منذ زمن قديم واليمنيون يتوارثون العادات والتقاليد في الزواج، تمسكاً بقيم روحية ووجدانية، حرص اليمنيون على إعطائها نفساً روحياً جميلاً يمنح المناسبة نوعاً من الفرحة والبهجة التي لا تنتهي. ومن بين هذه الطقوس التي توارثها اليمنيون ذبح الخراف وكسر البيض لإبعاد الأرواح الشريرة عن حياة الزوجين ، وغيرها من الطقوس ، غير أن عدداً من سكان صنعاء لا يزالون ينفردون بطقس جميل من هذه الطقوس عند الزواج ، ويكمن في دوس العروس أو تخطيها لجنبية (خنجر) زوجها عند الدخول إلى مسكنها الجديد ، اعتقاداً من هؤلاء أن ذلك يجلب السعادة الزوجية ويكسر عين الحسد ، ويطرد الأرواح الشريرة عن منزل الزوجية، كما يعتقد أن هذا الطقس يضمن عدم خروج الزوجة من منزل زوجها تحت الغضب منه أو غيرها من الأمور. ومثل هذه المشاهد لا تخلو من تفاعل حيوي مع القيم الروحية ، على الرغم من ارتباط التراث الشعبي اليمني بالواقعية والضرورات العلمية لإدارة الحياة اليومية ، حيث تقلصت فيه الجوانب الخرافية والأسطورية ، ولعل أبرز هذه المظاهر هو الاعتقاد بالجن والعفاريت ، وتأثيرها السيئ في حياة البشر. ولذلك ؛ فإن اليمنيين يلجؤون إلى ذبح خروف أمام عتبة المنزل المخصص لاستقبال العروس قبل دخولها منزل عريسها ، فيما يلجأ البعض إلى كسر عدد من البيض قبل أن تخطو العروس عتبة الزوجية لإبعاد الجن والعفاريت ، وإبعاد نظرات الحاسدين ، ويتعمد اليمنيون عدم نقل العروس من منزل أبيها إلى منزل زوجها خلال الفترة الممتدة من العصر وحتى ما بعد المغرب بقليل اعتقادا منهم أن الجن ينتشرون في هذا الوقت بالذات ، ولهذا ؛ فإنهم يفضلون نقل العروس إلى منزل الزوجية عند صلاة العشاء ، أو في الصباح الباكر ، لكن غالباً ما يجري زف العروس إلى عريسها بعد صلاة العشاء بساعة أو ساعتين من ليلة الحفلة ، التي تعرف في اليمن ب «الدخلة». ولا ينسى أهل العروس تزيين ابنتهم بنبات يعرف ب«الشذاب» ذي الرائحة العطرة ، بالإضافة إلى عقد من المرجان، اعتقاداً منهم أن ذلك يمنع الأرواح الشريرة من الاقتراب من العروس. إلا أن التميز في هذه التقاليد يكاد يكون منحصراً في بعض المناطق اليمنية ، ومن بين هذه المناطق صنعاء ، حيث يفضل الصنعانيون ، بالإضافة إلى ذبح الخروف أمام عتبة المنزل ، أن تقوم العروس بالدوس على جنبية زوجها ، حيث يسلم إليها الجنبية وتدخل بها المنزل وهي رافعة لها بيدها اليمنى إلى أن تصل إلى الحجرة المخصصة لفراش الزوجية ، حيث تدخلها لوحدها، في وقت تكون الحجرة خالية من البشر ، وبعد أن تدخل الحجرة يدخل أقاربها وأقارب زوجها لمساعدتها في نزع ملابسها التي جاءت بها من بيت أبيها. وفي حين تفضل العروس أحياناً رفع الجنبية والدخول بها إلى المنزل ، وهي رافعة لها ، يفضل البعض الآخر وضعها أمام باب منزل زوجها ، ومن ثم الخطو فوقها أو دوسها. ويشير البعض إلى أن إعطاء الزوج جنبيته ( الخنجر ) لزوجته وشريكة حياته القادمة يرمز إلى قوة العلاقة بين الزوجين ، التي يأملها الزوج في المستقبل ، بالإضافة إلى بناء أسرة قوية في تماسكها ، بخاصة إذا ما عرفنا أن اليمني يتمسك كثيراً بالجنبية التي لا تفارقه أبداً. ويبدو أن أهل صنعاء ، الذين عاشوا التطورات الأخيرة في طقوس الزواج ، المرتبطة ب «المظاهر الجديدة » ، بدأوا يتخلون تدريجياً عن طقس دوس العروس لجنبية زوجها ، وبدأت حفلات الزواج تأخذ طابعاً «معصرناً » يأخذ من الحاضر قشره ويرمي بالماضي الجميل إلى الوراء .