* كم يدهشني الضمير المنهمك في التماهي بعمق مع الوجدان الاجتماعي..وياللحرف المنسكب ضوءاً بين يدي نفس ادلهمت الخطوب دونها وأحدقت بها الفواجع والمواجع! *هو الواقع الذي يكاد أن يكون مفرغاً من كل شيءٍ عدا الانكسار..وكأنه حَفِيٌّ بالتشهير المشين بهويتنا...بل كأن قدرنا أن نولد على وهن ونحيا الوهن ونموت على وهن..ولولا اتساع الحرف لنا،لكنا قد متنا كمداً على كمد..وحسرة لاتوصف بحال. *ثمانية وعشرون حرفاً توهج من خلالها أصحاب المحابر والمشاعر..فاحتووا الذات المشردة والبوح المنكسر داخل حشا كيان طالعه البؤس والأسى،فكادوا يضيفون الحرف التاسع والعشرين أو يبتدعونه ليحتوي ما تبقى من زفرات ولفحات وشهقات وسكرات ،ويعبر بذاته الجديد عن الذي لم تستطع غيره من الحروف أن تعبر عنه..أو تتمازج في أعماق مدلولاته وإيحاءاته..وأقطار تبريحه ..وفضاءات تصريحه. إن وجداناً كهذا هو غني أن يقدمه أحد غير أثره الخالد الحيّ،اجتماعياً وفكرياً وثقافياً. *الاستاذ عبدالله سعيد «الحجرية تعز» في خواطر هذا الإصدار الباكورة يعبر بما يجد من البيان عن أفراح وأتراح شعبه ،وأهازيج ومواجيد قلبه،وخلاصات تهويمات حبه..إنه اليراع الذي يأبى على نفسه الانكسار ولا أقول الانحسار فليس اليراع العربي فقط هو الذي يعاني هذا الانحسار..بل الوطن العربي برمته..يعشه انحساراً في المد الثقافي والعلمي..بل المد الحضاري كله! *ولاغرو أن يشهد الحرف العربي أيضاً هذا المد التراجعي المخيف كنتيجة حتمية وانعكاس طبيعي لهكذا مصير،حتى ألفيت كل الذين كتبوا عن الزعيم الراحل صدام حسين على سبيل المثال لم يبلغوا مجتمعين بما كتبوه بيتاً شعرياً واحداً قديماً يقول: «علواً في الحياة وفي الممات لحقاً أنت إحدى المعجزاتِ» *بما يجد من الحكمة يتدفق الاستاذ عبدالله سعيد الصهيبي خطرات انبثقت عنها هذه السنابل الملقحة بصدق تجربته والمتجذرة في ساعدي ذات محبوبته«الأمة».. إنه التجذر في خضم زحف هذه الأعاصير ،كما عبر في سيمفونيته المعنونة ب«صرخة العائد». ويمضي السحاب المضمخ بالوجد يمطر برداً يذيب الغزاة ويُذهب عن وجنتيكِ العفيفتينِ جراثيم أهل الهوى /الغاصبينَ ثم يتماهى: على شفتيك قرأت الجواب فأنتِ الجراح الكبيرةُ أنتِ!! ولأنه صاحب هم عالٍ، فهو صاحب همةٍ عالية تختزل وتجسد وتترجم بيئته المحيطة. تأملوا معي في هذا المقطع من خاطرته المعنونة ب«اكتب منكِ إليكِ»: دعيني أبوحُ وأصغي إليكِ وأترك نبضَ خواطر شعري تصلي عليكِ * ويراودني ظنٌّ أن لو كتب الأستاذ عبدالله بالعامية لكان أكثر تعبيراً عن غيومه وهمومه..ولو أنه جنح لأبجديات الكتابة الشعرية والنثرية لكانت دفقاته مُحنحة بثقة أكثر..وأثق أن لو فعل لاستطاع..ولبلغ..ولكان أكثر بلورة لفكره وفكره في قوالب تستحيل إبداعاً..وترفل بالحرف إشراقاً وإمتاعاً. *الأستاذ عبدالله سعيد رغم أنه يحسب جهده هذا مشاركة لايخاطب بها النخبة مثل المتشيعين لحرفه إنما يعترف أنه وحده الذي أبدع مافي خواطره من قلة حيلة حرفية وحِرَفية،ملتمساً العذر وغض الطرف من أهل التجريب عن القصور،وهو كذلك منشود من القلوب الجميلة التي منحته الثقة ليهيء لهم هذا المتنفس المتواضع، فيشاركهم بوحهم ونوحهم..على السواء.