نهاية الانقلاب الحوثي تقترب.. حدثان مفصليان من مارب وعدن وترتيبات حاسمة لقلب الطاولة على المليشيات    الأحزاب والمكونات السياسية بتعز تطالب بتسريع عملية التحرير واستعادة مؤسسات الدولة    لحظة إصابة سفينة "سيكلاديز" اليونانية في البحر الأحمر بطائرة مسيرة حوثية (فيديو)    شركة شحن حاويات تتحدى الحوثيين: توقع انتهاء أزمة البحر الأحمر رغم هجماتهم"    وزير المالية يصدر عدة قرارات تعيين لمدراء الإدارات المالية والحسابات بالمؤسسة العامة لمطابع الكتاب المدرسي    الوزير الزعوري يهنئ العمال بعيدهم العالمي الأول من مايو    توجيهات واحصائية".. اكثر من 40 ألف إصابة بالسرطان في اليمن و7 محافظات الاكثر تضررا    بالفيديو.. عالم آثار مصري: لم نعثر على أي دليل علمي يشير إلى تواجد الأنبياء موسى وإبراهيم ويوسف في مصر    يوم تاريخي.. مصور يمني يفوز بالمركز الأول عالميا بجوائز الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية في برشلونة (شاهد اللقطة)    تشافي لا يريد جواو فيليكس    مركز الملك سلمان يمكن اقتصاديا 50 أسرة نازحة فقدت معيلها في الجوف    تفجير ات في مأرب لا تقتل ولا تجرح كما يحصل في الجنوب العربي يوميا    للزنداني 8 أبناء لم يستشهد أو يجرح أحد منهم في جبهات الجهاد التي أشعلها    عودة الكهرباء تدريجياً إلى مارب عقب ساعات من التوقف بسبب عمل تخريبي    برشلونة يستعيد التوازن ويتقدم للمركز الثاني بفوزه على فالنسيا برباعية    تراجع أسعار الذهب إلى 2320.54 دولار للأوقية    اختتام برنامج إعداد الخطة التشغيلية للقيادات الادارية في «كاك بنك»    تنفيذية انتقالي لحج تعقد اجتماعها الدوري الثاني لشهر ابريل    هجوم جديد على سفينة قبالة جزيرة سقطرى اليمنية بالمحيط الهندي    رئيس جامعة إب يطالب الأكاديميين الدفع بأبنائهم إلى دورات طائفية ويهدد الرافضين    نابولي يصدّ محاولات برشلونة لضم كفاراتسخيليا    البكري يجتمع ب "اللجنة الوزارية" المكلفة بحل مشكلة أندية عدن واتحاد القدم    عقب العثور على الجثة .. شرطة حضرموت تكشف تفاصيل جريمة قتل بشعة بعد ضبط متهمين جدد .. وتحدد هوية الضحية (الاسم)    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    اتحاد كرة القدم يعلن عن إقامة معسكر داخلي للمنتخب الأول في سيئون    شاهد.. مقتل وإصابة أكثر من 20 شخصًا في حادث بشع بعمران .. الجثث ملقاة على الأرض والضحايا يصرخون (فيديو)    وزارة الداخلية تعلن ضبط متهم بمقاومة السلطات شرقي البلاد    يجب طردهم من ألمانيا إلى بلدانهم الإسلامية لإقامة دولة خلافتهم    ماذا لو أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد قادة إسرائيل؟    السامعي: مجلس النواب خاطب رئيس المجلس السياسي الاعلى بشأن ايقاف وزير الصناعة    بينها الكريمي.. بنوك رئيسية ترفض نقل مقراتها من صنعاء إلى عدن وتوجه ردًا حاسمًا للبنك المركزي (الأسماء)    قيادي حوثي يذبح زوجته بعد رفضها السماح لأطفاله بالذهاب للمراكز الصيفية في الجوف    استشهاد وإصابة أكثر من 100 فلسطيني بمجازر جديدة للاحتلال وسط غزة    انهيار كارثي للريال اليمني.. والعملات الأجنبية تكسر كل الحواجز وتصل إلى مستوى قياسي    ماذا يجري في الجامعات الأمريكية؟    هذا ما يحدث بصنعاء وتتكتم جماعة الحوثي الكشف عنه !    تعليق على مقال زميلي "سعيد القروة" عن أحلاف قبائل شبوة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    البخيتي يتبرّع بعشرة ألف دولار لسداد أموال المساهمين في شركة الزناني (توثيق)    لماذا نقرأ سورة الإخلاص والكافرون في الفجر؟.. أسرار عظيمة يغفل عنها كثيرون    فشل العليمي في الجنوب يجعل ذهابه إلى مأرب الأنسب لتواجده    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    مدرب بايرن ميونيخ: جاهزون لبيلينغهام ليلة الثلاثاء    لأول مرة.. مصر تتخذ قرارا غير مسبوق اقتصاديا    الكشف عن الفئة الأكثر سخطًا وغضبًا وشوقًا للخروج على جماعة الحوثي    وزارة الأوقاف بالعاصمة عدن تُحذر من تفويج حجاج بدون تأشيرة رسمية وتُؤكّد على أهمية التصاريح(وثيقة)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    حاصل على شريعة وقانون .. شاهد .. لحظة ضبط شاب متلبسا أثناء قيامه بهذا الأمر الصادم    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    ليفربول يوقع عقود مدربه الجديد    يونيسيف: وفاة طفل يمني كل 13 دقيقة بأمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات    للمرة 12.. باريس بطلا للدوري الفرنسي    ريمة سَّكاب اليمن !    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن تحت حكم الإمام أحمد 1962-1948
نشر في الجمهورية يوم 13 - 09 - 2008


الحلقة13
انتهى عهد الإمام أحمد بموته ، وإن كان الموت لم يوقف تداعيات فترة حكمه البائسة والتي بدأت في الظهور بمجرد غيابه ، وبعد أسبوع سقطت الإمامة الزيدية السياسة في اليمن ،ومع سقوطها بدأت مرحلة جديدة في تاريخ اليمن المعاصر.
كان غياب الإمامة كطريقة في الحكم ، وشكل من أشكال السلطة حدثاً مهماً بكل ما تعنيه الكلمة من مدلول سياسي وديني ، فخلال إحدى عشر قرناً كان دور الأئمة حاضراً ، صاحب هذا الحضور نفوذ ديني يمتد ليشمل اليمن الطبيعي كله ، أو ينحصر ويتراجع شمالاً حتى جبال صعدة.
ومع كل تراجع كانت هناك فرصة جديدة للتمدد جنوباً ، لأن في الزيدية كمذهب ديني روحاً ثورية متمردة ،ترفض الظلم والاستبداد ، وتدعو إلى الخروج على الحاكم الظالم مهما كانت ادعاءاته السياسية والدينية.2 الشافعية والاسماعيلية في اليمن:
نصف سكان اليمن أو أكثر قليلاً، شافعيون، والشافعية مذهب من مذاهب السنة الأربعة، يعود إلى مؤسسه أبي عبدالله بن محمد بن ادريس الشافعي، توفي في 502ه «918م» كانت تربطه باليمن صلة قديمة في مطلع حياته، حيث عاش وتتلمذ على ييد علمائها، ثم أصبح قاضياً في نجران، وتزوج هناك وربما كان هذا من أسباب انتشار مذهبه في اليمن فيما بعد، مثلما كان لاقامته في السنوات الأخيرة من عمره، ووفاته بمصر من أسباب الانتشار والذيوع فيها كان السائد في اليمن حتى أواخر القرن الثالث هجري«التاسع الميلادي» مذهبي الحنيفة، والمالكية قبيل مجيء الهادي يحيى بن الحسين، وتأسيسه المذهب الزيدي، والدولة الزيدية واتبداءً من القرن الرابع الهجري، شاع وانتشر المذهبان الشافعي والزيدي في ظروف متباينة تبلورت في نهاية المطاف أن يصبحا هما المذهبين السائدين في عموم اليمن، وحتى الآن.
يمثل فقه الإمام الشافعي نقلة نوعية في أصول الفقه الاسلامي، بما أضافه من تعميم «للقياس» وإعمال الرأي فهو الذي حدد أصول الاستنباط، وجعل له قواعد عامة كلية وكان بهذا السبق واضع علم أصول الفقه، لأن الفقهاء قبله كانوا يجتهدون من غير أن يكون بين أيديهم حدود مرسومة للاستنباط، وكانوا قبله يعتمدون على فهمهم لمعاني الشريعة.
واعتبر بعض الفقهاء أن مذهب الشافعي، وسط بين مذهب الحنفية القائل«بالقياس» والرأي، ومذهب المالكية المتمسك بالنص واجماع«أهل المدينة»، والتي لاتقول بالقياس إلا عند الضرورة وهذا الشائع من الحنفية والمالكية، لم يكن راسخاً بين علماء اليمن، وقد مهد ذلك للشافعية للانتشار وكذلك للزيدية، بالانتشار كبدائل مذهبية ترسخت مع الأيام.
كان المذهب الشافعي قد عرف«بزبيد» التي أصبحت مركزاً للشافعية، ومصدر اشعاع علمي ومدرسي اسلامي مهم لعدة قرون وقد انتشر المذهب الشافعي ليس فقط بسبب مالدى علمائه من حججية في الجدال والنقاش الفقهي مع المذاهب الأخرى، بل لأنه أصبح مذهباً للدويلات التي حكمت اليمن، ابتداءً من القرن الخامس الهجري كبني «نجاح» في«زبيد» وبني رسول في«تعز»، وبني«طاهر» في «رداع» و«المقرانة»، تماماً كما حدث بالنسبة للزيدية التي انتشرت في الشمال، لأنها كانت مذهب أهل السلطة من أئمة اليمن.
يسكن الشوافع المناطق الوسطى والجنوبية والغربية من اليمن، وهم خلافاً للزيدية الشيعة لايقرون بمبدأ الإمامة ذاتها وكانوا ينكرون من الزيدية هذا الادعاء بالحق في الامارة والخلافة وخلافهم مع الزيدية كان يمتد إلى العديد من القضايا الدينية، بالرغم من أن فقهاء الزيدية المصلحين قد حاولوا الوصول إلى قواعد مشتركة مع الشوافع، إلا أن الخلافات الفقهية ظلت قائمة عبر القرون وحتى قيام الدولة الزيدية المتوكلية في عام 8191م وعندما توجهت جيوش الإمام لتوحيد وضم المناطق الشافعية إلى الدولة المركزية واجهت هذه الجيوش مقاومة عنيفة اضطر الإمام لقمعها بكل شدة وعنف، وهذه المقاومة كانت في جانب منها تعبيراً على هذا الخلاف الديني، ووجهاً من وجوهه.
وبعد أن بسط الإمام نفوذه على المناطق الشافعية، عين لادارة الأولوية والأقضية، ولاة وعمالاً زيديين لكنه حرص أن يبقي على التقاليد العثمانية فيما يتعلق بالشئون الدينية والقضاء بين الناس فعين قضاة من الشوافع منحهم سلطة الفصل في القضايا استناداً إلى المورث الشافعية وقليلة هي تلك المحاولات التي حاول فيها الأئمة المتوكلون، نشر المذهب الزيدي في المناطق الشافعية عنوة، إلا أن الفروق في التعامل مع اتباع المذهبين واضحة وقد عكست نفسها على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية وبالرغم من ذلك فقد ظلت حدود المذهبين الجغرافية والسكانية ثابتة.
والصراع الزيدي الشافعي المستتر حيناً، والظاهر حيناً آخر له أسبابه الأخرى، وأول هذه الأسباب هو اختلاف المصالح الاقتصادية والسياسية بين رجال الزيدية، وشيوخ الشافعية، فقد استأثر الأئمة وهذه مسألة هامة بخبرات البلاد، وتصرف الإمام باعتباره الخليفة وظل الله على الأرض، فكان مايعود للدولة أصبح ملكاً للإمام، ولافرق بين خزينة الإمام وخزينة الدولة، كما استحوذت بعض الأسر الزيدية على الكثير من الأراضي الزراعية والوظائف الحكومية، ولم يكن بالامكان التوفيق بين إمامة تملك وتحكم من ناحية، وأغلبية يرى شيوخها وأفرادها أنهم قد أقصوا عن الحياة العامة، وأبعدوا عن المشاركة السياسية إلا في حدودها الدنيا.
وثانياً: كان الأئمة ينظرون إلى أهل الجنوب الشوافع باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، وقد كُرست ممارساتهم هذا الشعور على مدى زمن طويل وعادة فإن المجتمعات الطبقية تساوي بين الأغنياء، كما تساوي بين الفقراء إلا أن اليمن حالة من الحالات الخاصة، فحتى مع تساوي حالات الغنى تظهر الفروق نتيجة للطائفية، فالطائفية مصدر لظهور الفوارق، والصراعات الطبقية.
كما هي مصدر للصراع الديني، والاحساس بالدونية لدى الشافعية وكانت الضرورة تقتضي ازالة الإمامة، وبالتالي ازاحة النظام الثيوقراطي برمته.
أما الاسماعيلية«الباطنية» فعددهم قليل وهو في أكثر التوقعات تفاؤلاً لايزيد على ستين ألف نسمة، ويسكنون منطقة جبل«حراز» الحصينة، وكثيرة الخصب، والواقعة في لواء صنعاء ويحتفظون بمواقعهم، والاسماعيلية حركة دينية وسياسية، بدأ نشاطها في اليمن عام862هجرياً«188م» ولم تكن الاسماعيلية بفرقها المختلفة إلا فرعاً من الدوحة الشيعية الكثيرة الفروع والأغصان، وواحدة من القوى السياسية والاجتماعية التي كتبت فصولاً في تاريخ اليمن الاسلامي.. وكانت الاسماعيلية أو بعض الفرق التابعة لها قد وصلت في مجال تنظيم الجماعة، وتنظيم مصادر الثروة، وتحسين أوضاع الفلاحين إلى درجة تشبه ماوصلت إليه بعض الأحزاب الاجتماعية في العصر الراهن، ويبدو أن ذلك قد أثار كل القيادات الاقطاعية الدينية التي عادة ما تربعت على رأس الفرق الدينية.. فتعرضت الاسماعيلية إلى ألوان من البطش والمقاومة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً في أي بقعة من الأرض.. كما نالها من الاشاعات والتهم مالم تنله فرق اسلامية أخرى.
وتدل حياة الاسماعيلية وعاداتهم وتقاليدهم على نمط حياة مغايرة لما اعتادت عليه غالبية أهل اليمن، الزيدية والشافعية فحوصرت فرقهم في المناطق الجبلية العالية ولم تكن حالتهم، وهم القلة القليلة، بأفضل من حالة الغالبية السنية من الشافعية،بالرغم من التقارب الديني بينهم وبين الزيدية لقد شكل الاسماعيلي حالة ثقافية خاصة، تمثل نمطاً للثقافات الفرعية التي تظهر وتنمو وتقاوم للبقاء ضمن اطار الثقافة العامة.
من الجدير ذكره أن الاسماعيليين قد أسسوا دولتهم في اليمن عندما تحقق لهم دعاة على قدر كبير من الكفاءة والعلم، وأهمهم شأناً الداعي علي بن محمد الصليحي، الذي أصبح بعد خمسة عشر عاماً من توليه الدعوة ملكاً لليمن عام 934ه«0211»م.
وقد عاشت الدولة الصليحية من بعده مائة عام وجمعتها بالدولة الفاطمية في مصر علاقة فريدة ومع تراجع النفوذ السياسي للدولة الصليحية تراجع المذهب الاسماعيلي، ولجأ أتباعه إلى جبال«حراز» للتحصن فيها أمام هجوم أتباع الفرق الأخرى.
3 اليهود:
في الماضي البعيد كانت اليهودية احدى ديانات اليمن، كان بعض ملوك اليمن الحميريين قد تهودوا، وقصة«ذو نواس» الذي اعتنق اليهودية، واضطهد النصارى «أصحاب الأخدود» مشهورة في التراث العربي الاسلامي.
في عام 8491م كان هناك نحو خمسين ألف يهودي يسكنون أنحاء مختلفة من اليمن، لكن أغلبيتهم تسكن المناطق الزيدية، حيث يجدون الأمان، والتسامح الديني، وكانوا يعيشون في أحياء أوقرى بهم منعزلة ساعدت على حمايتهم، وضمان سلامتهم وبالأخص في الظروف الأمنية المختلة، وأوقات الفوضى والاضطرابات إذ كان الاعتداء عليهم وهم ليسوا طرفاً في هذه النزاعات يعتبر عملاً ممقوتاً وعموماً فإن ظروفهم، وأحوالهم المعيشية، ومستوياتهم الاقتصادية والثقافية والعلمية كانت في كل العهود هي نفسها الظروف والمستويات السائدة في المجتمع اليمني.
كانت لهم حياتهم الخاصة، فقد كان يسمح لهم بصنع الخمور وشربها، وإن كان محرماً عليهم بيعها ولو نظرياً للمسلمين وكانت معابدهم مفتوحة دائماً، وهي عادة لاتخلو في أي وقت من المتقدمين في السن، يتلون الصلاة، وكان يسمح لليهود بالزواج بأكثر من واحدة، إلا أنه لم يكن مسموحاً ليهودي متزوج في البلاد الأجنبية بالزواج من يهودية يمنية، في الوقت الذي يسمح بتزويج اليهودية من مسيحي حتى لوكانت اقامته في اليمن مؤقتة ولهذا علاقة كما يبدو بنظرة الإمام إلى المرأة اليهودية، باعتبارها يمنية أولاً، ثم بنظرة الاسلام والمسلمين تجاه المسيحية والمسيحيين والتي هي أكثر تسامحاً منها تجاه اليهودية واليهود.
وكغيرهم من اليمنيين كان من حقهم اقتناء المنازل، أو فتح الحوانيت، أو شراء العقارات في أي منطقة شاءوا، وكان كثير من المنازل ذات الحدائق الغناء مملوكة لهم، يؤجرونها لمن يشاءون وكانوا يزاولون حرفاً كثيرة متعددة، وهم نابهون في مختلف الحرف والصناعات كانوا صرافين، وحدادين، وصاغه، ولهم باع طويل في صناعة الأسلحة التقليدية اليمنية، كما أنهم نجارون، وعمال بناء مهرة، أجادوا صناعة الخزف، والفخار، وصناعة النسيج، وأعمال الزخرفة وقد احترفوا التجارة تصديراً، واستيراداً وإلى جانب ذلك احترف بعضهم المهن الوضيعة «حينها» كالجزارة، والدباغة، والحلاقة، وأعمال النظافة والبلدية مع غيرهم من اليمنيين المسلمين.
ولقد عاش منهم في صنعاء نحو سبعة آلاف نسمة حتى عام 0591م، وهذا العدد قياساً بعدد سكان المدينة الذي لم يتجاوز حينها خمسين ألف نسمة يمثل نسبة كبيرة كان لابد لها أن تترك أثراً في الحياة العامة في المدينة، وقاع«العلفي» اليوم هي حيهم الذي عرف باسمهم« قاع اليهود» وهم يخضعون في علاقاتهم الاجتماعية إلى حاخامهم الأكبر، وكانت أحكامه نافذة عليهم، ولاينقضها إلا حكم الإمام وكانوا يدفعون الجزية، وهي أقل مما يدفعه المسلمون من ضرائب.
وفي عام 2291م أصدر الإمام يحيى مرسوماً خاصاً بهم، جاءت بعض بنوده متناقضة مع جو التسامح الديني، الذي كان قائماً في العلاقة بين اليهود والمسلمين، وخاصة الزيدية منهم، فبموجب تعليمات الإمام هذه كان على اليهود إن يتزيوا بزي خاص.
وأن لايرفع اليهودي صوته على مسلم ولايناقشه في دينه، أو يهزأ به، أو يتعداه على الطريق وكان عليه أن لايمارس طقوسه الدينية إلا متخفياً، وفي حيه الخاص وأن يركب من الدواب الحمار، ولايمارس عملاً تجارياً أو سياسياً يضر بمصلحة البلاد، أو البلدان الاسلامية، وأن لايحمل سلاحاً، ولاحتى خنجراً.
وربما أراد الإمام من هذه الضوابط منع حدوث احتكاك مباشر بين الأغلبية المسلمة والأقلية اليهودية، فقيدّ حركة الأقلية، وحددها بضوابط، خوفاً على أفرادها من ردود فعل معاكسة، إذا ما بلغ الجدال حدود المساس بالثوابت، والدين واحداً من هذه الثوابت، وقد كانت هذه الاجراءات قاسية دون شك بحق يهود اليمن وأياً كان الهدف منها دينياً أو دنيوياً فإنها في الواقع تعد إخلالاً بمبدأ الحقوق المتساوية للمواطنين وانحيازاً للأغلبية لامبرر له وسلوكاً شجع اليهود على الهجرة من اليمن فيما بعد.
ومع ذلك فإن العلاقة بين الأقلية اليهودية، والإمام يحيى، ومن بعده الإمام أحمد كانت أفضل مما كانت عليه في العهد العثماني، وكان بعض اليهود وسطاء تجاريين للإمام في صفقات تجارية كثيرة، ومنها صفقات السلاح، كما أن الأئمة لم يحاولوا اساءة معاملتهم أو السماح بأية ممارسات من شأنها أن تصيب ممتلكاتهم وأموالهم بالضرر وكانت لهم مدارسهم، التي كانوا يعلمون فيها العبرية، والعلوم الأخرى.
وفي الخمسينات تدخل الانجليز لدى الإمام أحمد لكي يسمح لليهود الذين بقوا في اليمن بالهجرة، ولم يكن الإمام يرغب في اتخاذ موقف علني من هذه القضية، فكان على من تبقى منهم أن يهاجروا بالطريقة ذاتها التي يُهاجر بها اليمنيون إلى عدن، أو إلى خارج اليمن، لكنهم خلافاً لليمنيين كانوا عندما يصلون إلى حدود المحمية يحظون برعاية بريطانية خاصة وليس صحيحاً ماحاولت ترويجه بعض المصادر الأجنبية من أنهم كانوا يموتون جوعاً وعطشاً ومرضاً في هجرتهم من اليمن إلى عدن، وكانت هذه واحدة من الأكاذيب الصهيونية التي أرادوا بها كسب المزيد من التعاطف معهم.
وعندما بدأ الإمام يحيى يفكر في اقامة بعض الشركات، سمح لليهود بحق المساهمة في الشركة التجارية اليمنية التي أنشئت عام 6631ه«6491م» بصورة واضحة في قانونها، كما أعطاهم حق امتياز صك العملة النقدية النحاسية للدولة «البقشة» وأجزائها، فكان يعطيهم كمية من النحاس، ويستلم مقابلها وزناً بوزن.
ولليهود عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم، وهم يلبسون لباساً مميزاً، ويرسلون على جانبي الرأس ذؤابتين من الشعر، وكذلك للنساء لباسهن الخاص بهن، وهن لايعرفن الحجاب وقد تبدو أشكالهم مختلفة في المظهر، أما في الواقع فهم يعودون إلى أصول مشتركة مع العرب المسلمين وإذا استبعد المظهر الخارجي فهم يحملون ملامح شبيهة بغيرهم من اليمنيين العرب.. كما يشتركون مع أهل اليمن في اللغة، فاليهود جميعهم يتكلمون العربية بلهجاتهم التي يفرضها المسكن.
وقد فرضت العزلة على يهود اليمن، كما فرضت على غيرهم من اليمنيين، ومع بداية القرن العشرين بدأت تتسرب إليهم تأثيرات الحضارة الغربية، وبدأت عمليات تهجيرهم منذ ظهور المشروع الصهيوني باقامة دولة يهودية في قلب الوطن العربي وفي البداية كانت هجراتهم بأعداد قليلة، إلا أنه ابتداء من 8491م عمل الانجليز على تشجيعهم على الهجرة، مجموعات وأفواجاً كبيرة، مستغلين حالة الغضب لدى المسلمين من اقامة دولة يهودية في فلسطين.
لقد كانت ثقافة اليهود، بما هي ديانة وعادات، وتقاليد، ومعارف، وأعراف، شكلاً من أشكال الثقافات الفرعية، في مجتمع كانت له ثقافته العامة السائدة القائمة على أسس مختلفة، وهذه الثقافة لم تترك في واقع الأمر أثراً كبيراً على وعي الناس، ربما لأن هذه الأقلية كانت قليلة العدد، وربما لأن المجتمع اليمني المسلم كان محصناً من تأثير اليهودية، بسبب ميراث العداء القديم الجديد، بين الاسلام واليهودية.
«ج» الأدب وقضايا التغيير:
كان واضحاً أن قيم التيار المعارض وثقافته قد تأثرا بعاملين، أولهما: عامل النهضة العربية التي سبقت اشراقاتها الأولى على الشام والعراق ومصر، وقد احتك الرعيل الأول من المعارضة بهذه النهضة وتأثر بقادتها ثقافة وفكراً وثانيهما: أن اليمن ليست بمنأى عن العالم ومايجرى فيه، وعالم القرن العشرين كان عالماً منقسماً على ذاته، وكان يحكمه تياران أساسيان في الثقافة العالمية، تيار الشرق، وتيار الغرب، وكان كل من الشرق والغرب قد حرصا على اقامة علاقات متعددة مع اليمن، وكان لهذه العلاقات أثرها وأياً كان هذا التأثير شرقياً أوغربياً، فإنه كان يتعارض كلية مع قيم السلطة، أما المعارضة فقط قبلت بعض قيم الشرق والغرب معاً، ورفضت بعضها، وكان تأثرها بما قبلت به واضحاً فيما بعد في برامجها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وقد مثلت مجلة«الحكمة اليمانية» «83911491م» التيار المعارض التنويري الاصلاحي في بداياته الأولى، وكانت مقالات أحمد عبدالوهاب الوريث، وأحمد مطاع وعبدالله العرب، والحورش، والعنسي، وغيرهم نموذجاً لتيار التحول فقد نجح هذا التيار في اثارة المشكلة في اليمن، مشكلة التخلف والعزلة والفقر، بما كتبه من مقالات حول حالة المسلمين قبل الاسلام وبعده، ماضي المسلمين وحاضرهم، عوامل الانحطاط، نهضة الاسلام الحاضرة... إلخ.
وكان في اطروحاتهم وإن لم تكن مباشرة اشارة واضحة إلى واقع اليمن واقع السلطة والمجتمع كان هذاالتيار حذراً لكن مراميه ومقاصده من الكتابة كانت واضحة لكل ذي بصيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.