يمثل التسويق أحد المجالات الهامة التي دائماً ما يركز عليها علم التنمية البشرية ويفرد لها مساحات من نظرياته ودوراته التدريبية التي لا يخلو منها مركز تأهيلي. لكن مفهوم التسويق غالباً ما يتم حصره في الجانب التجاري والاقتصادي كالتسويق للسلع الاستهلاكية والبضائع ، إلاّ أن ذلك ليس من الصواب في شيء ، كون التسويق كمصطلح عام معناه المبطن التفعيل ، واصطلاحاً عند خبراء التنمية البشرية هو تحقيق الربح مادياً كان أو معنوياً للمنتجين ومقدمي الخدمات ، وهذه الأخيرة تتوسع في مفهومها لتشمل الخدمات والأفكار والأشخاص وكل ما من شأنه تحقيق الفائدة والربح .. (إبداع) كان لها لقاء مع المدرب المعتمد من المركز العالمي الكندي في مجال التدريب الإداري والتسويق والمبيعات والمحاسبة غير المحاسبية الأستاذ أحمد مبارك بشير المدير التنفيذي لمركز «مثابرون» بمحافظة عدن ، صاحب الخبرة الإدارية في مجال التنمية البشرية منذ تسع سنوات والذي تحدث عموماً عن علم التنمية البشرية والذي لا يعتبره علماً كما تحدث خصوصاً عن مجال التسويق ومفاهيمه العامة. الشيء الغريب لا يُفهم ! فسر الأستاذ بشير عزوف الناس العاديين عن علم التنمية البشرية ، بأنهم لا يفهمون ماهيته وأهدافه التي يؤديها ، حيث يعتبر الجهل سبباً في جعل أي شيء غريباً ، وبالتالي لافائدة منه ، لأنه لا يمكن فهمه. وقال .. إلا أنه وبمجرد التركيز على بعض الفئات التي تقبل على تدريب وتأهيل ذواتهم كالمثقفين وطلاب الجامعات الذين يركزون دائماً على التنمية البشرية وتنمية مهاراتهم أيقن أولئك الذين ينظرون للتنمية البشرية نظرة قاصرة أن لهذا العلم فوائد مشاهدة من خلال ملامستهم للقفزات النوعية التي حققها هؤلاء الذين يقبلون على تأهيل أنفسهم من خلال التنمية البشرية. وواصل: إن كل دورة تدريبية تفيد أياً منا بحد أدنى ما نسبته 10 % من فوائد الدورة عموماً ، في أي مجال يرتاده أي شخص ، وبالتأكيد فإن هذه النسبة ستؤثر على حياة الشخص المنخرط في ذلك التدريب ، لا أحدد كيف ، ولكنها ستؤثر حتماً. مرآة الموظفين وضرب الخبير الإداري أحمد مبارك بشير فيما قاله مثلاً بشركة ما ، حاولت رفع عزائم موظفيها عندما أعلنت من خلال لافتة إعلانية داخل مقرها محتوية على عبارة مفادها (نتقبل العزاء اليوم في شخص مهم جداً كان له أثر في عرقلة الشركة) ! ، ومذيلة بعبارة توجيهية أخرى أن العزاء سيكون في الصالة الرئيسية للشركة ، الأمر الذي أثار استغراب الموظفين الذين تعجبوا من شخصية الموظف المهم الذي عرقل أعمال الشركة ! ، وبمجرد ذهابهم إلى مكان العزاء كانوا يعودون مطأطئي الرؤوس وعلى وجوههم علامات التأثير ، حيث لم يكن العزاء سوى عبارة عن مرآة وضعت وسط الصالة ومكتوب تحتها إن الشخص المهم الذي أثر على الشركة هو أنت ، وأرادت الشركة بذلك أن توصل رسالة تقول بأن الموظف هو من يحيي الشركة فإن أهمل أو تهاون تعرقلت الشركة وتسبب في موته وموت شركته. وبعد أن سرد الخبير الإداري قصته علل بها فوائد التدريب والتحفيز الناجم عن التنمية البشرية التي تعنى برفع الأداء وتحقيق الانجاز. الانسان .. كنبتة ! إلا أن مدير مركز مثابرون أشار إلى أن التنمية البشرية ليس علماً بمعنى العلم ، وإنما هو عبارة عن مجموعة من المجالات تهدف إلى زيادة قدرات الإنسان ، وتقدم له عن طريق دراسات ونظريات ، تدور كلها وتتمحور حول ماذا نريد من الإنسان ، وكيف (ننمي) هذا الإنسان ، وكيف ننقله من مرحلة ركود إلى مرحلة (نمو) . وأضاف: الإنسان عبارة عن نبتة تحتاج لشيء من السماد والماء لينمو ، فهو محتاج للنمو الذي يمكن أن يكون فقده بسبب انشغاله بالحياة أو بالظروف المعيشية ، أو بتفكيره الذاتي الذي دائماً ما يخبره أن الأمور سيئة ، وتترتب عليها أن الأرض جافة ، فنحن في التنمية البشرية نعطيه السماد والماء حتى يستطيع أن ينمو ، من خلال المعلومات التي تعطى التي هي عبارة عن إيقاظ للعزيمة. البرامج الإدارية ويستأنف الأستاذ أحمد مبارك شرحه لمفهوم التنمية البشرية ومجالاته بالقول: والتنمية البشرية ليس جانبها فقط نمو الإنسان إنما هي نمو المجتمع ونمو الاقتصاد ، فالجزء الثاني منها إلى جانب النمو الذاتي هي البرامج الإدارية والتي هي جزء من التنمية البشرية وهي صالحة لإدارة الأشخاص والمؤسسات وإدارة الدول ، فكلما تطورت كفرد ، تطورت مؤسستي وبالتالي تطورت دولتي. جذور التنمية كما يشير إلى الأصول التاريخية للتنمية البشرية في تراثنا الإنساني العريق ، غير أنه يستوقفنا لحظة أمام سير العظماء ومناقبهم ، كانوا مسلمين أم غربيين ، الذين تعتبر إنجازاتهم إلهاماً لكثيرين من بعدهم تستلهم منها معاني النجاح وقوة الإرادة والانجاز. فهناك شخصيات صنعوا معجزات في حياتهم وأثروا في حياة الآخرين ، يعتبرون مراجع لعلم التنمية البشرية ، وهم بالطبع ممتدون إلى يومنا هذا ، فهناك نماذج حية تصنع النجاح من لاشيء يجب دراستها ، ومعرفة الأسباب التي للوصول إلى القمة. فبدراسة سيرة الشاب «ديل» صاحب شركة «ديل» للكمبيوتر ، أو «كنتاكي» أو «بيل غيتس» أو غيرهم ، جميعاً يعطوننا نماذج متفوقة وقيادية يستفاد منها. كذلك يمكننا القول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم مجازاً بعملية تدريب وتأهيل في مجال التنمية البشرية للرعيل الأول من الصحابة ، حيث كان في مرحلة ما من مراحل الدعوة اقتضت تربية من نوع خاص ، جعلتهم قادرين على الانتقال لمرحلة أخرى يقومون بتدريب غيرهم ليتغير المجتمع بأكمله ، فالرسول عليه الصلاة والسلام كون خلال سنوات ثلاث - هي فترة الدعوة السرية - رجالاً وقادة استطاعوا صناعة قادة آخرين قادرين على تحمل الدعوة والرسالة. التسويق كمفهوم وبالانتقال إلى مجال غاية في الأهمية من مجالات التنمية البشرية يقول الأستاذ أحمد مبارك إن التسويق هو عبارة عن مفهوم مصدره السوق ، والتسويق هو (تفعيل) أو تنشيط لهذا المجال وتشغيله ، ومعناه أننا نتكلم عن نشاط جاء من السوق ومازال في السوق وينتهي في السوق لخدمة الأفراد في السوق لتحقيق منفعة وفائدة لهم. ويضيف: فالتسويق هو إدارة المال المربح بالنسبة للشركات التجارية وشركات الأموال ، وهو إدارة العلاقات المربحة للشركات الخدمية ، وفي كل الحالات هناك ربح ، لأنه إذا لم يحقق التسويق الفائدة والربح فليس بتسويق. فالتسويق جانب مهم جداً وحيوي ، لأن تأثيره يبدأ من حيث نحن موجودون، فالكل موجود في السوق ، أكان سوق حياً طبيعياً أو سوقاً الكترونياً ، أو سوق المجتمع ، والسوق هنا بمعنى المكان الذي يتم فيه التبادل (تبادل خدمات سلع افكار أشخاص ...الخ). أوباما كمثال ولتأكيد أهمية التسويق في تغيير قناعات وأفكار ومعتقدات الشعوب ، مثل الخبير التنموي بوصول الرئيس الأمريكي الأسود باراك أوباما إلى البيت الأبيض بالقول : حتى في السياسة نجد التسويق حاضراً ، أو في المجتمع ، حيث استطاع التسويق أن يوصل رجلاً أسود في دولة لا تقبل هذا الرجل ولا فئته المنتمي إليها إلى سدة الحكم في زمن قياسي من 2000-2006م ، عن طريق مسلسل أمريكي يمثل فيه دور الرئيس رجل اسود مميز بالحكمة والروية والقرارات الصائبة والقيم والمبادئ المثلى ، وكال المسلسل يعرض في هذه الفترة حتى بداية الحملة الانتخابية، عززت قناعة المجتمع الأمريكي من خلال شخصية أوباما الخطابية ، فتحولت القناعات من أغلبية رافضة إلى أغلبية متقبلة ومتحمسة للدفع بهذا الأسود إلى البيت الأبيض. فنحن هنا لا نستطيع أن من نجح هو أوباما ، إن الناجح هي الخطة التسويقية المتكاملة التي ابتدأت منذ سنوات لتغير فكراً ومعتقداً وقناعات. إذاً فالتسويق يستطيع تغيير معتقدات ،ويغير طريقة استهلاك ، ويغير أساليب حياة ، حتى في السعودية كان من الصعب قبل سنوات قليلة أو من المستحيل أن تجد امرأة عاملة تعمل في مركز تجاري ، الآن وبعد خمس سنوات وبسبب إعلانات تجارية معينة ، ونمط حياة معين نرى العاملات يملأن المحلات التجارية بل وصاحبات استثمارات هناك ، ما الذي تغير بالموضوع .. إنه التسويق. سوّق لشخصيتك ويتحدث الأستاذ بشير عن التسويق للشخصية الذاتية فيقول : إذا اعتبرت نفسي مشروعاً ، وأمتلك مزيجاً تسويقياً يتكون من سعر ومنتجاً ومكان وترويج ، وإذا اعتبرت نفسي المنشأة أو المشروع إذاً أنا منتج ، لكن هنا تختلف الامكانات ونوعية المنتج من شخص لآخر. فخريج الجامعة ليس مثل ذلك الشخص الذي يمتلك عشر سنوات من الخبرة ف يالمجال العملي ، هو نفس المشروع الشخص لكنه يختلف من حيث المهارات والقدرات ، إذا ككيان شخصي أنا مشروع أملك رأس مال ، وسعراً ، أملك منتجاً يتمثل في مهاراتي وقدراتي ، وأملك مكاناً وهو الموقع الذي استطيع فيه تقديم خبراتي كما وهو أمر مهم أمتلك قدرات الترويج التي من خلالها أظهر مهاراتي حتى يدركها ويعرفها الطرف الآخر .. لأنه إذا لم أكن قادراً على التوصيل للآخر أني أمتلك خبرة ومهارات وقدرات معينة ولم يشاهدها أو يلامسها فلن يقدرني ولن يعطيني حقي ، من هنا يصبح الشخص عبارة عن سلعة مطلوبة ، من خلال تقديم خدماته وتحقيق الفائدة للجهات التي تطلب خدماته. المغالاة والكذب في التسويق بالإضافة إلى كل ذلك يذكر الأستاذ أحمد مبارك بشير أن التسويق يكتسب مغالاة في وصف المنتجات أو الخدمات قد لا تكون فيها في حالة إذا كان ذلك في مجال الإعلان أو الدعاية التي هي عملية جزئية من التسويق الأشمل والأعم .. ولا يمكن تطبيقه فيما دونه لأن المستفيد من المنتج أو الخدمة قد يصدق تلك المغالاة في الأوصاف ، وبعد تجربته للمرة الأولى لن يستمر في المداومة على المنتج إن كان خالياً من تلك المواصفات. ويضيف في هذا الصدد: التسويق عبارة عن عملية أشمل من البيع والإعلان والترويج التي هي أجزاء من عملية التسويق ، فالتسويق يبدأ من السوق من حيث لا شيء وينتهي من حيث ابتدأ ، في سلسلة دائرية متكاملة ضمن إطار عمل ونشاط داخل السوق كعملية متبادلة. نهضة البلاد في ختام لقائنا مع الخبير التنموي والإداري والتسويقي أحمد مبارك بشير تمنى أن يرى شباب اليمن مساهمين في وضع لمسات نهضه اليمن التي تحتاج إلى الجميع .. يكونون يداً واحدة ويبدأ من جديد ، معتمدين على مهاراتهم وقدراتهم لإصلاح البلاد وتحويلها إلى دولة ذات إرادات ضخمة .. فاليمن تمتلك موارد غنية ، فقط تفتقر لمن يستثمر هذه الموارد والقدرات كانت بشرية أو طبيعية.