يحتفل شعبنا اليمني اليوم الأحد بالعيد الحادي والأربعين للاستقلال ال 30 من نوفمبر، يوم رحيل آخر جندي بريطاني عام 1967م عن الشطر الجنوبي من الوطن.. ولم يأتِ يوم ال30 من نوفمبر من فراغ أو صدفة أو هبة منحته صاحبة الجلالة (بريطانيا) لشعب اليمن.. ولكنه جاء نتاجاً لنضال سنوات عديدة ومريرة قدم خلالها شعبنا قوافل من الشهداء الأماجد الذين وهبوا حياتهم وأنفسهم رخيصة فداء للوطن وتحريره من براثن مستعمر غاشم ظل جاثماً على صدر الشعب طوال 129 عاماً رفض خلالها شعبنا الرضوخ للمستعمر أو التعامل مع مختلف مشاريعه؛ بل قاومها ووقف بكل إباء يدافع عن وطنه ويقدم الشهيد تلو الشهيد من أجل تحقيق أهدافه في التحرر والاستقلال. وطوال فترة الاحتلال لم يستسلم أبناء الشعب اليمني ولم يهدأ لهم بال، حيث هبوا لمقاومة ومقارعة هذا الدخيل في كل مناطق وقرى ووديان جنوب الوطن، حتى جاء اليوم المناسب ليعلن للملأ عن بدء الكفاح المسلح وانطلاق أول شرارة من قمم جبال ردفان الشامخة لتنذر المستعمر بأن الوقت قد حان للرحيل وترك المجال مفتوحاً أمام الشعب ليقرر مصيره بنفسه وبناء دولته المستقلة على تراب الوطن. وشكلت انطلاقة ثورة 14 اكتوبر1963م البداية الحقيقية والإنذار الصائب لتتواصل عمليات الفدائيين الموجعة ضد قوات الاحتلال في مختلف المواقع التي كان يسيطر عليها. وكانت الجبهة القومية نواة الكفاح المسلح التي خاضت أشرس المعارك مع محتل يمتلك قوة وعتاداً استطاعت أن تبرهن على الواقع الملموس بأن الشعب اليمني قادر على انتزاع حقه وتقرير مصيره. وبدأت من هنا تلوح تباشير بدء النضال المسلح ضد المستعمر، معلنة بأن هذا النضال يجب أن ينطلق بقدرات فكرية ووعي سياسي يرتبط بحركة منظمة تخوض الكفاح المسلح بمهارات وإتقان دون توقف أو تراجع عن تحقيق الأهداف. ومن واقع هذا الإدراك كان لابد ان من الإعداد الجيد والمدروس للعمليات العسكرية داخل المدن ومواقع تواجد القوات البريطانية في المدينة والريف لكي تتعزز ثقة الجماهير بالنضال المسلح ضد المستعمر بعد أن فشلت المحاولات والانتفاضات لعفويتها وتواجدها داخل الأرياف التي كانت تقبع تحت ركام الأمية وتدني الوعي السياسي والثقافي. واتجهت الجبهة القومية نحو طريق الإعداد لمشوار نضالي يبدأ بالاهتمام بالتربية الفكرية للأعضاء الذين سيلتحقون بالقطاع الفدائي وتقوية الانضباط التنظيمي بين أوساطهم وتنمية الروح الجماعية وشحذ الهمم في خدمة الجماهير وإبراز الكفاح المسلح. وكان لهذا الإدراك السريع أهميته في انتقال القضية إلى المحافل العربية والدولية والتحرك السياسي الكبير الذي شهدته عدن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر في شمال الوطن. هذا التحرك الذي أجبر المستعمر على إدخال بعض التغييرات على أساليب الحكم في عدن وبعض المحميات وإضفاء طابع المرونة في التعاطي مع المؤسسات النقابية والمنظمات السياسية الوطنية التي كانت تعاني التعسف والاضطهاد والملاحقات. وبالتفاف الجماهير من كل المناطق اليمنية حول الثورة ورجالها مؤازرة ودعماً ومشاركة في الكفاح المسلح تصاعدت العمليات الفدائية ضد الاحتلال، حيث استمرت لأربعة أعوام متتالية ضحّى خلالها شعبنا بالشهداء وقدم الغالي والنفيس في سبيل انتصار الثورة وتحقيق أهدافها في التحرر من المحتل وإجباره على الرحيل في ال30 من نوفبر 67م يوم الاستقلال المجيد والإعلان عن قيام دولة وطنية يحكمها أبناء الشعب؛ أصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة ودون وصاية عليهم من أحد. وارتفع علم الدولة الفتية يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م بعد إنزال علم الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن أراضيها ليعلن عن بدء مرحلة جديدة من حياة الشعب اليمني ويرفع علم اليمن في الجنوب مرفرفاً من على أسطح المنازل والمؤسسات، وتوحدت 22 سلطنة ومشيخة في ربوع مناطق الجنوب التي كان المستعمر يحكمها بواسطة عملائه. إنها ثورة شعب تفجرت لتهز عرش المستعمر وتقض مضاجع عساكره وضباطه وأزلامهم ولتسطر حروفاً من نور في تاريخ اليمن النضالي لتكون بداية لنهاية الاحتلال الانجليزي لجنوب الوطن اليمني. وبهذا الانتصار سجل التاريخ أسماء رجال ونساء كان لهم الشرف في الريادة والإسهام في النضال السياسي والعسكري والاستشهاد.