حين ينتابك شعور بالقهر والانكسار لا تلم نفسك ولا تلم زمانك ولا تتذمر من اللحظة التي تعيشها, ولكن عليك فقط أن تدرك حقيقة واحدة وهي أن العيب ليس فيك وليس في الزمن واللحظة اللذين تعيشهما بل العيب في (المجتمع) كل المجتمع وبطريقة الحياة التي يعيشها هذا المجتمع..!! حين تشعر بالقهر والانكسار عليك أن تدرك كم مثلك يشعر بمثل شعورك, وحين تدرك هذه المعادلة ستجد أن (الخلل) هو حصيلة خطأ جماعي ونتاج فلسفات حضارية هي أبعد ما تكون عن الناس ومصالحهم وما يشعرون به.. عليك أن تدرك أن الزمن هذا «زمن المظاهر» ويحكم بالمظاهر, وفيه تتراكم الظواهر التي تولد المعادلات الخاطئة في الوسط المجتمعي وفي العلاقات الاجتماعية ومن ثم يتحول (الكل ) إلى أدوات تستخدم بطرق (لولبية) فيبدو الجمع في حالة تطاحن و(فخار) يكسر بعضه بدوافع ذاتية عنوانها (الأنا)، لكن الغاية يحصد ثمارها أولئك الذين يتحكمون بمفاصل الحياة تحت رايات متعددة وشعارات لا حصر لها..!! كثيرة الظواهر التي تعكس حالة الشذوذ الاجتماعي ومنها الكثير في واقعنا، مثل أن نجد في صالونات البعض «مكتبة فاخرة تحتوى مئات الكتب القيمة»، لكن لا تفكر أن صاحبها مثقف وقارئ نهم بل الأمر يتعلق بالمظاهر والزينة.. فيما غالبية المثقفين الذين لو خيرة بعضهم بين الكتاب والولد لاختار الكتاب, هؤلاء لا يملكون ما يمللك الأميون المترفون..!! للغفلة في الحياة رموزها من الأثرياء والمثقفين والرموز السياسية والاقتصادية والاجتماعية والوجاهية والرأسمالية, وبالتالي نجد أنفسنا أمام طبقات (طفيلية) هذه الطبقات ولدت من رحم الصدف ولم تنمو بصورة طبيعية فشكل هذا الأمر حالات من السلوكيات والتصرفات المشاعية والأنماط المعبرة عن «حداثة الصورة والفعل والمشهد»، وهذه الأنماط حين تسود تشكل بوجودها حالة اختلال اجتماعي وتخلق مظاهر حياتية شاذة لا تعبر عن وعي أصحابها بما هم عليه بقدر ما تعكس تصرفاتهم حقيقة اغترابهم عن الواقع الحياتي لتبقي الأصالة عنواناً لدى أولئك الذين يبدون بصور (المشردين) لكن للحياة معهم طعماً آخر..!! هذه المراحل الزمنية عرفت قديماً ولا تزال تجتر مشاهدها وتتواصل أنماطها السلوكية, وهي بقدر ما تحمل معها ثقافة التعالي تحمل في أحشائها ثقافة مناهضة, ثقافة تأتي برموز مؤثرة بعضهم يستوطن الذاكرة والتاريخ ويصبح أسطورة تتناقل سيرتها الأجيال, وهذا ما حدث مع (بوذا) الأمير المترف وابن الملك العظيم وولي عهده الأمين لكن (بوذا) وفي لحظة شعور بالعظمة والعزة والفخر والهيبة يقرر التنزه في مزارع (الأقنان) فيقف أمام أحد المزارعين فيهم حرسه بسحق ذاك المزارع المتطفل الذي وقف في طريق الأمير والملك المرتقب, لكن المزارع لا يخاف من حراب الحراس فيقول كلمته ويمضي.. يترجل (بوذا) من على فرسه فيقع بهندامه وملابسه الحريرية في وحل المياه التي تغرق الأرض المزروعة بالأرز فيجول بنظره بحثاً عن ذاك المزارع ليستفسر منه معنى كلمته التي أطلقها في وجه (بوذا) لكنه لم يجد ذالك المزارع الذي توارى في الأدغال, فيأمر بوذا حرسه بأن يعودوا من حيث أتوا ويأخذوا معهم فرسه المحبوب والمميز, ويواصل بوذا تمرغه في وحل الأرض يتأمل حكمة الله ويحاول أن يجد تفسيرا لما قاله ذالك المزارع المغلوب الذي جعل بوذا يترك الملك والجاه والسلطان والعز, ويتحول إلى واعظ ثوري ثم وسيطا بين الله وأتباعه الذين اعتبروه آلهة.