( الحلقة التاسعة عشرة ) سميت هذه المدينة باسم «بيت الفقيه ابن عجيل» نسبة إلى مؤسسها الشيخ الصوفي الفقيه أحمد بن موسى بن عجيل أحد مشاهير مشائخ الصوفية في اليمن في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي. مدينة بيت الفقيه مدينة تاريخية سياحية رائعة، تقع على بعد 65 كم جنوب شرق مدينة الحديدة، وهي مدينة كبيرة تعد في الوقت الحاضر ثاني أكبر مدن تهامة بعد مدينة الحديدة من حيث المساحة وعدد السكان. مدينة بيت الفقيه هي مركز لمديرية بيت الفقيه، وهي منطقة واسعة تسكنها قبائل الزرانيق. يحد مدينة بيت الفقيه من الشمال مديريتي المنصورية والمراوعة، ومن الشرق جبال ريمة، ومن الجنوب مديرية الحسينية، ومن الغرب البحر الأحمر. يعود تاريخ إنشاء مدينة بيت الفقيه إلى منتصف القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي، حينما اختار الفقيه أحمد بن موسى بن علي بن عُجيل موضعاً يقع بين مدينة زبيد ومدينة الحديدة، وبنا له بيتاً في هذا الموضع، الذي كان يسمى كُدف الحصيب أو كثيب الحصيب أو الشوك وعرف منذ بناء الفقيه ابن عجيل مسكنه فيه ببيت الفقيه. كان للشيخ ابن عجيل أتباع وطلاب مريدون قدموا إلى نفس الموضع وأحبوا السكن بجوار شيخهم، فبنوا لهم بيوتاً بجوار بيته، فتكونت قرية جديدة هي قرية بيت الفقيه ابن عجيل، وقد تطورت هذه القرية وازدهرت حتى أصبحت واحدة من المدن التهامية الكبرى. وحتى اليوم لا تزال هذه المدينة تحمل اسم الشيخ الجليل ابن عجيل، صاحب أول دار بني في موقع هذه المدينة. وقد ذكرها الرحلة ابن بطوطة الذي كان معاصراً للشيخ أحمد بن عجيل. توفي الشيخ أحمد بن موسى بن عجيل سنة 690هجرية- 1294م، وقد ذكر ذلك المؤرخ علي بن الحسن الخزرجي في صفحة 218 من كتابه «العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية» فقال :«وفي هذه السنة أعني تسعين وستمائة توفي الفقيه الإمام العلامة قطب اليمن وعلامة الشام واليمن أبو العباس أحمد بن موسى بن علي بن عمر بن عجيل. وكان مولده في شهر رمضان أحد شهور سنة ثمان وستمائة، وكان إماماً من أئمة المسلمين، عالماً عاملاً صالحاً ورعاً زاهداً، لم يكن في الفقهاء المتأخرين من هو أدق منه نظراً في الفقه ولا أعرف به منه، غواصاً على دقائق الفقه، موضحاً لغوامضه، معدوداً تاج العلماء وختام أهل الحقائق ، أجمع على تفضيله المخالف والمؤَالف، ولم يتردد في صلاحه وفقهه جاهل ولا عارف، تفقه بعمه إبراهيم بن علي وبه تفقه جمع كثير من نواح شتى. وكان مبارك التدريس، دقيق النظر فيه، وإلى ذلك أشار الفقيه أبوالحسن علي بن أحمد الأصبحي صاحب «المعين» حين سئل عن شيءٍ من معاني كلامه على بعض مشكلات المهذب فأجاب عن ذلك وبيّنهُ ثم أثنى على الشيخ ابن عجيل، الذي يذكر الخزرجي بأنه كان صاحب كرامات مشهورة ومآثر مذكورة. كان لموقع مدينة بيت الفقيه - على طريق القوافل التجارية القادمة من بعض المدن المشهورة آنذاك، كالكدراء والقحمة (مدينة الكدراء : كانت تقع فيما بين مديريتي المنصورية والمراوعة، ومدينة القحمة من المدن التاريخية التي كانت تقع في مدينة الحسينية الواقعة شمال مدينة بيت الفقيه، وجميعها في محافظة الحديدة) - الفضل في توسعها وتطورها، فقد كانت تلك القوافل، الذاهبة إلى فشال وزبيد، تتوقف في بيت الفقيه لأخذ قسط من الراحة والتزود بالماء والطعام.. شهدت مدينة بيت الفقيه تطوراً كبيراً وتوسعت عمرانياً في العصور المختلفة حتى صارت من أكبر وأهم مدن تهامة. كانت مدينة بيت الفقيه في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين-السابع عشر والثامن عشر الميلاديين أهم مراكز تسويق منتجات البن في اليمن، ويذكر الرحالة الأوروبي كارستن نيبور- الذي زارها في القرن الحادي عشر الهجري -السابع عشر الميلادي بأن مدينة بيت الفقيه كانت أهم وأكبر أسواق تجارة وتسويق البن في العالم في تلك الفترة، ويعود الفضل في ذلك إلى موقعها القريب من ميناءي المخا والحديدة، ولقربها أيضاً من مناطق هامة ومشهورة بزراعة البن مثل جبال ريمة وجبل بُرع، فقد كانت منتجات هذه المناطق وغيرها، من البن، تباع في هذه المدينة، ثم يقوم التجار بنقل تلك المنتجات الزراعية إلى ميناء المخاء ليتم تصديرها إلى الخارج. تشتهر مدينة بيت الفقيه بصناعة السجاد وحياكة الملابس وجودتها، وصناعة الأواني الفخارية. كما تشتهر بزراعة الحبوب المختلفة وأنواع من الفواكه والخضروات، وفي الشمال الغربي من المدينة توجد منطقة العباسي التي تعد حقولها حالياً أول منتج في اليمن لأرقى وأفضل وأطيب أنواع زهور الفُل، ويُصَدَر يومياً من سوق العباسي إلى كل المدن اليمنية وإلى المملكة العربية السعودية. تخطيط مدينة بيت الفقيه : مدينة بيت الفقيه منذ إنشائها مدينة غير مسورة، وكانت مقسمة إلى خمسة أحياء هي الحوك، والهنود، والمحازرة، والصليفيين والعماري. شهدت المدينة خلال النصف الثاني من القرن العشرين توسعاً وتطوراً عمرانياً كبيراً، وتكونت العديد من الأحياء الجديدة. تتميز مدينة بيت الفقيه القديمة بعمائرها السكنية التقليدية الرائعة، كما تتميز بوجود العديد من المعالم الأثرية والتاريخية والسياحية أهمها : قلعة بيت الفقيه : بنيت هذه القلعة على مرتفع رملي يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من المدينة. يرجع تاريخ بناء هذ القلعة إلى فترة الوجود العثماني الأول في اليمن، في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري-السادس عشر الميلادي تقريباً. التخطيط المعماري العام للقلعة : بناء مستطيل الشكل يضم مجموعة من المباني تتركز المباني السكنية في الجهتين الشرقية والشمالية، وفي الجهتين الجنوبية والغربية المقابلة للمدينة يوجد مسجد القلعة والمباني التي كانت تستخدمها الدولة مكاتب حكومية عسكرية وإدارية. كل يوم يمر هذه الأيام يسقط جزء من هذه القلعة التاريخية الهامة، التي بدأت منذ عدة سنوات تتعرض للهدم وتفقد الكثير من عناصرها المعمارية الرائعة. يجب إنقاذ هذا المعلم التاريخي السياحي الهام والبدء بترميمه قبل أن ينتهي ويختفي من الوجود ، وتأهيله ، وصدقوني أن هذه القلعة إن تم ترميمها وتأهيلها لتكون فندقاً سياحياً فستكون من أجمل الفنادق المحببة لدى غالبية السائحين. ومن الآثار الإسلامية الهامة في مدينة بيت الفقيه : الجامع الكبير الذي ينسب بناؤه إلى مؤسس المدينة الشيخ أحمد بن موسى بن عجيل في القرن السابع الهجري-الثالث عشر الميلادي. ويروى أن الشيخ ابن عجيل كان يسكن بالقرب من هذا الجامع، ويدرس طلابه فيه. تخطيط الجامع : بناء مستطيل يتكون من قاعة للصلاة وأروقة تفتح على فناء مكشوف يتم الوصول منه إلى البركة وأماكن الوضوء. كان الجامع الكبير بمدينة بيت الفقيه، إلى جانب وظيفته الدينية، مركزاً ومدرسة لنشر العلم، ويرتاده طلبة العلم من أبناء مدينة بيت الفقيه والمناطق المجاورة لها، وكانت حلقات الدرس تعقد يومياً في هذا الجامع منذ إنشائه في القرن السابع الهجري- الثالث عشر الميلادي وحتى الربع الثالث من القرن العشرين. مسجد وقبة الشيخ أحمد بن موسى بن عجيل : يقع المسجد في قرية العجالية التي كانت تقع خارج مدينة بيت الفقيه، وبفضل التطور والتوسع العمراني الذي تشهده مدننا اليمنية، توسعت مدينة بيت الفقيه حتى وصل العمران إلى قرية العجالية التي صارت في وقتنا الحاضر تشكل جزءاً من مدينة بيت الفقيه. ينسب بناء هذا المسجد إلى الشيخ أحمد بن موسى ابن عجيل. الوصف المعماري للقبة : تتكون من بيت للصلاة مربع الشكل تغطيه قبة شبه كروية الشكل. يتوسط المحراب جدار القبلة، وتفتح في الجدار الشرقي لبيت الصلاة ثلاث فتحات مستطيلة. يتم الدخول إلى بيت الصلاة من فناء مكشوف بواسطة باب يفتح في منتصف جدارها الجنوبي. للمسجد مدخلان : المدخل الرئيس يفتح في الجهة الجنوبية والمدخل الثاني يفتح في الواجهة الشرقية للمسجد. وملحق بهذا المسجد بركة وبئر وينسب بناؤهما إلى الشيخ ابن عجيل. المنشآت المعمارية التاريخية السياحية في مدينة بيت الفقيه القديمة تقدم طرازاً معمارياً وعناصر زخرفية انتشرت في منطقة تهامة في عصر الدولة الرسولية. يعد سوق مدينة بيت الفقيه «يوم الخميس من كل أسبوع» واحداً من الأسواق المشهورة في اليمن، والسائحون القادمون إلى اليمن يحرصون على الذهاب إلى مدينة بيت الفقيه لمشاهدة هذا السوق التقليدي المذهل. سيكون من الرائع جداً ومن مصلحة الوطن أن يتوجه رجال الأعمال لتنفيذ مشاريع سياحية كالفنادق والمتنزهات وفي محيط المدينة الأخضر البديع تبنى القرى السياحية، وأنا أقول لرجال الأعمال والمستثمرين: ثقوا ثقة تامة بأن مثل هذه المشاريع ستكون مربحة جداّ، ولن تخسروا أبداً، لأن موقع مدينة بيت الفقيه بين البحر والجبل وقربها من العديد من المناطق الأثرية وعدد كبير من المدن والموانئ التاريخية العريقة المشهورة كمدينة زبيد والحسينية ومحمية برع ومنتجع السخنة وغيرها، وتراثها الغني يجعلها أكثر قدرة من غيرها على جذب السائحين وإغرائهم بالقدوم لزيارتها وقضاء أوقات جميلة وممتعة فيها.