لم تكن الشابة العشرينية أشواق الضحية الأولى أو الأخيرة من بين مئات الشبان والشابات العاملين في القطاع الخاص اليمني بمختلف مسمياته وأنواعه.. لكنها كانت الأولى كما أعتقد التي امتلكت جراءة الكلام مقاطعة مؤتمراً صحفياً كان رب عملها قد دعا إليه عشرات الصحفيين من ممثلي وسائل الإعلام والصحافة المحلية الرسمية والحزبية تدشيناً لمؤتمر الجودة في المؤسسات الصحية.. وهناك بدأت قصة تحقيق نضعه اليوم بين يدي القراء والمهتمين متأخراً بعض الشيء لكنه واقع قائم يحكي مدى التزام القطاع الخاص الإنتاجي والخدمي والتجاري بمسئوليته الاجتماعية. حقائق مؤلمة كنا أكثر من 40 صحفياً وإعلامياً في إحدى القاعات التابعة لنادي ضباط الشرطة في مهمة عمل مؤتمر صحفي يدشن أول مؤتمر علمي للجودة في المؤسسات الصحية بينما كان المسئول عن تنظيم المؤتمر يتحدث عن الجودة والمؤتمر وأهدافه كانت أشواق خريجة قسم العلاقات العامة في كلية الإعلام تمرر ورقة ملفوفة من آخر القاعة نحو رب عملها الذي تربع خلف المذياع وأضواء فلاشات الصحفيين تلقى الورقة الملفوفة وفردها لينظر محتواها المطالب بحق شرعي هو عمولة أشواق من عمليات تسويق أكسبت الرجل رعاية تجارية للمؤتمر بالعملة الصعبة ولم يكن الرجل على استعداد لإعطاء الفتاة حقها التي لم تجد طريقة أخرى تجبره على دفع مستحقاتها الا بتلك الطريقة أمام عشرات الصحفيين. الرجل أشار إلى سكرتيرته ليهمس في أذنها وخرجت من القاعة لتعود ومعها اثنان من رجال الأمن يتقدمون من الفتاة أشواق..في محاولة طردها من القاعة لكن أشواق باغتت الجميع بمقاطعة المؤتمر وسرد حكايتها كلمة كلمة فيما رب عملها كان لايزال ممسكاً بالميكرفون يتصبب عرقاً ويتلفظ على الفتاة التي لم تعر كلامه اهتماماً. لم تمض نحو ساعة على الموقف الذي سيطر على تفكير عشرات الصحفيين حتى صادفت قصة أخرى فيما كنت أهم بدخول مبنى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في حدة وهناك كان شاب آخر في الخامسة والعشرين يحكي قصة أشبه بمأساة حقيقية تدفعنا للتساؤل عما يجري في القطاع الخاص واصراره بوعي ودونما وعي على ممارسة دور مصاص دماء وابداعات الشباب وحماسهم حتى النهاية. قال هائل وهذا اسمه كنت أعمل مسئول تسويق في شركة «.....» للكهرباء في العام الماضي شاركت ممثلاً عن الشركة في معرض عربي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في الأمانة وكانت هناك مشاركات من شركات كهربائية كبيرة وعالمية نلت إعجاب إحداها فعرضوا علي شخصياً أن أكون وكيلاً لهم في اليمن. ولأنني لم أكن أملك المال فقد نسقت مع رب عملي على أن آخذ الوكالة لشركته مقابل نسبة معينة عمولة من الأعمال التي سوف نحصل عليها في اليمن وتم الاتفاق على نسبة 5.1% من أعمال المقاولات التي سنحصل عليها وصار بيننا عقد واضح لكن عند حصول الشركة على مناقصة أعمال كهربائية كانت عمولتي فيه تبلغ 4 ملايين ريال تخلص مني رب عملي وخرجت بما لايوازي قيمة خفي حنين «سبعون ألف ريال» مصحوبة بالتهديد بإخفائي من وجه الأرض إن تجرأت على الكلام مضاف إليها نصيحة من مكتب العمل في وزارة الشئون الاجتماعية بالأمانة «فوض أمرك لله ناصر المظلومين». أخذ هائل شهيقاً عميقاً مردفاً ذلك زفرة حارة كانت تعبيراً صامتاً عما في نفسه من ألم ومالقيه من ظلم شديد لم يلق منه انصافاً حتى الآن.. ولم يكن بمقدوري غير أن أعده بنشر هذه القصة كقصة عامة دون أن أتسبب له بالمشاكل وها أنا أفعل ربما.. كيف يفكر القطاع الخاص؟ على طاولة القطاع الخاص طرحت كثيراً وفي أكثر من لقاء صحفي جمعني بشخصيات تجارية وصناعية ذلك التساؤل الباحث عن إجابة لأسباب عزوف القطاع الخاص عن توظيف الشباب اليمني بمزايا وضمانات التوظيف في الحكومة غير أن الإجابة تكاد تكون واحدة في كل مرة. يطرحون فشل مخرجات التعليم الجامعي والفني وعدم تلاؤم تلك المخرجات مع متطلباتهم كقطاع ناجح يؤمن بالإبداع ويهتم بالمبدعين إضافة إلى كونهم كقطاع خاص غير ملزمين حسب قول كثيرين بتوظيف أية مخرجات من الشباب الجامعي أو الفني إلا حسبما يريدون وقت الحاجة. وحين طرحنا عليهم ماتفرضه استراتيجية الشراكة بينهم وبين الحكومة وتأكيد تلك الاستراتيجية على وجوب أن يلعب القطاع الخاص دوراً مهماً في امتصاص قدر كبير من مخرجات التعليم الجامعي والمعاهد الفنية والتقنية والتخفيف من البطالة إلى آخر ماتؤكد عليه تلك الاستراتيجية والخطط الخمسية واستراتيجية التخفيف من الفقر أشار عدد من التجار والصناعيين إلى أن استراتيجية الشراكة والخطط الخمسية قد حددتا ماذا على الطرفين الحكومة والقطاع الخاص من مهام والتزامات وأن الحكومة نفسها لم تلتزم بكامل ماعليها. وعندما سألناه عن قيام القطاع الخاص أو بعض رجال الأعمال بالتخلص من العمالة من كثير من المؤسسات أو الشركات التي تم خصخصتها قال: تلك كانت تابعة للحكومة لاتتناسب وما تتطلبه المؤسسة أو الشركة وليس من المعقول أن يقبل تاجر أو مستثمر بذلك في عمله وكان يجب على الحكومة إيجاد حل لتلك العمالة قبل خصخصة المؤسسة أو الشركة. خارج السرب على الرغم من أن هناك حقيبة وزارية أساسية في كل تشكيل حكومي وظيفتها العمال والعمل وهي وزارة الشئون الاجتماعية والعمل الآن الدور الذي يمكن الوقوف عليه في أداء هذه الوزارة لمهامها يكاد يكون محدداً أو محصوراً في الشئون الاجتماعية وتسجيل وترخيص الجمعيات التنموية والخيرية والمنظمات المدنية غير ذات الطابع الحزبي وتكاد تكون الوزارة وفروعها «مكاتبها» شبه غائبة عن قضايا المنازعات في العمل بين العمال وأرباب العمل. ويرجع ذلك لكون القطاع الخاص يتعاقد مع من برغب به للعمل منفرداً ولايكون هناك أي وجود لقطاع العمل في الوزارة في هذا الإجراء.. وبالتالي لايمتلك قطاع العمل فرصة للقيام بدوره القانوني وبالتالي فمازال الخلل قائماً منذ البداية من تلك اللحظة التي ينبغي أن يكون فيها القطاع الوسيط القانوني بين صاحب العمل وطالب التوظيف مما يضمن حق الطرفين القطاع الخاص والموظف. ولكن قطاع العمل في الوزارة لايجهل مايوجد في السوق من إعداد بشرية تبحث عن فرصة عمل فهذا وكيل وزارة الشئون الاجتماعية لشئون القوى العاملة شائف العزي صغير يقول: إن العمالة اليمنية الفائضة في السوق المحلية تبلغ نحو 60 ألف خريج من الجامعات والمعاهد.. كما يقول: إن القانون اليمني يلزم الوزارة بتسجيل العمالة اليمنية الراغبة في الالتحاق بسوق العمل الخليجية، لكنه لايوضح فيما إذا كان نفس القانون يلزم الوزارة بتسجيل العمالة اليمنية الراغبة في العمل داخل البلاد في القطاع الخاص، وتلك مشكلة كبيرة حسبما يراه مهتمون كون ذلك سوف يترتب عنه تداخل في المهام بين وزارة الشئون الاجتماعية والعمل من جهة ووزارة الخدمة المدنية من جهة أخرى. دور منقول لصناعة الوهم بيد أن الدور الذي كان ينبغي أن يقوم به قطاع العمل في الشئون الاجتماعية قد بادرت إليه العديد من مكاتب التوظيف التي ظهرت فجأة في واجهات شوارع المدن لكنه دور غير مكتمل حيث لارابط بينها وبين الوزارة ولاتستطيع تلك المكاتب أن تضمن حق شخص واحد تم توظيفه عن طريقها وتم فصله بعد مرور أشهر معدودة أو عام غير أنها تضمن ابتسامة القدر في وجوههم بعد برهة من الزمن.. وهذا مايؤكده العديد من الشباب الذين جاذبناهم أطراف الحديث حيث يرى محمد غالب أن أساس هذه المكاتب هو ممارسة النصب وابتزاز الشباب لا أكثر. موضحاً أنه توظف عن طريق أحد المكاتب لمدة شهرين وحين تم فصله لكون صاحب العمل لم يعد بحاجة إليه حسب قوله عاد إلى المكتب وإذا بصاحب العمل يتصل بمكتب التوظيف نفسه طالباً شابة،ويضيف: المدهش أن مدير مكتب التوظيف أخذ يحدثني عن وظائف خارج اليمن في المملكة وأن الأمر بحاجة إلى أن أدفع لهم ثمن فيزا العمل. بعد ذلك يؤكد سليم 27 عاماً ماتحدث به محمد لكنه سليم حد قوله ساورني شك بطبيعة عمل هذه المكاتب فذهبت إلى مكتب الشئون الاجتماعية في أمانة العاصمة وكانت النتيجة أنني عرفت أن بعض هذه المكاتب ليس لديها أية صلة مع الشئون الاجتماعية وأنها مرخصة كمكاتب خدمات عامة من الصناعة والتجارة لتمارس كما يبدو صناعة الوهم والمتاجرة بمشاعر وحقوق الشباب العاطل عن العمل.