في مصر حققت أغنية (أنا بحب الحمار ... بجد مش هزار) للفنان الشعبي شعبان عبدالرحيم رواجاً شديداً في سوق الكاسيت ليصبح شعبان أول مصري وعربي يغني للحمير؛ بل ربما على مستوى العالم.. أما في اليمن وفي مدينة تعز تحديداً التي يندر فيها كما في غيرها من المدن اليمنية الأخرى وجود المتنفسات والحدائق الخاصة بألعاب الأطفال، فقد وجد الحمار لنفسه رواجاً شديداً من قبل الأطفال والمراهقين؛ فأصبح هو الجواد الرابح في سوق الحيوانات التي وجد فيها الأطفال وسيلة جاذبة لتمضية أوقات مسلية لاسيما في فترة العطلة الصيفية التي ينقطع فيها الأطفال عن المدارس وبروز المشكلة السنوية التي تواجه الأسرة اليمنية والمتمثلة في كيفية استغلال أبنائها لفترة الإجازة الدراسية.. موعد مع الحمار لم أكن أعلم أن جهداً مهنياً سيأخذ مني كل هذا الوقت قبل القيام بهذا التقرير بمراحله المختلفة، والسبب أن برنامج "علي سلام الشيباني - 40 عاماً" كان مزحوماً إلى الدرجة التي اضطررت معها لحجز موعد معه قبل إجراء هذا الحوار، فصاحبنا الذي أنهكته السنون ولاح عليه طلائع المشيب قبل الأوان كان صريحاً جداً معي حين التقيته في خيمته. قال لي: لن تجدني اليوم في حارة السلخانة القريبة منك؛ سأكون في حارة بعيدة من حارتك؛ اترك رقم هاتفك وسأخبرك لاحقاً بمكان تواجدي غداً.. وهو ما تم فعلاً وكان اللقاء الآتي: اسمك الكريم، وكم عمرك؟ علي سلام مهيوب الشيباني - 40 سنة. كيف هداك تفكيرك إلى تأجير الحمار كوسيلة ركوب وتسلية للأطفال؟!. أنا أحب الحيوانات من زمان، وأعرف ان الأطفال أيضاً يحبون الحيوانات خاصة أطفال المدينة الذين لا يعرفون الحيوانات، فقلت في نفسي لماذا لا تشتغل بالحمار كوسيلة لعب للأطفال الذين لا يجدون ألعاباً أخرى بسبب ندرة الحدائق والمتنفسات في الحارات والأحياء. يعني أنت عرفت تدرس السوق جيداً؟!. الحمد لله هذا من فضل ربي. طيب .. كم سنة وأنت تؤجر الحمار للأطفال؟. لي ست سنوات. الحمار يشتغل في تعز فقط؟!. لا .. اشتغلت عليه في تعز وعدن. زبائنك.. هل هم من الأطفال فقط؟. زبائني أطفال ومراهقون. في أي الأحياء يتم تأجير الحمار؟. في كل الحارات وكل يوم تجدني في حارة، يوم في المسبح، ويوم في السلخانة، ويوم في حارة عمار بن ياسر، ويوم في حارة جامع السعيد وهكذا. كم أجرة ركوب الحمار، وكم طول المشوار؟!. أجرة ركوب الحمار من 10 ريالات إلى 20 ريالاً حسب الزبون، وأما المشوار فطوله 20 متراً ذهاباً وإيابا. هل تحب مهنتك هذه؟!. نعم أكيد.. أنا أشعر أني أقدم خدمة للمجتمع والأسرة!!. هل تذهب إلى الحديقة لتأجير الحمار هناك؟!. أبداً. ما الفترة التي تعمل فيها بتأجير الحمار للأطفال؟!. يبدأ عمل الحمار من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الظهر، ثم أعود بعد صلاة العصر. كم العائد الذي تحصل عليه من تأجير الحمار للأطفال؟!. حسب الشغل، وكل يوم وله ظروفه، ويختلف الشغل في العطلة عن أيام الدراسة، والحمد لله أكسب هذه الأيام في حدود 800 ريال. هل تكفي لمتطلبات أسرتك؟!. طبعاً لا، وأحتاج لتدخل الحكومة، فالمبلغ الذي أكسبه أصرف منه للحمار "طُعم ودخن" فهو يحتاج إلى تغذية جيدة لأنه يشعر بالتعب بعد العمل. كم لديك أطفالاً؟. أربعة أطفال. هل أسرتك مسجلة في الضمان الاجتماعي؟. لا .. حاولت مرات ومرات أسجل فلم أستطع. لماذا؟. عاقل الحارة - الله يستره - سيف حميد رفض أن يسجلني، وكل يوم وعود. ماذا تريد أن تقول لمحافظ تعز الجديد الصوفي؟!. أريد أن أقول له: سجلني يا سيادة المحافظ في الضمان الاجتماعي، فأنا مستحق، وإذا لم يسجلوني أنا فمن يسجلون.. المشايخ؟!. هل يوجد أحد غيرك يمارس مهنة تأجير الحمار للأطفال في تعز؟!. لا.. أنا الوحيد الذي أقدم هذه الخدمة، وأريد من المحافظ أن يساعدني في الضمان الاجتماعي. ما هي الصعوبات التي تواجهك في هذه المهنة؟. أكبر الصعوبات التي تواجهني هي لو مرض الحمار لا قدر الله أو مرضت أنا أو استرحت في البيت تبقى الأسرة مهددة بالجوع، فالحمار هو مصدر دخلنا الوحيد. هل تتعرض لمضايقات أثناء عملك في الشوارع والأحياء؟!. أتعرض لبعض المضايقات من الشباب والمراهقين؛ ولكن معظم الناس يقدّرون مهنتي "وما فيش مشكلة". ماذا تطلب من الحكومة والمجتمع؟ أطلب من الحكومة كما قلت لك معاش الضمان الاجتماعي، فأنا فقير، وأطلب من الناس ان يحترموا الحمار؛ لأنه كائن حي، وهو يقدم خدمة للناس. أخيراً.. هل سمعت بأغنية شعبان عبدالرحيم عن الحمار؟. لا. أطفال في انتظار الحمار يقف عزالدين - 15 سنة - في طابور طويل منتظراً دوره في ممارسة هوايته اليومية المفضلة (ركوب الحمار) يقول عزالدين الذي كان يتأهب لطلوع ظهر الحمار: أتخيل نفسي كما لو كنت على فرس جامح؛ خاصة ان هذا الحمار هو من النوع الكبير الذي يشبه الفرس. فيما سمير محمد سعيد -10 سنوات - يقول: أصبحت مدمناً ركوب الحمار، وأنا زبون دائم له؛ حتى ان صاحب الحمار يجاملني أحياناً ويخفض لي من سعر المشوار إلى 10 ريالات بدلاً من 20 ريالاً لمسافة 20 متراً ذهاباً وإياباً. لم يشعر سمير بالخوف من اعتلاء ظهر الحمار لتعوّده عليه عكس زملائه الذين ترددوا غير مرة قبل دفع النقود ومحاولة اجتياز ظهر الحمار الذي كان يروضه صاحبه متباهياً به كما لو كان فرساً فعلاً. لا توجد حديقة (لا توجد حديقة في حارتنا أو مساحة كافية للعب) هكذا يبرر سمير ذهابه يومياً لحارة مسجد عمار بن ياسر في منطقة (عصيفرة) ليمارس هواية ركوب الحمار إما برفقة والده الذي يصطحبه غالباً معه إلى المسجد ثم يأخذه معه للتنزه وممارسة بعض الهوايات ومنها ركوب الحمار. جدول زمني للحمار (أهوى ركوب الحمار، ولا أستطيع ممارسة هذه الهواية يومياً بسبب غياب الحمار عن حارتنا بشكل متكرر). ويضيف عبده علي قائد - 13 سنة - من حارة المسبح: جئت إلى هنا مضطراً اليوم لركوب الحمار بعد أن علمت بوجوده في هذه الحارة، فالإقبال الشديد على ركوب الحمار دفع صاحب الحمار لأن يقسم برنامجه؛ يوماً لهذه الحارة ويوماً لتلك، وربما كان عادلاً في جدوله الزمني أكثر من مؤسسة المياه والصرف الصحي في تعز!!. الحمار بديل للحديقة (عبده).. لا يذهب إلى الحديقة، وإن ذهب إلى هناك لا يجد شيئاً مسلياً، والزحام شديد، والألعاب هي نفسها. زميله علي عبده سالم - 11 سنة - يقول: نحن في فترة عطلة صيفية ولا توجد حاجة مسلية (الواحد يقضي بها وقته) لذلك أنا وجدت في الحمار أفضل وسيلة مسلية.