كعادة أهل الريف يفرحون بنزول المطر وينتظرون مجيئه بفارغ صبرهم يحتفلون بقدومه وكأنه العيد...لكن دائماً الفرحة لاتكتمل...و لابد من شيء ينغصها ..ويعكر من صفوها..ليتحول الفرح إلى حزن والضحك إلى بكاء وخصوصاً بوجود..المنغصين لافراحنا.. المبكين لوجوهنا..الماسحين لابتساماتنا التي ارتسمت على شفاهنا.. كان الجو ممطراً وكانت السماء صافية.. وكانت الأجواء هادئة وجميلة...وكان الناس في قمة الفرح والسرور. البداية كانت عندما أراد العجوز الذي قارب سنه الخمسين عاماً أن يحجز المطر لمزرعته فقط.. ورفض وأصر على رفضه بأن يترك مجالاً للمزرعة المجاورة من أن يكون لها النصيب من المطر.. بينما أصر صاحب المزرعة المجاورة على سقي مزرعته وأخذ يحاور العجوز بلطف ويسر كبيرين محاولاً الوصول إلى حل يرضي الطرفين وقدم بعض التنازلات منها أنه موافق أن يبدأ العجوز بسقي مزرعته بينما هو عليه الانتظار...وبعد تفكير عميق.. ومحاولات عديدة للوصول إلى حل...واصل العجوز وابنه الشاب إصرارهما بعدم الرغبة في ترك المزرعة المجاورة لتأخذ نصيبها من المطر.. مما أدى إلى سخونة المسألة وازدياد تعقيدها ووسط الكثير من المهاترات الكلامية التي صاحبتها الاشتباكات اليدوية...ازداد الأمر سوءاً.. وازدادت المسألة تعقيداً ووسط ذلك الشجار الذي تخلله الكثير من السباب والشتائم التي فتحت بدورها أبواباً كانت قد أغلقت ومضى على اغلاقها ردحاً من الزمن..فذكر هذا لذاك مشكلته القديمة معه وهذا بدوره فتح باباً آخر كان قد أغلق هو الآخر. وأخذ الطرفان يتبادلان الكثير من السباب و الشتائم الأمر الذي دعا إلى دورة جديدة من المهاترات الكلامية والاشتباكات اليدوية..ومع مرور الوقت وبعد أن فقد الوالد الأمل من أن مزرعته سيكون لها نصيب هذه المرة من المطر السحب بخطى ثقيلة وكله حرقة وألم عائداً إلى المنزل مصطحباً ابنته «ابنة الست السنوات» معه بينما ظل ابنه يحاول بطريقة وبأخرى من الدفاع عن المزرعة وعدم التنازل عن حقهم.. في ذلك الوقت كان الأب موشكاً على الوصول إلى المنزل وقبل أن يهم بالدخول سمع صوتاً ينادي باسمه من بعيد.. تهلل فرحاً و ظن أن العجوز وابنه قد عادا إلى رشدهما وتراجعا عن موقفهما وأن ابنه قد نجح في اقناعهما وأسرع مهرولاً ولكنه فوجئ بأن أحد أفراد القرية يخبره أن المسألة قد ازدادت تعقيداً وأن ابنه قد لقي ضربة بالمحراث أردفته صريعاً على الأرض. جن جنون الرجل وأسرع إلى مكان الحادثة وعندما وصل كان المكان قد عج بالناس وكان أهل القرية قد انقسموا لفريقين فريق مع هذا وفريق مع ذاك..التحم الطرفان وتشابكت الأيادي وارتفعت حدة العراك الذي تم فيه استخدام العصا وأدوات الزراعة وكل ما كان متوفراً هناك.. وبينما هم في ذلك العراك الساخن الذي كانت ترتفع حدته مع مرور الوقت.. أخذ الوالد المحراث وضرب به رأس العجوز المتعجرف الذي أبى أن يتركهم يأخذوا نصيبهم من المطر كأي مزارع في القرية..وعندما شاهد الابن أباه قد سقط صريعاً إثر الضربة.. هرع إلى سلاحه الشخصي «جنبيه» ليضع حداً نهائياً لحياة الرجل الذي ضرب أباه برأسه ولينهي ذلك العراك الساخن.. أوغر الجنبية في أحد ساقي الرجل عندها سقط الرجل صريعاً على الأرض كل هذا والفتاة تشاهد ماحدث لأبيها بعد أن ضربوا أخاها في رأسه..هرعت الفتاة الصغيرة إلى المنزل باكية متعثرة بكل من كان أمامها وحضرت الأم التي حاولت بدورها أن توقف من النزيف الذي كان ينصب من كتفه..الجهات الأمنية من جانبها وفور تلقيها البلاغ هرعت إلى مكان الحادثة وتم القبض على الجاني فيما حمل المجني عليه إلى مكان قرب مدرسة وعندما وضعوه على الأرض والتف أولاده حوله لم تمض دقائق قليلة إلا ولفظ أنفاسه الأخيرة وانتقلت روحه الطاهرة إلى بارئها..عج المنزل بالبكاء والصراخ بكى عليه أهله وجيرانه وكل من يعرفه..بعد عدة محاولات ومحاكمات طالب أولياء الدم بإعدام الجاني.. وتدخل عقلاء القرية ووجهاؤها حاولوا إقناعهم بالصلح بشتى الطرق والوسائل لكن محاولاتهم جميعها باءت بالفشل وبعد سنة نطق بحكم الإعدام وفي اليوم المقرر بإعدام الجاني وبعد أن تم عرضه على الطبيب الذي خطط مكان القلب وفي تلك اللحظة وعندما اجتمع أولياء الدم مع أهل الجاني وحان موعد تنفيذ الحكم..أخذ الجاني يصرخ ويستجير بكل ماأوتي من قوة ويطلب الصلح والعفو عنه ووسط ذلك الصراخ والاستجارات تأثر ابن المجني عليه بتلك الأصوات التي ما أن نسمعها حتى يتقطع قلبك ولأن صراخه وبكاءه دل على ندمه على الجريمة التي اقترفتها يداه ووقف ابن الجاني متردداً بكلمة ممكن أن يقولها وهي تفصل بين حياة أو موت بعد تفكير قصير صرخ مسامحاً من كان السبب في حرمانه وأخوته من والدهم.. عندها هرع الجميع إليه وأخذوا يقبلونه تارة برأسه وأخرى بيده وأخيرة بجبينه.. لكنه لم يشعر بهم جميعاً وقف مصدوماً شعر بأنه أجرمك بحقه وبحق أسرته فكيف أعفو عمن قتل أبي شعر بأنه لاشيء وبأنه هو من يتم اخوته وفكر بوالدته التي لن تعفو عنه مطلقاً.. بكى بحرقة شديدة و كان والده توفي للتو.. وغادر القرية متخفياً وخوفاً من أعين الناس ومن عتاب والدته...لكنه عاد بعد أيام وارتمى في حضن والدته و أخذ يقبلها وهو يبكي ويقول: سامحيني ياأمي لم أستطع أن أراهم وهم يزهقون روحه وأنا بإمكاني أن أعفو عنه بكلمة...سامحت الأم ولدها ورفضوا أن يأخذوا الدية لكن بعد إصرار شديد من أهل الجاني قرروا أخذها. قضت الأسرة عدة سنوات تتجرع الكثير من الحرمان والإهمال بعد وفاة الوالد إلى أن جاء النصيب لمعظم الفتيات وتزوجن وتزوج الابن الأكبر...بقي في المنزل طفلتان الأولى التي شاهدت والدها وهو يقتل وأخرى تصغرها بسنوات قليلة..التحقت الكبيرة «بدار الوفاء لايواء ورعاية اليتيمات فرع تعز لمؤسسة الرحمة للتنمية البشرية» بينما طلت الأخرى في أحضان والدتها،