( الحلقة الرابعة و العشرون ) مدينة المخا مدينة يمنية تاريخية سياحية وميناء تاريخي مشهور عالمياً منذ مئات السنين. تقع هذه المدينة التاريخية ذائعة الصيت على بعد 98 كم إلى الغرب من مدينة تعز. مدينة المخا مدينة عامرة منذ إنشائها حتى عصرنا الحاضر، وهي أحد الموانئ اليمنية التي تقع على البحر الأحمر ومركز لمديرية المخا في محافظة الحديدة. القبة التي تغطي بيت الصلاة - من القباب التي كثر استخدامها في العصر العثماني اعتقد الباحثون في العصر الحديث بأن مدينة المخا بنيت في العصر الإسلامي ( في القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي ) وذهب البعض إلى الاعتقاد بأن مدينة المخا هي مدينة موزع، والحقيقة هي أن مدينة موزع مدينة ساحلية تاريخية عريقة تقع على بعد 30 كم من مدينة المخا. ومن خلال بحثنا في المصادر التاريخية وبعض النقوش الكتابية التي كتبت بالخط المسند في عصر ما قبل الإسلام اكتشفنا بأن مدينة المخاء من المدن اليمنية القديمة التي شيدت واشتهرت في عصور ما قبل الإسلام، حيث كانت من الموانئ والأسواق اليمنية القديمة، ويرجع أقدم ذكر ووصف لمدينة المخا في المصادر الكلاسيكية إلى بداية النصف الثاني من القرن الأول الميلادي (سنة 75م تقريباً) في كتاب الطواف حول البحر الإريتري لمؤلف يوناني مجهول، حيث قدم لنا وصفاً دقيقاً لهذه المدينة، التي كانت كما يذكر سوقاً هاماً تصل إليه البضائع من بلدان مختلفة بكميات هائلة منها أنواع عديدة من الأقمشة الأرجوانية الناعمة والخشنة وأنواع مختلفة من الملابس الملونة، وزخرت متاجر مدينة المخا بالأزياء التقليدية اليمنية التي صنعت محلياً في المخا وفي غيرها من المناطق اليمنية. كانت مدينة المخا واحدة من المدن اليمنية الهامة وورد ذكر هذه المدينة في النقوش اليمنية القديمة ( المكتوبة بالخط المسند ) منها نقش جام رقم (1028) الذي يعود إلى القرن السادس الميلادي وهو عصر التبابعة ملوك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت، وقد ورد في هذا النقش بأنه في سنة 633 بالتقويم الحميري/ عام 523 ميلادي شن الملك يوسف اسأر يثأر المعروف بذي نواس، الحرب على عدد من المدن منها مدينة المخا. استمرت هذه المدينة عامرة وازدهرت وصارت من المدن اليمنية الهامة في العصر الإسلامي، ففي القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي كانت مدينة المخا من المدن التابعة لزبيد، وكانت مدينة عامرة بالسكان مشهورة بصناعة (السليط) الزيوت النباتية، ومن معالمها الدينية التي كانت مشهورة آنذاك مسجدها الجامع الذي يقع في طرف المدينة على ساحل البحر، ويتزود سكانها بمياه الشرب من بئر تقع خارج المدينة، ويذكر المقدسي (شمس الدين أبي عبدالله محمد بن احمد - توفي سنة 388ه/998م ) في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم بأن ملابس أهل المخا في تلك الفترة " غريبة ويلبس كل واحد منهم ثوباً واحداً جزء منه إزار والجزء الآخر يلتف بمثابة الرداء" كما كان أهل المخا يستخدمون زيت السمك في تغذية مصابيح الإضاءة. في نهاية القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي . قام أمير زبيد الحسين بن سلامة ببناء الجامع الكبير في مدينة المخاء. ازدهرت مدينة المخا وتطورت تطوراً عمرانياً كبيراً بين القرنين العاشر والثاني عشر الهجريين/السادس عشر والثامن عشر الميلاديين بفضل تجارة وتصدير البن منها حتى صارت من أشهر الموانئ في العالم ومن أهم المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، ومدينة المخا هي التي عَرْفَتْ العالم بالبن الذي كان يصدر من مينائها. ونظراً للجودة العالية التي تميز بها البن اليمني الذي كان يصدر من هذه المدينة فقد عرف ومازال يعرف باسمها (موكا) في كل بلدان العالم حتى اليوم. زار مدينة وميناء المخا فان دن بروكه في صيف 1025ه/1616م ، وهو أحد رؤساء البعثات التجارية الهولندية، وقد ذكر بروكه بأن ميناء المخا يعتبر أشهر المراكز التجارية على البحر الأحمر كما أنه ميناء كبير المساحة مفتوح من جميع الجوانب غير محاط بسور. يتميز هذا الميناء التاريخي الهام بجمال عمائره السكنية وهي عبارة عن عشرات البيوت الجميلة التي بنيت من الحجر المشذب الأزرق والأبيض، كانت معظم المنازل في مدينة المخا مبنية من الآجر الأحمر وبقية البيوت بنيت من القصب والطين وسقوفها من الأخشاب تغطيها طبقة من الطين، ويوجد في المدينة مسجدان وقلعة بنيت من الحجر الأزرق المنحوت شيدت شمال المدينة من جهة البحر بهدف حماية مرسى السفن، وكانت قلعة المخا مزودة بمدافع معدنية ذات قنابل حديدية. ويشير هذا الوصف بأن المدينة تحسنت أحوالها منذ بداية السيطرة العثمانية عليها ، وقد تطورت المدينة وازدهرت منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي وبداية عمليات تصدير البن من هذا الميناء الذي أصبح فيما بعد من أشهر الموانئ في العالم. تزخر مدينة المخا بالكثير من المنشآت والمعالم التاريخية منها : - الجامع الكبير الذي يرجع تاريخ بنائه إلى القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. أنشأه الشيخ الصوفي الولي الصالح علي بن عمر بم ابراهيم بن أبي بكر بن محمد بن دعسين الصوفي الشاذلي الذي ينسب إليه اكتشاف البُن لأول مرة في العالم، وتنظيم تجارته وإعادة بناء ميناء المخا وبناء المتاجر فيها، وإنشاء أقدم بيوت القهوة ، وعلى غرارها أنشئت بيوت القهوة في أوروبا أقدمها في مدينة مرسيليا في فرنسا ولندن في بريطانيا وامستردام في هولندا، وحتى اليوم يتداول الناس قصة اكتشاف الشاذلي للبن وهي نفس القصة التي وردت في المصادر التاريخية وقد ذكرنا هذه القصة الجميلة في المجلد الثالث من الموسوعة اليمنية (ط2.-، 2003) في الصفحات من 1672 إلى 1674. كان الشيخ علي بن عمر الشاذلي من العلماء العباد والصالحين الزهاد أصله من القبيلة المشهورة بأهل الشاذلية في وادي رماع، سافر إلى الحرمين الشريفين فحج وزار قبر النبي ثم سافر إلى القدس الشريف فاجتهد بالعبادة والقراءة وتهذيب نفسه وصحبته للصالحين حتى أنار قلبه ولزم طريقتي الشريعة والحقيقة، وكان ممن جمع العلم والعمل أما العلم فإنه كان يحفظ من كتب الحديث المصابيح للإمام البغوي وغير ذلك، ومن كتب الفقه الوسيط للغزالي والمنهاج للنووي وغير ذلك، ومن كتب النحو التسهيل ومقدمة ابن الحاجب وكتب الشيخ أثير الدين أبي حيان والتبديل والتعميل والتذكرة وكان لا يفارقها سفرا ولا حضرا، ومن كتب القراءات الشاطبية والعقيلة وغير ذلك، وأما العبادة فإنه كان كثير الصيام والقيام حتى كأن القيامة بين يديه والنار نصب عينيه، وقد ذكر أنه لما اجتهد بالعبادة ببيت المقدس ولزم طريقة الشاذلية وكان شيخها حينئذ الشيخ ناصر الدين الميلقاني الذي تولى القضاء الأكبر بمصر ثم عزل نفسه، فقصده الشيخ الشاذلي من بيت المقدس، فلما كان بينه وبين مصر مرحلتان تلقاه بعض أصحاب الشيخ ناصر الدين براحلة ركب عليها وزفوه إليه بالترحيب والبشارة في الخير وذلك على غير ميعاد، فعد ذلك من كرامات الشيخ الميلقاني فدخل إليه مصر وهو يخطب فأمره أن يقرأ الحديث والفقه على الإمام ابن النحوي مصنف شرح منهاج فقرأ وأجاز له وتأدب بآداب الشيخ ناصر الدين الميلقاني، وأخذ عنه الطريقة الشاذلية التي حرص بعد عودته إلى اليمن نشرها بين أتباعه في المخا وفي جميع مدن ومناطق تهامة. وصحب الشيخ الشاذلي جماعة من العلماء والفقهاء كالشيخ برهان الدين إبراهيم بن محمد الغزي والشاب التائب وغيرهما وعقدوا الأخوة فيما بينهم، وأقام بمصر نحو ثلاث سنين ثم قال الشيخ ابن الميلقاني للشاذلي اذهب حيث ينشرح صدرك وودعه، فسافر الشاذلي من مصر إلى الحبشة وأقام بها وتزوج بها أخت الشيخ سعد الدين سلطان اليمن بالحبشة فولدت له أولادا هناك ثم سار بهم فركبوا في البحر إلى المخا فلما وصل إلى هنالك وافق وصوله خوف امرأة من ذوات الأموال ادعي على ولدها بقتل فاستجارت وولدها بالشيخ الشاذلي وسألته أن يشفع لها إلى الوالي بالنظر بحالها وعدم القتل لولدها وبمالها، فشفع لها فأجيب إلى ذلك وطلب منه بعض كبراء البلد الإقامة عنده فأقام مكرما، فعلم أخو المقتول بشفاعة الشيخ فهم أن يفتك بالشيخ الشاذلي ويضربه بالسيف فالتفت إليه الشيخ الشاذلي فدعا عليه فصرع فحملوه إلى بيته فمكث أياما أو نحوه ومات، فجاءت قبيلته إلى الشيخ الشاذلي واعتذروا إليه، فكانت هذه أول كرامة ظهرت للشيخ الشاذلي، ونسبت إليه بعد ذلك كرامات كثيرة منها أنه حدث على ولد السلطان الناصر المسمى محمد جنون وخالف عليه أخوه حسين مع الرتبة بحصن تعز فقبضوا حصن تعز عليه فأرسل السلطان رسولا إلى الشيخ الشاذلي يطلب منه الدعاء بعافية ولده ورجوع الحصن وإن لم يفعل وصل إليه السلطان لذلك، فجوب للسلطان ودعا له فعوفي ولده ورجع الحصن إليه فأمر السلطان بدفع أربعة آلاف مثقال له فامتنع من قبضها ثم أمر السلطان أن يجعل له من النخيل ألف نخلة ومن الأراضي شيء كثير فامتنع من ذلك أيضا، ومنها أنه كان يفد إليه الضيف ولم يكن معه في بعض الأوقات ما يتجمل به إليهم ويقول له أهل بيته ما عندنا شيء فيقول انظروا في الآنية التي يكون فيها السمن والعسل فإنكم تجدون ذلك فيها، مع علمهم أنه ليس فيها شيء فيذهبون فيجدون فيها ذلك هذا بعض كراماته. وأما تحقيق حال الشيخ الشاذلي فقد قال تلميذه الشيخ شهاب الدين أحمد بن أبي بكر الشاذلي الحضرمي لما سئل عن حالة شيخه : الشيخ شمس الدين الشاذلي ما مثاله كان يتكلم في أسرار الحروف والأسماء ومقامات الصديقين ومراتب المقربين ولطائف الإلقاء وأكابر الملقين وخصائص المتقين ومذهبه الفناء بالله، يوسع على المريدين ويحمل عنهم التعب وينفي المشاق ويتصرف بحكم الله في القلوب والقوانين، قال خدمته خمسا وعشرين سنة ما أتى علي يوم إلا وأسمع منه كلاما غير الأول من محاسن الشريعة فيما هو مدد الوراثة المحمدية والعلم الرباني، وكان العلماء والفقهاء من أهل اليمن في عصره يثنون عليه ويزورونه بقصد التبرك والمؤاخاة في الله تعالى منهم أحمد بن محمد الرديني ومنهم يحيى بن أحمد المساوي وكان يأتيه إلى مدينة المخا لزيارته وقال فيه: كل عين تراه في كل حين تلك عين من العمى في أمان فلما سمع هذا البيت ذيله عليه الشيخ الشاذلي ارتجالا وقال : هذه العين تجتلى لمليح آنسته على الكثيب اليماني شهد العلماء من أهل عصر الشيخ الشاذلي له واعترفوا بفضله وممن كان يعظمه الشيخ العارف برهان الدين إبراهيم صاحب جيران وكذلك الشيخ الإمام القطب إبراهيم بن أحمد القديمي الحسني ومنهم الشيخ الإمام العالم المحقق أبو بكر بن محمد المحجوب، ومنهم الفقيه العالم القطب رضي الدين أبو بكر بن محمد بن عيسى الزيلعي وصل إليه إلى المخا للزيارة فهؤلاء أجل من اشتهر بالصلاح من صلحاء تهامة وقد شهد لهم المؤرخون بالولاية. ومن شعر الشيخ الشاذلي ما كتبه إلى الشيخ الصالح عماد الدين يحيى بن أحمد الأهدل القصيدة المعروفة التي أولها : بالحمد مفتتحي أمام مقاصدي وبها اختتامي لانتظام فوائدي. وهي قصيدة طويلة. وقد مدح بعض الشعراء الشيخ الشاذلي بعدد من القصائد، من ذلك ما قاله فيه صاحبه الشاب التائب وعرض فيه بمذهبهم في إتباع أبي الحسن الشاذلي فقال من قصيدة أولها: سر الإمام الشاذلي أبي الحسن إرث سرى بمخاء من حي اليمن ومما قال فيه الشاب التائب عظم مخاء إذا وصلت وقدسا فترى به للشاذلية قدسا وكتب إليه صاحبه الشيخ الولي إبراهيم بن محمد الغزي المشهور بابن زقاعة : عين حبي ولامه ثم ياء تمامه شاهدات بأنني من قديم علامه مغرم طول عمري ما تناهى غرامه ساهر طاوي الحشا ناحلات عظامه فهو في النار برده لو أتاه سلامه شام برقا يمانيا قال هذاك شآمه كلما هبت الصبا فاح طيبا خزامه وصله يوم عيدنا لحرام صيامه بمديح خدمته مثل در نظامه فهو للعلم جامع وهو عندي إمامه فجوب الشيخ شمس الدين الشاذلي بقوله : همزة ترقب الألف بسطة الباء تأتلف راء ريم برامه زارني وهو منتصف فهتف بالهاء هاتفا هاك وصفيك ذاك صف دارت اليا بمية ميم مي بها عرف ماء مزن نزوله بالمقامين فاغترف خذ سلافا معتقا خندريسا بها ارتشف عد إلى ما ذكرته يشهد الرقم بالكتف قام تركيب شكله من قديم لديه قف فاستقامت هياكل من قوى قامة الألف هذه دار عزة عز بالعين ملتحف تشهد الخل في حمى رية الخال معتكف أهيف القد أملد للرياحين مقتطف جاءني الزهر جملة يأتي الزهر مؤتلف وبمنظار عزة أنعمت نعم بالألف وواضح بأن الشيخ إبراهيم أودع أبياته حروف اسم الشيخ علي الشاذلي والشيخ الشاذلي أودع أبياته اسم الشيخ إبراهيم. توفي الشيخ شمس الدين علي بن عمر الشاذلي سنة ثمان وعشرين وثمانمئة هجرية ودفن بالمخا، وقبره معروف يزار ويتبرك به رحمه الله ونفع به. وللشيخ الشاذلي جملة من الأشعار والقصائد الكثيرة. وكان للشيخ شمس الدين علي بن عمر الشاذلي أولاد نجباء أنجبهم الشيخ الصالح عفيف الدين عبد الرؤوف كان والده يلقبه بأبي المكارم وكان الناس تبجله يومئذ في حياة والده فلما توفي والده قام بما قام به والده من إكرام الضيف والإحسان إلى الوافد وبذل ما بيده للفقراء والمساكين وغيرهم، فعلم الناس أن تسمية والده له بأبي المكارم كرامة له حتى كان لا يرد سائلا وقل أن يمسك شيئا مما يقع بيده بعد أن فتحت له الدنيا وملك منها شيئا كثيرا أنفقه في طرق الخير وقيل أنه خرج من جميع ماله مرات صدقة لله تعالى وكان مجتهدا بالعبادة كثير الصيام والقيام والذكر والتلاوة مقصودا للمهمات وتوفي سنة 850هجرية/1446م وقبره بجانب قبر والده رحمه الله ونفع به، ومن أولاد الشيخ علي بن عمر الشاذلي ولده الشيخ الزين كان يحذو حذو والده وأخيه بالعبادة وأفعال الخير وهو وأخوه أمهما بنت الشيخ سعد الدين التي تزوجها والدهما بالحبشة، وهذا الشيخ الزين هو الذي استجارت به جهة شقيق أخت السلطان الظاهر الغساني من ابن أخيها الملك الأشرف بن الظاهر لما أمر بإغراقها في البحر فقبل شفاعته فيها ثم بعد رجوعها إليه اغتالها الأشرف وقتلها فقيل أن الشيخ الزين دعا عليه فلم ينتفع بنفسه بعد ذلك بل مات وتفرق أولاده وأهله وذلك ببركة هذا الشيخ. التخطيط المعماري العام لجامع الشاذلي في مدينة المخا : عبارة عن بناء من الآجر مستطيل الشكل يتكون من قاعة للصلاة مستطيلة تفتح على الفناء في جهتها الجنوبية، وهذا الفناء مكشوف يتم الوصول منه إلى أماكن الوضوء والمئذنة والقبة الضريحية التي تضم تابوتين يغطي الأول قبر مؤسس الجامع الشيخ علي بن عمر الشاذلي ويغطي الثاني قبر أحد أولاده. بنيت هذه القبة الضريحية في العصر العثماني، وتذكر بعض المصادر التاريخية بأن الوزير العثماني حسن باشا أمر بعمارة قبة الشيخ الكبير والولي الشهير علي بن عمر الشاذلي صاحب المخا بمباشرة علي شلبي وأمير بندر المخا الحلبي فعمرها عمارة متقنة وجدد التابوتين وكساهما كسوة حسنة من الصوف الأخضر وكان ابتداء العمارة وختامها في سنة ألف من الهجرة النبوية ثم أمر الوزير حسن باشا بعمارة جامع كبير شرقي القبة وشاميها فبنى بناء أكيدا وتم ونصب فيه منبرا من الحجر الأخضر ثم بنيت له منارة عجيبة في غاية الطول والنحافة واللطف واستمرت الخطبة وصلاة الجمعة والجماعة في مسجد الشاذلي بمدينة المخا. ومن المساجد التاريخية فيها : مسجد الدابولي وهو من المساجد التاريخية المعروفة في المخا ، ويسمى مسجد الحنفية : أنشأه الفقيه عمر بن قاسم الدابولي وجعله جامعا للحنفية سنة أربع وثمانين وتسعمائة 984هجرية/1573م، وبعد الفراغ من بناء المسجد قال السيد حاتم الأهدل تاريخ المسجد بحساب الجُمل في بيتين من الشعر مسجد فيه جمال فيه أنوار بهية وافق التاريخ منه مستقر الحنفية (ناتج جمع قيمة حروف جملة مستقر الحنفية يساوي 984- سنة بناء المسجد). من علماء مدينة المخا المشهورين الشيخ حاتم بن أحمد الأهدل. ومن العلماء القادمين إلى مدينة المخا في سنة 981هجرية/1573م الإمام أبو بكر بن برهان الدين إبراهيم مطير، فكتب إليه الشيخ حاتم بن أحمد الأهدل سؤالاً تضمنته الأبيات الشعرية التالية : يا من له في النحو فهم ثاقب ودراية في الشعر من بين الملا أوضح بفضلك في جوابا شافيا عن بيت شعر شكله قد اشكلا البيت هذا من قصيد قاله عبد الرحيم فصح لنظم قد حلا ذكر المعاهد والزمان الأولا فبكى لأيام العندليب وأعولا وبدا له برق بأبرق رامة وهنا فبات من الجوى متململا نامت عيون العالمين فلم ينم وسلت قلوب العاشقين وما سلا إن كان فارقه الفريق فروحه معهم تسير مع الهوادج في الفلا هل إن تراها في الأخير بكسرة أو فتحة حقق هديت تفضلا فأجاب الشيخ مطير على سؤاله في الأبيات التالية : إن في الكلام بكسرة شرطية والفاء جوابا جاء بعد مفصلا ويريد إن هم فارقوه فروحه معهم ملازمة تساير في الفلا والفتح لم يظهر له معنى وإن قلنا به جاء الجواب معطلا ولقد أجاد الشاعر المنطق في لفظ بديع مع فصاحته حلا حالت بلاغته القريظ فخلته وشيا على الحسنا يفوق على الحلا لازالت الألفاظ طوع مراده وفؤاده بالدر صار مكللا ثم الصلاة على النبي وآله وصحابه والتابعين على الولا مدينة المخا ميناء تاريخي عالمي ذاع صيته وبلغت شهرته كل بيت وكل شبر من الكرة الأرضية، فلا يوجد أحد في عالمنا المعاصر لا يعرف بُن المخا. وللأسف أُهملت هذه المدينة التاريخية المشهورة في العصر الحديث إهمالاً شديداً ولم تحظ بالاهتمام الذي تستحقه، ، ولم تعرها الدولة ولا المستثمرين ولا الإعلام عناية. وبسبب ذلك تهدمت العديد من عمائرها وقلاعها التاريخية والأثرية. مدينة وميناء المخا تراث قومي يمني وعربي وإسلامي وعالمي لابد أن نحشد الطاقات والإمكانات للحفاظ على آثارها وتراثها المعماري والحضاري، وينبغي أن تتعاون الدولة والمستثمرون لبناء وتجهيز كافة المرافق السياحية فيها وتوفير الخدمات اللازمة، حينها ستكون مدينة المخا من أشهر وأهم المناطق والمدن السياحية في العالم بل والأكثر جذباً وإغراءً للسائحين والزوار بفضل صيتها ومكانتها التاريخية. وندعو السلطة المحلية في المخا أولاً وفي المحافظة التي تتبعها ثانياً إلى وضع الدراسات والخطط الضرورية لترميم منشآت ومعالم المدينة وتطويرها وتأهيلها سياحياً ومتابعة أجهزة الدولة لتنفيذ ذلك بالتعاون مع رجال المال والاستثمار من داخل وخارج الوطن.