هناك شريحة من المجتمع تعيش بيننا لكننا لم نسأل أنفسنا يوماً كيف تعيش دون عائلها (رب الأسرة) والذي هو الآخر كتب عليه القدر أن يقضي شطراً من عمره وربما معظمه في غياهب السجن لأسباب جنائية أو غيرجنائية، ليخلف وراءه زوجة وأبناء يواجهون مصيرهم بأنفسهم إما إلى التشرد أو الضياع، وإما إلى مزيد من التماسك وتحدي ظروف الحياة وقساوتها من أجل الوصول إلى بر الأمان..للمزيد من التفاصيل كان لابد من الاقتراب لمعرفة تفاصيل أدق عن حياة بعض هذه الأسر .. تابعونا.. يُنظر لنا كمجرمين في البداية كان الأمر يكتنفه شيء من الصعوبة أن تقابل أسرة لتسأل عن أحوالها بعد أن فقدت عائلها بينما هو في الأصل على قيد الحياة ولكن وراء القضبان بسبب أو بدون سبب.. مكمن الصعوبة أن بعض هذه الأسر قد تقرأ في عينيك بأنك جئت لتضع مزيداً من الملح على الجرح أو البحث عن الشهرة على حساب التشهير بهذه الأسرة المتهمة أصلاً من قبل المجتمع بجريمة هي لم ترتكبها في الأصل.. تقول «أم عبدالله»: الجميع أصبح ينطر إلينا كمجرمين بعد ارتكاب زوجي لجريمة القتل، حتى أن أولادي اضطروا للخروج من المدرسة نتيجة الضغوطات والإهانات اليومية التي يتلقونها من زملائهم بسبب جريمة القتل التي ارتكبها.. وتضيف: ليس المال رغم حاجتي إليه هو المشكلة بحد ذاته، بل كيف يمكن أن يعيش أبنائي بكرامتهم بدون مضايقات من أحد، فكل ما أتمناه هو أن يتعامل الناس معنا باحترام أكثر وبمشاعر مليئة بالرحمة والمودة لأني بدأت أشعر بأن أولادي سيصابون بعقدة نفسية نتيجة ما يمارس ضدهم من قبل الكثير من الناس. اضطررت للتسول أما «مريم» أم لعدة أبناء فتقول: سُجن زوجي قبل أربعة أشهر وليس لي أي سبيل آخر للعيش أو مصدر للرزق كي أصرف على أولادي فاضطررت أن أشحت كي أفي بمتطلبات الأطفال من مأكل ومشرب وملبس وعلاج، فحالنا متدهور وإيجار البيت لم نستطع دفعه منذ أربعة أشهر، فزوجي هو الشخص الوحيد الذي كان يصرف علينا وهو الذي كان يدفع حق الإيجار والآن أصبحنا مهددين بالطرد من صاحب البيت بأي وقت ولا نستطيع أن نمنعه من ذلك. قلت لهم بأن والدهم مغترب من جهتها «أم سمير» وهي أم لثمانية أطفال هي الأخرى تحكي مأساتها بعد دخول زوجها السجن حيث تقول: زوجي «مرطوع» في السجن منذ سبع سنوات ونقوم بزيارته بين الحين والآخر، فهو على الأقل مرتاح من الشقاء والتعب وتحمل مسئولية الأبناء، وأصعب شيء على النفس عندما يأتي علينا العيد والأولاد يسألونني أين والدنا ومن سيأتي ليشتري لنا الملابس الجديدة ويأخدنا إلى الحديقة لنلعب كبقية الأطفال؟ فأضطر للكذب عليهم لأخبرهم بأن والدهم مغترب وسوف تطول غربته.. وتضيف : أهل الخير لا يقدمون المساعدات إلا من السنة للسنة ومهما كان حجم هذه المساعدات فلن تغني عن حاجتنا لرب الأسرة. لا أستطيع إعالتهم أما «منى» وهي أم لأربعة أولاد فتقول: منذ عامين ونصف أقدم زوجي على قتل أخي بعد شجار بينهما وقد ترك لي مسئولية الأولاد الذين لا أستطيع إعالتهم بمفردي بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار وكثرة طلباتهم ولا نمتلك سوى دكان صغير يشتغل فيه ابني من بعد أبيه كي يوفر مصاريف البيت الضرورية وبعض المصاريف الضرورية لزوجي في السجن. أشتغل بالمقوات «ما اشتيش أحد يشمت بي وبأولادي بأن زوجي في السحن» بهذه العبارات بدأت (.....) والتي رفضت أن تذكر اسمها خوفاً من السمعة كما تقول لتضيف قائلة: سجن زوجي بسبب قضية ميراث مع أخته فاشتغلت أنا بالأرض، كما اشتغلت بالمقواتة ودخلت فلوس كثيرة وصرفت على البيت وعلى الشريعة وجلسات المحكمة وكافحت ومازلت أكافح أحسن من بعض الرجال ولا ركنت إلا على نفسي والحمد لله. حقد شقيق زوجي ولا تختلف مأساة «أم اعتزاز» عن مآسي الأخريات إن لم تكن أكثر من ذلك .. تقول (أم اعتزاز): لم يسجن زوجي بتهمة ولكنه سلّم نفسه حفاظاً على سلامته بعد أن شعر أن أخاه يحيك له مؤامرة لقتله، وقد تركني أتولى رعاية أولادي وسط حقد شقيق زوجي وأولاده وتعاملهم البشع معنا، فأبو الأولاد من يوم دخوله السجن والأطفال مثل الأيتام بعد ما كانوا مدلعين وموفر لهم كل شيء. حرموا من أبيهم أما «أم صابر» فأوجاعها أشد وطأة، فما أن بدأت بالتحدث حتى انهمرت دموعها وأخذت تتحدث قائلة: الله يجازي من كان السبب.. ماذنب الصغار الذين حرموا من أبيهم ومن الحياة الكريمة، فقد قاد رفاق السوء زوجي وخدعوه بالعمل معهم في الممنوعات كتزوير العملة، كان يقول لي بأنه يتاجر بالأدوية والأرز ولا يخبرني بالحقيقة، فقد كان يسافر باستمرار حتى قبض عليه وقد «شفّق» الله لنا شقيقه ليصرف علينا بقدر ما يستطيع. لم يحاول أحد مساعدتنا «أميرة» 18 سنة تؤكد بأن والدها سجن منذ عدة أشهر فقط بسبب خلاف بسيط مع أحد الجيران وتم التعامل معه وكأنه مجرم مثل بقية المجرمين.. وتوضح قائلة: لم نستطع إخراج الوالد بضمانة بسبب الظروف الصعبة التي نعيشها وحتى أهل الخير لم يعد لهم وجود، فلم يحاول أحد مساعدتنا فنحن نعتمد على أنفسنا فقط، فلدينا ماكينة خياطة نعمل عليها أنا ووالدتي من أجل توفير المصاريف الضرورية حتى لا نضطر لمد أيدينا لأحد. وتضيف: لقد تركت المدرسة رغم أنها آخر سنة لي فيها كي أساعد أمي في أعباء الحياة ، فأنا أكبر اخوتي والبقية صغار ويحتاجون إلى رعاية وتوفير طلباتهم حتى يستطيعوا مواصلة تعليمهم. أعمل في فرزة الدبابات «أحمد العزي» طفل في الثانية عشرة من عمره تحدث إلينا بكل براءة الأطفال عن وضع أسرته، وعن السبب الذي جعله يعمل في فرزة الدبابات.. يقول «أحمد»: أبي في السجن منذ سنتين لأنه لم يستطع دفع دية الشخص الذي قتله بالخطأ فأصبحت أنا الذي أصرف على أسرتي، حيث أعمل كما ترى وتشاهد بنفسك في هذه الفرزة، فأظل طوال اليوم بين الشمس منذ الصباح الباكر وحتى آخر النهار وقد أحصل على مبلغ جيد في بعض الأيام، وفي بعضها الآخر أحصل على مبلغ قليل.. المهم أطلّع مصاريف لأمي واخوتي، ولا أدري هل سيتم الإفراج عن والدي أم لا لقد اشتقنا لوجوده بيننا، تماماً كما اشتقت أنا للعودة إلى المدرسة.