إن استخدام زويل لتقنية الليزر فائقة السرعة (فمتوسكوب) يمكن وضعه في سياقه التاريخي جنباً إلى جنب مع استخدام جاليليو للتلسكوب الذي صوبه شطر كل شيء مضى في القبة السماوية الزرقاء, أما زويل فقد صوب ليزر الفيمتو ثانية على كل شيء يتحرك في عالم الجزيئات- لقد انتقل زويل بتلسكوبه هذا إلى آفاق العلم. من كلمة البروفيسور بنجت نوردنBengt Norden عضو لجنة جائزة نوبل أثناء منح العالم العربي المصري الدكتور أحمد زويل جائزة نوبل للكيمياء 1999 . حقيقة لا يوجد وصف أكثر دقة وأشد وضوحاً لما حققه زويل من وصف نوردن حيث إنه وفق كثيراً في عمل اقتران تاريخي بين إنجازين تاريخيين عظيمين في مجال العلم،أحدهما فتح الباب ووسع المدارك إلى كوننا الكبير. فبالتلسكوب تغيرت طريقة دراسة الظواهر الطبيعية من حقل التنجيم والحواس البشرية إلى حقل الآلة . وقرب التلسكوب نظر العلماء إلى الأشياء البعيدة وجعلها أقرب وبوضوح أكبر وبالتالي قامت على تلك الرؤية والوضوح النظريات التي وصفت حركة الأجرام السماوية المختلفة وعليه اعتمد العلماء الذين تلو جاليليو أمثال نيوتن وغيره في دراساتهم الفلكية .. أما الطرف الثاني من قران نوردن فهو الفيمتو سكوب الذي أوجده زويل .. وبنفس الطريقة فتح هذا الابتكار وهذا المجال عصرًا علمياً جديدًا وواضحاً أكثر ولكن على المستوى المجهري وليس على مستوى المايكرو ولا النانو بل على مستوى الفيمتو (الفيمتو يعرف بأنه جزء من مليون بليون من الوحدة) فماذا كان انجاز زويل ؟؟ الفيمتو ثانية : الفيمتو ثانية معناها الوصول إلى تقنية تتغير خلال فترة زمنية صغيرة جداً تقدر ب 10-15من الثانية .. ولكي يتصور القارئ مدى الفارق بين الثانية والفيمتو، فإن نسبة مدى زمن الفيمتو ثانية إلى الثانية كنسبة الفارق بين الثانية و32 مليون سنة .. لكن كيف استفاد زويل من هذا المقياس الزمني وكيف أدخله من الحسابات الرياضية إلى التطبيقات العملية وغدا واقعاً بل وفتحاً علمياً جديداً في تكنولوجيا اليوم ؟؟ باعتقادي أن الكثير لم يسمع أو ربما سمع عن زويل ومنحه جائزة نوبل لكن في المقابل نجد أن الكثير لم تتكون لديه فكرة كاملة أو فهماً ولو مبدئيا عن طبيعة هذا الإنجاز .. وبالتالي سأحاول أن أسلط الضوء على ما أوجده زويل بشيء من الاختصار : قام البروفيسور زويل وفريق البحث التابع معه في جامعة كالتك بدراسة ورصد الحركة السريعة للجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية ورصد المراحل والمكونات البينية التي تتم خلال التفاعلات الكيميائية والتي تتم في فترة زمنية تقترب من الفيمتو ثانية 10-15 second . وللتمكن من رصد حركة بهذه الفترة الزمنية القصيرة جدا قام زويل بعمل ذلك باستحداث تقنية باستخدام شعاع الليزر يقوم بإحداث نبضات ذات فترات زمنية في نطاق الفيمتوثانية ... فإذا أمكن الوصول إلى تلك اللحظة الزمنية وإذا ما كانت قوانين نيوتن سارية المفعول تحت هذه الظروف فإن هذا المقياس الزمني سوف يوفر للمرة الأولى التحليل المطلوب لتجميد ووصف الحركة السريعة للجزيئات الذرية أثناء التفاعلات الكيميائية .. ومن ثم يمكن رؤية المراحل التفصيلية في التحولات الجزيئية بطريقة مباشرة ... وقد تم تسمية عملية استخدام نبضات الليزر لإيقاف حركة الصورة Stop the motion للذرات والحصول على بنيات جزيئية اسم الفيمتوسكوبFemtoscopy نسبة إلى الفترة الزمنية فيمتوثانية والتي يتم فيها النظر إلى العالم غير المرئي للذرات والجزيئات أثناء لحظات التزاوج والاقتران (التفاعل) بينها ... كانت أول التجارب التي أجراها زويل وفريق بحثه أجريت على جزيء مكون من ثلاث ذرات هي اليود والكربون والنتروجينICN) ) والجزيء المكون من هذه الذرات الثلاث ICN يتفكك بغير انقطاع بفاصل زمني قدره عشرة فيمتوثانية وهي سرعة كافية لتسجيل عدد كاف من الصور لتكسر الرابطة بين ذرتي الكربون واليود وكانت هذه أول مرة يتم فيها مشاهدة هذه العملية في زمن حقيقي محسوس ،وقد تم استخدام تردد الضوء الممتص بواسطة الذرات والجزيئات كبصمات للتغيرات التي تقع في هذه الجسيمات ولها ،فتردد الضوء الممتص بجزيء الكربون والنتروجين ICN الطليق يختلف عن تردد الضوء الممتص عندما تكون ذرة اليود قريبة منه أو غير مترابطة به وبعبارة أخرى إنه في طريقة التفكك فإن النغمات الموسيقية والتي يمكن تسجيلها والإصغاء إليها والتي تعتبر هنا تردد الأطياف تتغير مع الوقت ويشكل تناغماً معيناً يعكس عنه توليد صورة لما يحدث تماما .ويعتمد التردد المناسب للضوء الذي يمتصه الجزيء أو الرابطة الكيميائية على عوامل عديدة من بينها المسافة بين الذرات . ومن ثم فقد ضبط جهاز ليزر المجس Probe laser على تردد معين يتوافق مع المسافة التي تم اختيارها مسبقا وبالتالي يتم تعديل التردد مرات حتى يتم الحصول على مسافة الترابط (طول الرابطة) وتم تكرير العمل مرات حتى تم إحصاء مرات ظهور واختفاء طول الرابطة وهنا تمكن الفريق من رؤية الرابطة وقد مطت حتى قطعت وتم الوصول إلى الفترة الزمنية لتفكك جزيء ICN في خلال 200 فيمتوثانية ..وبذا يكون العالم زويل قد اوجد أسرع كاميرا في العالم .. حقيقة قد لا أستطيع وصف الإنجاز الذي أحدثه زويل بأكثر مما وصفه وقدره علماء عمالقة . وبحق إذا كان زويل قد أحدث إعجازاً جديداً في مجال العلم فقد كسب متعة العلم من خلال اطلاعه على عالم البرزخ الكيميائي - العالم الآخر - وأكاد أجزم بهذه المتعة العظيمة متعة العلم من خلال متعتي وأنا أقرأ عن هذا الإنجاز وعن كيفية قراءة وتصوير ورصد حركات الجزيئات أثناء التفاعلات الكيميائية وهذه المتعة والنشوة والمهابة التي يجدها المرء حينما يصل إلى اكتشاف وجدها علماء عمالقة كما وجدها زويل كما عبر عنها أرشميدس حينما توصل إلى حل لمعضلة علمية فخرج يهتف (يوريكا .. يوريكا .. وجدتها وجدتها) ... حقاً لقد أوجد زويل عصراً جديداً للكيمياء وفتح الباب لعلوم كيميائية وتطبيقات واسعة في هذا المجال [email protected]