صنعاء .. سبأ فنان تشكيلي ، نادر من نوعه وزمانه، ترعرع على رسم وتشكيل القرآن الكريم منذ نعومة أظافره، وتربى على مدرسة القرآن، فحمل رسالة الحب والسلام على أكتافه، ليطوف بها مختلف أصقاع الأرض.. المبدع أحمد بن أحمد الرباحي الذي انتقل إلى جوار ربه تعالى يومنا يعتبر أول فنان يمني يكتب المصحف الشريف في أصغر لوحة فنية تشكيلية ليس على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العربي والعالمي ، ذلك الفنان الذي ترك ريشته الروحانية، تعلن حزنها ورثاءها والحداد وحيدة. لقد رحل فنان اليمن الأول في رسم القرآن الكريم والزخارف والخطوط الإسلامية عن عمر يناهز ال 52 عاماً بعد أن أفنى عمره في خدمة الحرف القرآني ووظف موهبته الإبداعية في مواءمة الرسم القرآني بالهندسة الكونية، وجسد المصحف الشريف بما يتلاءم مع عظمة الخالق عز وجل. وجسد الراحل حبه لمن يستحق الحب وهو الخالق الأعظم لكل مظاهر الحب والخير والجمال ، فإذا كان الفقيد قد غادرنا جسداً إلا أن إبداعاته لاتزال تشهد له بمآثره الفنية الجليلة وسيخلد ذكراها على مدى الزمن . الفنان التشكيلي اليمني الفقيد أحمد الرباحي استطاع أن يكتب المصحف الشريف كاملاً في اصغر لوحة فنية بالعالم بمقاس 30 في 40 سنتيمتراً يتوسطها لفظ الجلالة "الله" استغرقت كتابتها 7 سنوات و3 شهور إضافة إلى تشكيل 130 لوحة فنية بالرسوم والزخارف للقرآن الكريم. ووصف رحيله المستشار الثقافي لرئيس الجمهورية شاعر اليمن الكبير الدكتور عبد العزيز المقالح رحيل الفنان بالفاجعة الكبيرة لمحبي واصدقاء الفنان وخسارة على الشعب اليمني. وقال الدكتور المقالح "رأيت أعمالاً رائعة تؤكد ظهور فنان جديد مبدع ومختلف ومتميز وقادر على طرح أفكار ورؤى فنية راقية و جديدة في فنه مستمدة من القرآن الكريم وآياته العظيمة.. معبراً عن حزنه الشديد على الغياب المفاجئ لمثل هذا الفنان الذي قدم في فترة قصيرة لوناً جديداً ومثيراً للإعجاب. واضاف إنه كان يتمنى أن يمد الله في عمره ليقدم للشباب إضافة جديدة ومهمة نادرة في الفن التشكيلي في اليمن" . واعتبر وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي رحيل الفنان الرباحي خسارة كبيرة على الساحة الثقافية كونه انفرد بلون من ألوان الفنون التشكيلية (كتابة القرآن الكريم وزخرفته الإسلامية). وقال الوزير إن الفقيد من الفنانين المتميزين الذين اختطوا لأنفسهم طريقاً ومتميزاً باختياره خط القرآن الكريم ورسمه وزخرفته الإسلامية ومثل اليمن في الكثير من المعارض الدولية في الخارج. واضاف إن أعماله مثار اهتمام للكثيرين ويشكل رحيله خسارة كبيرة للساحة اليمنية" .. مشيداً بإسهامات ومناقب الفنان في وضع الأحرف القرآنية رسوماً تشكيلية لا تضاهى على الإطلاق كصورة نادرة من نوعها في العالم العربي. رئيس جمعية المنشدين اليمنيين علي محسن الأكوع أشار إلى أن اليمن خسرت بوفاة الفنان الرباحي علماً من أعلام اليمن الذين أفنوا حياتهم في سبيل خدمة الفن الإسلامي الهادف والفريد من نوعه .. مؤكداً أن هذا الفن لم يسبقه أحد على مستوى العالم. وأرجع ذلك الى أنه استطاع أن يخط المصحف الكريم في أصغر لوحة فنية بالعالم وقال إنه حدث نادر فقد أحب التقرب إلى الله بالأعمال الفنية للقرآن الكريم والكون فأحبه الله . وتوقع الأكوع الذي كان أحد المهتمين بالتراث الاسلامي أن أعمال الفقيد الراحل سوف تخلد مدى الحياة لأنها مرتبطة بأشكال ومخطوطات إسلامية متنوعة للقرآن الكريم والسموات والأرض والطبيعة والنجوم والكواكب .. مضيفاً :إن هذا الفن جعله علماً بارزاً في اليمن وأنه خسارة على الأمة العربية والإسلامية. وفيما اعتبر الأديب والكاتب أحمد ناجي أحمد نائب أمين عام اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين رحيل الفنان الرباحي خسارة على الحركة الفنية والثقافية في اليمن وخاصة فيما يتعلق بالفنون المتميزة للكتابة القرآنية بمختلف الخطوط والرسومات والأشكال الفنية الإسلامية الجديدة.. وقال إننا في الوسط الثقافي والفني ندعو وزارتي الثقافة والأوقاف لحفظ وتوثيق أعماله في إصدار مميز وطباعتها ونشرها لتكون في متناول الباحثين والمهتمين بسمة الخطوط العربية والإسلامية والأعمال الفنية والإبداعية الخاصة بالقرآن الكريم. وفي حديث سابق لوكالة الأنباء اليمنية أشار الفقيد الرباحي انه عكف على كتابة المصحف الكريم في لوحة فنية مقاسها 30 في 40 سنتيمتراً لمدة 7 سنوات متواصلة يتوسطها لفظ الجلالة "الله" في شكلها الأول والنادر التي يكتب بها لفظ الجلالة بهذا الشكل. وتميزت بتطوير اللام لتصبح لامين منفصلتين بدلا من كونها مشتركة مع اللام الأخرى، في شكل لوحة تشكيلية، وتقع لفظ الجلالة في أوساطها وبداخلها 70 سورة من القرآن الكريم. و لا تقرأ اللوحة إلا إذا استعرضت بجهاز تكبير أو شاشة سينمائية لأن الخط صغير جدا ويفصل عن كل جزء وحزب علامات ونجمات والخط الأخضر يعتبر كتابة الآيات والأحمر البسملة ويعتبر الخط الأبيض الصغير هو بداية كل سورة وهذه اللوحة تعتبر اصغر لوحة في العالم. وركز الفنان في العديد من اللوحات القرآنية على جعل خليتها السماء بزرقتها ونجومها، منطلقاً في ذلك من قوله تعالى "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض.. وهي دعوة للتفكر والتأمل في السماء كونها تدل على عظمة الله سبحانه وتعالى. واعتبر الرباحي أن جميع الأعمال الفنية التي قدمها خلال معارضه السابقة التي احتوت على اكثر من 130 لوحة تشكيلية لآيات وسور القرآن الكريم ولفظ الجلالة " الله " إضافة إلى تشكيلات إسلامية عن السماء والكواكب والنجوم كانت نتيجة لتجربة متصلة بقراءة القرآن. وتحولت فيما بعد الى فكرة لكتابة القرآن في لوحات تشكيلية تعبر في تكويناتها غير المحدودة عن رؤيته للحياة والكون والوجود مما ورد في نصوص الآيات القرآنية الكريمة من المعاني والدلالات العظيمة. كما ساهمت في اثراء ذلك مشاهدته للطبيعة خلال عمله السابق في مجال السياحة..وتتميز تجربة الفنان الراحل الرباحي بتقديمها أعمالاً تشكيلية غير مسبوقة في تاريخ الفن الإسلامي والفن الحديث اذ اعتمد الفنان في صياغتها على أسلوب جديد، جعل لكلمات المصحف الشريف بالكامل وظيفة مرئية إلى جانب وظيفتها اللفظية المسموعة والمقروءة. رسالة الفنان وحملت الغايات لرسالة الفقيد الرباحي والتي عبرت عنها كتابة سورة القرآن بالخط النملي في لوحات تشكيلية فريدة ومتنوعة (رسالة سلام ومحبة) موجهة للعالم اجمع تدعوهم بلغة فنية مفهومة للجميع إلى التواصل والتفاعل الخلاق في إطار قيم الحق والعدل والجمال التي تعتبر قيماً مشتركة بين بني البشر كافة . وأشار الراحل إلى أن الهدف من هذه الصور هو التأكيد بأن الإسلام دين رحمة وسلام ورسالته التي اختارها الله تعالى بلغة عربية موجهة للعالمين ليبرهن على قدرة الحرف العربي على استيعاب ومواكبة المعطيات المعاصرة في المدارس والاتجاهات الفنية الحديثة.. ويحث الكبار والصغار على القراءة والكتابة ويدعوهم للاقتراب من جماليات النص القرآني وتدبر ما تضمنته الآيات الكريمة من معان ودلالات عظيمة. كما يحفز الشباب على ارتياد ميادين جديدة للإبداع ويحثهم على التسلح بقوة الإرادة والصبر والمثابرة عند إنجاز الأعمال وتهذيب النفس البشرية ويرتقي بالأذواق ويجذب الآخر لاستشراف جماليات هذه الأعمال وعمق فكرتها النابعة من القرآن الكريم وان هذا المشروع يتجه لعموم الجمهور. كما يقدم نموذجاً فنياً وإبداعاً راقياً لثقافتنا المتصلة بلغة الوحي لخاتم البشرية (العربية) المنزلة على النبي صلى الله عليه وسلم.