سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حسن اللوزي- وزير الإعلام : لا يجوز أن تكون مقولة حرية التعبير سبيلاً للمساس بحرية عقيدة أي فرد أو مجتمع (مكانة الكلمة ) الالتزام بالحرية الحقيقية كقيمة إنسانية مقدسة لا يثمر إلا خيراً وإعلاماً طيباً
االإعلام المعاصر، وحرية التعبير، والإساءة إلى الدين، من المواضيع بالغة الأهمية بالنسبة لأمتنا العربية والإسلامية، لأنه يرتبط بأخطر أشكال التحديات المتفاقمة أمامها وهو الإعلام وتأثيراته بعد أن برز الإعلام كعلم وفن وتقنية وسلطة لا متناهية وكمجال للحرب اليومية والصراع، بدلاً من أن يكون أداة ووسيلة للحوار بين الأديان والثقافات، ومجالاً حراً وخصيباً للتلاقي الحضاري وبناء الشراكة الإنسانية. مكانة الكلمة ودورها المؤثر فالكلمة لها مكانتها ودورها وفعلها المؤثر في الحياة على مرّ الزمان واختلاف العصور.. وهي إما أن تكون كلمة طيبة خيِّرة مباركة، وبالتالي فإن قيمتها تكون في ذاتها وفي الأثر الذي تصنعه في حياة الناس، الأفراد والمجتمعات.. وهذه الصورة للكلمة واضحة أجمل وأروع ما يكون الوضوح والجلاء في الآية الكريمة «ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حينٍ بإذن ربها، ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون» صدق الله العظيم. كما أن للكلمة في المعنى المعبِّر عن المكانة التي أحاطها بها الله سبحانه وتعالى تبرز في المدلول الأكمل للعزة المقدسة في المعنى القرآني، وهي لذلك على صلة مباشرة قريبة من الله سبحانه وتعالى أشد ما يكون القرب، وبذلك تميزت عن العمل الصالح.. يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه «من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه».. وذلك مما يحتمل أن يقال عن الإعلام الطيب الإعلام الحر.. المسؤول والمؤثر في الإنسان وفي الحياة، والباني لها. تآزر الكلمة والصورة وقد تفرعت الكلمة إلى كلام، وإلى رسالة، وإلى كتاب، وسماع، ورؤية، لتؤدي دورها في الحياة، حتى غدت إعلاماً بكل المدلول المصطلحي لهذه الكلمة اليوم، وصارت قوة جبارة تتآزر مع الصورة في العملية الإعلامية برمتها في صنع التحولات التاريخية الكبيرة وفي بناء الشخصية الإنسانية، شخصية الفرد وشخصية المجتمع تصوغها اليوم الكلمة الصورة، والكلمة المعرفة، والإشارة والتقرير والحكاية والتحريض والحث، إلى غير ذلك من المفردات، وإلى غير ذلك من الصور التي تقدم ما هو أبلغ وأدق من الكلام منطوقاً ومقروءاً، وهو يُرى ويُشاهد بل ويُعاش حركة وصوتاً وفعلاً قائماً بذاته، تتشكل به الرسالة، وقد تطور الإعلام في قوة تأثيره وليس في فنونه وتقنياته فحسب ككائن حي مجتمعي حتى بلغ بقربه من الإنسان وحاجة الإنسان له فرداً ومجتمعاً ودولة كلازمة أساسية لا غنى عنها دون مبالغة. وصار له ذلكم التأثير الذي يجعل الإنسان في بيته يعيش أحداث العالم من حوله بدقة تفاصيلها ليس كما يحدث في بيت جيرانه فحسب وإنما في أقصى بيتٍ في المعمورة، فكيف نفهم هذه القوة الجبارة التي صار يمثلها الإعلام وقد غدا بالفعل علماً وفناً وتقنية وسلطة، وصارت لمدارس التأثير بالإعلام أساليب تتصل بدراسة النفس البشرية في كل مراحلها العمرية بهدف النفاذ والسكون في النفس والضمير والتشكل داخل بنية الوعي والتفكير وتراكيب الذات. التقنية عصب قوة الإعلام إذاً فالحياة البشرية على امتداد المعمورة تعيش حالةً من المواجهة لإعلام جديد في أساليب تناوله للموضوعات ونشره الأخبار والمعلومات وفي التقنية المستخدمة، خاصة التقنية الرقمية، وصار بيد الإنسان وسيلة يرتبط بها بكافة الأساليب، يقرأ ويسمع ويشاهد ويتابع، فنحن إذاً أمام زمن جديد لتكنولوجيا المعلومات، عصب قوته في التقنية المعلوماتية قدرتها على النفاذ والوصول إليك حيثما كنت، وملاحقتك حتى لو حاولت الفرار، ومن ثم فيما تحمله الرسائل المبثوثة عبر هذه التقنيات من معلومات تحمل مضامين ثقافية وعقيدية شئنا أو أبينا، وهي في حد ذاتها تلح في صنع تحولٍ في البنيات الاجتماعية لدى المتلقين أينما كانوا بعد أن تم تجاوز كل الحواجز وكل التحصينات المادية والمعنوية والرقابية إلى حد بعيد. حضارة تواصلية فحال كثير من الشعوب والأمم اليوم كحال الإنسان السائر تحت المطر ،لا يقدر أن يتوقَّى منه وإنما يتلقاه برضى وعدم قدرة على الدفع، وربما بغبطة سرية!! فالحالة الداهمة تدخل المتلقي في الحالة الاتصالية، وحضارة اليوم قوتها الأعظم في أنها حضارة تواصلية، وهذا يجعلنا ندرك اليوم بشدة وبدقة اتساع المعنى العظيم في الآية الكريمة «إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم».. ففلسفة الاستخلاف لا تنتهي بالتعارف وإنما تبتدئ منها، واليوم بلغت بنا معطيات الحضارة المعاصرة تقنياً في ثورة التقنية وفي الثورة المعلوماتية إلى هذه النتيجة أن التعارف صار فرضاً واجباً، صار مطراً ينسكب علينا من الفضاء الوسيع في كل رقعةٍ من رقع الأرض، وصار مكتوباً على الإنسان أن يتواصل، ولذلك فإن التعريف الذي اتكأنا لفترة طويلة عليه في تقديمنا للإنسان، بداية من حيوان ناطق حتى صار حيواناً سياسياً، وقلنا: الإنسان حيوان سياسي.. نستطيع أن نقول اليوم: إن الإنسان أيضاً حيوان تواصلي. الحلقة الأقوى وعندما ننظر اليوم للإعلام موضوعياً في مادته المعرفية والثقافية لا نخرج عن دائرة التعريف المطلوب للإعلام، وعندما أيضاً ننظر إلى الوسائل والسبل الإعلامية فهي تقف بنا عند فن الإعلام، وبالتالي نجد أن الصورة هي الحلقة الأقوى في فرض دلالتها على تعريف الإعلام، فالإعلام اليوم هو إعلام يعرض أخباراً، مضامين ورسائل ومعلومات متعددة في بنية فنية إبداعية عبر استخدام الصورة على تنوعها وقدرة تأثيراتها وبمحتوى كل أشكالها، غير أننا عندما نصل عند البعد الثالث وهو التقنية، والتقنيات هي أيضاً وسائل، فإنا لا نبتعد عن فهمنا للإعلام باعتبار أن المادة التي يتلقاها عبر الانترنت الحاسوب تعبر عن الأداة التقنية الأرقى، وبالنسبة للهاتف النقال باعتباره الأجد، فالانترنت سواء المدونات والمواقع الإعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية والهاتف الجوال وغيرها كلها ترتبط بالأجد فيما يمكن أن يكون بيد المتلقي غير أن هذه الظاهرة تقنياً هل تؤثر على المضمون؟ هل هي قادرة على خدمة محتوى الرسالة؟ لا شك أنها لصيقة بها ولا شك أنها تعطي إمكانات فريدة ومتميزة لتسهيل التلقي ونفاذ إيصال الرسالة في السرعة وفي العمق وفي التأثير وفي الكم الهائل من المعرفة والمعلومات. ومن هذا الفهم المشترك لابد أن نعمل على تطوير العمل الإعلامي وتغير أساليبه وتحديث تقنياته حتى يكون جزءاً من نبض العصر الذي نعيش فيه ويسير على إيقاعاته المتسارعة، ومن أجل ذلك أولاً لابد أن يكون مفهومنا للعمل الإعلامي الإسلامي محدداً بالدقة التي يفرضها الانتماء للإيمان الصحيح ولقيم الدين الإسلامي الحنيف ومن ذلك يمكن استنباط الأهداف الاستراتيجية طويلة المدى والأهداف المرحلية التي يتعين أن يوظف من أجلها العمل الإعلامي وأن تبرمج وسائله المتعددة في أداء متناغم بين كافة وسائل الإعلام، فإذا كنَّا أمام إعلام ينتصر للحق ويقدم المعلومة الصحيحة وينشر المعرفة التي تخدم الحياة ويواجه الظلم وبكل اليقين والصدق والالتزام والمسئولية نكون أمام إعلام نستطيع أن نقول إنه يسير في نهج العمل الإعلامي الإسلامي حتى ولو لم يكن صاحبه أو الذي يقوم به أو يمارسه معتنقاً للدين الإسلامي، فمجتمع يتحلى بمكارم الأخلاق، وبالفضيلة، وبالمعاملات الحسنة، قائمة علاقاته على المساواة والإخاء واحترام حقوق الإنسان وحريته...إلخ، هذا مجتمع لا يمكن أن نصفه إلا بالمجتمع الإسلامي، ومثل ذلك يمكن أن ننعت عملاً مجاهداً حقيقياً لحق ويقدم المعلومة الصحيحة ويحقق السبق في الأخبار والنشر وفي تقديم المعرفة البناءة في الحياة مما نستطيع أن نقول معه إن هذا يسير في نهر ووجه العمل الإعلامي الإسلامي، وبحيث تكون الغاية السامية لهذا العمل هو تحقيق العدل والانتصار للعدالة وتحقيق السلام والانتصار لمبدأ التعايش السلمي. فما الذي نقصده بالحرية وحرية الإعلام معها؟ غير أن الحرية هي هبة الله سبحانه وتعالى للإنسان وفطرته التي ارتبطت بجبلته وباختياره لتحمل التكاليف لتحقيق معنى استخلافه لله على الأرض، وقد تسلم الإنسان هذه الهبة والنعمة الكاملة وهو يقف على مفترق النجدين طريق الخير وطريق الشر.. فوجدَ حرَّ الاختيار بينهما بأسباب يمتلكها في ذاته وفي تكوينه لأنه يمتلك العقل والفهم والإدراك ويمتلك القدرة على توظيف ذلك كله في التمييز.. وبذلك كله صار حاملاً للأمانة الغالية المقدسة التي يرتهن بها مسيره في الحياة ومصيره في الآخره. بدون الحرية والقدرة على الاختيار كان لا يمكن أن يتأتى هذا المعنى الجليل في الاستخلاف لله على الأرض، وفي التميز عن كل الكائنات والمخلوقات.. وُلد الإنسان حراً، وبحريته يجد طريقه للخير بعد أن يمتلك حقيقة الإيمان.. بسم الله الرحمن الرحيم «والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» صدق الله العظيم. الحرية الحقيقية لا تثمر إلا خيراً وبذلك نفهم حرية الإعلام باعتبارها مصانة بالالتزام وبصدق تحمل المسئولية كما يفرضها الإيمان.. والعمل الصالح والجهاد من أجل الانتصار للحق.. ولكل القيم والتعاليم الإسلامية، فالالتزام بالحرية الحقيقية كقيمة إنسانية مقدسة لا يثمر إلا خيراً وإعلاماً طيباً، كما أن المروق عن الحرية وسوء استخدامها كحق يسوق إلى إعلام أقل ما نقول عنه وفيه هو أنه يتصف بالخبث لأنه يؤدي إلى الإضرار بالإنسان فرداً ومجتمعاً وبالعلاقات بين الأفراد والمجتمعات، ويمس ما تحدثنا عنه من القيم النبيلة التي نفكر ويفكر المصلحون والإعلاميون بتوظيف الإعلام من أجلها وفي مقدمتها الحق والمعرفة.. العدالة والسلام.. وتحقيق التعارف والتعاون الإنساني.. وهنا نؤكد أن إيماننا الذي لانحيد عنه، والتزامنا في عقيدتنا الإسلامية هو أن الإنسان ولد حراً ووُجد ليمارس حريته في تحقيق ذاته وفي تجسيد واجب الاستخلاف لله على الأرض وتحمل المسئولية الكاملة الوطنية والعقيدية.. والعمل في المجال الإعلامي يفترض بالفعل أن تجد الحرية كحق.. وكقيمة.. وكقوة وسيلة التطبيق الأمثل لها في أداء وظيفتها وفي خدمة المجتمع وفي أداء الرسالة، ويتطلب ذلك يقظة عالية في ممارسة حق الحرية وعدم التعسف في استخدامها بالإضرار بقيم المجتمع ومصالحه وبالأفراد وحرياتهم. ولاشك تقوم هذه الحرية الإعلامية على المسئولية المباشرة الدينية والوطنية والمهنية بالنسبة للإعلاميين لتحمل واجبات إيضاح وتبين الصورة الحقيقة الناصعة للدين الإسلامي الحنيف والدفاع عن هذا الدين الخاتم، وبذل الجهد المتواصل لتنفيذ الآراء والأفكار الخاطئة والأطروحات المغلوطة التي تروج ضد ديننا الإسلامي وضد كل أبناء الأمة الإسلامية. وإننا في دفاعنا عن ديننا لابد أن نقدم ما هو في الأصل لنا، فالإخوة الإيمانية والحرية الإنسانية والمساواة والسلام، بل والرحمة والمودة هي من قيم وتعاليم الإسلام، وجسَّدها في أتقى وأفضل صورها مجتمع المدينةالمنورة في ظل النبي صلى الله عليه وسلم. فالدين الإسلامي دين جاء بالمساواة، وسن أحكاماً كفلت القضاء على العبودية والرق، الكل الفقير والغني.. الأبيض والأسود والأحمر والأصفر.. سواسية كأسنان المشط في الحقوق والواجبات في الأحكام الإسلامية، والغاية العظمية في الحياة هي تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الفرد الصمد وتحقيق العدل.. قال تعالى: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل، إن الله نعمَّا يعظكم به، إن الله كان سميعاً بصيراً» صدق الله العظيم. تبيين الحقيقة بهذه الرؤية الموضوعية الدقيقة نستطيع أن نبين للعالم حقيقة ديننا الإسلامي الحنيف، والمسلم في كل مكان قادر بشخصيته.. بتصرفاته.. بمعاملاته أن يقدم ذلك النموذج الذي يعبر في تصرفاته وأعماله ومعاملاته عن تلك القيم حتى عندما يتعامل مع من يعتبرونه عدواً لهم، فلا يعتدي إلا على من يعتدي عليه.. وذلك ما يفترض أصلاً في الإعلامي المسلم. فنحن اليوم مطالبون في عملنا الإعلامي الإسلامي أكثر من أي وقتٍ مضى أن نقدم صورة ديننا على حقيقته، وعلى بساطته وخلوه من التعقيدات ومما ينفر ويحفز على العداء. العودة إلى الوضع السوي كما نحن بحاجة أولاً إلى أن نعود إلى الوضع السوي بالنسبة لحياتنا ولديننا.. وأن نتجاوز ما علق بهذا الدين من الأوشاب ومن العقائد الضالة البعيدة عن الوسطية والتي تحرض على الغلو وعلى التعالي على الآخرين.. نحن بحاجة إلى أن نكون أولاً في الوضع السوي كأفراد وكمجتمعات إسلامية وكأنظمة تقوم على الاخوة الصحيحة والتعاون والتعاضد والتكامل وعلى احترام حقوق الإنسان وعلى التطبيق العملي المبدأ المساواة في الحقوق والواجبات وفي المسئوليات والالتزامات وبأن تكون الحرية هي مناط الإيمان الصحيح والالتزام العملي والفعل المؤثر، فلا إكراه في الدين بعد أن تبين الرشد من الغي. لسنا بحاجة لأن نتحدث عن الصورة المشوهة بالنسبة للمجتمعات الأخرى، ولا للديانات الأخرى، وإن كان مما نعتقده أن شرعاً من قبلها هو شرع لنا، فالدين عند الله واحد واقتضت إرادته سبحانه وتعالى ذلك التراتب في كلمته إلى خلقه ورسل رحمته حتى جاء نبينا صلى الله عليه وسلم بأكمل الرسالات. الاستفادة من الكتابات المضيئة إن ما يساعد اليوم على انتشار الإسلام في كثير من بقاع العالم هو ذلك الفرد المسلم الملتزم المترجم لحقيقة الإيمان الصحيح والملتزم بمكارم الأخلاق وبحسن التعامل، هذا هو ما يبينه تاريخ انتشار الإسلام وتطوره. كان للفرد المسلم الصادق الإيمان.. المحب لبني الإنسان.. المجند للخير والسلام، الدور الأمثل في تقديم الإسلام ونشر الإسلام، وليست سطوة القوة وتأثيراتها، لكن التحدي الذي وضعنا فيه تاريخنا المعاصر هو الذي يحتم علينا أن نوظف هذه القوة المعنوية الهائلة في تقديم صورة الإسلام النقية وفي خدمة هذه الحقيقة، وعلينا أن نستفيد في ذلك كله بالكتابات المضيئة التي قدمت ديننا الإسلامي بصورته الصحيحة وتناولت الحضارة العربية الإسلامية تناولاً إيجابياً، أبرزت جوانب الريادة فيها في مختلف الجوانب العلمية والإنسانية، فإعادة التناول والنشر لما كتبه كثير من المفكرين والفلاسفة الغربيين عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وعن الحضارة الإسلامية، جدير بأن يعاد نشره وبمختلف اللغات دون أن نتجاهل بأن أمامنا أيضاً تركة كبيرة من الكتابات المسيئة التي خلفتها عصور الكراهية في الحروب الصليبية وما بعدها مما يوجب علينا الوقوف بالتفنيد وبالتقويم لأعمال التشويه والأحكام الخاطئة والأفكار المغلوطة التي تناولت النبي صلى الله عليه وسلم، وديننا الإسلامي الحنيف، وأن الطريق إلى ذلك مفتوح على مصراعيه من خلال الحوار الذي يؤكده هذا المؤتمر، وهو هدف جوهري من أهدافه، فتعزيز مجالات الحوار الثقافي بين الإعلاميين المسلمين ومؤسسات الإعلام الدولي مطلب في طريق خدمة الأمن والسلام والاستقرار والتعاون وفي خدمة الحق والعدل، بل وفي مجالات بناء المصالح الإنسانية المشتركة، ونستند في ذلك إلى ما يتوافر من القواسم المشتركة في القيم التي نؤمن بها جميعاً.. فالإيمان بحد ذاته بالخالق عز وجل، والتسليم بالرسالات السماوية التي بعث بها أنبياؤه ورسله مفتاح مهم لتحريك الحوار والوصول به إلى مرتقى النجاح، كذلك الاتفاق على احترام الأنبياء وحرمة الرسالات السماوية والديانات عنصر هام في العديد من المواثيق الدولة التي تعترف بها كل الدول وصارت مناط التزامها وعلى أساسٍ منها تسن اتفاقات التعاون والقوانين والكثير من الأنظمة العالمية. إن وثيقة حقوق الإنسان والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية تتضمنان نصوصاً وأضحة تؤكد احترام المقدسات الدينية وعدم المساس بها، فهذه أيضاً نقطة هامة من نقاط الالتقاء التي يمكن أن يتأسس على ضوئها حوار إيجابي نافع يفيد البشرية.. والضوء الثالث الذي يمكن الاسترشاد به في هذا الطريق وهو الإيمان بالإنسان.. الإيمان بحريته وبحقوقه وبكرامته. إن تفصيلات كثيرة يمكن أن تتدرج تحت هذا العنوان الواسع الكبير والجوهري في بناء فلسفة التعامل والتعاون.. فاحترام الإنسان مترابط باحترام حريته، واحترام حرية الإنسان قائم على موجبات هي الحق أولاً ومن ثم عدم المساس بحريات الآخرين وحقوقهم، فلا يجوز أن تكون مقولة حرية التعبير سبيلاً للمساس بحرية عقيدة أي فردٍ أو أي مجتمع.. وصيانة حريات بني الإنسان مطلب جوهري، خاصةٍ في العمل الإعلامي، لأنه عمل فاعل ومؤثر ومواجه ومجابه.. وعلى العالم كله أن يدرك من خلال الدول وقادتها وسياساتها المرسومة وقوانينها الوضعية بأن احترام الأديان واحترام الأنبياء واجبات مصانة بمقتضى المواثيق الدولية وما نسميه ونتعارف عليه بمصطلح القانون الدولي، ونقصد ذلك تحديداً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص للحقوق الدينية والسياسية.. وهنا نؤكد ما ذهبنا إليه بأن جزءاً كبيراً مما يستند إليه ويعتمد عليه أعداء الإسلام في محاولاتهم للنيل منا، راجع إلى ما يعيشه المسلمون أنفسهم، ومما للمسلمين يد فيه، كالتورط في أعمال الإرهاب والغلو والتكفير، وذلك ما يتطلب جهداً كبيراً لتصحيح الواقع المتخلف الذي ترزح فيه كثير من الشعوب الإسلامية، ومحاربة الجهل وأعمال التجهيل والتزييف للدين، كما تمارس في كثير من الأساليب والطرق، كما هو مطلوب العمل من أجل توحيد المواقف وتجاوز الخلافات ودفن كل أسباب الفرقة والضعف والتمزق وهي قائمة للأسف الشديد!! وذلك دور مطلوب حتماً من قبل علمائنا المستنيرين القادرين على العطاء وعلى محاربة الجهل والتجهيل والاختلاف والفرقة وأسبابها والعمل على جمع الكلمة.. فصراعات الفتاوى ونزاعات العلماء على الفروع والتفصيلات الصغيرة والحالات المتغيرة والتغاضي عن كل ما يجري في الواقع الإسلامي المرير أمر يتعين التعجيل بمعالجته وتجاوزه، وحوار علماء الإسلام فيما بينهم يعتبر مقدمة واجبة تسبق الحوار مع غيرهم، ولكنها لا تعطله. كلمة الأستاذ حسن اللوزي - وزير الإعلام- في المؤتمر الدولي «الإعلام المعاصر بين حرية التعبير والإساءة إلى الدين».