يحار المرء والحيرة قاتلة في أولئك الذين تناصعوا ولم يسددوا رميتهم.. الوقفة هي عند حد تلتقي معه المعرفة بالوجدان.. واللفظ حينما يكون في منتهى الروعة والسلاسة وفي تناهي الخفة والبساطة يؤدي إلى عمق أكبر للمعنى الذي هو تمام التماس عند نقطة التلاقي لخٌلق جمال ما .. أي جمال. فاللفظ حين يخدم المعنى يتيه المعنى فوق هذا السير لخلق تواشج عاطفة أكثر توهجاً ونماء.. وهناك تلتقى الآراء الثلاثة في مسألة الشكل المضمون «الجاحظ.. ابن رشيق الجرجاني» وإذا كان الجاحظ هو الأكثر تعصباً للفظ إلا أنه عمد على قوة الاعتبار للمعنى .. وهو من اللفظين الذي تعصبوا تماماً للمعنى وكان المحك الايجابي لاستقامة الهدفين .. ذلك ما وجدناه في كتابيه البيان والتبين والحيوان وحتى في المفرد العبثي الساخر.. في كتابه البخلاء، أما ابن رشيق فقد أيد سلاسة اللفظ الذي يؤدي إلى تمام المعنى العميق من مكونات اللفظ السلس السهل الممتع الممتنع. الجرجاني هو يعتبر منظر هذه الفلسفة .. جاء موافقاً للتعريف الذي عرفه ابن رشيق بأن ضعف اللفظ يعني مرض عضوي .. وضعف المعنى يعني مرض روحي.. وبكذا عبارة يعني أن اللفظ والمعنى متلازمان تلازم الروح والجسد،فإذا تجرد اللفظ عن المعنى صار المعنى لامعنى.. وإذا تجرد الجسد عن الروح صار الروح لا روح. قراءتنا الأولى للنص الذي كان مكتوباً وصار مقروءاً وصار عموماً ملك الآخر وقد تجرد عن صاحبه .. هذا مايعني معنى المعنى الناتج عن قراءة أولية تتناسب مع مستوى اللفظ الحميمي الأنيق والمعنى الاستفرادي العميق.. وهذا التنوع في ابداع آراء مختلفة لتعريف وتوصيف المستوى يعني التقبل من الآخر.. يعني الظاهرة الصحية لطفل أكثر حركة وشقاوة.. عكس ما هو ملتزم بآداب تخضع للأسلوب النقلي والتلقيني مما يؤدي إلى إفساد وتحجيم المدى الواسع للرؤى المختلفة، وهذا ما سنلحظه في الأدب المعاصر. العاطفة العاطفة هي نتاج هذا التجذير «ضرب جذر الأول في جذر الثاني في اثنين لينتج وسطاً معتدلاً ايجابياً وسوياً.. يعني لايمكن تنتج عاطفة صادقة إلا بجزالة اللفظ ومعطيات المعنى وجدانياً «انفعالات .. أبعاد نفسية » كل هذا التوالد لايأتي إلا بالصدق التعبيري المؤدي إلى صدق فني .. المؤدي إلى صدق وجداني.. وكل له موقعه في خلد الآخر. هذا عبدالمجيد الأهدل معروف الوجه ومايزال يتدفق في آن يمكن المتلقي عاطفة أكثر صدقاً بصدقه الفني وصدقه التعبيري وهو يصيغ العبارة بلفظ أكثر أناقة وجمال لسبر أغوار المعنى الذي يقودنا للتجلي والاندهاش يقول عبدالمجيد الأهدل: آلهة الإغراء كبرى أبناء العشق الرابض في القلب.. آلهة الاغراء منادى معرب منصوب بأداة النداء المحذوفة المقدرة ب «يا» المعبرة عن البعد والقرب وبحذفها يؤدي إلى المنادى القريب المستحب المستلطف. هذا النداء القريب المستلطف لايأتي إلا للحبيب القريب الموغل في لبابة العقل وحبيبات القلب. ينسب عظمة لعظمة وروعة لروعة حين يقول:آلهة الاغراء،لم يستخدم هذا اللفظ المركب والمفيد إلا بمعرفة كونية لأهمية وماهية الاشياء .. تنم عن معرفة تاريخية ليس المقصود منها التوثيق وإنما الاطلاق بعد الفكرة لهذه الجملة «آلهة الاغراء» ليس بعداً فلسفياً لأنه امتزج إزاءها الشعرية هذه الجرسنة في الجملة الموسيقية المفيدة تنم عن حسن شعري بخطا المفهوم الفلسفي للفكرة.. هذا جزء من مكونات التجربة الشعرية التي حوت في هذه الجملة «آلهة الاغراء» صياغة العبارة اللفظ .. الموسيقى .. الصور .. والأخيلة. هل نكتفي بأن نضع هذه الجملة الشعرية «آلهة الاغراء» بأنها تشكل قصيدة شعرية كاملة باعتبار تشكل عناصر التجربة الشعرية فيها.. بس باقي الجمال نتركه «لمين»؟! «آلهة» لوحدها اسم نكرة غير مفيدة ولكن تقلبها بين أدوات الاعراب وانتقالها من الرفع إلى الفتح بتواجد حرف النداء المحذوف من السياق حول المبني إلى المعرب لأنه انتقل من حالة الرفع إلى الفتح. وبهذا الانتقال جعل النكرة معرفة «كبرى أبناء العشق الرابض في القلب» جمل مركبة باسمين نكرين..وهناك الوسط الممتزج بين النكرة المضافة إلى مافيه ال «المعرفة» سيكون خلقاً لقاعدة إذا قبلنا أو اعتملنا اسمين نكرين «مضاف إلى معرفة». صاحبنا هندس الثالث بدقة شعرية علمية ابتكارية بحيث لم يجعله شاذاً في تركيب الجملة ولم يجعله ثاقلاً على كاهل الجملة الأولى.. وإنما جاء أكثر جر سنة موسيقية «كبرى أبناء العشق الرابض في القلب». وقارورة شجون.. لاداعي لوجود الواو ولو كان الشاعر عبدالمجيد الأهدل اكتفي عن وضع الواو بفاصلة وجعل قارورة شجون لاتنفصل عن السياق الموسيقي في الجملة..قارورة شجون..لأن الفصل في حرف العطف عطل قليلاً الغموض السحري في الممكن الشعري داخل جملة الشعرية المكثفة، الرجل..قلنا فيما سبق أنه نص تكاملي حيث تخاطب مع صياغة النص بتوجهات النص الاجتماعي..النص الفني..النص السياسي والنص النفسي..ولملم كل مايعج فيه أن يربط أو يشمل كل ماذكره في حزمة واحدة فيه ليتشكل النص التكاملي. وأنت تقرأ وجه هذا الشاعر لقرأته اسقاطاً نفسياً من خلال تعبيراته..تقاسيم وجهه..معاناته..وإذا قرأت تلقائية لوجدته بيني حساباً آخر لتوازن النص الفني. وكل هذه الملمومات صاغها في قالب واحد نقدر نسميه النص التكاملي. يقول الشاعر: «قارورة شجون تلمع في الأسطورة في عمق الظمأ الراكد في الوجدان» لتكن كل هذه الأخبار المتنوعة من الجملة الفعلية وشبه الجملة تشكل نصاً واحداً تعشقه بهذا التقاسم كل جزئيات التنامي في تشكيل الصورة الكلية..هي حضرموت مثلاً.. ولكن لسنا في صدد هذا التعريف وانما في صدد مفرد الراكد الذي جعله حركياً بتوصيف ماقبله..أعطى بنيوية للراكد. أ نقول مثلاً ماء راكد يوجد إفساد توصفي للصفة والموصوف لكن أن تقول الظمأ الراكد فيه حركة أخذنا شرعيتها من إطالة الظمأ..الجوع.. والشوق وهناك اثبات شرعي ومقبول ناهيك عن الاستعارة المكنية التي شخصت هذه المعنويات. يقول الشاعر الأهدل في عمق الظمأ الراكد في الوجدان روعة شوقي تكوي الأزمان..بسمة فرحة كل ماذكر فيه جمال فني وإيقاع في التكوين الاعرابي النحوي، غير أن الشاعر تطغى عليه القافية والوزن إذ نلمح نصه الشعري ليس تفعيلياً صرفاً ولا نثرياً خالصاً بقدر ماهو موجود من تحلية للمبنى في تداخل السرد القصصي المنظوم هذا ربما لأنه شاعر عمود متمكن أو لربما لم يتحل الشعر الحر بالمليان ولو أنه قال «في عمق الظمأ الراكد في الوجدان روعة شوق تكوي الفرحة بالسمة بدل عن الأزمان لأن الحركة تنبئ عن زمن موجود وأن كان غير موجود في اللفظ الفكرة داخل هذا النص فكرة واحدة هي عشقه لحضرموت. الانتقال نلاحظ أن الطبيعة الخلقية لحضرموت التاريخ والجغرافية طبيعة تثير الرقص تثير الهزج تثير الامتاع في مناظرها الخلابة وهذه السرودات نجدها سرودات وصيفية سيرية في شفة التاريخ في وجه الإنسان موال الحب الممزوج في نغم النأى الحاني.. في الشرواني في صوت الدان.. كل هذه تسجيلات جمل موسيقية ليس إلا، وعلى غرار هذا الانتقال يكرر آلهة الاغراء تشتهي سواعد سمراء تنسج حلتها الخضراء في البحر وفي الوديان وفي الصحراء..تزع في ضربها الورد وتنقشها بالحناء». كل هذه وصوفات فيها خطابية ومباشرة تفتر لذائقتها الشعرية الضاربة في العمق أفزعها فعل الجبناء... غير أننا نستثني وجود انزياح آخر وهو ربط التسلسل الحبكي للحكاية والأسطورة يعفي عن اسهاب في الوصف في اللا مطلوب بهذه الجملة الشعرية «المسكونين بعقدة أوديب فلو قال الهة الاغراء أفزعها المسكنون بعقدة أوديب لكان أوفر حظاً بتجنبه إلغاء المباشرة في فعل الجبناء ولكن ليكن أيضاً في الظل نسوب تعاطي جديد لأكل الإنسان أخاه الإنسان تبرر المباشرة كأي حال تناحي معركة تختفي في سلوك القائم..