سألها: هل تعودين؟! وانبثق انكسار كالرجاء من الناظرين .. التحم بالمسافة الفاصلة بين جسديهما.. المكان الذي يقفان فيه عال بدأ يتدحرج بين جسديهما.. منخفضاً .. بينما هي ظلت تحدق بانشداه في التلاشي البطيىء الذي خلّف نجوماً حالة الإغماء أو اللطمة العنيفة المفاجئة.. تحوم غمامات في الفراغ المشحون تزوم بها لهفات الانتظارات مع قفزات الأمل لدى أول رنة للهاتف.. وحين تتوالى كل الاستحالات المستسلمة لصدقها ولرغبته، يعني سؤالاً.. ترى.. من يسحب البساط الوردي من تحتها بدهاء؟ -هل تعودين؟! هذا السؤال يكرر صداه ثانية.. وثالثة.. و.. تقف الإجابة كالحجر في حلقها.. لكن أية إجابة؟! وأين هي ؟! -هل تعودين؟! لقد سكب الماء على التراب.. امتصته الأرض، تلاشى في الأعماق بعيدا .. هل تراه الفراق؟ وتحرير هذه النفس المشحونة به وتسريحها غير المشروط؟ لقد أضرم النار في تكوينها وما ارتفعت ألسنة اللهب ولا لهجت بالألم أو العتاب.. إنما أطبقت على الدنيا روائح احتراق الوجد المضمخ بصدق العطاء المجوع. هل تعلن الحداد وتحمله فوق رأسها شرائط وزهوراً؟ لأن من مات شهيداً ليس له عزاء.. ولا ندب عليه؟! أم تزرعه نخلة تتولى الندب وتعدد فضائله بصمتها وشموخها الأثير تحت وشاحها الأسود؟! هل تنقش على جذعها اسمه وكنيته وعنوانه وتاريخ ومكان استشهاده بأحرف من الوجع المكسور دون أن تدان.. أو تطارد بالألقاب والشائعات السمجة؟! أم تتركه.. كعيني سمكة في المياه العميقة لا تصل السطح ولا يصلها الصيادون؟! - هل تعودين؟! يا له من عزاء يعيدها مرارا إلى جذوة الثأر الخفي يناوشها فتتجاهله.. أوصدت الأبواب كان المقعد كالنعش وهو يجلس فوقه خلف ظهرها… تغلغلت إلى ضحى مبلل بهواء الليل الماطر حين ينساب صوته الدافئ اللذيذ مهاتفا -ذكرتك والمطر.. تتضاحك الخصوبة.. تزدهي الحقول.. والمروج تزهو ربيعاً شاسعاً بين روحها والنهارات. حملت جرحها الطري هدية إلى النار التي أضرمت.. وازعاجاتها التي تخبئها تحت طيات الانتظارات الغليظة بدأت تنزلق نحو اللاشيء كأنها تعلن نهاية المرحلة! في ارتعاشات الذاكرة صدى ينداح لكنه لا يصل… التراجع أو الاستمرار. الشمس هذه الشاهدة.. أزلية الوفاء.. أسرة الكون.. القطرة في عينها الجريئة هل تكتبها على جدران صدره يمامة قد طارت عن مرشدها الوحيد وهي تواصل الشهيق؟! كان يمشط شعرها في الغياب.. يضمخه بعبق الريحان قبل أن تغفو فيستريح على جديلتها .. فتقول.. -سأتبعك ستتعبين.. والوقت أسرع من لمح البصر.. ما عرفها قط أبدا إذا.. حين ابتكر لها ليلاً خزامياً ومنحها إياه، ختم صكه باسمها وعينها مليكة الآفاق.. لكنه علق جبينه مفتاح غربة.. وهذه الغربة تقضم العيون الآن… فلا تأتي الكلمات حينما يأتي اللقاء.. تقنع بالأجوبة الجاهزة.. وتدور في الحقيقة التي تناسبه وحده. حمّل الفشل وزر جموحه، كان باهتا مهلهلا لم يجد حبلاً يلجم به حججه.. تناثرت كشظايا طبق بلوري منمنم. - سأكون عمادا محفوظا تتكئين عليه.. فامضي للحياة.. ستسندك تضحيتي ولمشيئته استجابت للحياة.. بعيدا. - تردد….. وحين يطل صباح جديد علي.. أمارس يومي كيوم سواي من الناس أردد بيتاً من الشعر للمتنبي أوافق أن نشرب الشاي بعد الغداء أداعب طفلاً ليضحك أكثر مما ضحكت أسابق شاحنة في الطريق السريع ولكنني حين وحدي أكون مع الليل ليلاً مع الصمت صمتاً.. مع الروح مرفوعة في الجدار أهنيء نفسي على قدرتي أن تظل عيوني طوال النهار بلا أثر لصلاة الدموع…