الطموح المشروع والسليم صحياً ونفسياً واجتماعياً هو ذلك الطموح الذي لا يفني الإنسان كل وقته وعمره في تحقيقه، ولا يبذل جهداً ينهكه جسدياً ونفسياً بصورة مستمرة ودائمة، ولكي تصغر في عينك المناصب ومال الدنيا وما لدى الآخرين وتحتفظ بصحتك وسعادتك وكرامتك؛ فعليك بالقناعة. فالأقوياء والأغنياء وذوو السلطة والنفوذ يضعفون أمام ذوي القناعة، وبالقناعة تملك الدنيا كما ينسب للإمام الشافعي: إذا ما كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء وكما قال آخر لابنه: "يا بني، لو عرف الخليفة بما لدينا لقاتلنا عليه" وبالطبع يقصد "القناعة". وكما يقول أبو ذؤيب الهذلي: والنفس راغبة إذا رغّبتها وإن تُرد إلى قليل تقنع وكل ما سبق على مستوى الواقع قد لا يفيد كثيراً؛ لأن الناس سيقولون كيف نكون قنوعين؟.. نقول: إن القناعة تفكير وتدريب، فإن تأملت في ميزات زوجتك - إن كنت متزوجاً - ووعيت أن كل امرأة فيها نقص، وإن الميزات التي في زوجتك تكفيك لعشت في سعادة وسلام. ولو تأملت أن المناصب سلاح ذو حدين تأخذ شيئاً وتعطي أشياء، وعلى حساب أشياء كثيرة، واقتنعت بما لديك أو بما تسعى إليه، لكنت أكثر استقراراً وسعادةً، ولا بأس إن كنت تطمح ولكن دون قلق ودفع ثمن باهظ، فهنا يعود الأمر إليك. ولو عرفت أن المال وسيلة وأنه عندما يصبح غاية ويضيع العمر قلقاً وجهداً وزمناً في جمعه فقد تسببت لنفسك بالأذى، ومن هذا الأذى التعاسة.. فردد عزيزي الحكمة القائلة: «القناعة كنز لا يفنى». أخيراً: معظم الناس يعرف هذا المثل ويمر عليه مرور الكرام ويرددونه باستمرار؛ ولكن دون الاستفادة منه ودون الوعي بأهميته وفائدته العظمى، لأن البعض يعتقد أنه موعظة أخلاقية عادية أو أنه يقال للمواساة أو أن العاجز يردده أو غير الطموح، ولو علموا بأهميته لاستغربوا ولأدركوا كم من الوقت أهدروا، وكم من الجهد والقلق والاكتئاب عانوا، ولا يعرفون أن الكنز والعلاج بين أيديهم مجان. ويعتقد معظم الناس أن الأشياء الثمينة والقيّمة والهامة هي بعيدة المنال والتي من الصعب الوصول إليها، ولا يتنبهون إلى أن الهواء الذي يتنفسونه هو أهم شيء لحياتهم، وهو متوفر بالمجان، بينما أشياء تافهة كثيرة تباع بنقود كثيرة.