كانت لاتزال في الثانية عشرة من عمرها، كانت تحلم دوماً بإنسان يحبها وتحبه لا يهمها أن يكون غنياً أو أن يكون وسيماً، بقدر ما يهمها أن يكون متخلقاً بخلق الدين وذات يوم فإذا بالحلم يصبح حقيقة. فلقد تقدم لها رجل من قريتها يسكن مع أبيه المريض في بيت واحد. تزوجت من هذا الرجل الذي رأت فيه كل ماتمنته في حلمها إلا أن الحياة الجميلة لم تدم في وسط منغصاتها التي لا تدع حلو الأيام في دوام،بل تغزوها لتجعلها كوابيس مخيفة فلقد انقلب الحلم الجميل إلى كابوس مهيل وذلك لأن الديون الهائلة التي أغرقت ذلك الزوج قد جعلته يفكر بالهروب إلى خارج الوطن فقد كان العام عام قحط. وكانت الحياة الاقتصادية قاسية جداً وكان رجال الإمام في تجوال لأخذ الضرائب والأموال التي ترهق ظهور الرجال وتذل النساء والأطفال، فيضطرون لذل السؤال وفي ظل تلك الأوضاع البائسة لم يجد هذا الرجل بداً من الخروج والهروب إلى خارج بلاده ووطنه تاركاً زوجته وهي في الشهور الأولى من حملها. أما زوجته التي لم تسعد بحلمها إلا شهوراً قليلة، فإذا بذلك الحلم يفارقها فراقاً لا تعلم متى عودته، ولكنها مؤمنة صادقة محتكمة لقضاء الله،فلقد أخذت تغذي ذلك الحلم الذي كاد أن يذبل ويموت بالإيمان والصبر والعزم والوفاء. فلقد أوفت لزوجها وفاءً لم يوجد له مثيل، فرغم رحيل ذلك الحلم إلا أنها ضلت صابرة وفية لم يتسرب يوماً اليأس إلى قلبها في عودة زوجها، أخذت تنشد المواويل في حلمها الغائب، ورغم ما تنعم به من جمال رفضت كل متقدم لها بعد مضي الكثير من الأعوام على ذلك الحال، ورفضت بشدة كل من يتقدم لها وأنذرت نفسها لتربية أبنتها إذا لم يعد لها زوجها، حتى أن والدها عارضها وأخذ يرغمها على الزواج من رجل لاتحبه ،فهي لاترغب إلا بالإنسان الذي أعطاها الحب والحنان.. وأمام رفضها ذلك وإصرارها على عدم الزواج الذي أعتبره والدها بأنه عصيان وتمرد أخذ ينهال عليها ضرباً حتى سال دمها ولكنها مازالت متمسكة برفضها حتى لو أنه قتلها فباتت في تلك الليلة ودموعها لم تفارق خدها حتى بزوغ فجر اليوم التالي فأخذت ثيابها وابنتها في حضنها متجهة صوب منزل عمها الذي كان يسكن في إحدى القرى المجاورة وعندما وصلت أنفجرت باكية بين يدي عمها حاكية له ماصار من والدها. فتأثر عمها لحالها وأقسم بالله لن يدعها تعود لمنزل أبيهاً أبداً فعاشت عنده سنين وسنين، وذات يوم فكرت ببيع حليها لتشتري بها خروفاً صغيراً فتربح منه عند بيعه، وبينما هي على ذلك الحال والصبر والوفاء لمن أعطاها حياته..فأعطته وفاءها.