الصحافة والإدارات ولجنتا الحكام والمسابقات منظومة العلاج الناجع لحمى التعصب الجماهيري - الجمهور اللاعب الذي يمكنه إن أحسن توظيف طاقاته أن يقود ناديه إلى منصات التتويج، ويسهم في إحراز البطولات.. لكن إذا توقف هديره، وسكتت حنجرات تشجيعه، ونطقت أفواههم وأيديهم بأنواع الكلمات النابية، واللكمات الجارحة فإن الملاعب ستتحول إلى حلبات للملاكمة والمصارعة وقتال شوارع، وشغب يسيء إلى الرياضة والأندية، ويشوه الوجه الجميل للتنافس المأمول من البطولات الكروية. - وأسوأ أنواع المؤازرة، وألحان الدعم، وهتافات التشجيع التي تتخللها أو تتصدرها عبارات الهجاء والقدح من جمهور الفريق المستضيف المباراة على أرضه.. وهي ألفاظ أخلت بمهمة ودور الجمهور الأساس، وتشير إلى وجود تشوه فكري وقيمي، وانحراف في المبادىء التي يحملها التشجيع والكثافة الجماهيرية. مما يؤثر سلباً على مجريات المباريات، وينتج عنه خلل في المفاهيم والمعاني للحضور الجماهيري، والمؤازرة والمساندة، وبإيجاز بليغ فإن الذهنية الجماهيرية مصابة بمرض التعصب وانفلات الأعصاب، ودواؤها لاتمتلكه المنابر الصحافية وحدها، بل إن الشفاء من حمى الغلو المتفشي في الملاعب خلال منافسات دوري كرة القدم هذا العام، لن تستطيع الصحافة الرياضية استئصالها، بل إنها تحتاج إلى منظومة متكاملة من الجهود والدعم وتكثيف العلاج للتخلص من الأمراض القاتلة التي اجتاحت المدرجات، واتسعت.. وذلك بتحصين الأسوياء من الجماهير حتى لاتنتقل إليهم عدوى الشغب والغليان والهتافات الخارجة عن اللياقة، المتصادمة مع الثقافة الرياضية، والوعي الكروي المدرك لحقيقة أن كرة القدم لها ألوانها الثلاثة الفوز بجدارة والخسارة بشرف أو التعادل، مع الإيمان بأن هذه اللعبة الشعبية تحمل في منافساتها الإثارة والمتعة، والمفاجآت، وهي أيضاً تمتلك قوة جاذبية عظمى، ومستطيلها الأخضر مسرح للنجوم، وحلبة للأوفر قوة واجتهاداً، ومساحة يقدم فيها اللاعبون لمساتهم التي تسحر، ومهاراتهم الفردية الإبداعية التي تمنح الجمهور الابتهاج والسعادة، كما أنها ميدان معركة للتنافس التكتيكي بين المدربين فتشكل بذلك كله كرة القدم لوحة فنية رياضية، جعلت ملايين البشر تتابعها خلف الشاشات البيضاء، وتكتظ المدرجات بعشرات الآلاف من المتفرجين الذين تستهويهم هذه اللعبة التي ارتبطت بهم، وسميت ب «اللعبة الشعبية». - منظومة العلاج للهوس الجماهيري، والتهور والعنف والغلو والتطرف مطلوب منها التحرك بسرعة، ليؤدي الجميع مهامهم، فالإعلام الرياضي يكمن دوره في التوعية والتنوير بالأضرار الفادحة التي تجلبها الخروقات والاحتجاجات غير القانونية من الجماهير على الأجواء التنافسية، وكذا على الروح الرياضية والأخلاق والمبادىء والقيم التي من أجلها تنظم هذه المسابقات الكروية، كما أن الصحافة الرياضية يناط بها الدفاع عن الأهداف السامية التي تدعو إليها الرياضة، وتشجع على تنظيف المدرجات من المدسوسين والمهووسين بالعنف وتأجيج مشاعر الأحقاد والكراهية، عندما يذهب ريع المباراة إلى الفريق المنافس لفريقه.. والإعلام الرياضي لديه المتسع من الفرص والقدرة على تعديل وتهذيب السلوكيات المشينة للدخلاء من الجماهير ممن يفهمون خطأً أن المؤازرة والمساندة لأنديتهم تمنحهم الحصانة عن المساءلة والعقوبات، أو تعطيهم الحق في انتهاك حقوق الآخرين كالحكام والمراقبين والجماهير المنافسة سواءً بالتهديد أم التنديد بالقذف والشتم العلني.. ولن يتأتى للإعلام الرياضي أن ينجح في أداء رسالته، إذا لم يكن هناك .. - ابتداءً.. لاتشير السطور الآنفة باصابع الاتهام إلى أية جهة، ولاتحصر الشبهات والقصور في زاوية الأندية وحدها، أو اللاعبين أو الجماهير، بمعزل عن الذين تورطوا في ظهور المرض الثلاثي القاتل للروح الرياضية، حمى التعصب، جنون التشجيع، هستيريا الاحتجاج الجماهيري. - وافتتاحاً لاستمرار المناقشة لهذه الأزمة المتفجرة في بعض ملاعبنا خلال الدوري العام.. من حيث الأسباب، والدوافع، ووسائل الحد منها وصولاً إلى إيقاف اتساعها ومنع تحولها إلى كارثة رياضية بما تحمل الكلمة من معانٍ خطيرة، وعواقب فادحة على الواقع الكروي في بلادنا. فإننا نرى - بحسب رصدنا للمشكلة - أن المتسببين فيها هم وحدهم الذين يمتلكون أمصال التحصين والعلاجات الناجعة لايقاف أضرارها على جسد الرياضة، وإعادة العافية إلى المرضى بالحمى التشجيعية والمصابين بالتعصب والغلو الذي يقود إلى افساد الأجواء التنافسية، ويلوثونها بالشغب والعنف والصدامات غير المبررة، ظناً منهم أن ذلك جزء أساس من التشجيع والمؤازرة الجماهيرية.. ودعونا الآن نوضح الأخطاء التي جرت إلى ظهور أزمة المدرجات، أو كارثة التشجيع العنيف.. ليس تبريراً لها، بل تنويراً نستلهم من خلاله الدروب التي تقود إلى الحل لاجتثاثها. تعاضد وتنسيق الجهود من قبل مسئولي الأندية، إدارة وجهازاً فنياً، أو من قبل مسئولي الاتحاد العام لكرة القدم ممثلين بلجنتي المسابقات والحكام، كي تتكامل المهام والواجبات من كل أعضاء المنظومة المسئولين لاجتثاث ثلاثي الشغب .. والسب.. والاعتداء. - أما العنصر الثاني من منظومة العلاج لهذا العنف الجماهيري فيتمثل في إدارات الأندية التي تورطت في مجمل أحداث الشغب والاعتداءات، حيث اساءت اختيار رؤساء روابطها التشجيعية، وبعض الإداريين أسهم مباشرةً أو غير مباشر في تهييج المدرجات وإعطاء الضوء الأخضر لهم في رد الفعل المتشنج.. مايعني أن على الإدارات ومعها الأجهزة الفنية الالتفات إلى أهمية توعية الجمهور بدوره الايجابي حتى لايتحول فأساً على رأس أنديتهم فتحرم من المؤازرة الجماهيرية. - وتقف في مقدمة التصدي والمعالجة لحمى التعصب التي استفحلت في المدرجات، اللجنة العليا للحكام، واللجنة العليا للمسابقات ولكل منهما دورها الوقائي لمنع التدهور في العلاقة بين الجماهير والحكام وبين الأندية وقضاة الملاعب الذين بعضهم صنعوا الشغب وأشعلوا المدرجات بصافرات الغفلة.. ولهذا فإن العقوبات هي جزء من المعالجة لكنها ليست العلاج الناجع القاطع... بل ينبغي حسن اختيار الطاقم التحكيمي للمباريات الحساسة بحيث تسكت كل الألسنة ،تبهت المتشدقين بالأعذار الواهية، وتمنع التوسع في هذه الظاهرة البغيضة والتشنج الجماهيري المبالغ فيه، الذي يعمل على تشويه الأجواء الكروية وتلويثها وتحويل المباريات إلى تهريج وعنف.. فتحقيق العدالة من الحكام سيعمل على اضمحلال هذا المرض الثلاثي القاتل للتنافس الرياضي في ملاعبنا الرياضية.. والله المعين.