شرع الله تعالى الأعياد فرحاً وسروراً للمسلمين بعد مواسم الخيرات , وفرائض العبادات, فعيد الفطر يأتي بعد أداء فريضة الصوم, وكذا عيد الأضحى يأتي بعد قضاء الركن الأعظم في فريضة الحج وهو الوقوف بعرفة وقد وصفها الرسول الكريم (ص) بأنها أيام أكل وشرب وذكر وفيها يجد المسلم فرصة ليرفه عن نفسه وأهله ويوسع عليهم بما شرع الله وأحل من التوسعة الطيبة المباحة.و يلاحظ في الآونة الاخيرة خروج بعض الناس يوم العيد دون الاهتمام بمظهرهم وإهمالهم لهندامهم بما فيه اللباس النظيف والتطيب، ويرجع ذلك للحالة النفسية والاقتصادية وتفاقم متطلبات المعيشة، ما يدفع بعض الناس الى إهمال أنفسهم وعدم الاهتمام بالظهور بالمظهر اللائق بهذه المناسبة . وفيما يلي عرض لآراء عدد من المواطنين و تفسير المختصين لهذه الظاهرة ورأي الشرع في هذا الجانب . يقول أحمد عبدالكريم شاكر: انا خريج جامعة وعاطل عن العمل ونتيجة للظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء الاسعار يالله نوفر لقمة العيش و لم يعد هناك نفس للعيد .. بينما ارجع التاجر عبدالرحمن الحبيشي حضوره الى المصلى يوم العيد بلباس غير نظيف الى انشغاله بالبيع والشراء حتى الصباح .ويقول العقيد صالح الحليسي : ان العيد مناسبة عظيمة ويجب ان يظهر الانسان فيه مأ أنعم الله عليه من فضائل ويتطيب ويلبس اجمل ماعنده اقتداء برسولنا الكريم صلى الله وسلم عليه .. مضيفاً: هناك خلل في نظام التكافل الاجتماعي ما أدى الى ظهور مثل هذه الحالات فلو اخرجت الزكاة والصدقة لمستحقيها لكفيناهم السؤال يوم العيد . علم النفس فيما أرجع أستاذ علم النفس الاكلينيكي (العيادي) الدكتور عبدالرحمن المنيفي إهمال الذات ( المظهر او النظافة ) من الناحية النفسية الى العواطف والارادة عند الإنسان . ويقول : كلما تغيرت العواطف في الجانب السلبي يبدأ الانسان يهمل نفسه ويهمل اصدقاءه وعلاقته بالاسرة فتحصل عنده حالة شبه لامبالاة وبالتالي تتغير عواطفه نحو الحياة بشكل عام وتنعكس هذه الحالة على الجانب المظهري للشخص لأن اللامبالاة اصبحت هي السائدة والمسيطرة على سلوكياته . ويضيف الدكتور المنيفي: قد يكون سبب هذا التغير مشاكل أ سرية ، هروب من الواقع المرير نتيجة لإنحدار دخولات الناس حيث ان دخولاتهم لاتساوي خرجياتهم وعلى هذا الاساس يبدأ الانسان بعمل نوع من الاحتجاج بالشكل الظاهري كنوع من الاحتجاج على الحياة والمجتمع بشكل عام لكنه في الواقع أشبه بالإنسلاخ من الحياة حيث من المفترض ان يكيف الانسان نفسه مع الواقع . ويستطرد قائلاً: الجانب النفسي صعب جداً والدليل على ذلك وجود صنف من الناس ممكن يلغي اي شيئ إلا القات لايمكن يلغيه وممكن يخزن بأي مظهر فلايهتم بمظهره او صحته .. معتبراً الانسان الذي لايستطيع ضبط نفسه والتحكم بنزواته والتكيف مع واقعه المعاش مختل الإرادة . و يضيف “ عندما يستطيع (المولعي) السيطرة على رغباته ويبطل القات يستطيع ان يعوض ماينفقه في جانب حياتي آخر وبالتالي سترتفع معنوياته ويتباهى بقراراته الناجحة أمام الآخرين وسيبدأ بالاهتمام بالجوانب الاخرى التي تنقصه كالمظهر لانه استطاع السيطرة على رغباته وقراراته وعواطفه . ويؤكد الدكتور المنيفي أن الجانب المادي إذا أثر على الإنسان فهناك خلل في جوانب شخصيته وهذا الخلل مس بدرجة اساسية العواطف والارادة التي تعتبر مفتاح النشاط النفسي بشكل عام .. مضيفاً “ هذا الاختلال يجعل الانسان ورقة في مهب الريح امام نزواته ، اما من يكيف نفسه و يعيش بالقليل فهو يمتلك إرادة وقناعة و امل في حياة افضل و سيضبط اعصابه وتصرفاته ويعيش على قدر دخله علم الاجتماع ويشير أستاذ علم الاجتماع الدكتور أحمد محمد عتيق الى اختلاف وتعدد الاذواق في الاوساط الاجتماعية من مكان لأخر وتتحكم فيها عدد من العوامل ( الثقافة ، الذوق ٍ، التربية والتنشئة الاجتماعية ) .. منوهاً الى وجود صنف من الناس يبالغ في الظهور بالملابس الفاخرة التي قد تطغى على إمكانياته المادية ويكلف نفسه ما لا يطيق وصنف آخر يهمل نفسه ويظهر بمظهر غير مقبول . ويلفت الى أن المجتمع اليمني عبر العصور تعود على ان يعطي كل مناسبة او ظاهرة اجتماعية حقها من مظاهر الفرح او الحزن .. مشيراً الى ان مناسبة العيد تحظى بحرص الناس والاسر للظهور بأجمل مالديهم لإعطاء انطباع جيد لدى الآخرين وحتى لا ينظر اليها بدونية او انتقاص وبالتالي كان هناك تفاخر بين الاسر . واعتبر عتيق أن المتغيرات في الفترة الاخيرة على الصعيدين المحلي والدولي اثرت بشكل قوي على مسألة الذوق عند الناس وحولتهم عن اهتماماتهم بالذوق والمظهر الى الهم اليومي والإنشغال بتوفير لقمة العيش . ويضيف: هناك ثلاثة أصناف من الناس الأول لايهتم بمظهره بخلاً منه لكن هذا استثناء عن القاعدة و الصنف الثاني تعودنا ظهورهم بأجمل مالديهم ونتيجة لتلك الهموم بدأوا اهمال هذا الجانب اما الثالث فيستخسر المبلغ المخصص للإهتمام بمظهره وشراء ملابس جديدة لينفقه في جوانب اخرى منها مايكون ضروري والاغلب ينفقه على مايسمى “حق الولعة” . واعتبر من يخرج بمظهر غير مقبول خارج عن المألوف الاجتماعي وانه سيمارس عادات او مظاهر تتنافى مع قيم وعادات المجتمع والدين .. مشدداً على ضرورة التكافل الاجتماعي لعدم إفراز مثل هذه المظاهر . فيما يرى أستاذ الاعلام والاتصال الدكتور علي البريهي أن المظهر الشخصي يرتبط بثقافة الشخص وسلوكه وبعده الحضاري وعمقه الديني .ويضيف “ صحيح ان الامكانيات تلعب الى حد ما دوراً لكن ليس بالشكل المطلق فلايمكن ان تكون عائقاً امام النظافة كونها سلوكاً و ثقافة إنما ربما وصلنا الى مرحلة من اليأس والاحباط بحيث اصبح كل شيئ ليس له استثنائية . ويشير الى أن النظافة لاعلاقة لها بالمناسبة بل ينبغي ان تكون ملازمة للإنسان على الاقل من جانب الاهتمام بالجانب الصحي .. معتبراً ان هذا الصنف من الناس لا يعرف قداسة المناسبة كونها مرتبطة بالجوهر الداخلي وعند معرفتهم بقداسة الشيئ سيعطوه حقه من الاهتمام . ويقول البريهي: العيد مناسبة شراكة وألفة والتقاء الناس واهتمام بالاخر فعندما تهتم بنفسك تبعث السرور في نفس الاخر يعني المسألة ليست قاصرة عليك لكن نحن لانسلم بالآخر ولانؤمن به حتى اقرب الناس الينا ..مضيفاً: كما ان ديننا يحثنا بأن ندخل البهجة والسرور الى نفوس اخواننا واصدقائنا ومن نزورهم بالابتسامة والنظافة شعبة من شعب الايمان . وينوه الى ان البعض يرجع سبب الاهمال وعدم الاهتمام بالذات للظرف لاجتماعي والاقتصادي وجزء آخر يفسرها على اننا غير قابلين للتطور وكلها عوامل ارباك واساءة، فالمظهر ينعكس على الجوهر دائما . رأي الدين يقول تعالى : ( يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) قال الحافظ ابن كثير : ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يُستحب التجَمّل عند الصلاة ولاسيما يوم الجمعة ويوم العيد ، والطيب لأنه من الزينة ، والسواك لأنه من تمام ذلك ، ومن أفضل اللباس وعن جابر عند ابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس برده الأحمر في العيدين وفي الجمعة . وقال القرطبي في قوله تعالى :( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ) دلت الآية على لباس الرفيع من الثياب ، والتجمل بها في الْجُمَع والأعياد ، وعند لقاء الناس ، ومزاورة الإخوان . قال أبو العالية : كان المسلمون إذا تزاوروا تجملوا .. و قال ابن حجر في الفتح : روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر : أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين وكان ثوب أحمد بن حنبل يُشترى بنحو الدينار. وقال الإمام مالك رحمه الله :” سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد” .