ولي العهد السعودي يصدر أمرا بتعيين "الشيهانة بنت صالح العزاز" في هذا المنصب بعد إعفائها من أمانة مجلس الوزراء    هيو جيو كيم تتوج بلقب الفردي وكانغ تظفر بكأس الفرق في سلسلة فرق أرامكو للجولف    رابطة أبوظبي لمحترفي الجوجيتسو توقع مذكرة تفاهم مع واحدة من أكبر الشبكات الإعلامية في الصين    رئيس مجلس القيادة يغادر عدن ومعه اثنين من الأعضاء    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    «البلسم»تختتم حملتها الطبية في اليمن وتنجح في إجراء 251 عملية قلب مفتوح وقسطرة تداخلية للكبار والأطفال    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    دعوة مهمة للشرعية ستغري ''رأس المال الوطني'' لمغادرة صنعاء إلى عدن وتقلب الطاولة على الحوثيين    قطع الطريق المؤدي إلى ''يافع''.. ومناشدات بتدخل عاجل    وصول شحنة وقود لكهرباء عدن.. وتقليص ساعات الانطفاء    الرئيس الزُبيدي يقرر إعادة تشكيل تنفيذية انتقالي شبوة    الدور الخبيث والحقير الذي يقوم به رشاد العليمي ضد الجنوب    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    عار على الجنوب وقيادته ما يمارسه الوغد رشاد كلفوت العليمي    وداعاً للمعاصي! خطوات سهلة وبسيطة تُقربك من الله.    ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    دموع "صنعاء القديمة"    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق4
اليمن وأهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 23 - 06 - 2008

من المؤسف حقاً ان الحكومات العربية والجامعة العربية والاحزاب والصحافة العربية خيبوا جميعاً ظنون الشعب اليمني الذي كان يطمح آنذاك في دعمهم لمطالب ثورة الاحرار في الحرية والانعتاق وكسر أسوار العزلة واللحاق بركب القرن العشرين ، وان يؤيدوا حكم الامامة رغم مظالمها وتخلفها ، وكان السبب الوحيد في هذا المنطق المعكوس يكمن في الجهل المعرفي بأوضاع اليمن الداخلية وغياب الادراك السياسي القومي المسئول تجاه قضية الشعب اليمني المصيرية ، والادعاء بأن حكم بيت حميد مهما كانت عوراته ، الا انه يثاب على دفاعه عن استقلال شمال اليمن ، بينما يرزح جنوبه تحت وطأة الاستعمار البريطاني .
وربما كان بصيص الضوء الوحيد الذي نهض بمهمة التنوير باليمن ، وسد النقص المعرفي المعيب بأوضاعه السياسية والاجتماعية والثقافية “انذاك” كتاب المؤرخ المصري الدكتور احمد فخري “اليمن ماضيها وحاضرها” ، فهو قد اتيحت له فرصة زيارة اليمن وصال وجال في ربوعه قبل اندلاع ثورة الاحرار وعاصر احتلال صنعاء واستباحة بيوتها للقبائل عام 1948 بأوامر من الامام احمد حميد الدين ، ثم اتيحت له زيارة اليمن للمرة الثانية والثالثة ضمن الوفد المصري برئاسة الدكتور حسين خلاف من أجل تقديم المعونة لليمن في اطار تطوير أوجه النشاط الحكومي خلال سفر الامام للعلاج في ايطاليا ، ثم زار اليمن للمرة الرابعة عام 1971م وكان قد تخلص من حكم الائمة البغيض بدعوة من السيد أحمد جابر عفيف وزير التربية والتعليم آنذاك للمساهمة في وضع البرامج الدراسية والنهوض بالتعليم في اليمن ، حيث القى وقتئذ محاضرة قيمة في صنعاء قال فيها “ان روح اليمن لم تمت في يوم من الايام ، وان خبت شعلتها يوماً ، فقد كانت تعود ساطعة مضيئة يوماً آخر ، وانه مهما تقلبت علي اليمن الاحداث او تعرضت لحلو الايام ومرها ، فقد ظلت دائماً سليمة العنصر ، وبقي شعبها حياً لأنه جدير بالحياة” ، كما ذكر انه وجه خطاباً ظل مجهولاً – الي الامام البدر عندما كان ولياً للعهد ، حتى ذكره القاضي عبد الرحمن الايرياني في 23 فبراير عام 1962م في مقدمته لكتاب احمد حسين شرف الدين “اليمن عبر التاريخ” .. قال فيه : “لم يهن تاريخ امة من الامم على ابنائها ، كما هان تاريخ اليمن علي المثقفين من ابنائه ، وهذه الظاهرة المشينة تبرز بالنسبة لتاريخ اليمن القديم قبل الاسلام وبالنسبة لتاريخها بعد الاسلام” .
أقول: ان كتاب الدكتور احمد فخري اثار حين صدوره اهتماماً كبيراً وادراكاً معرفياً جديراً باليمن وحضاراته وحاضرة وتحدياته وطموحاته ، وأذكر بالمناسبة ان بيته في القاهرة ظل مقصداً لرجالات اليمن وطلابه ، وملتقى الحوار بين الصفوة اليمنية والصفوة المصرية ، ومن هنا ظهرت بواكير الكتابة عن اليمن في الصحف المصرية وقد غذى ذلك الزخم السياسي والثقافي عدة عوامل :
بعدها كان وصول مجموعات من الطلبة اليمنية للالتحاق بالمدارس الثانوية المصرية ايذاناً باستكمال الدراسة في جامعاتها ، ورغم تشديد الامام احمد على دراستهم واقامتهم في مناطق نائية مثل حلوان وبني سويف وطنطا ، خشية التقائهم بالحركة الوطنية والثقافية في القاهرة ، الا ان تلك المخاوف قد تحققت بالفعل ، سواء علانية عبر تواصلهم الثقافي والسياسي مع اقرانهم من الطلبة او المدرسين المصريين ، وسواء سرى عبر انخراط الطلبة اليمنيين في نشاطات الاحزاب السياسية المصرية ، وترددهم علي مقاهي ومنتديات المثقفين بالقاهرة !
وصول طلائع حركة الاحرار الى مصر وعلى رأسهم القاضي محمد محمود الزبيري والاستاذ أحمد النعمان والاستاذ محسن العيني ، حيث أتيحت امامهم الفرصة لشرح قضية اليمن المصيرية في منابرها الاعلامية والسياسية والثقافية ، وخاصة إذاعة صوت العرب ودورها المشهود في اثارة الوعي القومي بالمشكلة اليمنية على نحو ما سوف نعرض له في حينه !
النموذج العصري للثوار
من حسن الحظ ان الزبيري والنعمان كانا على دراية بالاوضاع في مصر واسلوب التعامل مع المصريين واقناعهم بمأساة اليمن ، فكلاهما سبق لهما الدراسة بالازهر الشريف الذي تخرج منه عدد آخر من العلماء اليمنيين ، بينهم الشهيد صالح المسمري وعلي ناصر العدسي والفقيه الشيخ عبد الواسع الواسعي الذي أقام بمصر ، ونقل عنها الكثير من علومها وابداعاتها الي اليمن .
أما الاستاذ محسن العيني فكان النموذج العصري لثوار اليمن الاحرار ، وهو كان قد نال قسطاً من التعليم في الجامعة الامريكية ببيروت ثم استكمل معنا دراسة الحقوق بجامعة القاهرة ، ومن يومها بدأت معه رحلتي الطويلة في سبر أغوار الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية في اليمن ، وقد نجح الى حد كبير في التنوير بقضية اليمن ودعمها قومياً عبر تمثيله لليمن في اتحاد العمال العرب بالقاهرة ابان رئاسة المرحوم أسعد راجح ، على ان صدور كتابه “معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن” عام 1957 كان بمثابة نقطة تحول في ادراك النخب المصرية والعربية للظلم والمظالم التي نكبت بها اليمن ، وقد استوقفني من وقائعه حدثان شديدا الدلالة على عهد ائمة بيت حميد الدين واصرارهم على ان يسود الظلام والعزلة شتى مناحي الحياة في اليمن .. الأول : عندما عاد محسن العيني الى اليمن في فبراير 1955م .. يقول : “حضرنا الاحتفال في الحديدة بعيد النصر .. انتصار الامام احمد على أحرار 1948م” وقد وقف السيد علي عقبات خطيب اليمن المفوه ، وصال وجال ، ولعل مظهري وزميلي محمد الرعدي ، بثيابنا الغربية ، ورؤوسنا المكشوفة استفزته ، فنسي نفسه واسترسل في الهجوم على هؤلاء القادمين الذين يريدون ان يأكلوا “بالخاشوقة” الشوكة والسكين، الذين لا يحترمون تقاليد اليمن ..الخ .
ولم يكن امامي الا ان اندفع الى الميكروفون واسحبه وارد بعنف على هذيان هذه “العقبات الكأداء التي تقف في طريق الشعب ، واننا فعلاً نأكل بالخاشوقة ونرجو ان يأتي اليوم الذي يأكل فيه كل اليمنين بالشوكة والسكين وان يكشفوا رؤوسهم للهواء والسماء والشمس وان يستروا بدلاً من رؤوسهم اقدامهم الحافية العارية فهي التي تلامس المكروب والشوك..
وقلت في ختام كلمتي الطويلة :ان الحكومة هي التي ارسلت البعثة للدراسة في الخارج وان الامام يحاول تشجيع التعليم والتحديث ولكن العقبات .. وهذه العقليات، هي التي تحاول وقف التطور ودخول اليمن العصر الحديث !
وقد اختل النظام وتدافع الناس وانتهى الحفل وكان نائب الامام في الحديدة هو السيد محمد أحمد باشا رحمه الله واكرم مثواه ، فقد منع تسرب أي خبر عن الحفل وما جرى فيه، وحاول حصر الموضوع وتطويقه حماية لنا ، ولكن في المساء وصلت برقية من الامام لابنه البدر “هل بلغتك خطبهة العيني ..؟ وكان جواب البدر: بلغتني ..وجلها ثناء عليكم..«
وصدرت الاوامر بترحيلنا فوراً الي القاهرة »
كذلك استوقفني في كتاب محسن العيني تفسيره لأسباب الغياب المعرفي العربي بأوضاع اليمن، وعجزهم عن دعم ثورة الاحرار اليمنيين عام 1948 ، يقول”منذ مطلع القرن العشرين نشأت في البلاد العربية خرافة رائعة تفيض بسلسلة من الاخطاء والنظريات الساذجة، مفادها تعليل كل النكبات في اليمن ، وكل الجهل والافقار ، وكل استباحته للارواح والارهاب ، وكل عمليات الابادة لعرب اليمن بأنها محافظة على استقلاله ، وخوفاً عليه من المستعمرين الطامعين ، وكأن الامة العربية كلها قد اجمعت على اباحة الشعب العربي في اليمن لفرد واحد، ولعائلة واحدة تنكل به وتطحنه طحناً ، وتلغيه من دنيا العروبة ، بحجة ان اليمن دولة عربية مستقلة ، ويعجب اليمنيون ويتألمون ويستغيثون من العذاب الذي يعانونه ، ويستنجدون شهامة الامة العربية ، فلا يجدون الا الرد التقليدي الذي سمعوه منذ اربعين عاماً، اليمن مستقل وحكامه خائفون على استقلاله ، فلنمسك إذن علي هذا الجزء من الوطن العربي لأنه مستقل ، ولنصم أسماعنا عن كل نداء هذه الملايين العربية التي تعيش فيه ، ثم يقول الاستاذ محسن العيني “ان الحالة السيئة في اليمن أصبحت الدعامة الاولى للاستعمار في جنوب الجزيرة العربية ، بل في الخليج العربي ، فالانجليز كانوا يشعرون في هذه المنطقة بأن اليمن بات اشبه بالمناطق المحرمة المنزوعة السلاح ، والانجليز بذلك يستفيدون من هذا الوضع ، ويطمئنون على نفوذهم ، ويمارسون في هذه المناطق استعماراً فذاً لا يحتاجون في حراسته الى جيوش وأساطيل ، لأنهم يعتمدون على وجود الحكم الامامي الرجعي المدمر ، الذي يجعل بعضاً من الشعب المستقل يلوذون الى المناطق المحتلة ، بل ان الامر الادهى من ذلك وأمر، ان قبائل المحميات الحرة الابية والشباب الحر ، كل هؤلاء كانوا يحسون بروح القومية والتحرر تجري في عروقهم ، ويودون ان يساهموا بالنصيب الأوفر في معركة الحرية، لكنهم لا يجدون سنداً عربياً الى جوارهم ، بل يجدون نكبة خرساء حلت بشعب اليمن وتجعل الانجليز يباهون بالحكم الاستعماري ، ويفخرون به عند المقارنة بينه وبين الحكم الامامي في اليمن المستقل ، مما يفت في عزائم المناضلين الاحرار ، وبدلاً من ان يصبح الحكم الاستعماري مهرباً للجنود اليمنيين والعمال والفلاحين والتجار ، وبدلاً من ان يخاف الاستعمار من انضمام المناطق المحتلة الي المناطق المستقلة ، أصبحنا نخاف نحن اليمنيين المستقلين من ان ينهار الجزء المستقل فيلاقي مصير القطاع المحتل !
تلك كانت معادلة التحالف الضمنية غير المعلنة بين الامامة في صنعاء والانجليز في عدن في ظل الغياب المعرفي العربي وما ادى اليه من اجهاض ثورة 1948 ، وغيرها من الانتفاضات اليمنية ، حتى قدر الله سبحانه وتعالى الخلاص والانعتاق للشعب اليمني في الشمال والجنوب اثر اندلاع ثورة 23 يوليو عام 1952 بزعامة جمال عبد الناصر ، حين قطع على نفسه عهداً بمساندة مصر ودعمها لخيار الثورة والتغيير في اليمن .
ولا يفوتني قبل ان انهي تلك الفذلكة التاريخية كمدخل لشهادتي على ثورة 26 سبتمبر عام 1962 ، ولوجنا المبكر الي قضايا اليمن عبر الندوة التي كان يعقدها القاضي الزبيري في منزله بالدقي ، واحياناً في مقهى انديانا بالدقي ايضاً ، حيث تعرفنا على عدد من رموز حركة الاحرار وابناء الجنوب اليمني المحتل الذين يقيمون في مصر ، وكانوا من الطلبة والتجار وعائلات بازرعه وباجنيد وباخشوان الذين تمتد اصولهم الى حضرموت ، واذكر من بين الاصدقاء المصرين الذين كانوا يترددون على مجالس الزبيري الاديبان وحيد النقاش وغالب هلسا الاردني واستاذ التاريخ الدكتور سيد مصطفى سالم ، وبينما كنا نشعر بأن الزبيري ومحسن العيني كانا مع ضرورات الثورة، كان الاستاذ احمد النعمان وولده الاستاذ محمد النعمان يراهنان على الاصلاح السلمي لأوضاع اليمن عبر ولي العهد الامير البدر إذ كان الاستاذ النعمان معلماً له !
مجلة الصداقة القاهرية
ولعله من هذه العلاقة المبكرة مع رموز الاحرار في القاهرة ، كان توجه الصديق سيد مصطفى سالم الى التفرغ لنيل درجة الدكتوراه حول “حركة الاحرار اليمنيين” ، وهو قد ارخ لهذه الفترة وتلك العلاقة التي امتلأت بالشجون والحركة والاندفاع عبر ما جمعه من معلومات نادرة عنها ، حيث عثر في دار الكتب المصرية على نسخ من مجلة “الصداقة” التي كانت تصدر من القاهرة بناء على توجيه الاستاذ أحمد محمد النعمان والقاضي محمد محمود الزبيري .. يقول :
شدني فيها من اخبار ومقالات عن أوضاع اليمن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مما دفعني الى ان انقل الكثير منها الى اوراقي الخاصة ، فقد صدرت المجلة في اواخر عام 1939م وبالتحديد في الرابع من أكتوبر من هذا العام وليس في عام 1940م كما ذهب البعض ولم تكن دورية كما كنت اعتقد .. فقد ظهرت اعدادها غير منتظمة وان كانت قد انتظمت في سنواتها .
وكانت كما يدل اسمها ذات ميول عربية لما كانت تحشده على صفحاتها من اخبار العالم العربي بما في ذلك اليمن . وقد بدأت في اعدادها الاولى تتابع الاخبار اليمنية الرسمية مثل سفر سيوف الاسلام الى مصر وانجلترا ، بل وظهر بها بعض المقالات التي تشيد بالحكم الامامي وبأعمال الامام وابنائه في داخل البلاد وخارجها والتي يتضح منها انها دعاية اعلامية او مدفوعة الاجر كما يقال الآن في عالم الصحافة .. وقد لفت هذا نظر الاحرار في القاهرة فبدأوا يتقربون الى صاحبها الاستاذ عبد الغني الرافعي الذي بدأ بدوره يتأثر بأحاديثهم عن القضية اليمنية فسخرها لهم كما سنرى ، بل وكتب المقالات التي جمعها بعد ذلك في الكتيب الذي نشر فيما بعد بعنوان “اليمن ظاهرها وباطنها” ويبدو ان هذا التقرب وهذا التعرف قد تم اثناء الحفلة التي اقامها هؤلاء الاحرار في القناطر الخيرية بمناسبة عودة الاستاذ الزبيري الى اليمن والذي نشر خبرها في العدد السابع الصادر في 12/7/1941م .
غير ان المجلة لم تغير سياستها من قضية اليمن بعد ذلك مباشرة بل ظلت بعض الوقت على موقفها السابق تنشر ما يصلها من اخبار رسمية مثل علاقة اليمن بانجلترا او دخولها الى الجامعة العربية ووصول مندوبها الى القاهرة للمشاركة في جلستها التحضيرية وغير ذلك . وربما نرجع ابتعاد هذه المجلة عن سياستها الرسمية تجاه اليمن وتحولها الى جانب المعارضة اليمنية الى اوائل عام 1945م ، فقد تجرأت في عددها الصادر في 31 يناير من هذه السنة على نشر “منهج جمعية الشباب اليمني في القاهرة” والتي كانت قد تألفت في 8 نوفمبر 1944م كما جاء في مادتها الاولى والتي كانت اول تجمع شبابي من اليمنيين يعلن عن نفسه ويتخذ القاهرة مقراً له . ولقد كان منهج (برنامج) هذه الجمعية بسيطاً بقدر ما تسمح به ظروف أعضائه في تلك الفترة ، فلم ينص الا على تقوية الروابط بين اليمنيين في خارج البلاد وفي داخلها وتعريف اليمن للاقطار العربية بل والاتصال بالحكومة حينذاك “للتعاون على انهاض اليمن واسعاد ابنائه” غير ان ما يلفت النظر بالنسبة للبرنامج في هذا الوقت المبكر هو التفكير الوحدوي بين هؤلاء الشباب فقد نصت المادة الثانية مباشرة من البرنامج على ان “المراد باليمن هو اليمن الطبيعي ولا فرق بين مختلف ابنائه” وبنشر منهج هذه الجمعية نستطيع ان تقول ان الاحرار اليمنيين قد سيطروا على المجلة وجندوها لخدمة قضيتهم، فبعد ظهور هذا البرنامج على صفحاتها بشهر واحد نشرت المجلة برقية حزب الاحرار اليمني الذي كان قد تأسس حينذاك في عدن الى امراء الحج العرب وكبار مسلمي الهند اثناء موسم الحج ونصها “نهنئكم بالحج ونناشدكم الله العطف على الامة اليمانية المعذبة التي تعاني من اضطهاد حكومتها ما لا يعانيه أي شعب اخر ونتوسل بكم الى جلالة الامام لتخفيف العذاب عنها وتحقيق مطالبها ومحاكمة المعتقلين ظلماً واطلاق سراحهم ، اليمن ذاهبة الي الهلاك اذا لم تنقذوها.
ثم يتابع الدكتور سيد مصطفى سالم شهادته على مجلة الصداقة القاهرية .. يقول :
كان عام 1946م (1365ه) هو عام المجاعة المعروفة في اليمن والتي ما زال يتذكر احداثها بعض الاخوة اليمنيين ويتداولون بعض أحداثها ، لذلك قام الاحرار في القاهرة بحملة كبيرة على صفحات “الصداقة” لرسم صور هذه المجاعة وتفسير اسبابها وانها ليست لقلة محصول البلاد بل لسوء سياسة الحكومة وفساد كبار المسئولين فيها واتجارهم بقوت الشعب سعياً وراء الارباح الكبيرة السريعة ، فقد قيل في باب أخبار اليمن السعيدة ، كان من المنتظر ان تتحسن اسعار الحبوب في اليمن لجودة الموسم ولكن اشتغال بعض المسئولين بالتجارة واحتكارهم للحاصلات بعد الحصاد قد خيب الظنون” .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.