كثير من الشباب يسألون أنفسهم ماذا نملك من الثّروات حتّى نفكر في تنميتها والاستفادة منها في شؤون حياتنا المختلفة .. قد يرى البعض أنّه لا يملك شيئاً، وهذا التصور الخاطئ هو الذي جعل عدداً من الفتيان والفتيات يرون العالَم مظلماً والحياة تعاسة وحرماناً .. أحياناً يلقي المراهق مسؤولية ما يحصل له على أسرته وخاصة على والديه، لأنه لا يجد أحداً يلقي اللّوم عليه أفضل منهما.. ويحق لنا أن نسأل منذ البداية، وقبل أن نضع خطواتنا في الطريق إلى عالم الرشد، ماذا منحتنا الحياة من ثروات وطاقات وكفاءات حتى نستثمرها في هذا الطريق؟ ما هي القدرات والاستعدادات التي وهبها الله لنا لنجعلها رأسمالنا في هذه الحياة، ونعمل على تنميتها واستثمارها في مراحل العمر كلّها؟ طاقات وثروات الاستاذ محمد رشيد محمد المدرب المعتمد من المركز العالمي للتنمية البشرية صاحب كتاب حيث الصدور هو الأول له بعنوان “استثمار الذات” حدد فيه الطاقات والثروات التي يتمتع بها الانسان أياً كان موقعه ومركزه ، حيث يحصر تلك الطاقات والثروات في أمور ثلاث ليست كلها ولكن أهمها وهي الارادة والعاطفة والخيال ، فإن استغلت كل تلك الأمور على أتم ما يرام كان للإنسان القدرة على السمو بفكره وتطوير ذاته . الارادة فالإرادة مثلاً عند الإنسان - بحسب الأستاذ - تجعله أقدر من جميع المخلوقات على فعل ما يريد، أو الامتناع عن أمور يحتاجها، وكثير من العظماء قلّلوا ساعات نومهم وأخذوا من أوقات راحتهم للدراسة والاجتهاد والسّهر مع العلم والمعرفة، حتّى نالوا شهادات عُليا وحصلوا على مواقع مهمّة في المجتمع وظلّ ذكرهم حيّاً بين الناس ..إنّ الإرادة والصّبر والاستقامة هي الطريق إلى النجاح في كثير من الأعمال التي يقوم بها الإنسان. العاطفة ويضيف: ومن المؤكد أن العاطفة تقوى عند الشباب، لا سيّما عند الفتيات.. وتعتبر هذه العاطفة ثروة للإنسان، يتفاعل بها مع الأشياء من حوله، فيحب ويكره، ويرضى ويغضب، ويرغب في شيء أو ينفر منه ..فالعاطفة تربط الإنسان بالآخرين وتزيد حياته دفئاً بين أحبائه وأسرته وتحميه من اللامبالاة .. الأحاسيس تنمو هي الأخرى عند المراهق ليصبح مُرهَف الحسّ، شاعري المزاج في تعامله مع الأشياء من حوله ، ويُقبِل في هذه المرحلة على الفن إحساساً وتذوّقاً للجمال، أو محاولة في التعبير عنه من خلال لوحة فنِّيّة، أو أبيات من الشِّعر، أو غير ذلك من التعابير ..فالعاطفة والإحساس كلاهما ثروة مهمّة إذا عرف الإنسان كيف يستثمرهما في حياته . الخيال وهو ليس كما يتصوره البعض بأنه يبعد المراهق عن الواقع، أو يجعله يسبح في عالم آخر، وبالتالي يجمد طاقاته وإمكانياته، بل يعتبر الخيال شيئا جميلا ونافعا ويستحق الاهتمام، وله دور مهم في حياة الإنسان، و في الغالِب يلجأ الإنسان إلى الخيال وينسج الآمال في تصوراته لأنه يريد أن يكون مثالياً، وهو يشبه إحساس المكتشف الذي يتصور أرض أحلامه في خياله قبل أن يتحرّك لاكتشافها في الواقع ..فالخيال ثروة حقيقية لنا إذا استطعنا أن نربط بينه وبين الحياة بجسور عديدة، فلا نسمح للخيال أن يتغلب على الواقع فنبقى رهينة للآمال والأمنيات، ولا نجعل الواقع كذلك يتغلب على الخيال فتكون طموحاتنا محدودة وضيقة. مواهب خاصة مع وجود هذه الثروات وغيرها، هل يحق للشاب أن يظن أنه فقير أو تعيس أو محروم، خاصة أن الثروات ليست محدودة بهذه المواهب التي اشترك بها مع الآخرين، فقد تكون لكل فرد موهبته الخاصة به .. وما عليه إلا الاستفادة منها وتنميتها وتقويتها أو استثمارها كما يستثمر التاجر رأسماله ليكسب أرباحاً جديدة، ويضيف إلى أمواله ثروات أخرى ورأسمال جديداً.. والإبداع كفاءة وطاقة واستعداد يكسبه الإنسان من خلال تركيز منظم لقدراته العقلية وإرادته وخياله وتجاربه ومعلوماته، ويُعد سرا من أسرار التفوق في ميادين الحياة، ويمكن صاحبه من كشف سبل جديدة في تغيير العالم الذي يحيط بنا والخلاص من الملل والتكرار.. إذا أردنا تحقيق مثل هذه الكفاءة في حياتنا، فلابد أن نضع عدة لافتات أمامنا، ونتبع معها طريق الإبداع، هذه اللافتات وهي تقوية الخيال والإحساس وتوجيه المشاعر نحو الأهداف الجميلة و تنمية الفكر والثقافة ، و تبسيط الحياة وعدم الانشغال كثيراً بهمومها ، وأن نصاحب أصدقاء مبدعين.كما يصف ذلك الأستاذ محمد رشيد في خاتمة كتابه . مواهب عملية أولياء الأمور هم الآخرون كانوا معنا في تركيز بعضهم على مواهب وقدرات أطفالهم وأولادهم والعمل على تقويتها والتركيز عليها واستثمارها جيداً باعتبارها ثروات يجب ألا تهمل ، من أولئكم كان التربوي محمد داؤود الحسني الذي قال إن المواهب في الأطفال كثيرة ولا تقف عند حد قوة الإرادة أو الطموح أو الخيال ، بل تفوق ذلك لتبرز عدداً من المهارات العملية التي تظهر على تصرفات الشباب منذ نعومة اظفارهم والتي تستوجب الاهتمام من الآباء لصقلها والاعتناء بها ، من أمثلة ذلك موهبة الرسم مثلاً التي تتعلق في جانب الخيال الذي يتيح للشاب أو الطفل أو حتى الفنان الكبير إعمال الخيال ، بالاضافة إلى مواهب كالألعاب التي تحتاج إلى ممارسة مستمرة حتى تصقل وتتطور . منذ الصغر يؤكد ذلك الشاب عيدروس حيدرة أحد المتفوقين في ثانوية لوتاه بعدن الذي كان مميزاً في مجال الابتكار العلمي والتطبيقي في المدرسة وخارجها حيث أشار إلى دور والديه في الاهتمام بموهبته منذ ظهورها في وقت مبكر من عمره ، بالاضافة إلى ارتياده لمدارس تتوفر فيها المختبرات والمعامل التي تساعد على إبراز المواهب وتطويرها . ويضيف عيدروس أن المواهب موجودة في كل انسان وهي من الفطرة التي فطر الله الانسان عليها ، والأمر بعد ذلك يعول على أولياء الأمور والمؤسسات التعليمية التي ترعى المواهب الذاتية ومن ثم تفجر المواهب والأفعال العملية . ما قد نصل إليه من نتيجة هنا هو أن المواهب تتواجد في الانسان أياً كان ، لكن مسألة تفجيرها تعتمد أولاً على اهتمام من يحيطون به بما يمتلكه من مواهب ، بالاضافة إلى رغبتهم في إشباع تلك المواهب والقدرات والعمل على تطويرها . فعندما نتحدث عن مواهب كامنة ذاتية في أي شخص والمتمثلة في الخيال والإرادة والعاطفة ، إنما هي مواهب بمثابة البنى التحتية لأي إبداع أو نجاح مهما كان نوعه ، كما أن المؤسسات التربوية والتعليمية وغيرها من المؤسسات المجتمعية يجب أن تقوم بدورها على الوجه الأكمل في صقل مثل هذه المواهب والقدرات والثروات وتحويلها إلى اعمال وأفعال ، تخدم المجتمع وتعود عليه بالنفع ، فلا خير في عمل إبداعي لا تنعكس فوائده على المجتمع الحاضن لهذا الإبداع.