أن تتزين المرأة: فهذا أمر طبيعي لأن زينتها جزءاً من تكوينها كأنثى وأن تتنوع وتتجدد ألوان وأشكال ومواد الزينة الخاصة بالمرأة: فهذا أمر طبيعي أيضاً لأن الزمن لايتوقف ولكل زمان لزومياته في الحياة...لكن!! أن يتفرد لون أو نوع أو شكل من ألوان وأنواع وأشكال الزينة الخاصة بالمرأة أن يتفرد بديمومته ويحافظ على صلاحيته على أمتداد عقود من الزمن، وبكل روحه الذي وجد عليها يظل مواكباً الحياة المعاصرة دون أن يفقد شيئاً من أصالته كأنما الزمن هو الذي يستمد من حيويته تجدده.. أن يحدث مثل تلكمو ظاهرة لهذا مايجعلنا نقف أمامه مبهورين تسكننا الدهشة من حداثته وهو الأصيل جداً على ساحة الحياة الاجتماعية في بلادنا.. اليمن فماهو هذا اللون من الزينة التي يتجه حديثنا إليه وعنه..؟ «إنه زينة المرأة العروس: المكعس..» والذي يرتبط بمكان معين «رأس العروس» وبوقت محدد «ليلة زفافها» وبإنسان معين «العروس فقط» إذ أن المكعس ليس من حق أي امرأة أخرى غير العروس التزين به كما أنه ليس من حق العروس نفسها تركيبه سوى في ليلة زفافها إلى بيت عريسها وهذه الخصوصية للمكعس هي ماجعلت منه كعمل إبداعي مميز في شكله ومضمونه وفي أثره إن على العروس نفسها أو المشاركين لها بهجتها.. ويكفي «المكعس» أثراً مايثير في لواعج النفوس وهو يتوج رأس العروس في شكله المعقد التركيب الذي يوحي لمن يتأمله عن قرب بمدى القدرة الإبداعية على الخلق والتشكيل في صناعته وهذه الصفة الفنية فيه هي التي أكسبته هذا العمر المديد من الحضور والتميز والجمال المتجدد دوماً وفوق رؤوس حسناوات العرائس، خاصة في بلادنا اليمن التي ظل فيها هذا النوع من زينة العرائس حياً متجدداً يشغل حيزاً كبير الحضور في مجمل تجهيزات العروس لزفافها إلى عش الزوجية السعيد وصفة الإبداع في صناعته هي ماجعلت منه ومن أثره في المجتمع متواصلاً ومحافظاً على كل هالته المحيطة به رغم انتشار الكثير من محلات الكوافير وأدوات التجميل الحديثة إلا أن «المكعس» ظل وسوف يبقى بالنسبة للعروس: سر جمال زينتها البديعة.. وإننا كمتذوقين لمناحي الجمال في هذا الشكل العرائسي الجميل نستكشف المدلول الوجداني للمكعس كأي عمل إبداعي آخر من خلال «مكوناته البسيطة» المألوفة لدى الجميع كألفاظ اللغة تماماً.. إذ أنه يتكون من مواد خزفية.. وقماش وخيوط من الجر.. ويتم تشكيل هذه المكونات فيما يسمى ب «المكب المحف..إلخ» وعندما يصبح على شكل قرص دائري «مظفر» يتم وضعه على رأس العروس ومن ثم ربطه بظفائر شعرها ربطاً محكماً ثم تبدأ عملية اللمسات السحرية فيه من خلال ربط شبكة كبير من الازهار «وبالتحديد الفل» وبشكل مكثف وهرمي أما جبهة وجه العروس فيتم تزيينها بالحلي والمجوهرات القديمة «الفضة» وربطها بالمكعس الأصل، وشرط المكعس الحلي القديمة..هذه المكونات ليست نادرة ولاصعبة المنال مثلها مثل المفردات اللغوية لكن روعة الخلق تكمن لدى مبدعات التشكيل للمكعس اللاتي يضمن من ابداعاتهن سحراً ومسحة من الجمال المثير عليه فيزيد بعد وضعه العروسة جمالاً إلى جمالها ويبدأ في إشعال مشاعر العرس والزفاف.. فهو عمل إبداعي إذن.. ومن يتميز بصناعته مبدع لامحالة.. مبدع في حياكة ونسج الخيوط وشك زهرات الفل ووضع وربط المجوهرات التقليدية كل هذا في شكل واحد ومسمى واحد يتناسب ويتناغم مع وجه العروس وحجم رأسها ويضع بعين الاعتبار مدى تقبل الناس له والتأثر به وإلا لما استطاع المكعس بمجرد رؤيته على العروس أن يبعث في النفوس لواعج التمني بالعرس والزفاف والحياة الزوجية الجديدة والسعيدة..كما أن صانعة مبدع أيضاً في قدرته على جعل هذا المكعس مثيراً للأنوثة ذاتها وهي قد تأكد لديها بعد وضع المكعس إقبالها على متسع حياة أخرى مقبلة فالعروس تتزين على مدى بضعة أيام بالكثير من ألوان الزينة والتجميل الحديثة «كوافير مساحيق..إلخ» لكن ما أن تطل ليلة الزفاف حتى تعلن بهجة العرس حالة الطوارئ القصوى في تجميل العروس وتزيينها وهنا تتجلى لحظات الابداع لدى مبدعي المكاعس اللاتي يتوحد في صناعتهن أصالة الذوق وبديع الجمال الفني المعاصر في لوحة حسناء النتاج تطغى على كل مظاهر الزينة الملازمة للعروس مسبقاً فيبدو المكعس تاجاً معلقاً كقنديل يتوهج بالضوء والعطر والحسن والابداع انطفأت أمام بريق كل الاضواء واستسلمت أمام فتنة حسنة كل مظاهر الجمال ليبقى المكلل بالازاهر والجواهر ونقش الخضاب على وجه العروس رسماً تشكيلياً بديعاً فيه من روعة التآلف مايجعل من وجه العروس وألوان الزهر ونقوش الحناء والخضاب وحبات الحلي والجواهر الفضية المدلاة وسيميا الخدود وحبات الوجن وابتسامات العيون النشوانة الفرح مايجعل كل هذا لوحة إبداعية: قمرها وجه العروس وتاج سرورها «المكعس» المنتصب الهيئة على رأسها إيذاناً بجلوسها على كرسي عرش مملكة قلب العريس. وماذا بعد؟ إنه المكعس الخالد في ذاكرة الأجيال حياة ممتدة ومتجددة لاتنسى حتى في أرذل العمر.. وهو.. هو.. روح بشاشة الحسناء في ليل زفافها والتاج الذي يكلل شبابها بالزواج.. وما أن يودع عروساً حتى يستقبل أخرى كأنه وجد لكي يبقى يؤدي رسالة المبدع في أجمل يوم في عمر الحياة.. وهذه هي سمة الخلق الإبداعي وسمة مبدعيه.. وفي بلادنا اليمن في معظم المحافظات والمديريات والعزل والقرى مازال المكعس سيد الاعراس وسر جمال زينة العروس.