راحت تركض كعادتها , وتركض خلفها أغنامها , تارة تسبق أغنامها , تارة أخرى أغنامها تسبقها تقف كل مرة لتعدهم , أحيانا تخطئ في عدهم , فتعود لتعدهم مرة أخرى . واحد . . اثنان . . تسعة عشر . وتتنهد بارتياح بالغ : الحمد الله . تجلس على صخرة , وأغنامها من حولها تأكل الحشائش , وضعت إصبعها على الأرض وراحت ترسم , ابتهجت عندما اكتملت لوحتها . نط أصغر أغنامها , فبعثر التراب من حولها , ومحا لوحتها , صرخت به الفتاة غاضبة : أيها اللعين , عد لأمكَ . لكن الحيوان الصغير يهرب بعيداً عن قطيعه , فتصرخ الفتاة : لا تذهب بعيداً . . قد يأكلك الذئب . فتقف وتذهب إلى قطيعها وترفع إصبعها نحوهم محذرة: ابقوا في أماكنكم حتى أحضره . تركض خلف الحيوان محاولة اللحاق به , تبحث عنه بين الأحراش , وكانت تردد : تعال .. لا تخف. لن أؤذيك مرة أخرى . ثم راحت تعوي محاولة تقليد الذئب . وقالت : هل سمعت الذئب .. سيأكلك إن لم تظهر. سكتت ولكنها عادت تعوي مرة أخرى بأكثر قوة : أين أنتَ .. أيها الحيوان .. هل تحب أن تكون غذاء للذئب . تحركت الأحراش من أمامها , وابتسمت الفتاة قائلة بصوت ماكر: هيا تعال الآن أيها اللعين . ظهر أمامها رجل , بالرغم من ملامح الشيخوخة بدا قوياً , دهشت الفتاة لرؤيتها الرجل في هذا المكان , ولكن سريعاً ما ابتسمت له , إذ كانت تعرفه جيداً من قريتها , قالت ببراءة: هل شاهدت تيسي يا عمي . لكن الرجل , كان يحدق بها , وكأنه يلتهمها بعينيه كررت الطفلة سؤالها: هل شاهدت .. وسكتت .. شعرت بالخوف فجأة , وتفوهت مرتعبة ... يا عمي لم يكن الرجل أخرس , فقد كان جسده كله يتكلم لغة لا يفهمها إلا هو .. تقدم نحوها , وحل من رأسه كشيدته, وقف أمامها ملتصقاً بها , رفعت رأسها نحوه , وفي عينيها دمعتها تركض مسرعة تمر عبر وجهها وتسقط على الأرض لتتلاشى حبيبات صغيرة , وتقول بصوت ضعيف متهتك : عمي ..هل .. شا ..هدت . خافت لسبب لا تعرفه , لف كشيدته حول رأسها الصغير واختنق صوتها فيه , حركت يديها الضعيفتين في الهواء , حرك (( هو )) جسده ((فيها )) .... فتحت عينيها الصغيرتين بصعوبة , شاهدت أمامها حيوانها الصغير يأكل .. مدت أصابعها إلى رأسه وراحت تعبث فيه , وقالت بصوت ضعيف : أين كنت .. ألم أقل لك لا تذهب بعيداَ حتى لا يأكلك الذئب . الظلام على وشك الحلول .. حين سمعت صوت جدها باحثاً عنها : سوسن .. سوسن.