نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    استمرار انهيار خدمة الكهرباء يعمّق معاناة المواطنين في ذروة الصيف في عدن    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    فعاليات للهيئة النسائية في حجة بذكرى الصرخة ووقفات تضامنية مع غزة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    مليشيا الحوثي تتكبد خسائر فادحة في الجفرة جنوب مأرب    إعلان عدن التاريخي.. نقطة تحول في مسار الجنوب التحرري    المستشار سالم.. قائد عتيد قادم من زمن الجسارات    استشهاد نجل مستشار قائد محور تعز العميد عبده فرحان سالم في مواجهات مع المليشيا    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    الأرصاد يتوقع استمرار هطول الامطار ويحذر من التواجد في بطون الأودية    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    صحيفة: أزمة الخدمات تعجّل نهاية التعايش بين حكومة بن مبارك والانتقالي    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    غزوة القردعي ل شبوة لأطماع توسعية    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    جازم العريقي .. قدوة ومثال    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق20
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 09 - 07 - 2008

من كثر حب الشيخ القوسي للٌحم فتح عبدالناصر حساباً خاصاً له عند أحد محلات الكباب
كان أشرف لقلم انيس منصور ان لا يسيء لشعب اليمن
اللحم قليل يا سيادة الرئيس
كلما تأزم الموقف السياسي في اليمن مع بدايات ثورة 26 سبتمبر 1962 ، كانت القاهرة ملجأ التفاهم وحل الخلافات بين الفرقاء اليمنيين ، وبينهم والحكومة اليمنية ، وربما مع القيادة العسكرية المصرية في صنعاء ، وغالبا ما كان صدر الرئيس جمال عبد الناصر رحبا ومرحبا للقاء بهم والحوار معهم ، وهكذا امتدت بينهم وبينه خيوط المحبة والتقدير والادراك المعرفي المتبادل .
في احدى زيارات المرجعيات اليمنية للقاهرة سأل الرئيس جمال عبد الناصر الشيخ علي ناجي القوسي احد زعامات قبيلة “الحدا” ان كان مرتاحا خلال اقامته بالقاهرة ، وكانت اجابته بالنفي .. ثم استدرك يقول ان اللحم قليل يا سيادة الرئيس ..قليل وغير مشيع !
فلما عرف ان اقامة الشيخ القوسي في فندق شبرد ، عندئذ طلب نقل اقامته الى فندق قريب من محل “الحاتي” بوسط القاهرة ، وان يفتح له حسابا خاصا لما شاء من طلباته الكباب، وقد ذكرتني هذه الواقعة بأخرى شبيهة لها حدثت مراراً خلال انعقاد مؤتمر حرض عام 1966 .
وكانت السعودية قد تكفلت بتجهيز معسكر ضخم في منطقة حرض اليمنية لاستضافة الفرقاء اليمنيين ، وكانت تمده يوميا باحتياجاته من الطعام نظرا بقرب المكان من الحدود السعودية ، بينما تعهدت مصر واليمن بالحراسة والتنقلات والشئون الادارية .
ورغم ان كميات اللحوم في طعام الغذاء والعشاء كانت وفيرة ، الا ان العقيد وجدي شرف المسئول عن الشئون الادارية في المعسكر ، كان على اهبة الاستعداد لتلبية طلبات الشيخ علي ناجي القوسي من لحوم الضان الطازجة ، عبر شراء الخراف وذبحها تباعا وتقديمها مشوية وساخنة ، واذكر انه كان دائما يضع قطعة من لية الخروف على رأسه وهو جالس تحت أشعة الشمس ، وعندما سألته عن السبب .. قال هذه العادة مقوية للنظر ، ويوما كان امامه خروف كامل مشوي وهو ينتزع لحمه ويكوره ثم ويقذف به في حلقه .. وحين حاولت ان امد يدى حتى اتذوق قطعة من اللحم خبط يدي بيده وقال : هذا حقي !
هدية الزرقة للأستاذ هيكل
رحم الله الصديق العظيم محمد الزرقه ، اذ كان في طليعة رواد مهنة الصحافة باليمن ، وتدرج في مناصبها حتى اصبح نقيبا للصحفيين قبل الوحدة اليمنية ، ورئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الثورة .
وقد عرفت الزرقة لأول مرة عندما كان يدرس بكلية الآداب جامعة القاهرة في أواخر الخمسينيات على ما اذكر ، وكان يداوم في نفس الوقت الاشتغال بمهنة المتاعب عبر صحيفة الجمهورية لسان حال ثورة 23 يوليو ، حيث اسبغ الاستاذ الكاتب الكبير محمد عودة رعايته للزرقه وتوجيهه ، وكان يصطحبه دوما الى مجالس المثقفين والعروض المسرحية .
اذكر عبر حواراتنا المتصلة انذاك عندما ادركت انتماءه لحركة القوميين العرب ، وكان يعتبرها انذاك رافدا من روافد الفكر القومي الحديث الذي تبناه الرئيس جمال عبد الناصر ، وبعدها سافر الزرقة الى عدن واشتغل بالكتابة في صحيفة “الثوري” التي كانت ناطقة باسم حركة القوميين العرب قبل ان تتحول فيما بعد لسانا لحال الحزب الاشتراكي اليمني .. واذكر ان الكاتب الراحل عبد العزيز الوصابي كان رفيقه في هذه التجربة !
والمدهش ان محمد الزرقه كان من المتعين احترافه للادب ، فقد بدأ حياته قاصا بالتزامن مع عشقه للصحافة ، بل وشدت ابداعاته الكثير من النقاد وبينهم الدكتور عبد العزيز المقالح !
والحقيقة ان مكتب الزرقه ظل مقصدي دوما كلما قدر لي زيارة صنعاء ، فكان يضعني مشكورا في قلب الاحداث والتطورات التي يشهدها اليمن ، وكانت آراؤه وتحليلاته ومواقفه تتسم بالنضج والواقعية والمصداقية !
كنت الاحظ على ادارته العمل في صحيفة الثورة ، كم كان جادا وحاسما لا يقبل اخطاء المحررين حتى ولد كانت هفوات ، لكنه فسر لي الامر بأنه حريصاً على الجيل الجديد من الصحفيين حتى لا يقعوا في شباك الاغراءات وتلفيق المعلومات واستسهال مهمة توجيه الرأي العام ، لكنه كان مع ذلك ابا ودودا مع المحريين في غير اوقات العمل ، وكان الى ذلك يشكو من ضألة الامكانات التي تنعكس بالتالي على ضآلة رواتب المحررين ، ويرى ان توفير الحياة الكريمة لهم ضمانة لعدم الانزلاق للارتزاق .
والشاهد ان كتابات الزرقة الصحفية والادبية كانت بمثابة الفأس الذي يقوض اركان الفساد والتخلف والعقود ، ويدعو الى المحبة والجمال والحوار ، ولذلك يعتبره النخبة الثقافية في اليمن صاحب مدرسة حرية الرأي والرأي الآخر ، والمؤسس لإمبراطورية صحافة الثورة، وانه كان رقما مهما في الساحة الصحفية او الساحة السياسية ، واذكر ان القاضي عبد الرحمن الايرياني كان قد عرض عليه منصب وزير الثقافة والاعلام ، لكنه اعتذر لكونه السمكة التي تموت حتما اذا بعدت عن مجالها الحيوي ، ثم اذكر له دفاعه المجيد عن السياسي المخضرم احمد الرعيني ، وان اعدامه كان ظلما وافتراء على تاريخه الوطني ، ووعد بان يبرئ ساحته في كتاب خاص و.. أظنه فعل !
وعلى انه في يوم الجمعة .. كان لقاؤنا بعد الصلاة في حمام السباحة بفندق حده ، فكان لا يشعر ابدا بالحرج لنحافة جمسه ، حيث كان يسبح واولاده الى حين موعد الغذاء ، ولا انسى انه طلب مني ان احمل للكاتب الكبير محمد حسنين هيكل هدية متواضعة من البن اليمني ، وفوجئت بأنه قد ترك لي في فندق “سبأ” جوالا كبيرا من البن اضطررت الى حمله الى القاهرة .. وعندما سألني الاستاذ هيكل عن صاحب الهدية اعطيته اسم الزرقه وعنوانه في صنعاء حتى يشكره .. ثم عاد يسألني ماذا يفعل بكل هذا البن .. وقلت له وزعه على اصدقائك واحبابك من قبيل الدعاية لليمن والبن اليمني الفاخر !
ما بين أنيس منصور و اليمن
أثار الدهشة ، والاستياء ايضا ، ما كتبه الاستاذ أنيس منصور وهو يناقش قضية المهاجرين المصريين في صحيفة “الاهرام” عندما قال :
انه يريد تأهيل المهاجر المصري ، حتى لا يصبح كالهنود واليمنيين .. الذين لا يريدون منافسا لهم في كنس الشوارع ومسح الاحذية !
وقد أوضح الاستاذ انيس منصور السبب في اهتمامه “المشكور” بالمهاجر المصري، وهو انه مصدر للعملات الصعبة ، وتجاهل تماما انه انسان كادح قبل ان يكون دجاجة تبيض العملات ، وان اهم مشاكله هي الاجور ، وعقود العمل العادلة ، والحماية من التعصب الاقليمي والعنصري في بعض البلدان العربية والاجنبية ، ومن هنا كانت الدهشة التي أثارها مقاله .
اما الاستياء .. فقد أثارته نبرة التعالي والسخرية من الشعب اليمني (والهندي ايضا) وهي نبرة سبق ان كررها الاستاذ انيس كثيرا من قبل ومن بعد ، ولعل آخرها سلسلة مقالاته تحت عنوان “عبد الناصر المفتري والمفترى عليه” !
ان “المنصور بالله محمد البدر” آخر أئمة اسرة حميد الدين ، لم يكن بهذا القدر من التعالي على شعب اليمن ، والسخرية منه ، فهل نجد في مصر من يرجع بعقارب التاريخ الى الوراء على يد المنصور بالله انيس .. ليدق اسفينا بين شعب مصر وشعب اليمن ، اللذين بنيا صرحا شامخا للتضامن والاخوة المتينة غير الآف الشهداء ؟
ان كتابات انيس منصور وغمزه ولمزه وتعريضه بشعب اليمن ليست سوى “الظاهرة الفكرية والصحفية” التي تحاول ان ترسخ في الاذهان ان مساندة ثورة مصر لثورة اليمن كانت كارثة وطنية وقومية ، وانها سبب البلاء والوبال على مصر وعلى العرب.
والمتتبع لهذه الظاهرة يلاحظ انها متلازمة زمنيا مع التيار اليميني الاقليمي الذي يسعى الى عزلة مصر عن العالم العربي ، والتشكيك في كل الانجازات والمعارك التي جابهتها ثورة 23 يوليو على الصعيد القومي !
فمساندة مصر لثورة الجزائر جرت عليها ويلات العدوان الثلاثي عام 1956! وتجربة الوحدة مع سوريا انتهت بالانفصال ، واجلاء الانجليز عن السودان قبل مصر ادى الى نهاية وحدة وادي النيل ! ومساعدة مصر للشعوب العربية في مجال الثقافة والتعليم كانت نتيجتها غنى هذه الشعوب والفقر للشعب المصري .. وهكذا الامر ازاء القضية الفلسطينية او القضية اليمنية !
اذن فلا نجاة ولا مفر امام مصر سوى ان تنعزل وكفى الله المصريين شر العرب والعروبة والقومية والوحدة .
ولقد عشت وقائع الثورة اليمنية منذ اندلاعها في سبتمبر 1962 .. وافخر بأنني واحد من طلائع الصحفيين الذين عاصروا وعاشوا معاركها في بني مطر وبني حشيش وخولان ومأرب والجوف وصعدة .
والذين يعرفون تاريخ الشعب اليمني يدركون ماله من فضل على الحضارة الانسانية ودوره الباسل في الفتوحات الاسلامية التي اعتمدت بشكل أساسي على شجاعة وبذل المقاتل اليمني .. حتى ان طارق بن زياد عندما فتح الاندلس لم يجد علما يرفعه تتويجا للنصر سوى “شال” مجاهد يمني !
وقد قضت الظروف بألا تنجح ثورات الشعب اليمني البطولية في الاربعينات والخمسينات والستينات من هذا القرن . ولولا المساعدة الجسورة لثورة 23 يوليو لظل هذا الشعب العربي أسيرا للتخلف والعزلة والانقراض .
لقد أمنت ثورة 23 يوليو ان وحدة الثورة العربية لا تتجزأ وان ارادتها لا تتجزأ وان مصر عندما تحارب في اليمن او الجزائر فانما تحارب دفاعا عن نفسها وترابها وشرفها .. فالمعركة واحدة والثورة واحدة وان تعددت جبهاتها .
وعندما انسحبت القوات المصرية في نهاية عام 1967 من أرض اليمن ، كانت قوى الثورة اليمنية الذاتية قد صلب عودها ، وفرضت “عدن” على الاستعمار البريطاني ان يرحل من شطر اليمن الجنوبي كما فرضت “صنعاء” على جحافل الاحتياطي القبلي الرجعي الذي حاصرها على مدى سبعين يوما ان يرحل وان يستسلم .
ونحن قد نلتمس العذر لبعض اصحاب الاقلام التي تكتب عن اليمن وتصور دور مصر في مؤزارة ثورتها على انها ورطة لأنهم لم يكلفوا انفسهم مشقة متابعة معارك ثورة 26 سبتمبر عام 1962 . ولكن ما عذرهم الآن وقد حققت الثورة اليمنية انتصارها في الشمال والجنوب معا . وكسبت للعروبة قوة كانت مطروحة دائما من قوتها .. وعادت تلعب دورها المعاصر والحيوي في هذه المنطقة الاستراتيجية البالغة الاهمية .
وفي النهاية .
ونحسب ان لعبة احتقار الشعوب لا يقصد بها سوى محاربة العمال المصريين اولا واخيرا تحت شعار الدفاع عن حقوقهم بقصد استنزاف كل ذرة عرق يبذلونها من اجل مصر والامة العربية !
وقد كان بإمكان الكاتب الكبير انيس منصور الا يتعرض بالحق او بالباطل لشعب اليمن . وكان اشرف لقلمة ان يقدم الحلول لاستدرار المزيد من العملات الصعبة ، دون ان يسيء الى شعب الهند وشعب اليمن وشعب مصر في وقت واحد !
المينا .. المينا يا سلال
كان الرئيس عبد الله السلال في زيارة ميدانية عام 1964 لمنطقة نائية في شمال اليمن ، كانت القبائل التي تسكنها لا تزال تعاني وطأة التخلف والعزلة ، وهي بعد ان استقبلت السلال بالحفاوة والكرم واطلاق رصاص الفرحة بقدومه ويهتفون للثورة وينشدون الشعر ويغنون “الزامل” ، .. وراح السلال يخطب فيهم مؤكدا ان الثورة جاءت لإنصافهم من المظالم والفقر والحرمان الذي اكتوا بويلاته ابا عن جد الجدود ، واذا به يفاجأ بهتافهم مدويا “المينا .. المينا يا سلال” ، وادرك الرئيس انهم يطالبون بإنشاء ميناء في منطقتهم ، لعلهم يستقبلون البواخر المحملة بالبضائع المستوردة والمصدرة من اليمن ، ويحصلون على الرسوم كما هو الحال في ميناء الحديدة ..
لم يكن بوسع السلال ان يرفض .. وكان عليه ان يتعامل بذكاء مع هذا القطاع من الشعب المغيب عن ادراك ماهية الميناء البحري وضرورة توافر شروط انشائه ..وقال السلال مخاطبا الجماهير القبلية : “الثورة على اهبة الاستعداد لتلبية مطلبكم .. وعليكم اولا ان توفروا مياه البحر اللازمة لتعويم البواخر وعلي الدولة ان تبني منشآت الميناء فوراً ، ثم وقف السلال رافعا يديه في الهواء مودعا وكأن حلم الميناء قد اوشك على التنفيذ بمجرد عودة السلال الى صنعاء .. ليبدأ تفكير القبائل بلا جدوى في حل مشكلة توفير مياه البحر بمنطقتهم !
ثورة القبائل عام 1955
كان الاستعمار البريطاني قد انسحب وقواتها العسكرية بالتزامن من عدن في 30 نوفمبر 1967 ، وبينما كانت الاحتمالات السياسية تشير الى ان السلطة من نصيب جبهة التحرير بزعامة عبد القوي مكاوي ، بالنظر لدورها المشهود في الكفاح المسلح ضد الانجليز بدعم مصر ، الا ان السلطة كانت مع فجر الاستقلال من نصيب الجبهة القومية عبر الصراع المسلح الذي نادت له الجامعة العربية انذاك ، ويقول بعض المراقبين ان الانجليز فضلوا هذا الخيار بدعوى وقف امتدادات حركة القومية العربية المزدهرة انذاك بزعامة جمال عبد الناصر ، وربما لذلك حاولت قوى الثورة المضادة الايقاع بين الجبهة القومية وثورة 23 يوليو المصرية ، رغم ما يجمع بينهما من الافكار والتوجهات القومية المتماثلة لكن جمال عبد الناصر فوت عليهم أي احتمال للصراع المرتقب !
على ان انتصار ثورة 14 اكتوبر لم يقتصر على انجاز الاستقلال في الشطر الجنوبي من اليمن فحسب ، لكنه حسم مصير وحدة التراب اليمني ، عبر اجهاض المخطط البريطاني الذي كان يطمح في سلخ عدن عن المحميات والمشيخات واقامة نظامين انفصاليين متقابلين!
جدير بالذكر ان القاهرة بدأت ترنو الى دعم امكانات الكفاح المسلح ضد الانجليز في جنوب اليمن منذ زيارة الصاغ صلاح سالم لليمن ابان حكم الامام احمد في يوليو عام 1954، وكانت القوات الانجليزية في عدن قد قامت بالعدوان المسلح انذاك على منطقة البيضاء ، ومن ثم نجح صلاح سالم في اقناع الامام باستعداد مصر لتسليح القبائل اليمنية في الجنوب حتى تستطيع ان تدافع عن نفسها وتثير القلاقل ضد الانجليز و..وافق !
لكن مع وصول شحنة مصرية كافية للقيام بالمهمة من الاسلحة الصغيرة والزخيرة والقنابل ، حتى صادر الامام معظمها واودعها بالمخازن واكتفى بتوزيع بعضها فحسب ، ومع ذلك اندلعت شرارة الكفاح المسلح المعروفة بانتفاضة القبائل عام 1955 ، حتى سارع الانجليز بإخمادها ، ولولا موقف الامام احمد المتشكك في نوايا جمال عبد الناصر ، حين منع وصول الدعم المصري لكان من المتعين ان تتصاعد الانتفاضة وتتحول الى ثورة شعبية مسلحة !
وهكذا ما ان اندلعت ثورة 26 سبتمبر عام 1962 في شمال اليمن ، حتى كان طريق ثورة الجنوب اليمني سالكا الى عقل وضمير ودعم ثورة 23 يوليو ، ومن هنا كانت بداية العملية “صلاح الدين” التي نهضت بأعبائها القوات المصرية في اليمن ، عبر الدعم العسكري لجبهة التحرير في المرحلة الاولى، ثم تواصل الدعم المصري بعد ذلك في المرحلة الثانية منذ الاول من اكتوبر 1963 بتوجيه من جمال عبد الناصر مع حركة القوميين العرب تحت مظلة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل التي سيطرت على الساحة ، بعد ان انضمت اليها في 10 اكتوبر 1963 ، عدة تنظيمات سياسية وعسكرية ابرزها تشكيل القبائل-الجبهة الناصرية – جبهة الاصلاح اليافعية – المنظمة الثورية لأحرار جنوب اليمن المحتل، ثم انضمت اليها بعد ذلك منظمة الطلائع الثورية ومنظمة شباب المهرة – والمنظمة الثورية لشباب جنوب اليمن المحتل !
والحقيقة ان الدور المصري لم يكن مشهودا فحسب على صعيد الدعم العسكري ، لكنه امتد سياسيا عبر دور الدبلوماسي والقانوني في دعم المفاوض في الجنوب اليمني امام المحافل الدولية لنيل الاستقلال وفرض السيادة والارادة الوطنية التي تحققت في 30 نوفمبر 1967 .
الكولونيل جمال حمدي
وبعد عام من اندلاع ثورة 14 أكتوبر عام 1963 في الشطر الجنوبي من اليمن ، كان جمال عبد الناصر يقف عام 1964 في مدينة تعز وسط الحشود الشعبية العارمة التي جاءت من مختلف ربوع اليمن لتحيته والاستماع اليه ، فما ان بدأ خطابه حول الدور المصري في مواجهة تحديات العدوان التي تتربص بالثورة اليمنية ايماناً بوحدة المصير العربي .. حتى مد ذراعه وأشار بسبابته نحو الجنوب ، ثم في صوت قوي كما الرعد قال : ان على الاستعمار البريطاني ان يحمل عصاه على كتفه ويرحل من عدن !
كانت عبارة عبد الناصر لا تحتمل سوى معنى واحد مستقيم .. ايذانا بدعم مصر للثورة اليمنية الوليدة التي اندلعت منذ شهور في منطقة “ردفان” ، ونذيرا بتصعيد حرب العصابات ضد الانجليز في عدن .
لم تكن القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية في حاجة الى تكليف رسمي بتوقيع عبد الناصر للنهوض بالمهمة ، اذ سرعان ما تشكلت مجموعة عمل عسكرية ولوجستيه ومخابراتيه للاسهام في دعم ومساندة قوى الثورة في الشطر الجنوبي من اليمن ، حيث اختارت لخطة التنفيذ اسما كوديا هو “صلاح الدين” تيمنا بالبطل الاسلامي خالد ذكر صلاح الدين الايوبي محرر القدس وقاهر الصليبين ، فيما وقع الاختيار على مقر إدارة العمليات في نفس المكان الذي شهد اعلان عبد الناصر حرب التحرير ضد الانجليز على مشارف “تعز” !
فتحي الديب مسئول الشئون العربية برئاسة الجمهورية اسهم في بداية التخطيط السياسي للعملية صلاح الدين ، اذ كان له دوره السابق والمشهود في إدارة التواصل النضالي بين القوى السياسية والعسكرية والقبلية اليمنية التي كانت تتحفز لتفجير الثورة في شمال اليمن، بينما كانت له اسهاماته المشهودة من قبل في إدارة عملية الدعم السياسي والاعلامي اللوجستي الذي قدمته ثورة 23 يوليو للثورة الجزائرية ، فكان مؤهلا بحكم خبراته السياسية للتعاون مع قيادة القوات المسلحة المصرية في صنعاء – ممثلة في اللواء عزت سليمان – لوضع العملية صلاح الدين موضع التنفيذ ، وهو الذي خاض من قبل عملية اجهاض المخططات العدوانية ضد ثورة يوليو من قبل المخابرات الامريكية وجهاز “السافاك” في ايران!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.