائده التي يرددها الفنان الدكتور أبوبكر سالم بلفقيه يقول فيها: سقى أم الهجر منبتك يالغصن المورد منازل حل في قلبي وطيفه في سماء حبي مشوع بدر وهلال ومدينة الهجرين جزء من العمارة الطينية في وادي حضرموت تمتاز بمنازلها الشاهقة والجميلة المتقاربة والمتلاصقة التي تنسجم مع لون الجبال الشامخة من حولها، فقد تمكن مهندسوها من بنائها بمواد محلية من الطين، التبن، وكانت هذه المواد تضع في أحواض النخيل من الأودية المحيطة بها ثم تجلب إلى قمة الجبل على ظهور الحيوانات حتى وقت قريب في طريق وممرات محددة ووعرة. مدينة الرؤية الفقهية تميزت مدينة الهجرين بخاصية تنفرد بها عن غيرها من مدن حضرموت وهي تحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك، حيث تتم رؤيته من قبل أشخاص لهم دراية ومعرفة بما يسمى «المطالع» ويتم تحقيقه من قبل قضاة شرعيين. الهجرين.. من أين جاءت التسمية وماذا تعني..؟ جاء في القاموس: الهجران مثنى ومفردها «هجر»، وهي القرية بلغة حمير والعرب العاربة. وقد ذكر الهجرين عدد من المؤرخين يقول الهمداني: «الهجران قريتان متقابلتان في رأس جبل حصين يطلع إليه في منعة يقال لأحدهما خيدون وللأخرى دمون، واصفاً أنه في الهجرين توجد ساقية دمون، وهي أودية دوعن.. وقال: «دمون من حصون حمير بحضرموت». آثار دمون كما وصفها المؤرخ ابن عبيد اللاه في كتابه «معجم البلدان».. هي واقعة في حصن جبل فارد جاثم على الأرض كالجمل البارك من غير عنق.. وموقع الهجرين في جنبه الأيسر وعلى ذلك الجبل بلدة صغيرة يقال لها المنظرة، وفي جنب ذلك الجبل من جهة الشمال آثار دمون». وقد جاء في ذكر ملوك كندة ومن سكنوا في شرق اليمن ومدينة ملكهم دمون، وهي قاعدة لمملكة كندة حيث عاش الشاعر الجاهلي امرؤ القيس، وقد كانت ربوع دمون وجبالها مبعث إلهامه، وقد أجمعت كتب الأدب والتاريخ أن امرء القيس أقام بمنطقة دمون الهجرين بحضرموت وفيها يقول: تطاول الليل علينا دمون دمون انا معشر يمانون وانا لأهلنا محبون كذلك قال فيها: كأني لم أسمر بدمها ليلة ولم أشهد الغارات يوما بعندل و«عندل» منطقة على مدخل وادي عمد أحد أودية حضرموت الشهيرة.. وبمحاذاة الهجرين جنوباً تقع قرية صباح، وقد ذكرت في سيرة امرئ القيس التاريخية وهي قرية صغيرة بنيت على قمة جبل صيلع، حيث توجد أطلال مساكن امرئ القيس وهو الجبل الذي ذكره في أشعاره حين أتاه رجل من بني عجل بنبأ وفاة أبيه وأنشد بهذه الأبيات: أتوني وأصحابي على رأس صيلع حديث أطار النوم في عينين فأفعما فقلت لعجلي بعيد مآبه ابن لي وبين لي الحديث المجمجما أشهر المعالم الأثرية توجد بالهجرين العديد من الصهاريج المائية «الجابية» لخزن المياه وإمداد المدينة بالماء. وتعتبر المنطقة بأكملها أثرية، وقد اشتهرت المدينة بوجود سوق تجاري في عصر ما قبل الإسلام وكانت ممراً للقوافل التجارية في تلك الحقبة الزمنية. وفي مجال التنقيب عن الآثار أكدت الأبحاث التي أجرتها البعثات الفرنسية واليمنية عن وجود قبور مقوسية في قرية احدى ضواحي الهجرين ومن وادي الغير غرباً حيث أشجار اللبان المعمرة التي تميز بها الوادي عن غيره من أودية حضرموت تم اكتشاف كهف القزة «الأول من المعالم الأثرية في الجزيرة العربية» يعود تاريخه إلى العصر الحجري، حيث تم اكتشافه من قبل البعثة اليمنية الروسية وحددت الاكتشافات للأدوات الحجرية بواسطة وسائل الإشعاع الكربوني معالم الحياة في هذه المنطقة بملايين السنين. الهجرين في تاريخ الحموي إلى الشمال من الهجرين توجد مستوطنة ريبون وقد أورد ذكرها المؤرخ الحموي في معجم البلدان.. ولا تزال أطلالها شاهدة للعيان وقد أثبتت الاكتشافات الأثرية ما يدل على أن أهل هذه المدينة قد زاولوا الزراعة وتربية المواشي وبنوا المجتمعات السكنية الجميلة وتفننوا في شبكات الري والقنوات والسدود وأحواض المياه.. وقامت فرق التنقيب في ريبون باكتشاف معبد للآلهة «ذات حميم» مكون من عمارتين ومن محتوى النقوش التي عثر عليها أصبح واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه المباني ما هي إلا جزء من معبد لواحد من أعضاء الأسرة الرئيسية في آلهة الجنوب العربي آلهة الخصب والنماء «ذات حميم». ومن سنحت له فرصة زيارة متحف الآثار بالقصر السلطاني في سيئون سيشاهد نماذج من الملتقطات الحجرية لكهف القزة وتصميم معبد «ذات حميم» ومعروضات للنقوش والأواني الفخارية ونماذج لقنوات الري وغيرها.