كثر الحديث في بعض الصحف اليمنية وفي المجالس الخاصة عن المسلسلات التركية المدبلجة ( سنوات الضياع ، نور ) وما أفرزته من حالات ومظاهر تلوث اسري وتسمم اجتماعي .. وأنا لن أزد على ذلك وإنما سأتناول في مقالاتي هذه رؤيتي لهذين العملين الدراميين من زاوية التكنيك الدرامي . الشخصيات إن ما ينبغي أن يدركه المتلقي لهذين المنتجين الإعلاميين الدراميين أن هذه الشخصيات إنما هي شخصيات خيالية لمعت في عقل المؤلف وحركها المخرج وجسدها الممثلون .. فكيف يبني المؤلف شخصياته .. هنا أحب أن أوضح للقراء الكرام أن شخصيات المسلسلين إنما هي شخصيات إبداعية وليست نقلاً فتوغرافياً للشخصيات من حولنا . والفن لا ينقل لنا الواقع بل يعطينا مظهراً أو شكلاً للواقع . وهذا ينطبق على الفارق الذي نلاحظه بين الأشخاص الذين نراهم في الحياة العادية وبين الأشخاص الذين بعثهم الكاتب الدرامي التركي إلى الحياة في المسلسل . فمن أين جاءت هذه الشخصيات ؟ جاءت من ملاحظات الكاتب وقراءاته لتصرفات وخواص البشر ، بمعنى أن الكاتب قبل أن يشرع في كتابة عمله على الورق يخلق صورة ذهنية لأبطاله .. بمعنى أن عملية خلق الشخصية الدرامية تكون باللجوء إلى النماذج الحية من ما رأى وقراء الكاتب . وبطريقة الفنان يستعمل ذراع شخص ما وجذع شخص آخر ووجه شخص ثالث وهكذا ثم يمزجها جميعاً بحيث يخلق شخصاً يحقق أهدافه، وهذا الشخص قد لا يشابه شخص معين في الحياة ، بمعنى أن شخصية مهند ونور ويحيى ولميس تندرج في هذا الإطار ، وعملية الاختيار لشخصيات العمل الدرامي كانت قد ظهرت للمتلقي ( المتفرج ) من خلال التصوير الغير المباشر بمعنى أن الكاتب وضع يحيى او مهند على سبيل المثال في مواقف يستشف المتلقي ان مهند مرهف الإحساس والمشاعر ويحيى يمكن أن يضحي بنفسه من اجل لميس وهذا يظهر من خلال التكرار . وكما أن التصوير غير المباشر الذي لجأ إليه الكاتب هو درجة كبيرة من الحرفية المهنية حيث ترك للمتفرج شعوراً بأنه حر في الوصول إلى النتائج الذي يردها في الحكم على الشخصية ولهذا في أكثر من التصوير المباشر الذي نلجأ إليه في مسلسلاتنا . ومن ما هو جدير بنا أن نذكره أن مكونات الشخصية أيضاً هو أن الكاتب يبادر بإختيار الاسم المباشر لشخصيته وملامحه ولذلك هو اختار بطل عمله بان يكون رشيقاً وعريض الأكتاف ودقيق الملامح ووسيم وكما حدث في ملسلسل نور وشخصية مهند وكما أن الملابس كانت منقاة وجميلة وهذا ما نطلق عليه بالتصوير الساكت أما التصوير المتحرك يشمل طريقة سير مهند وإيماءاته وتعبيرات وجهه . التقنيات البصرية اعتمدت المسلسلات التركية على الصورة البراقة الجذابة المخملية بدرجة رئيسية ، ويمكن أن نوجز عوامل نجاح مسلسل نور وسنوات الضياع إلى العوامل الآتية : - اختيار ممثلين على درجة كبيرة من الأداء الاحترافي المتمكن - اختيار ممثلين على درجة من الوسامة والجاذبية . - وجوه ناعمة وبشرات بيضاء وشعور شقراء وكستنائية . - اعتماد التصوير غير المباشر من خلال وسائله ( المناظر الخلابة والمنتقاة بدقة ، الحوار المبدع الذي صيغ بلغة شفافة ومرهفة وراقية ، الفعل والحديث والتفكير ) . - التشكيل اللوني البديع والمبهر في الصورة . - علاقة الحب بين مهند ونور ويحيى ولميس علاقة متكافئة القرار فيها للطرفين وليس لطرف على آخر . - المشاعر العاطفية والحب والحنان الذي امتلأت به مشاهد المسلسلين . - الدور المتميز للدبلجة السورية حيث كان الأداء رائع واللهجة الشامية أصبحت محببه . - اعتماد الكاتب التركي على الحرفية العالية والتكنيك الذي يرتكز على حبكت الحب وعنصر المفاجأة وإخفاء السر على الرغم من بساطته . - اعتمد المسلسل على تقنية الفعل المتصاعد والفعل المتهاوي لذا نلاحظ أن كل حلقة تعتمد على موقف أو فعل درامي معين يصل إلى درجة الذروة ثم الوصول إلى الحل . - الاعتماد على الاستعمال المفرط في التفاصيل مع إبقاء عنصر الإمتاع البصري برغم التكرار . - استخدام الأسلوب البطولي لتصوير الشخصية - المكياج والاضاءة والتصوير من زوايا مختلفة كانت في قمة الإمتاع علاوة على ذلك التأليف الموسيقي المصاحب للإحداث . - وجود مخرج متمكن قرأ ما وراء السطور فأبدع في توجيه الممثلين وركز على اللقطات القريبة والقريبة جداً التي أظهرت المشاعر الداخلية لأبطال العمل . - الاعتماد على خلق تعاطف عن طريق الأحداث ومن خلال استخدام المونتاج والاعتماد على النقالات السريعة في الأماكن وفي زمن واحد . - افتقار (المتفرج ) إلى الأعمال الدرامية الرومانسية . - يضاف إلى هذا الظروف النفسية والاجتماعية التي تحيط بعملية التلقي إذ أنها تتم عادة في أجواء من المودة والألفة والتي تسيطر على التجمع العائلي والخاص وتكون فيه النفس البشرية مهيئة للتقبل العقلي والعاطفي . وقفة بلا شك أن المسلسلات المدبلجة أثرت وأفرزت الكثير من السلبيات وبالتالي فمهمتنا ليست في مهاجمة هذه المسلسلات وصب جم غضبنا عليها ، بل علينا مواجهة هذه الظاهرة السلبية من خلال الإنتاج المشابه الذي يستند إلى قيمنا الإسلامية الأصيلة التي لا تشرع إلى ثقافة المحرم كما حدث في المسلسلات المدبلجة ، كما علينا أن نواجه انسفنا بكل صراحة إزاء علاقتنا الأسرية بأن نعلن عن مشاعرنا العاطفية ولا نكبتها ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد علمنا فن العلاقات الزوجية وإظهار الحب الحقيقي لزوجاتنا وأبنائنا . كما أن على أولياء الأمور إدارة حوار هادئ داخل الأسرة يضم كل إفراد الأسرة لإبراز مخاطر بعض السلوكيات الخاطئة التي تنقلها هذه المسلسلات . • كاتب درامي عضو اتحاد الأدباء والكتاب