رحل فؤاد الحميري بعد ما يزيد عن عقدين من الإبداع حضر فيهما الرجل شاعرا وثائرا وخطيبا وقبل ذلك حامل قضية ظل وفيا لها حتى الرمق الأخير. عرفت فؤاد رحمه الله للمرة الأولى قبل أكثر من عشرين سنة أثناء صباحية شعرية أقامها النشاط الطلابي في جامعة العلوم والتكنولوجيا للفيف من الشعراء الشباب.. لم يكن فؤاد يومها أشعرهم لكنه كان أكثرهم تميزا في طريقة الأداء وبراعة الإلقاء فتشعر معه من أول وهلة أن هذا الشاب العشريني يتنفس كلماته ويعيشها وأن الكلمة قبل أن تنطلق من لسانه تُنتَزع من قلبه وتختلط بأمشاج وجدانه وتفاصيل مشاعره.
وعلى الرغم من أن تجربة فؤاد الشعرية ثرية كما وكيفا وتستحق الوقوف عندها طويلا لسبر أغوارها واستجلاء معالمها؛ إلا أنني في هذه اللمحة السريعة سأكتفي بالحديث عنه خطيبا كونه شكّل مع عددٍ من الخطباء الشباب كعمر دوكم وتوهيب الدبعي ظاهرة جديدة في المشهد الخطابي الوعظي في اليمن يمكن تسميتها بظاهرة الخطباء الشباب وهي ظاهرة قوية نجحت إلى حد كبير في كسر النمطية السائدة في المنبر الخطابي كضرورة أن يكون الخطيب كهلا وبمواصفات شكلية صارمة.
ولم يقف فؤاد وزملائه عند هذه النقطة فقط بل إنهم تجاوزوها إلى التجديد في المضامين الخطابية وتوسعتها فلم يعد الهدف الوعظي هو الهدف الوحيد من الخطابة فثمة أهداف أخرى لا تقل أهمية. ومنها هدف الإمتاع والتنويع الخطابي ومزج الموعظة بالأدب والشعر وتنزيل كل ذلك على الواقع تشخيصا وتحذيرا وترشيدا. وعرض الأفكار والمفاهيم بصور جمالية يحضر فيها التشويق والعمق والطرافة مما يبعد ظلال السأم عن المتلقي وتحويل المادة الخطابية إلى نزهة جميلة ومثيرة. وهذا في ظني هو السبب الذي جعل جمهور هؤلاء الخطباء الشباب في تكاثر مستمر.
أفاد فؤاد كثيرا من لافتات أحمد مطر. وتقمص الشعرية المطرية إلى حد كبير حتى في نثره الخطابي. وقد استطاع ببراعة كبيرة أن يضمن هذا المسلك الطرائفي الساخر كل قضايا وطنه: السياسية والفكرية والاجتماعية. وأبلى بلاء حسنا في كل ذلك حتى صار علامة فارقة في المشهد الخطابي.
وجاءت ثورة الحادي عشر من فبراير. فمنحته الساحات التي ظل ملازما لها مزيدا من الفرص والظهور. واستطاع أن يعيش الحدث فكرا وتعبيرا بل وممارسة. فقد أصيب غير مرة أثناء فعاليات الثورة. وكانت خطبته في جمعة الكرامة هي النسق الأعلى الجميل المؤثر الذي ارتبط بجلالة الحدث وهول الموقف.
وبعد أن طوت الساحات خيامها ظل فؤاد لسان الثورة وفارسها الذي لا يكل ولا يمل. واحتضنه مؤتمر الحوار كواحد من قادة الثورة وحداتها المخلصين. ولم يزل على عهده من وطنه جهادا وتضحية وبذلا حتى داهمته العلل. فمات وفي قلبه وهج ثوري لا ينطفي ويمن لا تغيب عنها شمس الحرية.