الدكتور أحمد يحيى الصعفاني :20% ممن شفوا من مرض التيفود يتحولون إلى حاملي العدوى جادة الصواب أن نحذر الأمراض المعدية بتحري الوقاية منها، صوناً للصحة من الاعتلال والاختلال، ولن نجد لتكريسها في حياتنا عناءً إذا ماتعلق الأمر بمرض التيفود الذي يتسم بشيوعه في مجتمعنا. فكل مايلزم للوقاية من هذا المرض هو النظافة بصورها ليس إلا على المستويين الشخصي والجماعي كونها الأفضل والأجدى للتصدي لهذا المرض الخطير.في اللقاء التالي مع الدكتور/أحمد يحيى الصعفاني اختصاصي أمراض الباطنية والجهاز الهضمي كشف وبيان حقيقة هذا المرض ومايشكله من خطورة بالغة على الصحة وحياة الإنسان، وتوضيح مايلزم لتجنبه من قواعد وممارسات تصب في قالب النظافة وأشراطهافإلى ماجاء في هذا اللقاء. حقيقة المرض ? على حد علمي أن مرض التيفود يتوطن في بلادنا..فما حقيقة هذا المرض الواسع الانتشار؟ حمى التيفود من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان يسببها نوع من البكتيريا تسمى «سالمونيللا تايفي» ثم اكتشافها على يد الطبيب الألماني «كارل جوزيف أبرث» عام 0881م الذي قام بفصلها من الغدد البطنية للمرضى الذين ماتوا بالتيفود. ويعتبر الإنسان المصاب المصدر الأساسي لهذه الجرثومة وبالأخص الحامل للمرض الذي تم شفاؤه واختفت منه أعراض المرض ولاتزال تكمن فيه جرثومة التيفود التي غالباً ماتستقر في حويصلته المرارية لفترات طويلة قد تصل إلى عدة سنوات، حيث تخرج منها جرثومة التيفود بشكل متقطع وبأعداد كبيرة لتطرح عن طريق البراز بشكل أساسي أو بشكل أقل عن طريق البول. ويمكن القول بحسب الإحصائيات الطبية أن هناك مابين « 10 %20» تقريباً من الذين تم شفاؤهم يتحولون إلى حاملين عدوى مرض التيفود لفترة طويلة. العدوى المرضية ? نأتي إلى الممارسات المساعدة والميسرة لعدوى المرض..كيف تصف هذه الممارسات والسلوكيات وخطورتها في نشر العدوي؟ تتم الإصابة بهذه الحمى عن طريق تناول طعام أو شراب ملوث بجرثومة التيفود التي بدورها تجتاز الجهاز الهضمي لتصل إلى مجرى الدم ومن ثم تقوم بالتكاثر وإفراز السموم لعدة أيام، وبعدها تتوجه إلى الأنسجة المبطنة للأمعاء الدقيقة لتستقر فيها وتصيبها بالتقرحات والالتهابات. ومن هنا تدخل العديد منها إلى محتويات الأمعاء ويتم إخراجها تبعاً لذلك في البراز. ويمكن أن تتم العدوى بهذه الحمى توضيحاً لما سبق لدى تلوث الأيدي بجراثيم التيفود مباشرة من براز المصاب أو حامل المرض، دون غسلها قبل تناول الطعام وهي على هذا النحو، أو عن طريق تلوث الطعام أو الشراب المتناول، وأكثر من يتسببون بالمشكلة ويعتبرون المصدر الأوسع لنشر عدوى المرض هم العاملون في مجال إعداد وتقديم الأطعمة في المطاعم والبوفيات ومحال إعداد الوجبات السريعة وباعة الأطعمة المتجولين، لاسيما لدى التعامل مع الأطعمة التي تؤكل باردة أو تلك التي سبق تحضيرها. ويمكن للعدوى أن تحدث أيضاً عن طريق نقل جراثيم التيفود مباشرة من براز المصاب أو حامل المرض بواسطة الذباب. الأعراض..وكشفها ? متى تبدأ الأعراض المرضية بالظهور لدى الإنسان؟ وهل لي بوصف هذه الأعراض ومايتضح منها لدى التشخيص؟ الفترة بين دخول جرثومة التيفود وظهور الأعراض حوالي «47 أيام» أما أعراض المرض فتبدأ من خلال حمى متزايدة تدريجياً تستمر في الارتفاع لمدة «45أيام»، ويصاحبها صداع مستمر وشعور بالضيق والدوار ويتبع ذلك آلام في العضلات والأطراف وعادة مايصاحبها في الأيام الأولى سعال ورعاف وبينما يكون الإمساك السائد لدى البالغين يكون القيء والإسهال الغالب عند الأطفال. وعند فحص المصاب تتميز سرعة دقات القلب في هذه الحمى بعدم تناسب سرعتها مع معدل الارتفاع في درجة حرارة الجسم. وعند نهاية الأسبوع الأول غالباً مايبدأ ظهور البثور الجلدية المميزة لحمى التيفود وتسمى «البثور الوردية» تظهر عادة في أعلى البطن والظهر، مشكلة العلامات التشخيصية للطبيب عند فحص المريض. ومابين اليوم السابع والعاشر يبدأ الطحال بالتضخم، وكذا التحول من الإمساك إلى الإسهال المصحوب بانتفاخ وآلام في البطن ومع نهاية الأسبوع الثاني تزداد حدة المرض وتتفاقم الأعراض،خاصة مع عدم تناول المريض العلاج،فيبدأ جسم المصاب بالوهن والضعف،ومن ثم ملازمة الفراش،وقد استبد به المرض وأوغل ضرره. وفي الأسبوع الثالث تبدأ المضاعفات بالظهور نتيجة لزيادة إفراز جراثيم التيفود لسمومها في الدم والتي يمكن أن تؤدي إلى الغيبوبة أو الوفاة. المضاعفات وصورها ? المضاعفات وصورها.. ما الذي يمكن أن نعرفه عن التطور الخطير للمرض؟ المضاعفات يمكن أن تحدث في أي جزء من أجزاء الجسم نظراً لقدرة بكتيريا التيفود من خلال سريانها في مجرى الدم على الوصول إلى أي عضو من من أعضائه المختلفة. وغالباً ماتظهر مع نهاية الأسبوع الثاني وبداية الأسبوع الثالث نتيجة لزيادة تكاثر هذه البكتيريا وزيادة إفرازها السموم. وأشكال وصور هذه المضاعفات كثيرة،كالنزيف في الأنسجة الليمفاوية المبطنة للأمعاء الدقيقة وتمزيقها والتهابات الحويصلة المرارية والتهاب ذات الرئة والعضلات القلبية والالتهاب الأغشية السحانية والأنسجة الكلوية وتسمم الدم أو الوفاة. دقة التشخيص ?ليكون التشخيص دقيقاً ما الذي يلزمه لاسيما وأن البعض من مرضي التيفود لايكتشفون إصابتهم بالمرض من البداية لسوء التشخيص؟ يصعب التشخيص المباشر للمرض خلال الأسبوع الأول كون الأعراض الأولية المصاحبة تتشابه مع أعراض الكثير من الأمراض البكتيرية الأخرى. ونتيجة لما نلاحظه في مجتمعنا من عشوائية في التشخيص وإفراط في استخدام وتكرار العلاج أوكد أن التشخيص الدقيق والحاسم لحمى التيفود يعتمد بشكل رئيسي على عملية الزراعة المخبرية للدم خلال الأسبوع الأول،وعلى الزراعة المخبرية للبراز خلال الأسبوع الثاني والثالث،فبهذه العملية يتم فصل وتحديد الجرثومة المسببة لهذه الحمى حتى يتم تشخيصها ومعالجتها،أما مايسمى «اختبار فيدال»،فهو فقط من الفحوصات المكملة،يقوم بتحديد المضادات الجسمية التي يفرزها الجسم ضد جرثومة التيفود التي قد يستمر وجودها في الدم لفترات طويلة حتى بعد الشفاء،ولايعتبر اثبات على وجود الجرثومة نفسها،كون نتيجة هذا الفحص تتشارك مع وجود مضادات جسمية لالتهابات وأمراض بكتيرية أخرى يصادف وجودها في وقت عمل الفحص. وبالتالي يجب عدم اعتبار هذا الفحص بحد ذاته دليلاً على الإصابة بحمى التيفود كما الحاصل في هذه الأيام ويجب عدم اعتباره مسوغاً لبدء استخدام مضادات التيفود أو تكرار استخدامها،فليس كل من خضع لاختبار «فيدال» وأعطى الفحص نتيجة إيجابية يعتبر مصاباً بالتيفود ويستوجب العلاج. متطلبات العلاج ? ماذا يفترض بمريض التيفود اتباعه من ارشادات لدى خضوعه للعلاج؟ يجب أن نوضح أن علاج حمى التيفود يعتمد أساساً على التمريض المتمرس والراحة التامة إلى جانب استخدام الأدوية المضادة ولمدة لاتقل عن «14يوماًَ» تحت إشراف الطبيب المعالج ،ويجب القول إنه حتى مع استخدام العلاج المناسب لايزال هناك احتمال ظهور مضاعفات للمرض أو عودة الاصابة به من جديد،وقد يتحول المصاب إلى حامل مزمن للمرض،وبهذا يجب أن يعالج لمدة لاتقل عن «4 أسابيع» وقد يحتاج إلى عملية استئصال للمرارة. تحري الوقاية ?الوقاية الجانب الأهم لمنع عدوى الأمراض.. ما أهمية تكريس الالتزام بها في المجتمع للحد من الإصابة بالتيفود؟وأين يكمن دور الوقاية الصحية في هذا الجانب؟ بداية يجب أن نوضح أن التيفود من الأمراض النادرة في المجتمعات المتقدمة،وذلك لأن مستوى الوعي الصحي في هذه المجتمعات،وشيوع الالتزام بمبادئ الرعاية الصحية فيها واتباع شروط النظافة الشخصية،وارتقاء مستوى الصحة العامة لدى مواطنيها،وأيضاً تطور نظام المجاري والتخلص من الفضلات فيها.. كل ذلك وغيره مثل حاجزاً قوياً مانعاً لجراثيم التيفود من أن تشق طريقها لتلويث بالطعام والشراب المتناول. من هنا تتضح لنا طبيعة العوامل التي أدت إلى انتشار التيفود في مجتمعنا وسائر المجتمعات النامية الأخرى، وكذا الأسباب التي ساهمت وتُسهم في وجودها وبقائها. والحل يكمن في تغيير الممارسات والسلوكيات غير الصحية وغير نظيفة التي يقوم بها الإنسان باعتباره مصدر العدوى ووسيلتها معاً، وهذا يفرض وبقوة أهمية رفع الوعي الصحي في المجتمع والاهتمام بعملية التوعية الصحية وتعريف المجتمع بأهمية التمسك بشروط النظافة الشخصية،وما من كلفة في المسألة ولا عناء، فمثلاً غسل اليدين قبل الأكل وبعده وبعد كل استخدام للمرحاض يعتبر من أبسط الوسائل وأكثرها فاعلية في الوقاية من الكثير من الأمراض ومنها التيفود،كما أن التخلص السليم من الفضلات والمخلفات المنزلية والقمامة والاهتمام بنظافة المنزل وأماكن تحضير وإعداد الطعام يحد من انتشار الذباب وبدورها لن تجد طعاماً لتحط عليه وتلوثه بالجراثيم، ومن ثم تقليل إمكانية نقلها لمرض التيفود وغيره من الأمراض المعدية. من جهة أخرى يجب على الجهات الرقابية وأجهزتها التنفيذية الخروج من عزلتها والعمل على البحث عن الحالات المزمنة وإيجادها،خاصة بين من يعملون في أماكن تحضير وتقديم الأطعمة،كالمطاعم والبوفيات ومحال بيع الوجبات السريعة،وأولئك الذين يتعاملون مباشرة مع المرضى وأغذيتهم في المستشفيات والمراكز الصحية. الخطوة التي تليها هي الحرص على أن تتم معالجة هذه الحالات المزمنة باعتبارها بؤراً من بؤر نشر عدوى المضر ولفترات طويلة،كما يجب عليها إصدار شهادات صحية تمنح لمن تثبت خلوهم من الأمراض المعدية وخاصة التيفود،حتى لمن خضعوا للعلاج وثبت بعد ذلك شفاؤهم منه،كذلك القيام بالتفتيش الدوري على الأماكن التي يعملون بها،والتأكد من اتباعها للشروط والقواعد الصحية كخطوة إيجابية انتشار العدوى في مجتمعنا والحد من تبعات الإصابة بالتيفود وكثير من الأمراض التي تستنفد الكثير من أموال وجهود الدولة والمواطنين للعلاج والرعاية الصحية للمرضى.