كم يبدو التناقض مجحفاً في حق الفرد أن يبقى حياً معافى طيلة المدى المكتوب له، فما أن يُجسد حجم دمار لفائف التبغ ويضخ بأخطارها وتداعياتها في ذهن القارئ والسامع والمشاهد، حتى يُستدرك بالنقيض الباعث للرغبة والفاتح للشهية والغوص في حدة أصالة النكهة والتغزل بالمذاق الرفيع، والاحساس الذي لايقارن ولايقاوم.. غريب مايجري في العالم!وحشية الابادة تحت مبرر نشر الطمأنينة والسلام! ويتجلى سنا الحقيقة من دياجير الرؤية والتوجه الذي لايقبل الجدل، إذا ماأصغينا لدوي السؤال: لماذا يحرص من كان على نسبة مرموقة من المدخنين؟ علماً بأنه لم يسبق لسكان الأرض وأن تناولوا جرعة تحصين تعفيهم من الموت باحدى علل التدخين، ولا أدري إلى أي مدى تبلغ وحشية العالم وقد أصبحت ايرادات هذا النوع من الوباء الزعاف أهم بكثير من ملايين الأرواح التي يزهقها، وأن يتعاظم رفه النفر من المترفين إلى حيث وحين مالانهاية مرجوه مهما تطاولت نسبة المعدومين خلف نعيمهم والمشرفين على الفناء بفعل غوايتهم..، يواجه انسان اليوم صعوبة بالغة في أن يتخذ قراره الحاسم بالشأن وخصوصاً بعد ابتزاز حريته في الاختيار على اثر الدفع به والآخذ برغباته مضياً على دربٍ لإدمان الموت ولم يبق له إلا أن ينتقي أحد أصناف الهلاك المضمون ماأتعس أن تقذف بنو البشر أجساداً باردة في بطون الأرض لابضربة سيف أو بطعنة رمح جهاداً ودفاعاً عن قيم الخير والجمال بل برائحة التبغ ونكهة النيكوتين،فلامن شهداء لواجب ولا كمن عاشوا وماتوا كما يجب.. فقط هي هوادة الخرمة ومزاج الكيف المستبد الذي أولوا إليه، فثمة ماومن شدهم نحو حفيف«الولعة» وأجبلهم قبل ذواتهم على التيه في حلق الدخان الصاعد بالأرواح.. في الحين الذي ينادي المنادي بحماية البيئة من التلوث وضرورة الانتباه لما قد يضر بطبقة الأوزون وماإلى ذلك من مشاكل العصر، يندفع ذوي الاهتمامات والخصوص بالشأن إلى رسم الخطط وايجاد البدائل وغير ذلك على حين غفلة أو تغافل لما يمس ذات الانسان وبطريقة مباشرة واضحة للعيان هي أولى من كل ماقد يتراءى ويتنبأ به. هناك من يقول بأن الانسان كيفما يريد وله أن يحدد مصيره باقتدار مادام يملك العقل الواعي، إنما مثلة سواد موحش يستأثر بنصيب وافر من أبناء الآدمية بحكم الجهل ومعدومية ذلك إباحة التصرف بوجودهم والسماح لذوي الأطماع أن يصكون من خلقتهم دنانيراً من الذهب والفضة بغير وجه حق؟! إن كل ماأتمناه في هذا القرن من الزمان أن تنبثق توجهات فعلية ملموسة تهدف إلى تجنيب بني البشر من مخاطر التدخين عملاً باستئصال الخطر من جذوره، وسد منابعه وردم مستنقعاته نحو عالم بلاتدخين. إذ أن الوعي بالمشكلة وادراك أبعادها وأسبابها ومسبباتها لايمثل علاجاً لها مطلقاً بل مشكلة أخرى مالم يتم ابرام الحلول المناسبة الكفيلة بابادتها قبل الاستفحال وتفشي الاعراض وتشعب التداعيات.