بداية المعرفة أن تسمع عن فلان أو تقرأ له، كنتُ أعرفه شاعراً ملتزماً ناشئاً وخطيباً ثائراً وقاضياً حازماً، ثم جرى اللقاء الأول عام 2006 في العاصمة السورية دمشق في مهرجان الوفاء لمقاتلي الثغور الذي نظمته المؤسسة التي أديرها آنذاك، فوجدت فيه التواضع الجمّ، والنكتة الحاضرة، والعبارة الأديبة، واللمحة الخاطفة، والذكاء البيّن، ثم لمّا أرخيت سمعي لشعره أفصح لنا عن شاعر فاتن الإلقاء، بهيج اللقاء، يتنقل بخفة ورشاقة في معانيه الذكية، واختياراته الظريفة، ولقطاته المثيرة. وزرته مرراً في اليمن، ونهلتُ من كرمه وجميل مَلقاه، وخطبتُ في مسجده الذي يخطب فيه، ورافقتُه أجل رفقة، ثم تجدد اللقاء عام 2009 في دمشق أيضاً في منشط ثقافي أدرناه حينها وبرعاية من وزير الثقافة السوري الدكتور المثقف رياض نعسان آغا الذي افتتن بشعر فؤاد الحميري آنذاك، وأعلن عندها أنه كان يظن أن اليمن قد يطول عهدها قبل أن تجود بأمثال الشاعر الراحل عبد الله البردّونيّ، ولكنه عرف الآن أن اليمن قد أنجبت شاعراً يستحق ما يوصف به من براعة وإبداع وهو الشاعر فؤاد الحميري، ولم يكتفِ الوزير الأديب بكلماته تلك، بل بادرني بالطلب إلى ضيفنا وشاعرنا فؤاد أن يبقى في ضيافة الوزارة شهراً يطوف على المراكز الثقافية في المحافظات السورية يغنّي لهم شعره، ويريهم كيف ينبغي أن يكون الشعر.
وأتشرّف أنني نشرتُ له أول دواوينه وأقربها إلى نفسه "مقاوم مع سبق الإصرار" فقد كانت أرض الثغر مدار روحه ومجرى دمه، وستجد في هذا الديوان سبكاً يغرّك بسهولته، فإذا حاولت محاكاته وجدت التمنّع في الإتيان بمثله، فهو السهل المأخَذ، الممتنع المجاراة، مع طرافة ولذاعة سخرية وارتفاع في سقوف الأداء.
وإنك إن وقفت إلى شعر فؤاد ستجد فيه أمرين لن تَفوتك ملاحظتهما: الالتزام واختيار المعنى، يضيف عليهما بعد ذلك الفخامة في معانيه المنتخبة، والظرافة المنبرية التي تسجل حضوره البهيج لدى جمهوره الذي يحبه ويتعلق به.
عرفت الناسُ الشاعرَ القاضي فؤاد حسن عبد القادر الحميري لساناً فصيحاً معبّراً عن الثورة اليمنية، وخطيباً منافحاً عنها، وظل وفيّاً لأهل الثغر حتى ارتقى إلى الله مبطوناً يقاسي الأوجاع سنوات قاسية، وترك لنا فراغاً واسعاً سيمضي دهر قبل أن يملأه مليءٌ مثلُه رحمه الله.