على حين غفلته من الوقت ، تزحلقت من لسان زقاق طويل إلى صدر الشارع المثخن ب “التفاحيط “ ، وقَفَت قدر نفس مستعجل ، النظرات اللهفى تلوك جسدها المتواري بسواد اللاشيء ، ألسنة سائقي الدرجات النارية تبتهل بتبتل: ياليت لنا مثل هذا. مرت ، وهي تتحسس حقيبتها اليدوية بشيء من الارتباك المبلوع الذي لم يتنبه له سوى الاسكافي الهرم بخبرته اليومية ، وهو يمارس قراءتها ، من أسفل عاليًا ..عاليًا ، وهى بدورها تجر شهقات الشارع والبخور العدني ، قال الاسكافي وهو يطلق تنهيده بصوته المرقع ... دلا .. دلا التفتت إليه بغنج ، ونفضت عباءتها ومضت … ...نسي الشارع نفسه ، وتداعى في إثرها ..يسترق الخطى جمعاً من الأشتات اللامكانية ، تفننت ألسنة سائقي الدراجات في التدلي ، بينما العيون تمارس تمرين عاليا /جانبا / أسفل ، انعطفت إلى “باب موسى” ، تتخطى شفة المدينة ، تسمرت لبر هة وهي تسمع خلفها الأنفاس المنهكة لمراهقين يتناوبون رشق مؤخرتها بالنظرات الشبقة ، تقدمت خطوة والتفتت بانتشاء نحوهم ،ثمة صفوف خلفها .. الشيوخ أولاً ، يليهم الشباب ، فالمراهقون ..قليلاً..قليلاً.. تداعت وراءها أصواتهم ، صرخ عجوزٌ مراهق وهو يمسّدُ لحيته من اللعاب: ..الله أكبر ! يردد المراهقون : “ الله اكبر ..جسد واحد..فرش واحد …” صمت الجميع ، وهي تقف على درجات الباب الخارجية لمنزلها ، وتُصوِّبُ زهوها نحو العيون التي تسترق النظر اليها من بين شقوق النوافذ العتيقة ، أشارت منبهة إلى الواقفين أمامها التفت الجميع إلى الخلف صوب اللهجة المتفرقعة فيهم بحدة عسكرية : أي واحد يتحرك مايلوم إلا نفسه.. إلى الطقم هيا تقدم الجميع بهدوء الى الاطقم ..مضوا معًا .. وابتلعهم الغبار ، فيما ظلت العيون الملتصقة بها خفية تمارس النميمة ، تقدمت بهدوء إلى سيارة الشرطة الفارهة ، ليمارسها عنف التحقيق ، وهي ستدلي بهواها كل ليلة بسخاء .