محمود: أحب الجمعية أكثر من بيتنا عندما تكون الزيارة غير متوقعة لمرفق خيري يبث الروح في أجساد تملك منها اليأس، وتمكنت منها الإعاقة !؟ عندما تكون زيارتك خاصة للبحث عن شيء أنت تجهل وجوده، هناك ولكنك تيقن أنك لم تجده سوى في مثل هذه الأماكن ؟! عندما تبحث عن الإرادة، القوية والروح المنفتحة نحو الحياة وتصميم منقطع النظير للعمل من أجل مجتمع لا يوجد فيه عضو ينظر إليه البقية برحمة أو بشفقة..!!؟ بالتأكيد أنت تبحث عن “جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً بذمار” بيت المعاقين، كما يحب ان يسميها (محمد) صاحب السبعة أعوام وهو طفل ضمن مجموعة أطفال تحتضنهم (الجمعية) في فصول التمهيدي قبل دمجهم بالمدارس الحكومية. (محمد -عبدالله- عبدالكريم -علي -وعد -بشرى -سلوى -مريم.. وغيرهم ) عدد كبير، جمعتهم لهفة التعليم والنبش بدفاتر المعرفة بدلاً من الانغلاق والعزلة.. أطفال، بعمر الورود، لكنها ليست ورود ذابلة بل معطرة تزداد جمالاً يوماً عن يوم.. معا، قاسمهم المشترك الإعاقة وأغلبهم يمشون على “عكاكيز” والبسمة ارتسمت على ثغورهم عندما تسألهم عن أحوالهم. جمعية رعاية وتأهيل المعاقين حركياً بذمار- ليس اسم يمكن المرور منة بسهولة، حيث نشاطها يجبرك - أين كنت- على التمعن في فتح ملفات ذاكرتك لتتذكر انجازاتها منذ تأسيسها عام 1997م . مع أنها جمعية كأية جمعية أخرى تستمد دعمها المالي من صندوق المعاقين ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وبعض المتبرعين والصناديق النوعية.. إلا ان ما تقوم به يجعلك تشعر بالدهشة على مدى قدرة الإدارة الحالية للجمعية على تسخير أنفسهم وأموالهم لأجل شيء واحد وهو حبهم لعمل الخير لكل معاق...في شقتين أرضيتين من عمارة ذات أربعة طوابق في الجزء الغربي لمدينة ذمار هناك يمكن ان تجد عالم يملاؤه التفاؤل .. عالم يخلو من حسابات المادة.. عالم تكتنفه الرحمة .. عالم يعج بالتفرد والابداع.. “سارة” طفلة ذات ثمانية اعوام قدر لها ان تولد وتموت معاقة .. قدر لها ان تبدأ حياتها فوق (عربية ) وفوقها أيضا تموت. عندما سألتها عن أحوالها جعلتني اسكت وأفضل الصمت..لديها من حسن انتقاء الكلمات ما يجعلك تيقن ان(الله) قد اخذ منها شيئاً وأعطاها أشياء لدى الجمعية وفي صفوفها التمهيدية وأمثالها الكثير. ( سارة) ليست حزينة لأنها لا يحق لها أن تجري مثل بقية إخوانها ولكنها حزينة لأن عدداً من المعاقات يجبرهن أهلهن على المكوث في المنزل طوال العمر خوفاً عليهن من إساءة بعضهم لهذه المعاقة لمجرد أنها معاقة.. “ المعاق ليس عالة على المجتمع فهو يمكن ان يعمل ويمكن ان يبني أسرة ويمكن ان يؤسس عائلة ويعولها لكن ان شجعه ودعمه الآخرون ليحقق طموحة وأحلامه”..هذا ماتعلمته من كلمات زملاء و زميلات سارة..؟! أنشطة الجمعية ليست رعاية وتعليم حرفة أو محو أمية أوتعليم كمبيوتر فحسب فنشاطها يمتد إلى مجالات عديدة فكما أنها ترعى المعاق فهي كذلك تؤهله ليكون عنصراً فعالاً داخل المجتمع من خلال دورات نوعية تقيمها الجمعية بالمساعدة مع صندوق رعاية وتأهيل المعاقين وصندوق التنمية الاجتماعية في تعلم مهارات الحاسوب والشبكات واللغات.. وكما أن للجمعية نشاطاً داخل ذمار فلها أيضا نشاط خارجها فقد شاركت الجمعية في الملتقى للاتفاقيات الدولية لحقوق المعاق ممثلة برئيسها وكذلك المشاركة في مهرجان آفاق الروح وكذلك بطولة الرياضية للمعاقين والمشاركة في العديد من المهرجانات والندوات وورش العمل والمؤتمرات التي تقيمها جهات مهتمة بحقوق المعاق.. كل شيء في جدار مقر الجمعية يدعوك نحو التساؤل عن سر ذلك التميز والإبداع صفوف التعليم, قاعات التدريس, مكائن التطريز والخياطة, مقاعد الأطفال, أدوات الحياكة حتى (ماوس) الكمبيوتر الوحيد، لكنها تنبض بحب الحياة والرضا بالعيش بنفس متحدية الإعاقة..روح تأبى مفهوم الفشل ولا ترضى إلا بعنوان النجاح. رئيس الجمعية (عادل محمد المحضري) رغم المسؤولية الملقاة على عاتقه إلا أن الهدوء رئيس يرتسم على جوانحه، تحدث ل(نيوزيمن) عن تأسيس الجمعية، حيث رأت النور في 1997م، وكانت “بداية صعبة”كما يقول” نتيجة لظروف المالية التي مرت بها”.. حل المساء . لكن لذة الحديث لم تنته بعد .؟ قررت ان اذهب لقد شعرت أني لم اجد معاقاً يتسول يوماً ما مادام مثل هذه الجمعيات تعمل بصمت دون تمظهر أو شوشرة..إنه الإبداع بكافة كلماته وألوانه ومعاينه هو الذي ارتسم على مسيرة هذه الجمعية ليجعلها صرحاً خيرياً يشع من اجزائه النور.. ويكفي ان انهي حديثي بعبارة سمعتها من طفل معاق”محمود” في احد فصول التمهيد بالجمعية يقول في هذه العبارة “ أحب الجمعية أكثر من بيتنا”.