قد يبدو العنوان وكأنه جملة غير منطقية عند كثير من الناس، إذ يمثل ضغط العمل سبيلاً إلى عدم الإتقان بل والفشل في أداء الأعمال في بعض الأحيان. وفي هذا العالم المتغير والمتسارع لاغرابة في أن يصبح العمل مصدراً رئيسياً للضغوط عموماً وفي مجال صحة الإنسان تمثل الضغوط نسبة كبيرة من مجموع الأمراض التي يعاني منها الناس كالنوبات القلبية وتجلط الدم وقرحة المعدة وتشنجات القولون وغيره. نختار عادة التحدي عندما نشعر بالآلام الناتجة عن ضغط العمل ولكن هذا التحدي رغم نجاحه لفترة وجيزة أننا نفاجأ بسقوط مدوٍ لهذا الجسد المتعب، مانعنيه في العنوان أعلاه أنه لما كانت ضغوط الأعمال متكاثرة متراكمة على المرء عبر مسئوليته فهو بين خيارين اثنين، إما أن يجعل تراكم عمله وكثرة مسئولياته محبطاً له ومؤلماً على المستوى النفسي والجسدي، وإما أن يجعل ضغط العمل الذي يزاوله هو طريقه للنجاح في حياته عن طريق اتباع تعليمات منهجية معينة دقيقة. فضغوط العمل تعبر عن نفسها بعدة طرق محددة: كثرة العمل بأكثر من الطاقة، أو سوء التوجيه «كما يحدث مع الذين يعملون تحت امرة مدير سيئ» أو أن تكون الوظيفة غير مناسبة لقدرات الموظف ومهاراته، أو أن تكون الوظيفة مناسبة ولكن تقهر الإنسان وتبتز صحته أو أنه يعمل في أكثر من تخصص غير متوائم، أو أنه يبذل جهده الكبير ولايجد تقديراً مناسباً لبذله فيظل يعمل تحت ضغط الاحباط وضغط العمل، ومن خلال هذا الاستطلاع نقدم بعض نصائح منهجية تعتبر خلاصة من تجارب الخبراء وعلماء الإدارة كسبيل للنجاح والتقدم.. تحديد الأولويات المدير التنفيذي لمركز رؤى للتدريب والتطوير بمديرية المنصورة بعدن المدرب المعتمد الأستاذ مراد شمسان مقبل يعطي نصائحه المنهجية لتجنب الضغوط في العمل واستغلالها لتحقيق الإنجاز العملي، ويقول إن السبيل العملي في حصر الضغوط والتغلب عليها هو ترتيبها بحسب الأولوية، باعتبار أن أغلب تلك الضغوط ماهي إلا أعمال يعجز الموظف أو أي شخص عن ترتيبها وفقاً للأهم ثم المهم. ويضيف: لاتكتب مجرد قائمة بالأشياء التي تنوي انجازها كل يوم، وإنما حددها كل منها أولوية عليا أم أسبقية اختيارية، وبهذه الطريقة يمكنك أن تبدأ بالمهام الحيوية فقط، وحينما تكون هناك عقبات تحول دون انجاز قائمتك، فهذا يعني تأجيل البنود الاختيارية والبدء فقط بما يشعرك بالإنجاز. ويواصل: إننا دوماً نقدم غير الهام على الهام وغير المفيد على المفيد، فتذهب الأوقات في الأمور غير الهامة وغير المفيدة، فنعود في آخر اليوم بالخسارة والانتكاس. الأعمال حسب الأهمية الخبيرة بمركز الاستشارات الإدارية والتنموية خديجة عوض فرحان تشير إلى أن الإداريين قسموا الأعمال حسب أهميتها إلى أربعة أنواع هي «أعمال هامة عاجلة، وأعمال هامة غير عاجلة، ثم أعمال غير هامة عاجلة، وأعمال غير هامة غير عاجلة» فالأولوية يجب أن تكون دوماً على جدولك للأعمال الهامة العاجلة، وثانياً للأعمال الهامة غير العاجلة، وثالثاً للأعمال غير الهامة العاجلة، وأخيراً للأعمال غير الهامة غير العاجلة. وترتيب الأعمال بتلك الصورة ترتيب يجعلك تقوم بفعل أولوياتك الحقيقية بعيداً عن توهم الأولوية للأعمال التي لاتستحق الجهد أو على الأقل لاتستحق أن تكون في مقدمة اهتماماتك. وتؤكد أن المستوى الأول من الأعمال وهو مستوى الأعمال الهامة العاجلة، هي الأعمال التي تمثل صلب عملنا، والتي نحسن انجازها كما أنها هي التي تكون مطلوبة منا على وجه عاجل سواء من رئيسنا المباشر أو منا كمسئولين في عمل ما، وهي تلك الأعمال التي لايمكن تأخيرها عن موعدها أو الاعتذار عنها أو التفويض فيها وكذلك كل الأعمال التي سيترتب على غيابنا عنها أو تأخرنا عنها أو عدم إنجازنا لها أو عدم تركيزنا فيها ضرر ما. وأما المستوى الثاني من الأعمال فهو مستوى العمل الهام غير العاجل وهو يتمثل في مسئوليات الأعمال بشكل عام من حيث المتابعة والتدقيق لتحسين الكفاءة وتقويم الأداء وكذلك رسم الخطط وترتيب الأولويات وتحديد الامكانات وتنظيم الأوقات واختيار سبل ووسائل الوصول للأهداف التي قد سبق ووضعناها لأنفسنا سواء كانت أهدافاً مرحلية أو أهدافاً بعيدة ويدخل في هذا المستوى الحقوق الشخصية ومن نعول. والمستوى الثالث من الأعمال: هو مستوى العمل غير الهام العاجل، وهو ذلك المستوى الذي يقدمه معظم الناس في أولوياتهم على أعمالهم الأخرى، وربما يتسبب ذلك في إرباك كبير في جدول أعمالهم، وهذا المستوى يحسن فيه استخدام التفويض في العمل بحيث ماأمكن أن يؤديه غيرك من أعمال هذا المستوى فلا نتردد فوراً في تفويض أحدهم بذلك. وأما المستوى الرابع: فهو مستوى الأعمال غير الهامة غير العاجلة، ومكانها في مؤخرة الجدول ولاشك. أدر ذاتك إدارة الذات من أهم احتياجات العصر، ويحتاجها الرجال البارزون دوماً لاستمرار العطاء والنجاح، فكم من موهوب ضاعت موهبته وكم من مبدع فشل في تحقيق أمنيته لعدم قدرته على إدارة ذاته. وإدارة الذات هنا كما تعرفها الأستاذة خديجة هي البحث عن الوسائل التي بها تستطيع الوصول إلى إخراج أكبر قدرة إنتاجية من المستطاع عندنا، وكذلك البحث عن كل الوسائل التي بها نستطيع أن نعلن عن أنفسنا وأن نتخطى الدرجات صاعدين فيها، وأن نتغير دوماً نحو الأفضل على كل المستويات، وأن نسير أعمالنا ومهامنا ومسئولياتنا بسلاسة ويسر وانسجام مهما كانت الضغوط. وعن محاور إدارة الذات تجددها الاستشارية الادارية في عدة نقاط أساسية أهمها:« القدرة على استغلال الوقت بأقصى طاقة، وإمكانية الإنجاز بأقل مجهود، واستثمار العلاقات في النجاحات المختلفة، وتنظيم الشئون الصغيرة والكبيرة معاً، والقدرة على تقويم الانجاز ومتابعته. لتلافي الأخطاء والسلبيات لاتهمل الحقوق الواجبة.. الجسد هو آلة الإنجاز وبه العقل الذي يدير شئونه، وإهمال الجسد إهمال لآلة الانتاج العقلي والنفسي والعلمي وغيره، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم «اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أبقيتنا واجعله الوارث منا» فلذلك لزمنا الاهتمام بصحة ذلك الجسد قدر استطاعتنا، والأجساد السليمة النشطة المنتعشة يمكنها أن تنتج بصورة أفضل على أية حال، وفي هذا الشأن تضيف الخبيرة الإدارية خديجة فرحان أن إدارة الذات من أهم احتياجات العصر، ويحتاجها الرجال البارزون دوماً لا ستمرار العطاء والنجاح، فكم من فرصة نجاح تفلتت من بين الأيادي وعجزنا في تحقيق أمنياتنا لعدم قدرتنا على إدارة ذواتنا، التي هي أهم شيء يجب الاعتناء به والنأي بها عن ضغوط الأعمال وزحمتها حتى تستطيع أن تبدع وتقدم المزيد. الزم التمارين يقول البروفيسيور بيتر هانسون أستاذ الصحة العامة في كتابه «تجنب ضغوط العمل»: «اعتبرها ميعاداً دائماً غير مسموح الاعتذار عنه، وبالتزامك بثلاث ساعات من التمارين أسبوعياً سوف تحافظ على صحتك وتعالج ضغوطك بشكل أفضل، وإن كنت تعمل في مبنى به مدرجات يمكنك استخدامها في الصعود أو النزول أحياناً، وأوقف سيارتك في أبعد مكان في موقف السيارات حتى تتيح لنفسك فرصة ممارسة رياضة المشي، والنصائح الرياضية غير معفي منها أي أحد الكبير والصغير والشيخ والشاب لذلك فأرجوك أن تنتظم في مواعيد رياضية تنشط فيها دورتك الدموية وتعيد فيها الحيوية لأعضائك، واختر ما يناسبك من الأوقات لذلك». الزم لحظات استرخاء ويضيف البروفيسور هانسون إن لحظات الاسترخاء هامة جداً لنا جميعاً، حيث قد تعودت أدمغتنا ونفسياتنا دوماً الإرهاق من كثرة الأعباء، فلا وقت نخلد فيه لأنفسنا ولا ساعة نتنفس فيها نفساً عميقاً خالياً من القلق، إن دوام شعورنا بالقلق والانتباه طوال فترات العمل التي تستغرق معظم الأوقات قد يصيبنا بغيبوبة غير محسوسة، يلزمنا الاسترخاء البعيد عن التفكير فيما يقلق، وليس لذلك وقت معين، بل اختر ما يناسبك. استخدم أفضل أنواع الوقود ويواصل بيتر هانسون: «كما تستخدم سيارات أفضل أنواع الوقود، كذلك أنت، لا يمكنك أداء أعمالك بشكل أفضل وأنت تتناول وجبات غذائية تفتقر للعناصر المطلوبة أو أي نوع من الأطعمة المفترة أو غير المفيدة كن دوماً كالقاعدة القديمة لبرامج الكمبيوتر: «إذا أدخلت نفايات سوف تخرج نفايات» وينطبق على هذا جسمك أيضاً» ولك أن تراجع نصائح أطباء ومختصي الأغذية في ذلك المجال، كذلك لا تهمل واجبك كزوج أو رب أسرة أو والد واعلم أن الدقائق التي تقضيها في تأدية هذا الدور يكون لها أكبر الأثر على نجاحاتك، واحذرك أن تهمل أدوارك هذه بحجة في مسئولياتك، فاشلاً في دورك وواجباتك كأب أو زوج أو ابن..؟؟ لا تهمل القلب! نضيف إلى ما سبق أن كثيرين في غفلة الحياة ورتابة دورتها وكثرة الضواغط يهملون تجلية قلوبهم وترقيقها وتصفية نفوسهم وتزكيتها، وقد يقع في ذلك دعاة وربما علماء، فقد يغفلون بكثرة مشاغلهم عن مراقبة دواخلهم، وهي أزمة كبيرة وخطر داهم يجب الحذر منه، فالنجاح الحقيقي دوماً يرتبط بالقدرة على فعل ما يقرب إلى الله سبحانه، وأي إنجاز تتكلم عنه لا يستحق أن يكون إنجازاً إلا إذا كان في سبيل المقاصد النبيلة التي تنتهي إلى رضا الله سبحانه. وليحذر كل منا من ظواهر الأعمال التي لم يصل أثرها إلى قلوبنا، يقول الإمام ابن القيم: «فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قطع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل، وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه، بين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لا ستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه، كما يمكننا أن نقول إنه يستطيع أن يميز بين الخطأ والصواب والفشل والنجاح.