الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الارياني – الجزء الثاني 1962م - 1967م
قراءة في كتاب*
نشر في الجمهورية يوم 26 - 04 - 2013


الإعدامات بعد الثورة ، ودور السلال فيها :
لقد كان موقف الارياني من الإعدامات التي تمت بعد الثورة مباشرة ،وبدون محاكمات بأنها ساعدت على تقوية الثورة المضادة ،وأنه حين أبرق إلى السلال يسأله عن هذه الإعدامات وأنه يبرأ من كل قطرة دم تسفك بدون حق، وأرجو أن تستفيد الثورة من تجربة ثماني وأربعين ،فقد كان قتل الإمام يحيى ومن معه السبب في قيام القبائل اليمنية بمناصرة الإمام أحمد ضد الإمام عبدالله الوزير ،الذي كان له في نفوس هذه القبائل من التقدير والحب ما كان .
وجاء جواب الرئيس السلال يقول: إننا نعدم أعداء الشعب، فأجبت عليه: أن الدم يجر إلى الدم ولا أرى خيراً ولا مصلحة في الإعدامات وفي السجن سعة ومندوحة ،ولم يرد ص22.لكن السلال في لقاء آخر مع الإرياني يحاول أن يتنصل من هذه الإعدامات ،والقول ب«أنّ ضباط الثورة يجرون ذلك بدون أمر منه ص23.الاّ أن العديد من شهادات الضباط المتواجدين في مقر قيادة الثورة بالكلية الحربية يؤكدون بأنّ الإعدامات كانت تجري بعلم السلال وأوامره !يرى الإرياني أن هذه الاعدامات والخطاب العدائي تجاه السعودية من أسباب الحرب الأهلية التي طالت ثمان سنوات ،الاّ أنه يؤكد بعد ذلك أن السعودية “كانت عازمة على محاربة كل تغيير يقوم في اليمن ولكنا كنّا نأمل أن تذعن للأمر الواقع حينما لا تجد مبررا لتدخلها يقنع العالم .ص23.ومن وجهة نظري أن السعودية لم تكن بحاجة إلى ما يقنع العالم ،خاصة وأنها قد اختارت منذ نشأتها أن تكون في صف بريطانيا ثم أمريكا ،ومع ذلك،فوجهة نظر الإرياني ، فقد كان الخطاب العدائي تجاهها من قبل البيضاني والمستفز للبريطانيين والعنصري تجاه الهاشميين قد أوجد الأرض الخصبة للثورة المضادة ،وأوجد المبرر العلني للاحتشاد ضد الثورة ،وكأنما البيضاني “يدعوهم للعمل ضد ثورة اليمن الوليدة ص24.ولعلّ اكتشاف التواصل بين البيضاني والانجليز ،ثم استدعاؤه إلى مصر عبر زوجته واعتقاله يؤكد هذا الدور الذي أشار اليه محمد علي الأسودي في مذكراته.
لقد كان البيضاني يغلف خطابه العدائي والمستفز ضد السعودية بالواجب القومي والفلسفة القومية حسب تعبير الارياني ، لكن الحقيقة تتمثل بخدمة القوى المضادة للثورة واستنزاف مصر في اليمن كما جاء على لسان الدبلوماسية الامريكية .
ولأن القبائل اليمنية في كل حرب تجد بيئتها الخصبة للارتزاق فقد طالت الحرب إلى ثمان سنوات ،فهم حين ثارت الحرب بين الادريسي والإمام يحيى ،كان منطوق خطابهم “هذا ،يعنون يحيى ،إمام المذهب ،وذلك ،يعنون الإدريسي ،إمام الذهب ،وكانوا متفقين على أن لا يسمحوا بقيام معركة حاسمة لصالح أحد الجانبين المتحاربين ،ويدعون الله أن ينصر الإمام نصف نصر ،وينصر الإدريسي بالنصف الثاني حتى تستمر الحرب ويدوم الارتزاق ص61.واستمر هذا حالهم وخطابهم في الحرب الأهلية بعد 26 سبتمبر 62م ،بل ومن وجهة نظري هو مستمر إلى ما سمي ب«ثورة الشباب 2011م» والتي استمرت لأكثر من عامين ،داعمين لسلطة علي عبد الله صالح في ميدان السبعين ،وسلطة حميد الأحمر وعلي محسن والاخوان المسلمين في الحصبة والستين ،وتوابعهما ،مستفيدين من المال السعودي والقطري ،دون أن يكون هناك نصر نهائي لطرف على طرف !.
الحكم القبلي ، واقتراح المصريين مجلساً للشيوخ :
كان الزبير “قد بلغ به حسن الظن بمشائخ القبائل كل مبلغ ،إلى حد أنه وافق على اقتراح مصري بإقامة مجلس للشيوخ يتمثل فيه كل مشائخ اليمن فيشكل مجلس شيوخ الناحية، فالقضاء ،فاللواء ،وينتخب من مجالس الألوية مجلساً أعلى يكون مقره صنعاء ويشترك في تسيير سياسة الدولة ص74.وقد كان موقف الإرياني أن هذا الاقتراح سيكرس الحكم القبلي وأنهم سيطالبون بعد ذلك بالوزارات ،وأنه يكفي أن نقرر لهم المرتبات الاّ أن المشير عبد الحكيم عامر وضع المقترح للتصويت ولم يعارض سوى الارياني ،وقد طلبوا منه صياغة القرار ،وتبليغ المشائخ “وبعد ذلك صدر القانون الخاص بتشكيل مجلس الشيوخ في 26ابريل 1963م ص74.ولقد حدث ما حذر منه الارياني ،فعند تشكيل مجلس رئاسة في 17ابريل 1963م ،كان المشائخ قد طالبوا بتمثيلهم فيه وتشكل المجلس من 33 عضواَ فيهم 13 عضوا من المشائخ !
هادي عيسى وتسريحه للحرس الوطني :
كان المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي في عدن قد قام بإرسال آلاف من المتطوعين للدفاع عن الثورة » ولكن كثيرون منهم ينقصهم التدريب على القتال وبالخاصة «في جبال الشمال الوعرة وبين قبائله الشرسة ،ولهذا فقد أصيبوا بنكسات وقدموا تضحيات “76ص.الاّ أن الحقيقة تتمثل بعنصرية بعض الضباط المسئولين على تنظيم الحرس الوطني ،والذين كانوا يرسلون المتطوعين دون تدريب مسبق ،وبعد ذلك حين تم سحب السلاح من المتطوعين وتسريحهم ،أحدث ذلك صدمة لدى المتطوعين ،ولدى قيادة المؤتمر العمالي وحزب الشعب الاشتراكي ،لكن الارياني يحل تلك الأخطاء إلى “بعض الضباط الذين لا يقدرون المسئولية .وكان المسئول عما اتخذ ضد الحرس الوطني هوالعقيد هادي عيسى رحمه الله وقد كان مسئولاً عن الكثير من الأخطاء ص76.
موقف الإرياني من الدور المصري في اليمن :
لا يختلف موقف الارياني في موقفه من الدور المصري في اليمن عن بقية مواقف أحرار 48م فهم كانوا ضد التدخل المصري ،ويرونه سبباً للتدخل السعودي ،الاّ أن موقف الارياني يتمثل بنقد التدخل في الشأن السياسي ،وكأنه يريد من المصريين أن يقدموا أرواحهم وأموالهم دون أن يكون لهم شراكة في قرار الحرب والسلم وتشكيل الوزارات ،ومجلس الرئاسة ،والعلاقات الدولية ،والتوجهات الاقتصادية ،وهو ما جعل كثيراً ممن كانوا يتبنون هذا النهج مراجعة مواقفهم عند كتابتهم لمذكراتهم ،لكن الارياني ظل متمسكاً بهذا الموقف حتى كتابته لهذه المذكرات التي تأخر نشرها بعد وفاته بسنوات ،ولا زال جزءان منها تحت الطبع !لقد كان موقف احرار 48م رفضاً مستمراً لكل الاجراءات الثورية باستثناء تمسكهم برفض بيت حميد الدين ،كموقف ثأري بسبب ما حدث لهم من سجون وإعدامات ،ما عدا ذلك فهم قوى إصلاحية وليست ثورية ،ويرون التغيير من خلال الممكن هو الأسلم ...لقد استمر الإرياني في هذه المذكرات في التشكيك في جمال عبد الناصر وسياساته ،وعن سفر البيضاني إلى عدن بعد طرده من صنعاء إلى القاهرة ،وقيامه بالسفر إلى عدن عبر المانيا ،دون علم عبد الناصر ،مع ذلك فالإرياني يعلق على خطابات البيضاني العنصرية في عدن ،وتعاونه مع الانجليز واتحاد الجنوب العربي –فيحيل تلك المواقف إلى التناقض بين الشعارات والممارسات في الدور المصري ،حتى أن جمال عبد الناصر حين طلب من زوجة البيضاني أن تذهب إلى عدن وتعمل على استدراجه إلى مصر ،واعتقاله هناك كما يرى الأسودي ،الاّ أن الارياني يفسرها بالشفقة على البيضاني وقد اشفقت عليه القاهرة ومن أجل أن يحفظوا له بعض ماء الوجه بعثوا له زوجته لإعادته إلى القاهرة ،وعند وصوله حددت إقامته في بيته مدة وانطوت صفحة المحاولة الفاشلة سوداء كالحة ص84.
الزبيري كما يصفه الارياني :
يصف القاضي الإرياني الشاعر محمد محمود الزبيري ،بأنه أبو الأحرار “والزعيم الذي لم أعرف ولن أعرف مهما طال العمر زعيما مثاليا يشبهه في إخلاصه ونزاهته واستعداده للتضحية واستعداده لأن ينسى نفسه وأهله في سبيل أن يعمل لخير وصالح الشعب وأنه كان ممن يتغنون بل ويتغزلون بمصر وبرئيسها ،ولكنه كان يتمنى أن يستطيع خدمة بلده وأن يعتمد على نفسه فتمنى على ال ج.ع.م.أن لا تتدخل عسكريا في اليمن ،بل سأل الله سبحانه أن لا يرسل ملائكته لنصرة هذا الشعب بل يمنحه النصر القائم على جهوده ،وقد كتب هذه قبل الثورة ص 77.وربما لوطال العمر بالزبيري لتراجع عن هذا الموقف الخاص بعدم التدخل العسكري المصري ،إذ لولا هذا الدعم العسكري ما كتب للثورة النجاح كما جاء بشهادة الكثيرين الذين يشاركونه هذا الرأي ومن وجهة نظري فأنا أرى، أي ثورة لا تقوم على امكانيات ابنائها يكتب لها الانكسار ،وهو الذي حدث للثورة اليمنية حين تحولت من مملكة متوكلية إلى جمهورية قبلية ،بمجرد انسحاب الجيش المصري من اليمن ،وقيام جمهورية 5 نوفمبر 1967م.
لقد حدث ما نبه إلى خطورته القاضي الارياني بسبب تشكيل مجلس شيوخ ولجنة مركزية للمشائخ،من أن ذلك سيجعلهم يطمعون بالحكم ،وهو الذي حدث حين بدأت المشاورات لتشكيل مجلس رئاسة ،وفي كل تشكيل حكومي ،فاصبحت شهيتهم مفتوحة للمال والسلطة معاً...
موقف الارياني من الدور المصري في اليمن:
لقد كان لسيطرة القيادة العربية على القرار السياسي والعسكري في اليمن أثره في نفوس أحرار 48م، فالنعمان والزبيري والارياني وعبد السلام صبره ،والفسيل وغيرهم إضافة إلى حلفائهم من المشائخ مثل عبد الله بن حسين الأحمر وسنان أبو لحوم والقوسي والرويشان... الخ – جميعهم كانوا يرون في التدخل المصري سبباً في التدخل السعودي ،بل إنهم كانوا في نقدهم للقيادة العربية أشد من نقدهم للدور السعودي ،وهذه العلاقة السلبية في تقديري انتهت بسجن العديد منهم والإقامة الجبرية لآخرين في مصر لمدة 14شهرا ،ولم يتم الإفراج عنهم ،والسماح لهم بالعودة إلى اليمن الاّ بعد هزيمة 5 حزيران 1967م.وهذه العلاقة السلبية المليئة بالشك والتخوين جعلت الارياني يؤول الكثير من مواقف عبد الناصر على أنها كانت من أجل بناء مجد شخصي ،وأن شعاراته كانت تتناقض مع ممارساته !فحين خطب جمال عبد الناصر في افتتاح السد العالي “حيا الثوار العاملين القدامى لتحرير مصر من حكم الامبراطورية العثمانية وللعاملين مع أحمد عرابي وغيره من الذين أناروا الطريق وأشعلوا شعلة الكفاح “148ص.فسر هذا الموقف من عبد الناصر بأنه”ربما دعا إليها أن الرجل قد وصل إلى قمة المجد ففترات غيرته وشعر بالأمن من التنافس فلا ضير إذاً من الاعتراف بأن ثورة 23 يوليو ليست شجرة بلا جذور نبتت على السطح ولكن جذورها عريقة ،وعميقة ضاربة في الماضي إلى منتصف القرن التاسع عشر ص148.وهذا تأويل خاطئ،لأن اعتراف ثورة يوليو وكتب عبد الناصر في “فلسفة الثورة الذي صدر بعد الثورة مباشرة يؤكدان على التواصل مع حركة أحمد عرابي ضد الانجليز والقصر ،كذلك حين يفسر الارياني قيام السادات بالطلب من الارياني إرسال رسالة للعيني مندوب اليمن في الأمم المتحدة ،كي يثير موضوع الجنوب اليمني المحتل ،فيقول “ومع أني شعرت بأن الموضوع مصطنع وأن الغرض منه أن يخلو وجه الرئيس خرتشوف للرؤساء ص150،فلقد انشغل خرتشوف بالارياني عن بقية الضيوف من رؤساء الدول العربية والأجنبية ،ومع ذلك كان تفسيره لهذا التصرف الذي يحافظ على البروتوكولات بأنه “مليء برواسب العبودية للفرد ص150.
إن موقف القاضي الإرياني من الإمام أحمد والرئيس جمال عبد الناصر فيه من الضغينة الشخصية الشيء الكثير ،فهو حين يتحدث عن الإمام أحمد يصوره كسفاح ،غريب الأطوار ،محب للدماء ،وحين يتطرق إلى استخدام الإمام أحمد للمورفين لا يوضح للقارئ بأن إدمان الإمام له كان بسبب وصفة طبية ،ولطول التداوي به أصبح بحاجة إلى التداوي من إدمانه ،ولهذا كان سفره عام 59م للعلاج من الأمراض ومن ضمنها الإدمان على المورفين ...
وأما بالنسبة للإرياني والمصريين فإنه ما ترك فرصة في الكتاب لتحميل المصريين الوزر الأكبر في الحرب الأهلية في اليمن ،لأنهم برأي الارياني كانت لهم أهداف أخرى غير تحرير اليمنيين من حكم الإمامة ،وإنما إسقاط ملك آل سعود ،وأن بقاء الملكيين والإمام البدر كان يلبي أهداف مصر في البقاء باليمن من أجل إسقاط الحكم في السعودية ،بحسب الدراسة النقدية للقاضي الارياني التي يشرح فيها أوضاع اليمن والمشاكل التي مرت بها كنقد ذاتي ،وكذلك جاءت دراسة لمطهربن علي الإرياني لتؤكد ما ذهب إليه القاضي من أن دور المصريين في عدم اعتماد اليمنيين على انفسهم ،والتي كان من أهدافهم حسب زعم مطهر الإرياني “إضعاف الحكومة وإرباك الأوضاع ص188.فالصراع من وجهة نظره لم يعد يمنيا وإنما “مصري سعودي”انظر من 191-185ص.يفسر القاضي الارياني كل موقف ولو كان عفوياً على أنه سياسة مصرية في اليمن ،فالرئيس السلال حين القى كلمة في الصين كان قد أعدها له المستشار المصري أحمد فؤاد أبو العيون «وعند كلامه عن الجنوب كتبه بلفظ الجنوب «العربي»وهكذا نطقها السلال مع الأسف ص162.» فغلطة الرئيس كانت عن عمد أوقعه فيها المستشار المصري أحمد فؤاد أبو العيون عن عمد لأن سياسة ال ج.ع.م.كانت تريد لها هذه التسمية “بل إن الارياني يتهم السلال بأنه نطق بالكلمة حتى “يثبت ولاءه للسياسة المصرية حتى ولو كانت ضد مصلحة اليمنص163.وتناسى الارياني أن مصر ما قبل ثورة يوليو كانت محتلة من الانجليز ،وأن المصريين قد اعتادوا بفعل التضليل البريطاني على تسمية جنوب اليمن بالجنوب العربي “ويمكن للقارئ أن يعود إلى مذكرات اللواء علي محمد صلاح ،حين قاطع الاستاذ في الكلية الحربية بسبب تسميته للجنوب الجنوب العربي ،فطرده الاستاذ ،وعلمت إدارة الكلية فاتخذت عقوبة ضد الاستاذ واعتذرت من علي محمد صلاح وقدرت غيرته الوطنية .
الإرياني وموقفه من الأسودي وعبد الغني مطهر ،وعبد القوي حاميم :
يرى الإرياني في بعض الشخصيات الوطنية ومنها عبد الغني مطهر ،والأسودي ،وعبد القوي حاميم بأنها ليست بذات رصيد وطني وأنها تستمد نفوذها من خلال تواصلهم مع القيادة العربية ،بل وكتابة التقارير لها !ويصل إلى حد أتهامها هي والقيادة المصرية بتشجيع النعرات الطائفية والعمل على انفصال تعز عن الجمهورية العربية اليمنية والانضمام إلى الجنوب المحتل ،وهو يرى أن التسلط ليس زيدياً على المناطق الشافعية “وإذا أردنا التحليل السليم والتسمية الصحيحة فإن التسلط كان إقليمياً فصنعاء وما حولها من القبائل وما وراءها من المناطق شمالاً كانوا هم أنصار الأئمة وجنودهم الأثيرين ،وما عدا القبائل اليمنية المنتمية إلى حاشد وبكيل من القبائل التي في جنوب صنعاء فإنها لا تختلف من حيث الاستئثار عليها وعدم الاهتمام بأبناء ما كان يطلق عليه اسم اليمن الأسفل ومنها المناطق الوسطى مع أنهم جميعاً من الطائفة الزيدية .ص193.لكن القاضي عبد الرحمن ينسى أن بيت الإرياني كانوا شركاء الأئمة في الحكم من خلال القضاء سواء في المحاكم الاستئنافية ،أو محاكم الألوية ،والقضوات ،والنواحي ...ويدلل القاضي الارياني على استثارة أمين عبد الواسع نعمان للعاطفة الطائفية حين تم عزله كمحافظ لتعز ،وتعيين الشيخ مطيع عبد الله دماج بدلاً عنه ،وكيف كانت الفتنة الطائفية ستقع بسبب تشجيع المقدم صفوت محمد عبد الله القائد العربي بتعز ،حين أمر العمري بتحريك بعض سرايا الجيش من صنعاء إلى تعز لدعم المحافظ الجديد ،لولا تهديد القائد العربي صفوت بأنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي ،وأن مجيء اربعمائة جندي من صنعاء سيفجر الوضع ،وقد كان الإرياني مع دعم مطيع دماج ،وعدم التراجع عن عزل أمين نعمان طالما وقد استثارها أمين نعمان طائفياً ليبقى محافظا !وهنا يدين القاضي مصر بأنها تعمل على تشجيع النعرات الطائفية .انظر من ص 193-194.ويغيب عن ذهنه ربما بسبب شدة خصومته مع عبد الناصر ،أن الكثير من قيادات الجيش العربي في اليمن هم من أبناء العهد الملكي بمصر ممن تضرروا من ثورة يوليو ،والذين فقدت أسرهم الكثير من الامتيازات ،مما جعلهم يكيدون لثورة يوليو من خلال الكثير من التصرفات التي تخدم الاستعمار البريطاني في الجنوب والمملكة السعودية في الشمال ،ولذلك أثرى الكثير منهم من حرب اليمن !يصف الإرياني عبد الغني مطهر والأسودي بقوله “كما تضامن معنا الأخوان عبد الغني مطهر ومحمد علي الأسودي وانسحبوا إلى تعز .وكان ضيق الأخيرين من السلال هو الذي جرهما إلينا وإن كانا من السائرين في ركاب ال ج.ع.م.ومن ذلك يستمدان قيمتهما ص206.وفي هذا القول إجحاف وبخس لدورهما قبل الثورة وأثنائها في دعم النضال الوطني ،والعمل على إسقاط الحكم الإمامي بالمال والتنظيم ...يشير الإرياني مرات عديدة إلى قيام المصريين بالتصدي لأي محاولة “تبذل لإنشاء وإعداد الجيش اليمني .ومن أغرب حججهم أن اليمني لا يصلح للجندية المنضبطة لعدم تعوده على النظام ،كما أن اليمني غدار بطبعه هكذا قالوا ص210.وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال :لماذ خالف المصريون هذه القاعدة حين عملوا على إنشاء لواء الثورة ،والمجد ،وقوات الصاعقة والمظلات والمشاة والمدفعية وغيرها من القوات اليمنية إذا كان هذا تصورهم ،وهي القوات التي صمدت في حصار السبعين يوما ،سواء في صنعاء ،أو في حجة ،هذا يعني أن القاضي الإرياني مبالغ في طرحه !
ثم إن تصفية هذا الجيش بعد أحداث أغسطس ،وفي عهد رئاسة القاضي الإرياني ما يجعل وجهة نظره المقصود بها بناء الجيش الشعبي ،المكون من القبائل ،فهم جيش اليمن الذي يراهن عليه ،وليس هذه القوات التي تمت تصفيتها التزاماً بمخطط سعودي بالاتفاق مع مشائخ الجيش الشعبي وكبار الضباط اليمنيين ، من أجل الوصول إلى مصالحة مع الملكيين وتفريغ الجمهورية من مضمونها.
لقد كان كل من النعمان والإرياني ومحمد علي عثمان يرون في الشباب القومي بأنهم مجرد ببغاءات يرددون ما يملى عليهم .
يصف الإرياني هزيمة 5 حزيران 1967م التي منيت بها مصر والأمة العربية ب”المأسوف «عليها» حسب تعبيره،وأنها كانت نتيجة لاستفزاز عبد الناصر لامريكا وقوله لها “إذا كانت سياستنا لا تعجب امريكا فليشربوا من ماء البحر .وإذا لم يوافقهم ماء البحر الابيض فليشربوامن البحر الأحمر ،وأن سياسته صريحة وواضحة وأنه سيساعد كل الثورات التحررية .وقدكانت هذه الخطبة الصريحة والمتحدية وما لحقها من الخطابات من أسباب ما مني به العرب من النكبة والهزيمة في 1967م ولم تعد هذه المواقف المتحدية على مصر والبلاد العربية بأي فائدة ص214.
غياب الدولة :
يتحدث الإرياني في أكثر من موضع عن غياب الدولة خلال عهد السلال ،ويشير إلى مواجهة تمت بين الشيخ علي بن ناجي القوسي والسلال ثم اعقبها مباشرة رفع السلاح من الشيخ سنان بوجه السلال بعد أن “تبادلا الشتائم واستدعى الحرس لاعتقاله وتكهرب الجو ،وانحاز الشيخ سنان بسلاحه وكان يعد نفسه لقتل الرئيس ،إذا حاول الحرس القبض عليه ص241.ومما يشير إلى غياب الدولة أن الشيخ علي محسن باشا يطلب من الإرياني “سوق الواجبات في اللواء عيناً فأجبت عليه بالموافقة ص216.رغم أن الارياني كان يومها قد قدم استقالته ،ويعلق في الهامش “هكذا جاءت في اليوميات ،وهو يلفت النظر إلى أننا كنا ونحن مستقيلون نصدر أوامر ينفذها المختصون وفي هذا ما يثبت ضعف الحكومة ص226.
عن الشباب القومي :
يصف الارياني الشباب القومي المتواجدين في تعز بأنهم كانوا يقومون بالمظاهرات ويتخذون المواقف بحسب ما يملى عليهم من القيادة العربية بتعز “ذهبنا معا إلى الاستاذ النعمان وكان لديه بعض الشباب القومي الذين يعتبرون المرآة العاكسة لآراء القيادة العربية ،واشتركنا في الحديث وقلنا لهم لا صحة لما يشاع من العملاء عن كراهيتنا لمشاركة الشباب في الحكم بل العكس هو الصحيح ،فنحن الذين اقترحنا عند وصول المشير عامر تشكيل حكومة من الشباب المثقف كما جاء في حيثيات استقالتنا أن هناك من يعمل على ابعاد الشباب بشتى المعاذير والتهم .وأوضحنا لهم أنه لا يوجد أي عداء شخصي بيننا وبين العمري ،بل بيننا وبينه مودة وإخاء وزمالة حبس طويل ،ولكننا آثرنا المصلحة العامة عليه وعلى الصداقة والأخوة .وقال أحدهم ،عبد الرحمن محمد سعيد ،إن المشكلة ليست العمري ولا السلال ،فذكرته أنهم إلى قبل أيام كانوا يقولون إن العمري والسلال هما أساس الفساد ومبعث المشاكل ،ولكن العمري بعد أن تعمد من القاهرة أصبح رجل الساعة فما عدا مما بدا .وهكذا فإنهم ،أعني هذا الصنف من الشباب ،ليس لهم رأي مستقل وإنما رأيهم رأي القاهرة ويتغيردائما بتغيره.
يقول ما قالا له كما تقول الببغاء
ولما قلنا له فما الحل في رأي الشباب ؟أجاب أن المشكلة تحتاج إلى جهود جبارة ولم يزد على ذلك ص232.
يشير الارياني إلى العداء الخفي بين محمد علي عثمان وآل نعمان “ولم أكن مرتاحا لما لمسته من عداء خفي غير واضح السبب بين الشيخ محمد علي والشيخ أمين نعمان وآل نعمان ،ولعلّ التنافس على الزعامة في المنطقة هو السبب ص236.
*مذكرات الرئيس القاضي عبد الرحمن بن يحيى الإرياني –الجزء الأول 1910 1962-م-الطبعة الأولى –مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب-2013م،و يقع الجزء الأول منه في 591 صفحة من القطع الكبير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.