على امتداد الخط الوهمي الذي كان يفصل شمال الوطن عن جنوبه كانت تتقاطع المعابر ونقاط التفتيش والمواقع الأمنية والعسكرية والاستخباراتية ومنافذ الهروب والتهريب من الجنوب إلى الشمال ومن الشمال إلى الجنوب من آخر نقطة في «ذباب» غرباً إلى آخر اتجاه شرقاً على مشارف الشريجة / كرش بامتداد عرضي أوهم من الوهم نفسه ولكن حقيقة ألمه كانت تتجلى أسطع من الحقيقة إذا ماحاولت أقدام وخطوات البشر تجاوزه بنحو الشمال أو باتجاه الجنوب . فعلى أطراف هذا الخط الفاصل تناثرت قرى ومدن عزل ونواح وكالصراط المستقيم كانت قائمة بين محافظة ومحافظة لا بل بين دولة ودولة فالأحيوق والوازعية والمضاربة والزريقة والمجزاع والمفاليس والقبيطة وطور الباحة والشريجة وكرش جميعها كانت بمثابة خطوط فاصلة....خطوط تقاطع بين الرعب والرعب وبين الخوف والخوف بين الفرقة والفرقة بين الأخوة والأخوة بين الأرض والأرض وهكذا حتى تصل المتواليات إلى مابين النظام والنظام والدولة والدولة والكيان والكيان الآخر. ومادام الشيء بالشيء يذكر دعونا نعود بالذاكرة قليلاً إلى الأيام والسنين التي سبقت ال22من مايو0991م إلى تفاصيل وأحداث تلك الأيام وما تحفظه الذاكرة من آلام وويلات وجراح. ذاكرة مملوءة بالرعب في ذاكرة أبناء تلك الحدود قصص لاتنتهي...مليئة بالرعب حدثني أحدهم وهو من ابناء مديرية المضاربة وقد كان يعمل سائقاً لسيارة نقل بضائع من عدنولحج إلى قريته الحدودية وكيف كان يستطيع تهريب البشر من عدن إلى الحدود والعكس ..وكيف كان يغامر بحياته حيث كانت عقوبة ذلك تصل إلى الإعدام إذا ما كشف الأمر وخيانة عظمى أما تهريب الصابون والبسكويت والأشياء التي لم تكن موجودة في عدن فيعد تهريبها إلى حدود تعز مخاطرة تصل عقوبتها إلى السجن لبضع سنوات كونها وبحسب القائمين على النظام آنذاك تأتي في إطار الإضرار بالاقتصاد الوطني وتدميره وقد تم تكريس هذا المفهوم لدى سكان هذه المناطق حتى خيل لهم فعلاً أن تهريب «حبة صابون ماكس» تدمر اقتصاد الوطن وتؤثر في نموه. رازم القات وماء المداعة ومن قصص الرعب والخوف التي عاشها سكان هذه الأطراف الحدودية قصة ذلك «المولعي» الذي ألّف تعاطي القات ولم يستطع تركه برغم القرار الصادر من النظام في جنوب الوطن بعدم تعاطي القات وبيعه طيلة أيام الأسبوع ماعدا يومي الخميس والجمعة ولأن «رازم» القات مع هذا الشيخ أقوى من أي قرار فقد قرر إرسال رسول «مقوت» إلى إطراف الحدود الشمالية القريبة من قريته ليأتيه بالقات فتمت المخاطرة وجيء بالقات برغم حرس الحدود ولكن بعد أن تمكن المقوت من إيصال القات إلى هذا الشيخ بأمان ،كان عسس الليل يطوفون حول منزله لثقتهم أن الشيخ لا يستطيع قطع القات ولأنه «مولعي» مداعة أيضاً فلابد أن تكون هي مفتاح تأكدهم من تخزينه....لذلك حاولوا الاقتراب لسماع صوت المداعة ولمعرفة الشيخ بتفكيرهم المسبق ومعرفته بقربهم من داره وتنصتهم عليه ليلاً أفرغ المداعة من الماء حتى لا يسمع لها صوتاً وعند اقتراب الفجر وبعد أن شبع «كيف» صعد إلى سقف داره ودعاهم لشرب الشاي والإفطار معه. تخزينة بدون دليل ومن مقالب هذا الشيخ أنه في إحدى المرات ضُبط متلبساً وهو يتعاطى القات فأمره حرس الحدود الذين جاءوا لتفتيش بيته بالذهاب معهم إلى قيادة المركز الذي كان يبعد مسافة ساعات.. لم يعترض الشيخ بل ظل مخزناً إلى أن وصل المركز بعد أن أكمل القات وقبل وصوله «نجع» القات وأنكر القصة وطالبهم بإثباتها بالدليل. الحلبة والبسباس من ضمن الأشياء التي كانت تهرب من الشمال إلى الجنوب كان البسباس والحلية واحداً منها وفي إحدى الأيام استولى حرس الحدود بين منطقتي الوازعية والمضاربة على امرأة كان حمارها محملاً ببعض البهارات من البسباس والحلبة وغيرها وفي طريقهم إلى المركز وهم يقتادون المرأة وحمارها أوعز أحد المعارضين لذلك التعسف لطلاب وصغار بالمشي وراء حرس الحدود والمرأة المغلوبة على أمرها وطالبهم بترديد هذا الشعار «يالجنة ياحراس ردوا الحلبة والبسباس» وهكذا خجل حرس الحدود وأخلوا سبيل المرأة قبل إيصالها إلى المركز. أجزاء مبتورة والآلام لا تنسى الأرض والإنسان في أطراف المناطق الحدودية عاشوا في فترات الحرب والتمزق والشتات ويلات لا يحسدون عليها فقد كانت تلك الأرض مراتع للحروب والمواجهات ولم تسلم أرضهم الزراعية من ويلات تلك الحروب والمواجهات العسكرية ومرابطة الجيوش حولها وفيها وعلى أرضهم ما زالت تختبئ «نباتات الإنسان الشيطانية» تلك الألغام الفردية التي حصدت أرواح الكثير من أبناء هذه المناطق ومن كتبت له السلامة لا يزال معاقاً يعيش نصف حياة ولا زالت بعض أجزائه المفقودة تذكره بماضي تلك الأيام السوداء. قبيلة المشاولة الواقعة بين مديرتي الوازعية التابعة لمحافظة تعز ومركز المضاربة التابع لمحافظة لحج هي من اكتوى أهلها بنيران الفرقة والشتات فأبناء هذه المنطقة عاش البعض منهم في الشمال وأبناء عمه في الجنوب والعكس أيضاً ولأن القربى والعلاقة الأسرية المتقاربة جداً كانت تحتم عليهم التزاوج كل من الآخر ومازال الأهالي يتذكرون كيف كانت طقوس الأعراس تتم فمنذ بداية الخطوبة السرية التي يتم تسلل أفراد العريس ليلاً إلى أهل العروس ثم الذهاب إلى المركز لطلب ترخيص الزواج وإقامة الحفل وحين تأتي لحظة الزفة كان العروس من الجانبين سواء من الشمال أو الجنوب تزف إلى المنطقة الحدودية من قبل أهلها الذين لديهم تصاريح رسمية بمغادرة الوطن الذي يفصله عن الوطن الآخر بضع خطوات هكذا كانت تتم الأعراس في زمن التشطير أما في أيام الحرب فيتحول أبناء هده المنطقة وهم أولاد عم وأخوة إلى أعداء وتتحول مناطقهم التابعة للجنوب والشمال إلى ساحات حرب واستقبال لدانات المدافع وصواريخ الدوشكا. كثيرة هي المآسي التي عانى منها أبناء هذه المناطق والمراكز الحدودية وكثيرة هي القصص التي يمكن أن تحكي عنهم في زمن التشطير وهم مثلهم مثل سكان وأبناء بقية المناطق الحدودية على طول وامتداد الوطن اليمني الذي فصلت حدوده ومناطقه بجرة قلم في لحظات استعمار وعبودية دون مراعاة لمشاعر الناس وظروفهم. وبإعادة تحقيق الوحدة المباركة أعيد لتلك الأرض اختيارها الطبيعي واعيدت لإنسان تلك المناطق كرامته وحريته يذهب حيثما يشاء وينتمي إلى من يشاء فالأرض واحدة والوطن من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه وطن واحد ونظام موحد فصارت قعطبة هي جزء من الضالع وصارت الحشا وجبن هي أجزاء من نفس الوطن ويسافر القباطي والمقطري إلى بساتين لحج وهو آمن كونه جزءاً من هذه الأرض ومؤخراً صارت السقي والنابية في أطراف سواحل البحر الأحمر جزءاً من محافظة تعز إنها الوحدة التي وحدت الأرض والإنسان وحولت هذه المناطق من خطوط التماس بين النار والثأر إلى قلب الوحدة والأمان وتحت سماء واحدة وعلم واحد لوطن كبير اسمه اليمن.