صنعاء ترد على تهديدات نتنياهو وكاتس    اليمن يتوعد الكيان المؤقت بما هو أشدّ وأنكى    ترامب يعلن تنفيذ ضربات "فتاكة" ضد تنظيم القاعدة بنيجيريا    بين حقّ الحركة وحفظ التوازن: المجلس الانتقالي في قلب المعادلة الإقليمية لا على هامشها    غدر في الهضبة وحسم في وادي نحب.. النخبة الحضرمية تفشل كمين بن حبريش وتسحق معسكر تمرده    ما بعد تحرير حضرموت ليس كما قبله    صرخة في وجه الطغيان: "آل قطران" ليسوا أرقاماً في سرداب النسيان!    كتاب جديد لعلوان الجيلاني يوثق سيرة أحد أعلام التصوف في اليمن    أبو الغيط يجدد الموقف العربي الملتزم بوحدة اليمن ودعم الحكومة الشرعية    البنك المركزي بصنعاء يحذر من شركة وكيانات وهمية تمارس أنشطة احتيالية    الكويت تؤكد أهمية تضافر الجهود الإقليمية والدولية لحفظ وحدة وسيادة اليمن    صنعاء.. تشييع جثامين خمسة ضباط برتب عليا قضوا في عمليات «إسناد غزة»    صنعاء توجه بتخصيص باصات للنساء وسط انتقادات ورفض ناشطين    وطن الحزن.. حين يصير الألم هوية    فقيد الوطن و الساحة الفنية الدكتور علوي عبدالله طاهر    حريق يلتهم مستودع طاقة شمسية في المكلا    حضرموت تكسر ظهر اقتصاد الإعاشة: يصرخ لصوص الوحدة حين يقترب الجنوب من نفطه    القائم بأعمال وزير الاقتصاد يزور عددا من المصانع العاملة والمتعثرة    البنك المركزي اليمني يحذّر من التعامل مع "كيو نت" والكيانات الوهمية الأخرى    توتر جديد بين مرتزقة العدوان: اشتباكات مستمرة في حضرموت    الرشيد تعز يعتلي صدارة المجموعة الرابعة بعد فوزه على السد مأرب في دوري الدرجة الثانية    الأحزاب ترحب بالبيان السعودي وتعتبر انسحاب الانتقالي جوهر المعالجة المطلوبة    لحج.. تخرج الدفعة الأولى من معلمي المعهد العالي للمعلمين بلبعوس.    هيئة التأمينات تعلن صرف نصف معاش للمتقاعدين المدنيين    مدرسة الإمام علي تحرز المركز الأول في مسابقة القرآن الكريم لطلاب الصف الأول الأساسي    المحرّمي يؤكد أهمية الشراكة مع القطاع الخاص لتعزيز الاقتصاد وضمان استقرار الأسواق    صنعاء تحتفل بتوطين زراعة القوقعة لأول مرة في اليمن    3923 خريجاً يؤدون امتحان مزاولة المهنة بصنعاء للعام 2025    صدور كتاب جديد يكشف تحولات اليمن الإقليمية بين التكامل والتبعية    بالفيديو .. وزارة الداخلية تعلن دعمها الكامل لتحركات المجلس الانتقالي وتطالب الرئيس الزبيدي بإعلان دولة الجنوب العربي    ميسي يتربّع على قمة رياضيي القرن ال21    استثمار سعودي - أوروبي لتطوير حلول طويلة الأمد لتخزين الطاقة    الأميّة المرورية.. خطر صامت يفتك بالطرق وأرواح الناس    أرسنال يهزم كريستال بالاس بعد 16 ركلة ترجيح ويتأهل إلى نصف نهائي كأس الرابطة    تركيا تدق ناقوس الخطر.. 15 مليون مدمن    نيجيريا.. قتلى وجرحى بانفجار "عبوة ناسفة" استهدفت جامع    سلامة قلبك يا حاشد    المدير التنفيذي للجمعية اليمنية للإعلام الرياضي بشير سنان يكرم الزملاء المصوّرين الصحفيين الذين شاركوا في تغطية بطولات كبرى أُقيمت في دولة قطر عام 2025    الصحفي المتخصص بالإعلام الاقتصادي نجيب إسماعيل نجيب العدوفي ..    الجزائر تفتتح مشوارها بأمم إفريقيا بفوز ساحق على السودان"    تعود لاكثر من 300 عام : اكتشاف قبور اثرية وتحديد هويتها في ذمار    ضبط محطات غير قانونية لتكرير المشتقات النفطية في الخشعة بحضرموت    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل في مشروع سد حسان بمحافظة أبين    الحديدة تدشن فعاليات جمعة رجب بلقاء موسع يجمع العلماء والقيادات    هيئة الزكاة تدشن برامج صحية واجتماعية جديدة في صعدة    "أهازيج البراعم".. إصدار شعري جديد للأطفال يصدر في صنعاء    دور الهيئة النسائية في ترسيخ قيم "جمعة رجب" وحماية المجتمع من طمس الهوية    تحذير طبي برودة القدمين المستمرة تنذر بأمراض خطيرة    تضامن حضرموت يواجه مساء اليوم النهضة العماني في كأس الخليج للأندية    الفواكه المجففة تمنح الطاقة والدفء في الشتاء    تكريم الفائزات ببطولة الرماية المفتوحة في صنعاء    هيئة المواصفات والمقاييس تحذر من منتج حليب أطفال ملوث ببكتيريا خطرة    تحذيرات طبية من خطورة تجمعات مياه المجاري في عدد من الأحياء بمدينة إب    مرض الفشل الكلوي (33)    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    بنات الحاج أحمد عبدالله الشيباني يستصرخن القبائل والمشايخ وسلطات الدولة ووجاهات اليمن لرفع الظلم وإنصافهن من أخيهن عبدالكريم    لملس والعاقل يدشنان مهرجان عدن الدولي للشعوب والتراث    تحرير حضرموت: اللطمة التي أفقدت قوى الاحتلال صوابها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعون زيارة وألف حكاية ورواية الحلق31
اليمن واهل اليمن
نشر في الجمهورية يوم 20 - 07 - 2008

علي عبدالله صالح نجح بالصبر والمرونة في كسب زعامات الحزب الاشتراكي لمعالجة قضية الوحدةالكل مغلوب
لم تسفر احداث 13 يناير 1986 المشئومة عن غالب ومغلوب .. الجميع كانوا مغلوبين ، والجميع شاركوا في تمزيق نسيج الوحدة الوطنية ، وفي عمليات الانتقام والصراعات والتصفيات الجسدية بلا نهاية ، ورغم الادعاء بالانتماء القومي على الصعيد الفكري ، الا ان الطفولة اليسارية جنحت بالنظام في اليمن الديمقراطي بعيدا عن مرافئ العروبة ، والولوج طوعا الي متاهات التحالفات الخارجية الماركسية الي حد تسمية العديد من الشوارع والمؤسسات باسماء القيادات الماركسية ، وحتى علم البلاد لم ينجُ للاسف من هذا الشطط !
ولاشك ان علي ناصر نال جزاءه الفادح لدوره المقدر في محاولة فتح مغاليق العلاقات مع الاشقاء العرب في دول الجوار ، اذ في عهده شهدت الحدود والعلاقات المشتركة مع سلطنة عمان ومع السعودية هدوءا واستقرارا ملحوظاً لاول مرة منذ حقبة من الزمان ، ولعله نفس الدور والجزاء الذي كان من نصيب سالم ربيع علي ووزير خارجيته محمد سالم مطيع ، ثم ان علي ناصر كان على منوال سالم ربيع علي وابراهيم الحمدي في تمهيد الطريق وتهدئة الصراعات السياسية بين الشطرين لانجاز الوحدة اليمنية ، ولعل هذا التواصل القومي كان وراء شبكة العلاقات الحميمة التي ربطت بين علي ناصر ومعظم القيادات والزعامات اليمنية والعربية بلا استثناء ، وهو ما يفسر ترحيبها بمساعدته بعد ان غادر السلطة، ومبادراتها لدعمه ماديا بعد ان جمد نشاطه السياسي وتفرغ لادارة “المركز العربي للدراسات الاستراتيجية “ بتمويل قدره 26 مليون دولار ، حيث تخصص المركز في سد النقص الخطير الذي يواجه صناع القرار في المنطقة العربية ، سواء عبر توفير الوثائق والبيانات ونتائج الدراسات التكاملية ، والاسهام عبر شبكة معلومات واسعة عربيا ودوليا في وضع الخطط وصياغة الاستراتيجيات القومية !
اذكر بالمناسبة ان علي ناصر حين نزح ومعه انصاره من المدنيين والعسكريين بكامل اسلحتهم الى شمال اليمن ، لم يمانع الرئيس علي عبد الله صالح في محاولته استعادة السلطة ، لكنه بعد ان اعاد دراسة وتقييم الموقف من مختلف زواياه ، اختار القبول بالامر الواقع ، ووقف الخسائر البشرية والمادية عند هذا الحد ، ووجه باستيعاب العسكريين من انصاره بالقوات المسلحة في شمال اليمن ، وهي قد لعبت دورها في اجهاض المؤامرة الانفصالية صيف عام 1994 .
اذكر كذلك عندما قمت بزيارته في المقر الذي قدمه له علي عبد الله صالح في صنعاء وحوله طاقم حراسة مسلحة تحت امرة ضابط من ردفان اذكر ان اسمه قاسم معوضة ، وكذا عشرات الصحفيين العرب والاجانب ، لكنه رفض ان يتورط في الهجوم المضاد على النظام الجديد في عدن وسمعته يردد بيتا من الشعر حول من تلقي به المقادر الى حكم اليمن :
واتعس الناس في الدنيا وانكدها
من يركب الليث او من يحكم اليمن
وخلال زيارات العمل والتقائه بالباحثين والمفكرين المصريين لشئون تخص المركز العربي للدراسات الاستراتيجية ، كنت القاه كثيرا وبدون موعد وهو يسرع وزوجته السعودية الخطى على “التراك” الدائري في نادي الصيد بالدقي ، ونجلس دائما ونتحاور ، ثم يتذكر نصيحة سمعها من الرئيس عبد الله السلال حول الثلاثية الذهبية التي تؤمن للانسان الحياة السعيدة وتكمن في الصحة والتفاؤل والرضا بقضاء الله .. وأذكر انه قال لي : عملا بهذا المثل لم احزن لحرق منزلي في ابين بقدر حزني على ما جرته احداث 13 يناير 1986 من نكبات .
ثم اذكر له اخيرا تلك الندوة السياسية والفكرية القيمة التي دعا لها في مقر الجامعة العربية بالقاهرة وادار جلساتها محسن العيني ، وكان موضوعها عن زخم الدعم السياسي والعسكري والحضاري الذي قدمته مصر عبد الناصر لثورة اليمن في الشمال ثم في الجنوب، حيث حظيت لحسن الحظ بتقديم بحث ميداني اقرب الى الشهادة الصحفية حول هذا الدور .
محمد على الجفرى .. هل كان على حق؟
كنت في حيرة ازاء منح مصر الناصرية حق اللجوء السياسي بكل استحقاقاته المادية والادبية والسياسية للمرحوم علي الجفري ، رغم ما كان يتردد بالحق او بالباطل عن رجعيته تاره ، او حدبه تاره اخري على وحدة او فصل الجنوب اليمني عن الوطن الام ، لكن على الرغم من الاختلاف البين في التوجهات السياسية القومية ، اشهد ان الرجل على المستوي الاجتماعي والاخلاقي ظل اهلا للصداقة والمحبة كأي “جنتلمان” متحضر!
محمد علي الجفري زعيم رابطة ابناء الجنوب التي طرحت نفسها حزبا منافسا للاحزاب القديمة والحديثة في حلبة الديمقراطية والتعددية السياسية اثر قيام الوحدة اليمنية، كان يتسم بالمودة وعشق المؤانسة والحوار حتى مع ألد الخصوم ، فهو قد ولد في اسرة حضرمية ثرية ومتدينة ، ثم شب عن الطوق في ظل الحكم البريطاني ووسط مجتمع من السلطنات والمشيخات القبلية الموغلة في التخلف ، وتربى في سهول “العوالق” وتعلم في المدارس الدينية في “حضرموت” ، ثم في الازهر الشريف بالقاهرة .. وبعدها شق طريقه الى حلبة السياسة داعيا الى استقلال ووحدة الجنوب اليمني ، ولعله من هنا كان تحديد اقامته اولا في “دار سعد” ثم نفيه بعد ذلك الى خارج الوطن !
كانت لدى الجفري خبرة لا تبارى في معرفة قبائل وشيوخ الجنوب اليمني والادراك الواعي بأنسابها وتقاليدها واعرافها ومذاهبها الدينية ، ومن هنا كان نقده المرير لتجاوزات الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي في التعامل مع الخصوميات القبلية ، سواء بالقوة او بالالغاء الفوقي لمراحل التطور الاجتماعي ، وهو قد اسس لفكرتة وتوجهاته السياسية على قاعدة توحيد اشطار الجنوب اليمني ، بدعوى التشابه او التماسك في انظمتها القبلية الموروثة، ثم انظمتها الادارية التي تخلفت عن عهود الاستعمار ، دون ان يسعفه الخيال السياسي لتجاوز مرحلة النضال السلمي المأمون العواقب نسبيا والولوج الى ساحة النضال المسلح وكلفته الباهظة !
ثم مضي نحو ما يزيد عن اربعين عاما علي معرفتي لاول مرة بالمرحوم محمد علي الجفري ، وما زلت اتذكر جلساتنا الموحية في مقاهي ومنتديات القاهرة مع ابناء اليمن ومع النخب المصرية ، والحديث يدور دورته حول قضايا اليمن وهموم الوطن والادب والشعر .
اتذكره في سهراتنا المسائية شبه اليومية وهو يمارس الحوار وايات ظرفه وذكرياته العذبة في كافتيريا “داي اندنايت” سميراميس القديم ونحن نتحلق حول استاذنا الكاتب الشاعر الظريف كامل الشناوي ، ودائما كان بصحبته بعض من افراد اسرته وبينهم المرحوم عبد الله الجفري وعبد الرحمن الجفري وعدد من زعامات رابطة ابناء الجنوب اذكر منهم شيخان الحبشي والامير علي عبد الكريم العبدلي سلطان لحج السابق وعبد القوي مكاوي رئيس جبهة التحرير ، ومن العرب الكاتب الصحفي المصري المرحوم وجيه ابو ذكري ، وحسين الحلاق المناضل السوري والشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي والاخضر الابراهيمي سفير الجزائر .. وحتى رحل الجفري عن القاهرة الى بغداد حيث وافاه الاجل عام 1980م !
ولعلي اتساءل الان في ضوء التقلبات والصراعات السياسية والتصفيات الجسدية التي علقت بتجربة الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي في حكم اليمن الديمقراطي ، فيما اذا كنا على حق وغيري كثر في اغلاق الابواب امام الطرح السياسي الاخر الذي كان يمثله محمد علي الجفري ، واتهامه جزافا بالرجعية او الخيانة ، دون ان نحسب له سبق الريادة الوطنية في مقاومة التوغل البريطاني في المناطق اليمنية الجنوبية التي لم تكن قد رزحت بعد تحت نير الاستعمار ، والتصدي للنعرات الانفصالية في المحميات ، وكذا محاولات طمس عروبة المنطقة واغراقها بالهجرات الاجنبية ، وكذا المحاولة المشبوهة الرامية لسيادة اللغة الانجليزية في المعاملات الرسمية كما هو الحال في الهند ، الى ذلك كانت معارضة الرابطة لمشروع الاتحاد الفيدرالي للجنوب بالتزامن مع منح عدن الحكم الذاتي خلال اعوام 54 ، 55 ، 56 ، 1958 ، وكذا مشروع البترول عام 1956 .
ثم يحسب للرابطة ان نضالها السياسي السلمي على هذا الصعيد بدأ في خمسينيات القرن الماضي قبل ثورة 23 يوليو في مصر ، وقبل تبني الكفاح المسلح كأداة لتفجير الثورة في شمال وجنوب اليمن ، ثم لماذا نهيل التراب على مواقف بعض السلاطين الجنوب من امثال السلطان الفضيلي والامير جعبل ابن حسن العوذلي والامير علي عبد الكريم ودورهم معروف ومشهود في فضح السياسات الاستعمارية ، ثم نفيهم قسرا او اختياراً الى الخارج ، حيث واصلوا كفاحهم الوطني من القاهرة ، أليس من الاهمية والمصداقية التاريخية ، رصد وتقييم مواقفهم ومالهم وما عليهم في ضوء الظروف الموضوعية في ذلك الزمان ؟
التنافس بين الرأسمالية والاشتراكية
منذ اندلاع الحرب الاهلية بين شطري اليمن عام 1972 وتوقيع اتفاقية الوحدة في القاهرة ، عقدت في اعقابها كم من الاتفاقيات جمعت بين زعامات النظامين في صنعاء وعدن تحت شعار انجاز الوحدة اليمنية دون طائل ، حتى نجح الرئيس علي عبد الله صالح بالصبر والمرونة في كسب زعامات الحزب الاشتراكي الحاكم في الجنوب حيث بدأ التغيير الملحوظ في أسلوب معالجة قضية الوحدة ، وهكذا في 13 يونيو 1980 تم عقد اتفاقية بين الشطرين استهدفت دفع العمل في لجان الوحدة ، وتهيئة الاجواء السياسية والشعبية للمضي قدما في انجازها ، عبر توفير سبل الامن والاستقرار الذي يمكن المواطنين من حرية الانتقال بين الشطرين ، وضبط العملية الامنية التي حالت دون أي نشاط مناهض لثورتي سبتمبر واكتوبر ، بل الى حد وضع خطة مشتركة للدفاع عن التراب اليمني وسيادته الوطنية .. وبعدها وقعت اتفاقية نوفمبر 1981 خلال أول زيارة للرئيس علي عبد الله صالح الى عدن ، فكان لها دور ملموس في التنسيق والتوحيد الشامل في مختلف المجالات الثقافية والدبلوماسية والتنموية ، وقيام المجلس اليمني الاعلى الذي يضم القيادة السياسية في الشطرين !
بعدها ثارت الخلافات وكادت تؤدي الى الحرب الاهلية اثر اكتشاف الثروات النفطية في الشطرين وبالتزامن مع توقف الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي كان يتلقاه نظام الحزب الاشتراكي في الجنوب اثر انهيار الاتحاد السوفيتي ، والانعكاسات السلبية لنهج البريسترويكا على اليمن .. ولاشك ان كل هذه العوامل وغيرها كان لها دور وراء تسارع خطى الوحدة !
ورغم ان برنامج الاصلاح السياسي والاقتصادي الذي تبناه الحزب الاشتراكي اليمني في الشطر الجنوبي كان سابقا لنهج البريسترويكا لكن ظلت المشكلة كامنة في التمويل الذي كان من المتعين ان تسهم فيه المنظومة الاشتراكية بنصيب وافر . .من هنا السؤال ان كان الحزب الاشتراكي قد انخرط في غمار الوحدة اليمنية كمهرب الى الامام من مأزقه السياسي ؟
والمعروف انه كان من المقرر اعلان الوحدة في 30 نوفمبر 1990 .. لكن باختصار المدة ستة شهور كاملة اوحي وكأن اخطارا داهمة كانت تتهدد قيامها ، اذ ان إلحاح الشعب من جهة واندفاع لجان الوحدة لانجاز اعمالها بحس وطني ودأب وتجرد كان من العوامل الضاغطة التي عجلت بموعد اعلانها ومن حسن الحظ انه لو لم تتوحد رؤي ومواقف الزعامات في صنعاء وعدن ، لما كان للظروف الكارثية التي طرأت على الوطن العربي وبينها ازمة الخليج تسمح بتحقيق الوحدة اليمنية في موعدها . .كذلك لولا حل مشكلة قيادة دولة الوحدة ومشكلة التنافس او المفاضلة بين تجربة النظام الاشتراكي في الجنوب والنظام الرأسمالي في الشمال .. لما كان من السهل التحرك خطوة واحدة لانجاز اهداف الثورة اليمنية الثالثة .. اعني نهاية عهود التجزئة والتشطير واعلان الوحدة اليمنية !
كانت لدى الحزب الاشتراكي اليمني في الشطر الجنوبي – سابقا – قناعة جسدها في برنامجه بأن القضية الوطنية ووحدة البلاد ليس في مقدور الحزب وحده ان يحلها منفردا ، لكن باتاحة اوسع فرص المشاركة السياسية لمختلف الفصائل الحزبية الديمقراطية والوطنية..ومن ثم فرضت التعددية السياسية نفسها على ساحة العمل الوحدوي .. بينما كان الشمال والجنوب يمارسان صيغة الحزب الواحد والحكم الواحد وكل شئ احادي ، ومن ثم كان من المتعين ان يتخلي الجميع عن هذا المنهج في اطار معطيات العصر ومتغيراته وهكذا بات الشروع في أي خطوات جادة من شأنها ان تمهد الطريق لبناء الوحدة ومعالجة قضاياها..وبصراحة فان السنوات الطويلة السابقة كانت كلها مشاكل ورواسب سلبية بين النظامين ، ولم يكن هناك ثمة امكانية لتطور أي منهما منفصلا ، ولذلك فان الوحدة كانت طوق النجاة للجميع ، خاصة انه لم يتم أي تطور رأسمالي يذكر في الشمال ، كما لم يكن هناك تطور اشتراكي في الجنوب فكان لا مفر اذن من تخلي النظامين عن تلك الاداعاءات حتي يمكن التحرك وصولا الى رؤية مشتركة ومتكاملة بشأن مستقبل الوطن وصيغة الحكم الوحدودي !
واذا كان شطرا اليمن يتبنيان ايديولوجيات مختلفة وكان هناك اقتصاد مخطط في الجنوب واقتصاد حرفي الشمال .. ولكل نظام حزب مختلف في توجهاته وبرامجه واساليبه السياسية لذلك كان الحل التوفيقي الذي تبناه ودعا اليه الدكتور عبد الكريم الايرياني في قيام الوحدة عبر اطار من التحالف بين الحزبين بينما كان البعض من اليمنيين يخشي ان يكون قيام الوحدة مجرد فوره شعبية وحماس القيادتين السياسيتين .
وربما كانت لهذه المخاوف وجاهتها ، لكن من الناحية العملية ، كانت الشواهد تشير الى ان الكلام عن الوحدة ظل مجرد عبارة تتسم بالمناورات والتكتيكات العقيمة ، ولم تخرج الى مجال الموقف العملي الصادق ، وبهذه الروح الوطنية المتجردة الا في 30 نوفمبر 1989، بعدها لم يتمسك الحزب الاشتراكي اليمني او حزب مؤتمر الشعب العام بأيديولوجياته السابقة وسعيه للاستئثار بالسلطة ، حيث فرضت التحالفات السياسية والاجتماعية صيغة سياسية جديدة لتطوير اليمن وبناء الوحدة علي اساس ديمقراطي وطني شامل .
ولاشك ان قيام دولة الوحدة استعدى عليها قوى داخلية وخارجية عديدة ، سلفية وماركسية ورجعية .. وهناك دول عربية تجاهلت هذا الحدث .. ثم جاءت ازمة الخليج تعكس تداعياتها السلبية على عملية بناء الوحدة اليمنية .. ومع ذلك ظل الرهان والضمان الحقيقي لبناء الوحدة اليمنية وديمومتها وتنامي اشعاعاتها السياسية والحضارية ، يكمن في وحدة القيادة السياسية المشتركة لمسيرتها ، وتماسك نسيج الوحدة الوطنية في خضم التحديات التي تواجهها من خصومها في الداخل ومن الخارج .
ولاشك كذلك ان اخطر هذه التحديات كان الوضع الاقتصادي الصعب ، خزانة الدولة في الشطر الجنوبي السابق كانت مفلسه من أي دولار او ريال عندما اندمجت في دولة الوحدة الجديدة ، بل وكان على ميزانية دولة الوحدة ان تفي بعبء مرتبات الموظفين والقوات المسلحة وقوات الامن في الشطر الجنوبي السابق ، ثم كانت الطامة الكبري في عودة نحو مليون ونصف يمني من العاملين في السعودية ودول الخليج ، وانقطاع تحويلاتهم من العملة الصعبة من جهة وتفاقم ازمة البطالة من جهة ثانية ، وتوقف الدعم العربي والدولي لليمن بسبب موقفه المنحاز الى حل ازمة الخليج سلميا وعربيا ، وتجنب حلها عسكريا وامريكيا عبر التحالف الدولي !
افتتاح النفق الصيني
يوم توجه الرئيس علي عبد الله صالح الى عدن وفي صحبته وفد رسمي وشعبي ضخم للمشاركة في الاحتفال بالذكري الثامنة عشرة لجلاء القوات البريطانية يوم 30 نوفمبر عام 1989 كنت هناك مدعواً للاحتفال ، وكان الشعب اليمني عن بكرة أبيه يتوقع اعلان قرار تاريخي ما في هذه المناسبة يتوج العلاقات المتحسنة بين النظام في الشمال والنظام في الجنوب ، عدن من جانبها كانت قد توقفت عن دعم النشاط السياسي والعسكري لما كان يسمي بالجبهة الوطنية التي كانت تمارس الاغتيالات السياسية لمشايخ القبائل في المناطق الجنوبية من اليمن الشمالي بدعوى تصفية الرجعية ورموزها ، والذي ادى في اعقاب كمين خططت له مخابرات النظام الاشتراكي في عدن الى اغتيال عدد من كبار مشائخ القبائل الشمالية المحسوبين على الرجعية والعمالة لاعداء اليمن من بينهم الشيخ علي بن ناجي الغادر والشيخ حنتش والشيخ الهيال .. فكان الحادث الذي اشعل فتيل الحرب الأولي بين الشمال وجنوب اليمن 1972 . .صنعاء ايضا كانت لها مبادرات لاثبات حسن النوايا تجاه عدن ، فهي قد استقبلت فلول انصار الرئيس الجنوبي السابق علي ناصر والقوات العسكرية الموالية له بكامل معداتها وأسلحتها ، ورفضت ان يمارسوا من حدودها نشاطا سياسيا معارضا او شن عمليات عسكرية لتصفية حسابات سياسية ضد النظام في الجنوب اثر مذبحة الاقتتال الدامي بين رفاق الحزب الاشتراكي التي شهدتها عدن يوم 13 يناير عام 1986 وراح ضحيتها ما يزيد عن 13 الف قتيل . .على أي حال عقدت اللجنة العليا للوحدة اجتماعاتها برئاسة راشد ثابت وزير شئون الوحدة في الجنوب ويحيي العرشي وزير شئون الوحدة في الشمال ، ودار النقاش والبحث حول خطوة سياسية تقرب من يوم اعلان الوحدة التي طال انتظار تحقيقها باعتبارها الهدف الاستراتيجي الذي نصت عليه مواثيق ثورة سبتمبر وثورة اكتوبر ، واعادة التأكيد على الالتزام باتفاقية القاهرة للوحدة اليمنية التي تم التوقيع عليها في الجامعة العربية 1972 واتفاقية اخرى في طرابلس وثالثة في الكويت ..كان اقصى ما يطمح اليه الوفد القادم من صنعاء لانجازه هذه المناسبة قبول النظام في الجنوب باعلان الفيدرالية التي تحافظ علي النظام السياسي الراهن في عدن وصنعاء وتوحيد السياسات الخارجية والدفاع والتنسيق بين الوزارات وتكامل الانشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية حفاظا على استمرارية الالتزام بالوحدة الى حين تتهيأ الظروف الموضوعية لنقلة سياسية جديدة باسدال الستار على زمان التجزئة والتشطير ودمج النظامين واعلان الوحدة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.